مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك

تقرير : ندوة جهود علماء القرويين في خدمة المذهب المالكي

                            إعداد باحثي مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك

 شكلت القرويين بجامعها أقدم جامعة إسلامية ساهمت في إثراء وإغناء العلوم الإسلامية بمختلف فروعها. ولقد نال المذهب المالكي  نصيبا من هذه العناية، ففي أحضان القرويين انبثقت المدرسة الفاسية على يد مؤسسها دراس بن إسماعيل (ت357هـ)، وبين أرجائها امتدت سلسلة الحلقات العلمية التي كانت مقصد العلماء من مختلف أنحاء العالم الإسلامي. وإيمانا بأهمية ما خلفه علماء القرويين من إنتاج علمي، واعترافا بالجميل -لدورهم في خدمة المذهب المالكي- انعقدت الندوة الدولية التي نظمها مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك في موضوع “جهود علماء القرويين في خدمة المذهب المالكي” برحاب قصر المؤتمرات بفاس.وتضمنت الندوة ست جلسات ،اختصت الجلسة الأولى بموضوع:علماء القرويين وترسيخ المذهب المالكي،والتي ترأسها الدكتور عبد الله بنصر علوي ( رئيس المركز الأكاديمي للثقافة والدراسات)

وقد توزعت أعمال هذه الجلسة على ست مداخلات :

تناولت المداخلة الأولى: “علاقة علماء القطر الشنقيطي بعلماء القرويين”، وقد أكد فيها المستشار محمد الأمين بن محمد بيب (رئيس لجنة الفتوى بدائرة القضاء، أبوظبي ،الإمارات العربية المتحدة) على الدور الريادي لعلماء القرويين عبر التاريخ،والذي من تجلياته تحقيقهم للتواصل العلمي الفعَّال مع علماء العالم الإسلامي.وقد ركز السيد المستشار على التواصل بين علماء شنقيط وعلماء فاس على عهد الدولة العلوية الشريفة ،والذي يتجلى من خلال الأخذ والتلقي والاستفتاءات بين علماء شنقيط وعلماء القرويين إضافة إلى حضور المؤلفات الفاسية عند علماء شنقيط.وقد بين السيد المستشار هذه المظاهر من خلال أمثلة ونماذج على ذلك.

أما المداخلة الثانية فقد اختصت بموضوع:”جامع القرويين وعلماؤه الربانيون :جهودهم المخلصة في ترسيخ العقيدة الإسلامية وصيانة الهوية وتوحيد الأمة. أكد فيها  فضيلة الأستاذ عبد العلي عبودي.(عضو المجلس الأعلى للقضاء) على أن جامع القرويين مسجد خالد بإذن الله تعالى،كما جلَّى في مداخلته الدور الرئيسي لجامع القرويين في إنتاج العديد من العقول النيرة والكفاءات العالية والأطر العلمية والعملية التي ساهمت في ترسيخ المذهب المالكي ونشر الوطنية عبر مختلف ربوع المغرب.كما بين دور ملوك الدولة العلوية الشريفة العتيد في العناية بالقرويين وعلمائه وطلبته .

أما الدكتور إدريس الفاسي الفهري (جامعة القرويين، كلية الشريعة فاس) فقد وضح في مداخلته ” المذهب المالكي وجهود علماء القرويين في تطويره : نموذج العمل الفاسي” مفهوم المذهب ونشأته وتطوره موضحا بذلك نبوغ علماء وأئمة في المذهب المالكي تقعيدا وتأصيلا واستقراء. وقد جلَّى فضيلة الدكتور تجذر وترسخ المذهب المالكي في المغرب حتى صار عند المغاربة هوية حضارية لها أصول وسمات ظاهرة في الحواضر والبوادي.وقد قام فضيلته بتحليل مفهوم العمل الفاسي تحليلا ضافيا،بتبيين مضمونه وذكر نماذج من أعلامه وتوضيح جملة من المسائل المتعلقة به مثل معنى الإجماع في العمل الفاسي.

أما المداخلة الرابعة التي اختصت ب:”مقاصد اختيار المغاربة للمذهب المالكي ودور القرويين في تثبيته عبر التاريخ”،فقد أكد فيها الدكتور مولاي أحمد علوي أمحرزي(جامعة القاضي عياض كلية الآداب والعلوم الإنسانية،مراكش) على التميز التي يتفرد به المذهب المالكي ببعده عن التيارات الكلامية  والبدع العقدية،واعتبر فضيلته أن عمل أهل المدينة ليس أصلا مستقلا بذاته،بل هو داخل في كل الأصول؛لذلك بيَّن أن كل نص لا يصحبه عمل لا يعمل به. وفيما يخص المدرسة المالكية الفاسية فقد اعتبر فضيلة الدكتور أن فاس مركز علمي مستقل بذاته وأن المدرسة المالكية الفاسية مستقلة بذاتها.

أما عن مداخلة إسهام فقهاء المغرب في إثراء الفكر التشريعي والتاريخي ، فقد أكد فيها الدكتور إدريس اجويلل على الدور الهام لفقهاء المغرب في إثراء العمل الفقهي المغربي ومن نماذج ذلك إسهامهم في صياغة مدونة الأحوال الشخصية.إضافة إلى المؤلفات المبينة عن ذلك.

أما المداخلة السادسة المعنونة ب “العلاقات العلمية بين علماء القرويين من خلال بعض الفهارس المغربية” للدكتور جمال بامي (رئيس وحدة العلم والعلماء بالرابطة المحمدية للعلماء)،فقد اعتبرها فضيلته عبارة عن جزئية مندرجة وداخلة تحت المشروع العلمي الكبير”العلم والعمران بالمغرب”الذي يشتغل عليه الدكتور بالرابطة المحمدية للعلماء.وقد وضح أن من أهداف هذا المشروع العلمي إعادة كتابة التاريخ الفكري بالمغرب،واستمداد المدخل المناسب لتقريب التراث المغربي إلى الشباب.كما جلَّى فضيلته المنهج المتوسل به للاشتغال على هذا المشروع العلمي العملي الميداني ذي الأهداف والمقاصد الكبرى.ويتجلى هذا المنهج العلمي في العمل التفكيكي لجزئيات المسائل العلمية ثم إعادة نظمها وتركيبها وجمعها جمعا علميا جديدا يحقق النفع والإفادة منها.

وتركزت الجلسة الثانية من الندوة حول موضوع: “علماء القرويين: البعد التواصلي والتفاعل الثقافي”.استُهلت مداخلات هذه الجلسة بكلمة الدكتور إدريس حمادي (جامعة سيدي محمد بن عبد الله ،كلية الآداب،ظهر المهراز) بموضوع “الأمية الفقهية وطريقة العلاج في مفهوم الفقيه العلامة محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي الفاسي” وقد تناولها فضيلته في قسمين كبيرين: القسم الأول عالج فيه مفهوم الأمية الفقهية المنبنية على التقليد غير الواعي، كما أبرز فيه أيضا بعض الأسباب التي أدت إلى هذا النوع من الأمية، ثم ذكَر بعض المظاهر الكبرى لها، بينما تعرض في القسم الثاني لسبل الوقاية والعلاج منها، وهذا القسم بدوره تناوله في جانبين: الأول؛ خصصه لكنس الأشواك التي تحول دون إعمال الاجتهاد وفتح المجال له إذا ما توفرت شروطه سواء في المنهج أو في قضايا النوازل، والثاني؛ تناول تنزيل الاجتهاد على أرض الواقع والتمثيل لذلك بنموذج الإصلاح الذي اقترحه الحجوي لنظام القرويين والذي هو ممارسة ميدانية للاجتهاد.

كما تركزت مداخلة الدكتور عبد العزيز فارح (جامعة محمد الأول،كلية الآداب، وجدة) حول موضوع:”فقهاء وجدة في الحضرة الفاسية” التي سلط فيها فضيلته الضوء على التواصل العلمي الذي كان قائما بين حاضرة وجدة وجامعة القرويين من خلال ما وقف عليه من كثرة الأعلام الوجديين الذين درسوا بهذه الجامعة ودرّسوا بها ممن شهد لهم التاريخ برسوخ قدمهم في خدمة المذهب المالكي.وقد ذكر من بينهم: الفقيه أبو زيد عبد الرحيم بن محمد اليزناسني، وأهل ابن مرزوق بما فيهم الفقيه أحمد بن محمد بن أبي بكر بن مرزوق، والفقيه أبو إسحاق إبراهيم بن محمد اليزناسني، والفقيه يوسف بن عابد الوكيلي الحسيني، وقاضي وجدة الفقيه أحمد العربي الحبيب، والقاضي الفقيه أحمد بن المختار بن الكايد المازوزي الحسيني، والعلامة العربي السنوسي وادفل، وغيرهم، ومن خلال هذه الثلة من الأعلام التي ذكرها الدكتور وما يتفرع عنهم من تفاصيل حول حياتهم العلمية بالقرويين وصلاتهم بشيوخها وفقهائها، وخدمتهم للفقه المالكي تدريسا وإفتاءا وتأليفا، أكد فضيلته على أن الحاضرة الوجدية كان لها علماء أجلاء خدموا المذهب المالكي وذلك من خلال الصلات العلمية الوثيقة التي ربطتهم بعلماء القرويين وفقهائها.

أما مداخلة الدكتور أحمد غاني(متخصص في الدراسات الأصولية والمقاصدية): “مساهمة علماء القرويين في رفع الاختلاف حول فكر مقاصد التزكية” فقد ركز فيها على قضية جوهرية مفادها الاختلاف القائم بين علم الظاهر وعلم الباطن، وأسباب هذا الاختلاف، وسبل حله وتفاديه؛ ومن بين أهم هذه السبل إعادة تشكيل العلاقة بين العقل والنقل وتحديد الصلة بين الأدلة العقلية والأدلة السمعية، والنظر إلى قضية القطع في الأدلة، وكون اليقين لا يتحقق إلا بإعادة تشكيل العلاقة بين العقل والنقل،وقد أبرز فضيلته إضافة إلى هذا، نماذج من الأعلام الذين حاولوا تدبير هذا الاختلاف ومن بينهم الإمام الشاطبي الذي اعتمد منهجية خاصة لحل الإشكالية القائمة بين العِلمين، وقد كان لعلماء القرويين دور بارز في هذا المشروع التوفيقي بينهما من خلال المراسلات التي كانت بينهم وبين غيرهم من علماء الأندلس خاصة الشاطبي الذي راسل الشيخ ابن عباد الرندي الصوفي الفاسي وسأله عن حقيقة الاختلاف القائم وسبل التوفيق فيه.

أما مداخلة الدكتور خالد سقاط ( جامعة القرويين، فاس):”الرحلة الحجازية جسر علمي بين علماء القرويين وعلماء العالم الإسلامي”،فقد نوهت بالدور الفعال الذي لعبته الرحلة المغربية في التلاقح الفكري والثقافي بين علماء القرويين وكافة علماء العالم الإسلامي والتمثيل لذلك برحلة الشيخ الفقيه الأديب الصوفي أبو سالم العياشي (ت1091هـ) الذي كان من علماء القرويين والذي أسهم مثله مثل كثير من علماء هذه المعلمة برحلة هي “ماء الموائد” التي هي ـ بحسب وصف الدكتورـ غنية بالمواد العلمية المتنوعة؛إذ إن صاحبها لم يقتصر فيها على تدوين الجوانب السياسية والاجتماعية والجغرافية للبلدان التي زارها،وإنما ضمنها كذلك دقائق وتفاصيل عن حلقات العلم بتلك البلدان خاصة مكة المكرمة، وقد ركز الأستاذ في حديثه عن رحلة “ماء الموائد”على جوانبها العلمية خاصة ما يرتبط بالفقه المالكي،كما أبرز كيف  استفاد علماء القرويين كثيرا من هذه الرحلة وأمثالها من خلال الأخبار العلمية التي تحتويها عن كثير من النوازل والقضايا الاجتهادية التي تطارحها مسلمو البلدان التي زارها أبو سالم العياشي، وأيضا من خلال المؤلفات التي ذكرها المؤلف والأسانيد التي تلقاها من الحجاز خاصة،وهو ما يبرز الدور الهام الذي اضطلعت به الرحلة في تبادل الخبرات بين علماء القرويين وبين بلدان العالم الإسلامي وذلك من خلال الإفادة من المعارف المشرقية من جهة،وكذا إيصال الخبرات العلمية الرصينة التي عُرف بها علماء القرويين إلى تلك الأقطار من جهة ثانية.

وقد ختمت هذه الجلسة بمداخلة للدكتور الحافظ ولد العالم ( باحث متخصص في المذهب المالكي،الإمارات العربية المتحدة) حول موضوع: “الصلات العلمية بين علماء القرويين وعلماء شنقيط” التي أبرز من خلالها الدكتور بدوره الصلات العلمية القديمة التي كانت بين علماء القرويين وعلماء شنقيط وإسهام عوامل الجغرافيا والدين واللغة في تمتينها، وقد ركز فضيلته حديثه على أنواع التواصل الذي كان قائما بين الطرفين سواء في المذهب أو في العقيدة أو في السلوك، ويظهر ذلك من خلال كثرة العلماء الشنقيطيين الذين درسوا بالقرويين ومنهم:الفقيه عبد الرحمن بن أحمد الشنقيطي (ت1224هـ) الذي كان من علماء القرويين بشهادة السلطان العلوي مولاي عبد الحفيظ، والفقيه الأصولي عبد الله الحاج إبراهيم الشنقيطي (ت1232هـ)، والفقيه محمد حبيب الله الشنقيطي الذي كانت مراسلته للشيخ عبد الحي الكتاني سببا في تأليف هذا الأخير كتابه “فهرس الفهارس”، كما كانت لهذا الفقيه صلة بالشيخ محمد بن عبد الكبير الكتاني الذي أجازه في كثير من الكتب ومنها الموطأ برواية يحيى بن يحيى الليثي، وهو ما يبرز مدى عمق الصلات العلمية التي جمعت بين علماء القرويين وعلماء شنقيط.  

وكانت الجلسة الثالثة بعنوان :المذهب المالكي وموقعه في المنظومة الاجتهادية عند علماء القرويين.

وتوزعت أشغالها التي ترأسها الدكتور رشيد بكار من جامعة القرويين  نيابة عن الدكتور عبد اللطيف شهبون ( جامعة عبد الملك السعدي ،كلية الآداب، تطوان) إلى خمس مداخلات تركزت الأولى المعنونة بـ :”جهود علماء القرويين في خدمة المذهب المالكي : المدونة نموذجا” للدكتور عبد الحق يدير ( جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس) على أهمية جامع القرويين وأثره الكبير في النهوض بالحركة العلمية بالمغرب وخارجه، كما تحدث فضيلة الدكتور عن دور علماء القرويين في ترسيخ المذهب المالكي وذلك من خلال تدريس مصنفاته وخاصة المدونة .

وفي المداخلة الثانية المعنونة بـ:”الفكر الأصولي عند علماء القرويين :الخصائص والمميزات” للدكتور محمد المنتار (رئيس مركز الدراسات القرآنية بالرباط) والتي استهلها بالحديث عن المدرسة المالكية الكبرى التي تفرعت عنها مجموعة من المدارس ومنها المدرسة الفاسية التي نمى بها مذهب إمام دار الهجرة وتطور،  ثم انتقل المتدخل إلى الحديث عن نشأة وتطور الفكر الأصولي عند علماء القرويين، وركز على فقه النوازل كنموذج لهذا الفكر الذي ينفرد بمجموعة من الخصائص والمميزات والمتمثلة أساسا في الخصوبة والغنى المعرفي، وكذا العمق والأصالة المنهجية إضافة إلى التحرر والمواكبة على مستوى التأليف، كما أوضح الأستاذ البعد الوظيفي للمقررات الأصولية والمتمثلة أساسا في الفكر الأصولي وأكد على حضور البعد المقاصدي عند علماء القرويين وخلص فضيلته في الأخير إلى ضرورة إعداد معاجم لأعلام المالكية في علم الأصول وأخرى للمصنفات الأصولية المخطوطة والمطبوعة كما دعا إلى العناية بدواوين النوازل لاستخراج ما حوته من مادة معرفية ومنهجية .

وفي المداخلة الرابعة المعنونة بـ : فقه النوازل عند علماء القرويين وأثره في الحركة الاجتهادية للدكتورة أمينة مزيغة (باحثة بمركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك) حاولت الأستاذة الباحثة التركيز على جهود علماء القرويين في فقه النوازل،  كما أشارت إلى بعض الآثار التي خلفتها مصنفاتهم في هذا الفن على الحركة الاجتهادية ، ودعت في الأخير إلى ضرورة العناية بهذا التراث .

وفي المداخلة الخامسة المعنونة بـ: تراث علماء القرويين في فقه  الوثائق العدلية للدكتور سعيد مغناوي (جامعة سيدي محمد بن عبد الله كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس)استهل مداخلته بالحديث عن مدى غنى التراث الذي خلفه علماء القرويين في فقه الوثائق العدلية،وأبرز خصائص ومميزات هذا التراث الذي يحوي مادة قد يستفيد منها الفقيه والمؤرخ والأديب .

وفي المداخلة الخامسة المعنونة بـ: “معالم الاجتهاد التنزيلي عند علماء القرويين من خلال تأصيل ما جرى به العمل ” للدكتور مولاي إدريس غازي (باحث بمركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك) حاول فضيلة الدكتور من خلال عرضه إبراز مجموعة من معالم الاجتهاد التنزيلي عند علماء القرويين وذلك من خلال استحضار جهودهم التأصيلية لأصل ما جرى به العمل، كما قارب فضيلته هذا الموضوع من خلال محورين، الأول : ما جرى به العمل مفهومه والأسس التي انبنى عليها والثاني يتعلق بضوابط إعمال أصل ما جرى به العمل، كما فصل القول في ضوابط ثبوت العمل من خلال ثلاثة محاور وهي : أولا: السند النقلي للعمل والذي قسمه بدوره إلى قسمين: ثبوت جريان العمل وصدور العمل من الأئمة المقتدى بهم والمحور الثاني :السند الظرفي للعمل والمحور الثالث: السند المعنوي للعمل وخلص الدكتور المتدخل  إلى أن العلماء فيما ذهبوا إليه من اشتراط الوقوف على الأسس والموجبات التي انبنى عليها صرح العمل ، كانوا صادرين عن رؤية مقصدية متكاملة .

 

 

وترأس الجلسة الرابعة:علماء القرويين:الحضور الفكري والإشعاع الحضاري. الدكتور عبد الوهاب الفيلالي (جامعة سيدي محمد بن عبد الله كلية الآداب ظهر المهراز فاس)وذكر أن الجامع بين هذه المداخلات هو الحضور الفكري والإشعاع الحضاري.

في مداخلة للدكتور الحسن البوقسيمي (جامعة سيدي محمد بن عبد الله كلية الآداب ظهر المهراز فاس) بعنوان:”الجمع بين العلوم في برامج الدراسة في جامع القرويين وواقع المنظومة الخلقية فيها”  فقد تطرقت إلى ثلاثة محاور رئيسية: تناول في المحور الأول منها التعريف بمنهج التعليم:”بيداغوجيا الكفايات”في منهاج التربية والتكوين،والذي استُجلب أساسا من الغرب لتحسين جودة التعليم ببلدنا والسمو به إلى الأفضل وبين منحاه وأهدافه.وفي المحور الثاني أعطى صورة مفصلة عن منهج الدراسة بجامع القرويين الذي يتميز بالشمول وتنوع العلوم والمعارف من علوم دينية، وأدبية، وعلوم دقيقة.أما المحور الأخير فقد تحدث فيه عن أهمية علم الأخلاق في المنظومة التعليمية، وأشار إلى فراغ المقررات الدراسية من هذا الجانب بشقيه النظري والتطبيقي،والذي اعتبره من شروط تحقيق الجودة في التعليم إضافة إلى التجسير بين مختلف الفنون والعلوم.وختم مداخلته بتوصيات منها ضرورة تسطير برنامج شامل للأخلاق في التنمية البشرية لما فيه سعادة الإنسانية، مع مراعاة جميع الأطوار الدراسية.

أما المداخلة الثانية للدكتور عبد السلام الرفعي (أستاذ بكلية علوم التربية جامعة سيدي محمد بن عبد الله

فاس)  بعنوان:”علماء القرويين على خطى الإمام “المهدي الوزاني”. استهل مداخلته بالتعريف بالإمام المهدي الوزاني والإشارة إلى كتابه “المعيار الجديد”، وقد ذكر الدكتور في مستهل مداخلته بعض خصائص ومميزات النوازل في كتابه،وذكر منها الوسطية، والشمولية، والواقعية، والفطرية، ثُم بعد ذلك انتقل إلى مستوى التطبيق انطلاقا من نازلتين: الأولى: نازلة نظرية مالك في العقوبة المالية. الثانية: حكم المرأة التي تطلب الطلاق من زوجها خوفا من الزنا. وفصل القول فيهما.

 أما المداخلة الثالثة للدكتور سمير بوزويتة (جامعة سيدي محمد بن عبد الله كلية الآداب سايس) بعنوان:”جهود علماء القرويين في تأطير العمل الوطني”، فقد حاول فيها إبراز بعض معالم العمل النضالي الذي اضطلع به علماء جامعة القرويين في مواجهة الاستعمار، وحاول التوقف عند بعض المحطات النضالية التي ميزت مسار هؤلاء العلماء،كما بين التضحيات التي بذلها هؤلاء العلماء في سبيل الوطن.

وخلص المتدخل إلى أن جامعة القرويين بعلمائها وطلابها قدمت الغالي والنفيس للحفاظ على الهوية المغربية.

وتلتها مداخلة الدكتور محمد اليزيدي (جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية الآداب، ظهر المهراز، فاس)  التي تضمنت الحديث عن إسهام جامعة القرويين في الحفاظ على مقومات الهوية المغربية زمن الاحتلال الفرنسي رغم محاولة هذا الأخير تحجيم أو تقليص دور القرويين،وقد أعطى المتدخل صورة عن وضعية القرويين خلال فترة الاحتلال، ومختلف الإصلاحات التي عرفتها وكذا مختلف ردود الفعل سواء من جانب العلماء أو الطلبة والتي كانت في مجملها رافضة لكل ما جاء به المستعمر.

 أما المداخلة الرابعة للدكتور عبد العزيز انميرات (جامعة سيدي محمد بن عبد الله سايس فاس) بعنوان:” أثر القرويين في التمكين للمذهب المالكي”، فقد قرر فيها الأستاذ المتدخل في بداية العرض أنه يروم من خلاله إبراز بعض العناصر التي أسهمت في تكوين المسار الفقهي والعقدي والسلوكي لعلماء القرويين.كما حاول تسليط الضوء على بعض الأدوار الطلائعية التي قام بها علماء القرويين في ترسيخ المذهب المالكي، فقد كانت الجامعة رائدة في تطور البحث في هذا المذهب وذلك من خلال تدريس مصنفاته والتأليف فيه،  كما أشار الأستاذ المتدخل إلى دور هذا المذهب في الحفاظ على الوحدة المذهبية للمغرب.

 أما  الدكتور رشيد العرجيوي (جامعة سيدي محمد بن عبد الله كلية الآداب سايس فاس) فقد تحدث في مداخلته التي عنونها ب:”دور علماء القرويين في تكريس المذهب المالكي بالمغرب :أبوعمران الفاسي نموذجا”عن دور العلماء القرويين في تكريس المذهب المالكي وما واكب ذلك من نهضة علمية غير مسبوقة نظرا لتعدد الفقهاء المجتهدين الذين خدموا  المذهب المالكي وقد أعطى كنموذج لذلك الفقيه أبي عمران الفاسي الذي ظل مغمورا إلى عهد قريب، وقد أكد في ختام كلمته على ضرورة إعادة الاعتبار لجامعة القرويين والرجوع إلى علوم الآلة لأنها تساعد على خدمة المذهب.

وكانت المداخلة الأولى من الجلسة الخامسة: أعلام القرويين ومعالم التجديد والاجتهاد للدكتور الجيلالي المريني:  ( جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية الآداب، ساس، فاس) بعنوان “جهود الشيخ المنجور في التقعيد الأصولي والفقهي” حيث أشاد فيها بكتاب “شرح المنهج المنتخب إلى قواعد المذهب” للمنجور الفاسي، الذي يعد من أهم المؤلفات التي خدمت التقعيد الفقهي المالكي وأصوله خدمة في غاية الأهمية، فهما واستيعابا، وتطبيقا وتأصيلا  وتنزيلا. ويتجلى ذلك في منهج الشيخ المنجور من خلال معالجته للعديد من القضايا التي جاءت في هذا الكتاب، حيث يبدأ بتأصيل المسألة، وعرض  أقوال العلماء الكبار واختلافهم فيها، مع إيراد الأمثلة والأدلة من القرآن والسنة والقواعد الفقهية والأصولية، ثم يتناول الشق التطبيقي لها متتبعا في ذلك منهج الاستدلال وتحقيق المناط، مما يبين أن كتاب “شرح المنهج المنتخب” كتاب فقه وأصول، بقواعد أصولية وتطبيقات فقهية، تميز فيه المؤلف ببراعته في تحقيق المناطات للمسائل، إضافة إلى حسن الربط بين القواعد الأصولية والفقهية، وهذا ما يبرهن على نجابة علماء القرويين وتفننهم في التأليف.

أما المداخلة الثانية فقد حاول خلالها الدكتور بدر العمراني(رئيس عقبة بن نافع للدراسات والبحث في الصحابة والتابعين)الحديث عن تطور المذهب المالكي أعلاما ومصنفات وإسنادا من خلال استحضار فهرسة الفقيه القاضي محمد بن محمد المرير التطواني.

أما المداخلة الثالثة فقد حاولت فيها الدكتورة بشرى غرساوي(عضو المجلس الأكاديمي للرابطة المحمدية للعلماء) من خلالها تسليط الضوء على معالم من شخصية أبي الحسن الحريشي الفاسي المالكي(1142)، وملامح من عصره، ودوره في الحركة العلمية، وما واكب ذلك من إثراء للمكتبة بمؤلفاته القيمة لتنتقل إلى إبراز دور الحريشي في تطور الحركة العلمية وذلك من خلال الحديث عن مؤلفاته وآثاره العلمية التي تنوعت  بين الشروح والمختصرات و الفهرسات وغيرها.

أما المداخلة الرابعة للدكتور رشيد بكاري: (جامعة القرويين، فاس) بعنوان “الشيخ أبو عبد الله مَحَمَّد ميارة وجهوده الفكرية”  فقد افتتحها بالتعريف بالعالم الكبير أبي عبد الله مَحَمَّد ميارة الفاسي (1072هـ) أحد رجالات القرويين المالكيين الذين خدموا المذهب بالتدريس والتأليف. وأشاد بمكانته العلمية وثناء العلماء عليه، ثم ذكر شيوخه الذين كَوَّنُوا هذه المعلمة الفذة الرائدة في المذهب المالكي. وبعد إبراز هذه الأصالة استعرض المحاضر الامتداد لهذا الإشعاع العلمي الذي يتجسد في تلاميذ الشيخ ميارة وآثاره العلمية، فقد ألف رحمه الله في مختلف العلوم والفنون، وكان منفردا بالتأليف، مما جعل كتبه خالية من التعقيد، فعم نفعها العباد وشاع صيتها في البلاد. ثم ذكر أهم مؤلفاته المشهورة وحتى النادرة منها التي لا توجد في كتب التراجم، مثل كتاب “نزهة الأنفاس في كراء حلي الأعراس على العادة بفاس” الذي ورد ذكره في مؤلفه الدر الثمين. بالإضافة إلى أنظامه الكثيرة وفتاويه المتعددة المتفرقة في الكتب الفقهية والفهارس، فكان حقا رمزا من رموز القرويين الذين كرسوا حياتهم لخدمة المذهب المالكي.

وفي المداخلة الأخيرة للدكتورة حبيبة أحادوش(باحثة بمركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك) عرَّفت الأستاذة المتدخلة بالشيخ خليل وبمختصره، مبرزة المكانة التي احتلها عند العلماء المغاربة بشكل عام،وذلك بذكر شهادات العلماء وأصحاب التراجم في ذلك،ثم انتقلت المشاركة إلى إبراز مظاهر اعتناء علماء القرويين بالمختصر، ومنها وجوده ضمن الكتب المقررة للدراسة بالجامعة،وكثرة حفاظه،واعتماده في ميدان الإفتاء والقضاء أيضا.

واختصت الجلسة السادسة بموضوع : الحركة العلمية بالقرويين على عهد الدولة العلوية.

    وتميزت هذه الجلسة برئاسة الدكتور خالد سقاط بصبغة تاريخية، إذ جاءت مداخلات السادة الأساتذة مرتبطة بحقبة تاريخية معينة، ذلك أنهم تحدثوا عن جامعة القرويين في عهد الدولة العلوية وكذا جهود علمائها، ودورها الفكري الذي أعطاها إشعاعا امتد مداه إلى بلدان المشرق، بالإضافة إلى مختلف الإصلاحات التي عرفتها الجامعة.

وقد تفضلت مشكورة الدكتورة فاطمة نافع(جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية الآداب، سايس، فاس) فقد حرصت على إعطاء صورة عن أهم ما ميز الحركة العلمية بالقرويين على عهد المولى إسماعيل وذلك من عدة جوانب نذكر منها على سبيل المثال إحياء الإشعاع العلمي للقرويين خاصة بعد فترة أفول السعديين وغياب الأمن و الاستقرار، وذلك بإيقاظ همم العلماء وحثهم على تأدية المسؤولية المنوطة بهم، وإعطائهم المكانة التي يستحقونها.

كما أثارت المُشارِكة مسألة دينامية العلماء وذلك من جهة جزالة العطاءات العلمية في مختلف التخصصات وبمختلف المناهج، حتى إن علماءها عرفوا بموسوعية أكسبت الجامعة جهازا علميا قويا.

  أما المداخلة الثانية للدكتورة عبد الحق بن المجدوب الحسني(جامعة القرويين، كلية الشريعة) فقد تفضل فضيلته بتقديم مداخلته التي تناول فيها الحديث عن دور القرويين في الإشعاع الفكري بين المشرق والمغرب على عهد السلطانين سيدي محمد بن عبد الله والمولى سليمان، مؤكدا على أن الرحلات العلمية شكلت أهم عنصر أسهم في مد جسور التواصل وما واكب حركة العلماء في كلا الاتجاهين استفادة وإفادة، تحققت بفضلها نهضة علمية وفكرية سواء في عصر السلطان سيدي محمد بن عبد الله أو المولى سليمان، ومن جهة أخرى تحدث المحاضر عن بعض ما ميز الحركة العلمية في كلا العهدين، من ذلك مثلا إعطاء الحرية للعلماء في إبداء آرائهم متمتعين باستقلالية وحرية ، مع العمل على توسيع دائرة التعاون مع علماء الأقطار الإسلامية.

أما المداخلة الثالثة  للدكتور أحمد الغزالي (متخصص في الأنثروبلوجيا الدينية، فاس)

بعنوان: “مساهمة علماء القرويين في خدمة الفقه والتصوف: سيدي أحمد بن الجيلالي وسيدي أحمد بن الخياط، وسيدي محمد بن جعفر الكتاني، نموذجا” فقد نوه فيها فضيلته بريادة علماء القرويين في شتى العلوم والفنون، حيث جمعوا بين الفقه والتصوف. وأكد على أن الدين وحدة متكاملة بين الإسلام والإيمان والإحسان لا تقبل التجزؤ، مع تفاوت الناس في تلك المقامات، وأن علماء القرويين امتازوا بإقبالهم الكبير على شيوخ التصوف واعتنائهم بالسند الموصول إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما اعتنوا به في الفقه.     

أما المداخلة الأخيرة ضمن هذه الجلسة فكانت للدكتور عبد الرزاق لكريط (باحث في التاريخ) فقد رامت إبراز دور علماء القرن التاسع عشر في المجتمع المغربي على عهد الدولة العلوية وذلك من خلال إبراز مكانتهم وتأثيرهم في المجتمع، وأداءهم للمهمة المنوطة بهم والمتمثلة في التوجيه والإرشاد والتأطير المجتمعي بما يتناسب والظروف المجتمعية المعاشة.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق