مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام

عبير دبابنه: “المغرب نموذج يحتذى به في مأسسة النوع الاجتماعي”

 

سمية شكروني

 

 


نظم مركز دراسات المرأة بالجامعة الأردنية يومي 17 و 18 دجنبر 2014 ورشة عمل إقليمية تهدف إلى خلق شبكة أكاديمية متخصصة في دراسات المرأة والنوع الاجتماعي، تضم مختلف المراكز الأكاديمية المعنية بهذا النوع من الدراسات بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وذلك بهدف تعزيز التعاون الأكاديمي بين تلك المراكز وتطوير قاعدة بيانات إقليمية للإنتاج المعرفي العلمي والبحثي العربي في مجال دراسات المرأة والنوع الاجتماعي.

وقد عرف هذا اللقاء التحضيري الأول لإطلاق هذه الشبكة مشاركة العديد من المراكز البحثية بكل من اليمن وفلسطين ومصر ولبنان والبلد المنظم الأردن بالإضافة إلى المغرب الذي كان الممثل الوحيد لمنطقة شمال إفريقيا في هذه الورشة، وذلك لكونه يمثل تجربة رائدة بحسب شهادة القائمين على تنظيم هذا اللقاء وخصوصا مديرة مركز دراسات المرأة الدكتورة عبير دبابنه التي اعتبرت من خلال كلمتها اثناء أشغال هذا اللقاء، أن اختيار المغرب كان بهدف الاستفادة من تجربته كبلد عربي استطاع مأسسة النوع الاجتماعي من خلال العمل وفق مقاربة تشاركية ثلاثية الأبعاد بين مراكز البحوث الأكاديمية وجمعيات المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية.

 وقد ركزت أعمال هذه الورشة، التي نظمها مركز دراسات المرأة بشراكة مع المركز الدانماركي للأبحاث حول النوع الاجتماعي والمساواة والتنوع ((KVINFO، على مناقشة آليات تحقيق التعاون على المستوى الإقليمي في مجال البحث العلمي الخاص بدراسات المرأة والنوع الاجتماعي، بناءا على مجمل العروض التي تقدم بها المشاركات في هذه الورشة والتي تصدرها عرض للدكتورة Connie Carøe Christiansen حول مشروع الشبكة الإقليمية لمراكز دراسات المرأة، تلاه عرض تقديمي آخر للدكتورة Signe Arnfre عن الدراسات الجندرية، ليتم بعد ذلك عرض خبرات وتجارب المراكز المشاركة في هذه الورشة من خلال تقديم نبذة موجزة عن أنشطتها وكذا التحديات والإكراهات المطروحة أمام تحقيق الأهداف التي سطرت لها الحقول الدراسية التي توفرها.

جاء في مقدمة هذه المراكز مركز دراسات المرأة الذي تأسس عام 2006 كوحدة أساسية من وحدات الجامعة الأردنية متخصصة في شؤون المرأة وقضاياها، والذي يحظى بدعم واهتمام كبيرين من الأميرة بسمة بنت طلال. ثم بعد ذلك جاء مركز الأبحاث ودراسات النوع الاجتماعي والتنمية بصنعاء ومعهد دراسات المرأة بيرزيت بفلسطين ومركز إنسان بجامعة القدس ومعهد الدراسات النسائية في العالم العربي في الجامعة  اللبنانية الأمريكية ووحدة الجندر بمركز الدراسات الإنسانية والبينية بجامعة القاهرة بالإضافة إلى مركز الدراسات والأبحاث في قضايا الأسرة والمرأة بجامعة القرويين بفاس ومركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام بالرباط، وكلاهما مراكز بحثية من المغرب تقدم إنتاجا أكاديميا خارج أسوار الجامعة.

كما قامت بعض المشاركات من خلال العروض التي قدمتها بطرح مجموعة من الأوراق العلمية المرتبطة بالدراسات النسائية والنوع الاجتماعي ومن بينها ورقة حول “الأدوار المنوطة بالمراكز البحثية لترسيخ ثقافة النوع الاجتماعي” للدكتورة حكيمة حطري من المغرب، والتي اعتبرت بهذا الخصوص “أن المراكز البحثية لا يجب أن تبقى رهينة الأبحاث النظرية التي لا تمت للواقع بشيء بل يجب أن ننزل لأرض الواقع وتتجه صوب البحث الميداني لتشخيص الوضع لكي تكتمل الصورة لدينا” كما أكدت من خلال كلمتها على “ضرورة الانفتاح على المراكز البحثية الأخرى والمجتمع المدني والمؤسسات الحكومية، والعمل سويا وفق مقاربة تشاركية مع المؤسسات الحكومية كما هو الشأن بالنسبة للمركز التي ترأسه والذي يعمل وفق هذه المقاربة مع مؤسسة التعاون الوطني وهي مؤسسة عمومية تابعة لوزارة التضامن والمرأة والاسرة والتنمية الاجتماعية، تتكلف بتقديم العون والمساعدة بكل أشكالها للساكنة المحتاجة والنهوض بالأسرة والمجتمع.

من جانبها، تقدمت الدكتورة سميرة أغاسي من الجامعة اللبنانية الأمريكية بورقة أخرى حول إحدى القضايا الراهنة التي تطرح بإلحاح شديد بالنسبة لدول المنطقة، ويتعلق الأمر بقضية الزواج المبكر خاصة بالنسبة للفتاة. وقد أخذ هذا الموضوع جزءا مهما من النقاش وفق مقاربة مقارنة بين بلد كلبنان يغلب عليه الطابع الطائفي الذي يقف عائقا أمام سن قوانين تشريعية تحد من هذه الظاهرة والمغرب الذي حقق انجازات مهمة على المستوى القانوني المؤطر لزواج القاصرات، حيث حددت مدونة الأسرة المغربية لسنة 2004 الزواج في 18سنة كسن قانوني مع جعل فسحة استثنائية ما بين 15إلى 18سنة حسب السلطة التقديرية للقاضي الذي منحه المشرع الحق للبث في طلبات الزواج المبكر المطروحة أمامه، وفق مجموعة من الشروط “التعجيزية” كما عبرت عن ذلك الدكتورة حكيمة حطري ومن بينها الخبرة الطبية.

من جهة أخرى، تميز النقاش الذي عرفته أعمال هذه الورشة بكثير من الجدل خصوصا حول مضمون ما جاءت به ممثلة فلسطين الدكتورة لينا ميعاري حول الهدف الحقيقي من التمويلات الأجنبية ومدى مصداقيتها مؤكدة في طرحها، من خلال ورقة بعنوان “ورطة الموقع : الخطابات حول المرأة العربية”، عن الغموض الذي يلف التمويلات الأجنبية بخصوص تمويل مشاريع المراكز البحثية في دراسات المرأة والنوع، مذكرة بنبرة تشاؤمية بضرورة استحضار البعد الجغرافي والسياسي وكذا خصوصية بعض الدول مثل فلسطين باعتبارها دولة مستعمرة.

وعلى صعيد آخر، استفاض النقاش بين المشاركات حول ضرورة استحضار البعد الديني من خلال إشراك مختصين في العلوم الشرعية يقومون بشرح الأحكام الفقهية في مقررات برامج النوع الاجتماعي باعتبار أن هناك إشكال كبير على مستوى التأويلات والأحكام الفقهية المتجاوزة، والتي لا تراعي السياق كما عبرت عن ذلك الدكتورة صباح من خلال عرضها لتجربة مركز إنسان في دمج النوع الاجتماعي في جامعة القدس والتي تلاها بدورها نقاش حاد مرة أخرى حول الجهة المؤهلة لإعطاء هذه المقررات: هل يجب الاستعانة ببعض الفقهاء من المؤسسات الدينية أم يجب أن يترك الأمر لمتخصصين في انتربولوجيا الدين؟ وهل يجب أن ندرس القرآن أم الأحكام الفقهية للآيات التي تتضمن في مفهومها عند بعض المسلمين تمييزا ضد المرأة؟

هذا وقد شكلت هذه المبادرة التي اتخذها مركز دراسات المرأة فرصة جيدة للتعرف على مختلف المراكز التي استطاعت أن تنتج أعمال بحثية  وفق  مقاربة النوع الاجتماعي، كما اعتبرت مناسبة لتبادل التجارب بين مختلف هذه المراكز وبحث سبل التعاون فيما بينها في مجال البحث الأكاديمي من أجل ترسيخ  ثقافة النوع الاجتماعي وفق الخصوصية الثقافية والايديولوجية والجغرافية للمجتمعات العربية. وفي هذا السياق اعتبر المشاركات أن المغرب نموذج يحتذى به وذلك “بفضل الإرادة الملكية لعاهل البلاد في مأسسة النوع الاجتماعي كآلية لإنتاج أبحاث نوعية متخصصة تستحضر الخصوصية الثقافية والدينية للبلد” كما عبرت عن ذلك الباحثة سمية شكروني عن مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام من خلال العرض الذي تقدمت به والذي تضمن فيديو تعريفي يلخص مجمل الأنشطة التي يقوم بها هذا المركز والتي تعتمد بشكل كبير على مقاربة النوع الاجتماعي كجزء لا يتجزأ من اهتمامات العمل البحثي والأكاديمي للمركز، وكأحد أهم الأدوات المنهجية المعتمدة في الأبحاث المنجزة بالإضافة إلى مناهج البحث العلمي المتعارف عليها بشقيها النوعي والكمي.

وفي مستهل مداخلتها، أكدت الباحثة تعقيبا على النقاش الحاد الذي دار طيلة اليوم الأول من الورشة حول أسباب تبني هذه المقاربة في البلدان العربية، على إنه مهما تكن الأسباب وراء انتشار هذه الحقول المعرفية بالجامعات في الدول العربية والإسلامية، فإن هذه الأخيرة تبقى مجبرة على العمل بهذه المقاربة وذلك بموجب مصادقتها على مجموعة من الموائيق الدولية والاتفاقيات الاممية والتي تلزم الدول الأعضاء بتنزيلها في قوانينها الوضعية وسياساتها العمومية، وبالتالي، فإن هذه الدول تظل أمام أمر واقع وتحد كبير لخصته الباحثة في السؤال المركزي الآتي :  كيف يمكننا اليوم كمجتمعات عربية ومسلمة لها خصوصية ثقافية وإيديولوجية مختلفة عن المجتمعات الغربية الاستفادة من هذه البرامج المعرفية واعتمادها في مجال البحث العلمي ليس كفلسفة غربية مستوردة من الغرب وإنما كآلية عمل جديدة ومجددة في مجال البحث العلمي من أجل تقديم إنتاجات بحثية تساعد على إعداد تشريعات قانونية وسياسات عمومية تراعي الفوارق بين الجنسين وتسعى إلى تجاوزها؟”

بعد ذلك تقدمت الباحثة، وهي إحدى خريجات ماستر النوع الاجتماعي والسياسات العمومية بجامعة محمد الخامس بالمغرب ببحث ميداني أنجزته حول “إشكالية مفهوم القوامة في المجتمع المغربي بين المرجعية الدينية والواقع المعيش” والذي يأتي في إطار مشروع بحثي يهدف من خلاله مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية  إلى إعادة صياغة مفاهيم محورية مثل القوامة والولاية لتعزيز ثقافة المساواة المنصوص عليها في المادة  4 من مدونة الأسرة  والمادة 19 من الدستور الجديد لسنة 2011، وكذا إلى تعزيز تفسير جديد لهذين المفهومين داخل الخطاب الإسلامي يكون مرتبطا بالسياق ومعتمدا، على وجه الخصوص، على القراءة المقاصدية. وفي هذا الإطار أشارت المتدخلة إلى أنه بناءا على النتائج التي سجلها هذا البحث تقرر اعتماد هذه  المنهجية العلمية في بحث وطني موسع حول نفس الموضوع -القوامة- وذلك بشراكة مع المندوبية السامية للتخطيط وهيئة الأمم المتحدة للمرأة بالمغرب

هذا وقد خصصت الجلسة الختامية لأعمال هذه الورشة لبحث الآليات الكفيلة بتحقيق التعاون على المستوى الإقليمي في مجال البحث الأكاديمي الخاص بدراسات القضايا النسائية وذلك عن طريق وضع الخطوط العريضة للشبكة واليات عملها وغيرها من البنود التحضيرية تمهيدا لإطلاقها رسميا.

 

 

نشر بتاريخ: 02 / 01 / 2015

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق