مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

كلمة اللجنة المنظمة للمؤتمر العالمي الثاني للقراءات القرآنية في العالم الإسلامي

الحمد لله الضامن حفظ كتابه على مر الدهور، فأنهض همم الصفوة  إلى ودعه في الصدور، ووفق الرعيل الأول إلى زبره في السطور، فتعاضد الحفظان على تحقيق أمر أزلي مقدور، وأشهد أن لا إله إلا الله العالم بخفي النفس المستور، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أجل وأكمل وأكرم من قام بكتاب الله على مر الدهور ، صلى الله عليه وعلى آله وتبعه  ما تعاقب الملوان إلى يوم البعث والنشور.

وبعد

السيد الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، السيد رئيس مركز أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة، السيدات والسادة الحضور، لي سابغ الشرف أن أمثل بين أيديكم نيابة عن اللجنة المنظمة للمؤتمر، وباسمكم جميعا نرحب بزوارنا السادة العلماء المؤتمرين، ضيوفا ومشاركين، فحياكم الله وأحياكم، وأبقاكم منارة شماء يستضيء بها من والاكم، وموردا عذبا زلالا يروي غليل من أمكم أو حاذاكم، فمن ما لا شك فيه أن هذه الزمرة قلة من المصطفين الأخيار، الذين تعقد عليهم الأواصر، ملاذ الورى لحل المقفلات الأوابد، ببركتكم تستمطر الرحمات، وتستنزل البركات، وتصـرف الإحن والنكبات، اصطفيتم لتكونوا لله أهلين، فطبتم وطاب ممشاكم، وعوضتم عن وعثاء السفر وعناء السهر رضا مولاكم.

أيها الحفل المنيف، علية المسندين والمقرئين، ونخبة المحققين والباحثين، لقد ازدانت بمقدمكم الحمراء، وحق لها أن تفاخر أرجاء الغبراء، فهل مثلها مصـر حضن عدل هذا العرس القرآني، وهل اتفق لقطر كفت هذا الجمع الرباني، فزهوها ترحابا بكم مشفوع بصنوه الأصيل ، وحفاوة استقبال أهلها لزائريها تلوح لكل حصيف لبيب، وما ذاك منها  بعجب ولا مستغرب، فالجمال والرواء سمتها، ودماثة الخلق وصف أصيل  لقاطنيها،  ولله در ابن عبد الملك إذ يقول:

لله مراكش الغراء من بـــــلد     وحبـذا أهلها السـادات من سكــن

إن حلها نازح الأوطان مغـترب    أسلوه بالأنس عن أهل وعن وطـن                                     بين السـماع بـها أو الـعـيان لها     نـشا الـتحاسد بين الـعيـن والأذن

فأهلا بها نزلتم، وسهلا بين أحضانها بويتم.

أيها الحفل البهي:

من مسلم القول، أن أمتنا الإسلامية ولجت أرحب أبواب التاريخ عند مستهل بدء التنزيل، فبتنزل القرآن شرفت، وبحمل رسالته عظمت، وبتبليغ هديه سادت وهيمنت، فنحن أمة القرآن، ولا عز ولا شرف لنا بغير القرآن، ومتى ابتغينا العزة بغير القرآن بؤنا بالخسران، لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم، من هذا المنطلق انعقدت فكرة المؤتمر الثاني: التلقي في العهد النبوي، ربطا لصلة معهود التلقي الأمثل، وسيرا على ديدن الرعيل الأول، والعزم منعقد أن يعقب هذا المؤتمر بحول الله مؤتمرات، تتوخى الرصد التاريخي لمراحل التلقي جيلا بعد جيل، إلى زمن تسلمنا مشعل حفظ أمانة الكتاب الجليل، فكرة انقشعت عن طول تمثل من شيخنا الدكتور؛ رئيس المؤتمر المقرئ المتفنن عبد الرحيم نبولسي، حفظه الله ورعاه، و يسـر أمره وحقق مسعاه، فهشت لها اللجنة المنظمة، وتلقتها بالقبول والاستحسان، تيقنا منها أن البناء لا يكون بالاجتزاء، والرجوع إلى نصاب الأمور أقوم في السير بلا امتراء، ومن قواعدهم المعتبرة، أن استيعاب الماضي أنهض وأوعب لاستشـراف المستقبل.

و مما زاد الفكرة وجاهة وسدادا، ما كادت أن تعم به البلوى، لولا بقية من أهل التوفيق والرشد، من تنكب الجماء الغفير عن سنن التلقي والمشافهة، والاكتفاء بتلاوة المسطور، دون تتلمذ و أخذ عن المبرزين من أهله المهرة الفحول، مما أفقم ظاهرة تفشـي اللحون الجلية بله الخفية، وقدما نصحوا فقالوا: لا تأخذ العلم عن صحفي، ولا القرآن عن مصحفي، و بالرغم من ذلك، نحمد الله ونشكره على ما وفق له هذا القطر الآمن بتأمينه سبحانه، وغيره كثير من أقطار العالم ، تحقيقا لموعود الله تعالى: «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحفظون» فلا تكاد تلفي قطرا من أقطار العالم،  إلا وبه  مقارئ ومحاضـر، تحضن الراغبين في الحذق بالكتاب العزيز، على أيدي شيوخ مهرة، إتقانا لحفظه، و ضبطا لحرفه، وتحقيقا لرسمه، وهي مهمة ينوء بها مركز أبي عمرو ضمن مهامه الواسعة، ويعتزم نشـرها وتوسيعها عبر مقارئ تحمل مسمى أصله النواة.

وإحياء لسنة التلقي الأمثل، أدرج ضمن برنامج المؤتمر الثاني، ورقات تعريفية بأنشطة بعض المعاهد والمقارئ القرآنية العالمية، يتولى التعريف بها ممثلون عن الجهات الراعية لها، رغبة في تبادل الخبرات، وتجاوز نقط الضعف والهنات، ورصد مكامن التفوق والنجاح.

تلكم  إرهاصات الرغبة في تجديد العهد بسنن التلقي الأول، وإيمانا منه بتكلل الجهد الجماعي بالسعة والشمول، وموافقة الصواب المأمول، طرحت فكرة المؤتمر  للمفاتشة والمباحثة، سعيا منه لتلاقح الفهوم، و رغبة في توسيع مدارك العقول، وتكملة للشارد من المنقول، فجاءت محاوره اللامة لشتات موضوعه في دعائم ثلاث:

الدعامة الأولى: تلقي النبي صلى الله عليه وسلم القرآن وحيا من رب العزة، ويكتنف النظر فيه أمران؛ إلقاء جبريل  عليه السلام، وتلقي النبي صلى الله عليه وسلم، ثم توصيف أنماط تنزل الوحي وتلقيه، بمقاربة الآثار الواردة في قراءته وإقرائه عليه السلام، ثم الوقوف عند المعارضات والمدارسات النبوية مع جبريل وما يؤخذ من جميع ذلك من الفقه، وما ترتب عليها من متين الوشائج  بين السفيرين.

الدعامة الثانية: إلقاء النبي صلى الله عليه وسلم القرآن إلى صحبه الكرام،  وفيه تقريب أوصاف وأنماط الإقراء النبوي، ورعيه للهجات القبلية،  وتعليم صحبه  أدب المشيخة القرائية، والنصوص المفهمة للإجازة النبوية.

الدعامة الثالثة:و تعنى بجمع وفهرسة مصادر ومراجع التلقي النبوي، ثم قراآت نقدية في بعض المصادر  التي عنيت بذلك .

أيها الحضور الكريم: تلكم أشجاننا التي وددنا أن تقاسمونا إياها، وذي بنية المؤتمر  التي قام أوده عليها، بارقة في الأفق لاحت، ومن لوذعي بانت، هب لتحقيقها كوكبة نيرة طموحة تواقة، ولخدمة القرآن ونشـره عجلة سباقة، نضت عليها لبسة الخمول والدعة، واستمرأت الوصال دون ضجر أو سآمة، يسليها في سمرها المأجور عليه إن شاء الله، المثل السائر، عند الصباح يحمد القوم السـرى، فكان لها ما أملت، والتئم الشمل بكم فصار في خبر كان ما عانت، فها نحن اليوم بعد توفيق الله وعونه، نجني جميعا أطاييب ما أسلفنا، فنسأله سبحانه أن يتم علينا النعمة في الأخرى.

و كان من خبر هذا الجهد الدؤوب، من بعد ما ارتضت اللجنة امتطاء صهوته الحرون، أن رصدت له جبهات، وسخرت له طاقات، واكبت بتأن وتبصـر مراحل إعداده، إلى أن تم استواؤه على سوقه. وذلك على المستوى الإعلامي والفني والعلمي.

رصدت الجبهة الأولى لشأن المراسلات والمكاتبات، فبثت خبر المؤتمر في المواقع التواصلية، ونزلت محاوره المعتزم بحثها، ثم راسلت نخبا منتقاة مختارة، من ذوي الحصافة والرأي، ممن يشهد لهم بسعة الاطلاع وطول الباع، رغبة منها في إثراء مباحث المؤتمر بمشاركات قامات وازنة، تتحف الحضور في مقاربة المسائل المبتحثة بنكات طريفة، ومستملحات لطيفة ظريفة.

الجبهة الثانية: ومحضت لاستقبال عناوين البحوث والملخصات، والتواصل مع السادة العلماء للإرسال بحوثهم عبر موقع المركز، ثم فرز الوارد حسب ما يندرج تحته من محاور.

الجبهة الثالثة:  وقامت بدراسة ما انتقي من وارد البحوث، وقامت بتوجيهها إلى محكمين مختصين، اشترطت فيهم الحياد، وإعمال معايير التحكيم الجاد، بعيدا عن المجاملات الهجينة، جاعلة شعار القبول؛ استيفاء شرائط البحث العلمي، استيعابا للمضمون، وعمقا في معالجة العلوم، توجت عملها بإعداد تقارير تقويمية للأعمال، روسلت بها الصفوة المعنية.

الجبهة الرابعة: تولت إعداد البحوث المختارة فنيا، و القيام على طبع مستلزمات المؤتمر؛ من كتب و كناشات وشعارات ودعوات وبرامج وما يتبع ذلك.

الجبهة الخامسة: وعنت  بشؤون وفود المؤتمر؛ مسهمين مشاركين، وضيوف مستقدمين، تسهيلا لرحلة القدوم إلينا، وتدبيرا لطيب مقامهم  وكريم ضيافتهم بيننا.

فدونكم يا عترة الإمام السهيلي والقاضي عياض السبتي، وابن البناء العددي الفرضي المراكشـي، دونكم بنات أفكار قروم القوم وأساتهم، هم أولاء قد أناخوا بفنائكم ركابهم ، يزفون إليكم كرائم عقولهم وأفكارهم، لم يسائلوكم مهرا، ولم يطالبوكم عوضا ولا مثلا، قد رضوا منكم بحسن الإنصات والاستماع، فارعوهم العقول و الأسماع، وأولوهم جمعيتكم تؤوبوا بوفير الغنم وكبير الانتفاع.

هذا وإن من واجب الاعتراف بالشكر والعرفان، بعد توفيق الله الذي من علينا أتم التوفيق والإحسان، أن نتقدم بأصدق عبارات الشكر والامتنان، إلى الرابطة المحمدية للعلماء الحاضنة للمؤتمر، الممثلة في شخص أمينها العام الدكتور أحمد عبادي كلل المولى بالنجح مسعاه، ووفقه لما يحبه ويرضاه.

ثم للسيد رئيس مركز أبي عمرو الداني شيخ مقارئ أبي عمرو الداني، الشيخ الدكتور المسند عبد الرحيم نبولسـي، على ما ناء به من جهد جهيد، رعاية ورصدا وتتبعا لشؤون المؤتمر، أدام الله أفراحه، وأسعد أيامه وأوقاته.

كما نشكر للهيئة العامة للعناية بطباعة ونشـر القرآن الكريم والسنة النبوية وعلومها لدولة الكويت الشقيقة، حسن تعاونها وإسهامها الفعلي لإنجاح أعمال المؤتمر.

كما لا يفوتني في هذا المقام  أن أنوه بالجهد المضن الجبار الذي قام به مركز أبي عمرو الداني، لإنجاح هذا التلاقح الفكري المستلهم من كتاب الله وردا وصدَرا، باحثين وإداريين وتقنيين، أخص بالذكر منهم الأستاذ الدكتور توفيق العبقري حفظه الله ورعاه، المتحمل الجهد الأكبر في خفاء، المتستر بطلاقة وجهه ما يؤوده من عناء.

ثم الشكر موصول للسلطات المحلية على ما أسعفت به من تدابير أمنية وإجرائية لتيسير  شؤون المؤتمرين.

فالله يجزل المثوبة للجميع، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

والسلام على المقام العالي بالله ورحمة الله وبركاته.

وكتبه الفقير إلى عفو ربه، المعترف بتقصيره وذنبه

عبد الجليل بن أحمد الحوريشي غفر الله له ولوالديه

سلخ جمادى الثاني عام 1436هـ الموافق 16مارس  2015م

د.عبد الجليل الحوريشي

  • باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق