مركز الأبحاث والدراسات في القيم

عصمة المتعلمين بالمدرسة التربوية

 مداخلة الدكتور محمد بلكبير التي ألقيت بالندوة الوطنية حول المدرسة والأسرة أية شراكة ؟ 

على هامش الندوة الوطنية الأولى التي نظمت أيام 17 و 18 ماي 2013 بمدينة الرباط  وخلال جلسة العروض العامة ألقى الدكتور محمد بلكبير، رئيس مركز الدراسات والأبحاث في القيم، مداخلة حول “تأثير الظواهر السلبية على التمدرس” جاء فيها ما يلي:

تعتبر التربية والثقافة  ركيزتا العصمة والتحصين للإنسان من مهالك الانزلاق والوقوع في المخاطر، ولعل وظيفة “الكُتاب” في مجالنا التداولي يعبر بشكل بليغ على دور العصمة الثقافية للمتمدرسين، ذلك أننا عندما نتحدث عن الفقيه بالكُتاب، فالمجتمع كان ينظر للفقيه باعتباره مثالا مستقبليا للتصدي للتمظهرات السلبية التي قد تعترض المتمدرس، فهو يعد لبناء الذات ليس للتعليم وحسب،  وإنما لمثال في التربية والأخلاق والثقافة أيضا.

  فعلى هذه الشاكلة؛ كان يجب أن تكون أدوار المدرسة، لأن الأصل في التثقيف هو بناء الذوات،  فهل المدرسة الآن تبني ذواتنا؟ وهل تشرف على خلق هذه الذات التي لها آليات وميكانيزمات  وبراديغمات تحليلية؟ وجعل هذه الذات محصنة وبعيدة عن السلوكيات الخطرة؟

   الأساس عندنا مخالف تماما؛ لأننا منذ البداية نفكر في التعليم لا التربية، فنجد أولياء الأمور يزجون بأبنائهم، وهم في بدايات الطفولة الأولى، إلى مؤسسات للتعليم، والهاجس الأول عندهم هو التعليم.  ومن جهة أخرى، نجد أيضا حرص أولياء الأمور على تدارك الصعوبات التي قد تعترض المتمدرس على مستوى التعليم، بالدعم المدرسي أو ما يسمى بالدعم الخصوصي. وفي نفس الوقت لا يتم تدارك الأشياء الأخرى المرتبطة ببناء الذوات أو التثقيف، وفي هذا التغييب للتربية والتثقيف تتولد السلوكيات السلبية. وإن الرابطة المحمدية للعلماء نحتت مفهوما للسلوك السلبي أو الممارسة الضارة، ولم تجعله حكرا على المخدرات أو العنف المدرسي أو العنف المبني على النوع الاجتماعي. ويدخل ضمن مشمول هذا التعريف الموسع للسلوك الخطر التطرف وكل السلوكيات التي تنافي ما تواضع المغاربة عليه في الشرع والقانون.  إن المدرسة المغربية في شكلها الحالي تبعد هذه السلوكيات الخطرة بالمعنى العام من مشمول اهتماماتها، ذلك أن المؤسسات التعليمية التي تهتم بالتعليم فقط تعمل على دعم هشاشة البناء الثقافي والعصمة التربوية من أجل تحصين المنتمي إلى هذه المدرسة. وبالتالي حينما نتحدث حتى عن التربية الجنسية المستبعدة من الوسط المدرسي والمستبعدة من الأسرة ومن الوسط الجامعي، فهذا من منهج مدرستنا؛ لأن الأطفال والمتمدرسين عموما واليافعين والطلبة الجامعيين لديهم أسئلة لا يجدون الإجابة عنها في مواقعها ومن لدن المتخصصين، فنجدهم يطرحونها لمن يأنسون لهم، فيقدمون لهم إجابات مغلوطة ومحرفة عن العلم والدين، ويجدون أنفسهم مضطرين للاطلاع على مواقع بدورها تشوه بعضا من أفهامهم، وبالتالي نكون أمام تحريف للمعلومات والحقائق والبيانات، مما ينزلق بهؤلاء إلى ثقافة غير مسؤولة، وهو ما يؤسس لسلوكيات خطرة.


 ووعيا من الرابطة المحمدية للعلماء بهذه المخاطر وهذه الإشكاليات، ومن أجل تجاوز هذا استدعى الأمر إيجاد آليات تشتغل عليها منها:

  شراكات مع المؤسسات التعليمية؛

الموقع الالكتروني (www.chababe.ma) الذي فتحته الرابطة المحمدية للعلماء،ليشرف عليه مثقفون نظراء متخصصون لرصد الظواهر السلبية على المستويين الماكرو والميكرو، والدخول في حوارات مع الشباب للوصول إلى إجابات سليمة؛

  أنشطة تفاعلية خاصة بوحدة التثقيف بالنظير؛

  توقيع مذكرة الشراكة مع مؤسسات  تعليمية؛

  العلماء الوسطاء؛ إذ تتوفر الرابطة المحمدية للعلماء على نخبة من علماء الأمة،  وباتفاق مع  مجموعة من الشركاء الوطنيين و الأجانب تم تكوين مجموعة من الشباب في إطار  الصحة الإنجابية والثقافة الجنسية  ومحاربة العنف المبني على النوع الاجتماعي والتثقيف في مجال حقوق الإنسان وحقوق المرأة على الخصوص، وقد تم تكوين علماء الرابطة عبر دورات تكوينية فكونوا بدورهم علماء شبابا من طلبة الدراسات الإسلامية وطلبة القرويين وكليات الشريعة، وهم الآن يقاربون 500 عالم وسيط وعالمة وسيطة؛

   الشباب الوسطاء، وهم مجموعة من الطلبة بالجامعات المغربية تم تكوينهم ليضطلعوا هم بدورهم بتكوين باقي الطلبة في موضوع محاربة السلوكيات الخطرة باعتبار الجامعة امتدادا للمدرسة.

 من هذا المنطلق تحاول الرابطة المحمدية للعلماء، محاربة السلوكيات الخطرة، بناء على أن السلوك ليس اختيار وإنما هو متنفس وآلية للتوافق، فحينما لا يتوافق هذا المتعلم،  يتجه إلى السلوكيات الخطرة كنتاج طبيعي لرغبة الشاب في تلبية حاجاته ورغباته، ولهذا يجب أن نشبع حاجيات المتعلمين والمتمدرسين، بتصحيح المسالك التي يمكن أن يقعوا فيها، وخاصة العوامل المساعدة مثل الاكتظاظ ومسألة تدبير الساعات الشاغرة بشكل علمي، وتنظيم خرجات استكشافية للتلاميذ بشكل علمي ومسؤول،  وتوجيه دروس الدعم ومراقبتها،  كل ذلك من أجل تثبيت فكرة أن السلوكيات الخطرة ليس قدرا محتوما أو اختيارا من الشاب وإنما هي استجابة لحاجات معينة يجب أن نستشرفها استباقيا.

وتجدر الإشارة أن الرابطة المحمدية للعلماء قد شاركت كذلك في أشغال هذه الندوة  بتأطير ورشات وموائد مستديرة من طرف أطر وحدة مكافحة السلوكيات الخطرة والتثقيف بالنظير أهمها مائدة “تكنولوجيا المعلوميات وسيط بيداغوجي ناجع” والتي تم خلالها عرض تجربة الوحدة من خلال موقعها التفاعلي www.chababe.ma  الذي لقي استحسان الحاضرين. وقد خلص اللقاء إلى ضرورة التعريف بالموقع في أوساط التلاميذ ورجال التعليم حتى يستفيد الشباب مما يقدمه الموقع من خدمات لحماية الشباب، خصوصا المتمدرسين منهم، من السلوكيات الخطرة.

 

عبد الخالق بدري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق