مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام

تقرير ندوة “الفقه المالكي في الاجتهاد القضائي الأسري” بفاس (الجزء2/2)

مونية الطراز

 

 

 

وبالمثل بيّنت صاحبة الورقة المرجعية الفقهية المالكية في تعدد الزوجات في المدونة، فأبرزت كيف أجاز مالك للمرأة اشتراط عدم الزواج عليها في العقد، وأوضحت أن التعدد في أصله وضع استثنائي، ويجب إسناد النظر فيه إلى القضاء لتقييده وحصره على الحالات الاستثنائية. وأكّدت أيضا أن مستجد الشروط الإرادية لعقد الزواج له أصل في المصنفات الكبرى للفقه المالكي وليس أمرا دخيلا.

وانتقلت ورقة الدكتورة الأخريسي بعد ذلك إلى العنصر الثاني من المداخلة، ويتعلق بالمستجدات الخاصة بباب الطلاق، وما يرتبط بحقوق المطلقة وأحكامها المنسجمة مع المذهب المالكي، وأشارت في بيانها إلى أن المدونة عملت بمذهب المالكية فيما يتعلق بالطلاق البدعي، فأبطلت طلاق المكره والسكران والغضبان المطبق، وغيرها من أنواع الطلاق البدعي، كما أبرزت موقف المالكية في التطليق بسبب الضرر الوارد في المدونة، وكذا في الطلاق بالخلع وسن انتهاء الحضانة وسقوطها.

ولم تخل مناقشة محاور هذه الجلسة الصباحية من إثارة وتفاعل عبّرا عن قيمة المداخلات المعروضة والإشكاليات التي حملتها للحاضرين.  

في الجلسة المسائية، وتحت رئاسة الدكتورة فاطمة الصنهاجي، رئيسة شعبة الدراسات الفرنسية بكلية الآداب بفاس، تناول الكلمة أولا الدكتور عبد الرفيع علوي، قائد بالمقاطعة الحضرية بسلا، وكان ينوب عن الدكتور البشيـر عــدي من كلية الحقوق بأكادير، فقدّم ورقة بعنوان “آثار العدول عن الخطبة فقها وقضاء” أكّد فيها أن الخطبة عقد غير ملزم، وأن الأصل في العدول عنها لكلا الخاطبين في الشرع والقانون هو الإباحة، كما أكّد أن الخطبة من المواضيع التي تثير الجدل وتستدعي إغناء النقاش حولها في ضوء مدونة الأسرة ومستلزمات الشرع، وأشار كذلك إلى مقاصد الخطبة وفق الضوابط الشرعية. وبعد تفصيلها في ماهية الخطبة، تطرقت الورقة إلى آثار العدول عن الخطبة فيما يتعلق بالصداق والمصاريف والهدايا والشروط العرفية، كما تطرقت أيضا إلى بيان التعويض عن العدول عن الخطبة في القانون وفي الفقه الإسلامي، وما جاء فيهما من أحكام. وخلصت الورقة إلى أنه لا تترتب أية مسئولية على الطرف العادل عن الخطبة، لأنه حق ضروري يتوافق مع مسئولية الزواج، وأي اتفاق من شأنه المس بحرية العدول هو باطل، كما أن مجرد العدول عن الخطبة لا يعتبر في أساسه موجبا للتعويض وإن طالت مدة الخطبة، لكن متى اقترن هذا العدول بأضرار للطرف الآخر دون مجرد العدول، فإن هذا الأخير يكون محقا في صرف التعويض في إطار المسئولية التقصيرية، شرط أن يقوم التعويض على أفعال خاطئة ملازمة للعدول، وأن تكون هذه الأفعال مستقلة عن العدول تمام الاستقلال.

أما مداخلة الدكتور عبد الرحيم الأمين من كلية الحقوق الرباط، فتطرقت إلى “موقع الفقه المالكي في الاجتهاد القضائي الأسري المغربي من خلال المادة 400 من مدونة الأسرة” استنكر فيها الاستمرار في تجديد إجراء قبول دعوى ثبوت الزوجية والدعوات غير الموثقة. ودعى إلى النظر في الجانب التنظيري للمسألة من حيث ضرورة الإشهاد في الزواج بشكل عام، وأشار إلى الاختلاف الحاصل بين المذاهب في اعتبار الإشهاد شرط صحة أو شرط كمال. وعلّل تساهل المذهب المالكي في اعتباره شرط كمال كون الغاية من الإشهاد فيه سد ذريعة الإنكار، والتمييز بين النكاح والسفاح. وفي دعوته للنظر في الجانب الواقعي في المسألة، أكّد الدكتور الأمين أن الواقع المتجدد والتطورات التي نعرفها اليوم ينبغي أن تؤخد بعين الاعتبار، لأن الزواج قديما كان يتم في إطار القرية أو القبيلة، أما اليوم فقد أصبحت هناك علاقات عابرة للقارات، وفي هذا السياق طرح مجموعة من التساؤلات حول عدالة الشهود وتوثيق عقد الزواج، وأقر أنه –من وجهة نظره- ليس هناك وجود للقوة القاهرة المانعة من توثيق عقد الزواج، ودعا في ختام مداخلته –في كلمة جامعة- إلى إغلاق باب ثبوت الزوجية.

مسك ختام هذه الندوة كان من تقديم الأستاذ  أنس سعدون نائب وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بسوق أربعاء الغرب، وقد عنون مداخلته ب “قضايا النسب في الاجتهاد القضائي الأسري” فأكّد بداية على وجود إصلاحات عديدة تهم القضاء والمدونة، وركز بشكل خاص على التطبيقات التي همّت الاجتهاد القضائي المغربي، وفي صلب موضوعه أشار السيد النائب إلى أن موضوع النسب موضوع شائك وقديم، تأثرت قضاياه بتطور الفتوى والاجتهاد القضائي، ولم تفته وهو يوضح هذه الحقيقة أن يقف عند عدد من الإشكالات المتعلقة بإثبات النسب أثناء فترة الخطبة كما جاء في المدونة. ونوّه في المقابل بما جاء في بعض الآراء الفقهية الحديثة حول المسألة، ومنها القول بإلحاق النسب بالخطيب إذا تم الإيجاب والقبول وانتشر خبر الخطبة بين الجيران، وهو ما اعتمدته المدونة اعتبارا للشبهة، مع وجود من يتمسك بقولة “الولد للفراش” مع العلم –كما يقول- أن الظروف الواقعية أفرغت القصد العقابي الذي كان يريده الحكم بالحرمان من نسب الولد إذا كان خارج إطار الزوجية، وهذا كان في زمن اعتُبر النسب فيه من دواعي التفاخر بين الناس، أما اليوم فالواقع على خلاف ما كان، وهذا يحتم المعاقبة بما يناسب القصد بعد أن صار الحرمان من النسب غير مجد في إيقاع العقوبة. وفي معرض تحليله تطرق الأستاذ سعدون للصعوبات الإدارية والشكلية التي ترافق عملية إثبات النسب، وكذا للشروط التي نصت عليها مدونة الأسرة من أجل إثباته. وطرح للتساؤل وهو يوضح بعض الملابسات المتعلقة بالموضوع جملة من القضايا التي تحتاج إلى نظر وتمحيص، ولفت الانتباه بالخصوص إلى مصير الطفل بما هو الجانب الأضعف في هذا الأمر، ولكنه شدّد على ضرورة الخروج بعد لحظة التفكير بإجابات واقعية تبحث عن مخرج واقعي وصحيح.

بعد هذه العروض الغنية والقيمة فتح الباب للمناقشة، والتي كانت فرصة جديدة بالنسبة للمحاضرين، ليس فقط لتقديم التوضيحات المناسبة، ولكن أيضا للإشارة إلى المواضع التي لازالت تحتاج إلى عمل تنظيري مضاعف، يُسهم في إخراج قوانين وتشريعات جديدة، تحفظ المصلحة وتُسهم في الاستقرار الأسري وضمان التماسك المجتمعي. وقد ركّزت أغلب الأسئلة على قضايا إشكالية تتعلق باعتبار العرف والعادات خصوصا في قضايا الخطبة والزواج والنسب.

وفي الجلسة الختامية، والتي ترأسها الدكتور سعيد المغناوي، تناولت الكلمة الأستاذة مونية الطراز لتجدد الشكر للمحاضرين وجميع الحاضرين وتقدّم شواهد المشاركة باسم مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام ومختبر البحث في الأصول الشرعية للكونيات والمعاملات، كما تُليَ البيان الختامي في نهاية هذه الجلسة، ومن أهم ما جاء فيه من توصيات: 

– القيام بخطوات استباقية للم جهود كافة المهتمين بالأسرة والفقه المالكي، من مراكز بحثية ومجالس علمية وهيئات قانونية.

– إعادة النظر في البرامج والمناهج التي تلقن في سلك القضاء.

– إدراج القضايا الأسرية في مادة التربية الأسرية وتعميمها في جميع المؤسسات التعليمية.

-تفعيل المادة ٤٠٠ من مدونة الأسرة التي تقضي بالرجوع إلى الفقه المالكي لسد الثغرات القانونية التي تعرفها المدونة.

-ضرورة تفعيل آلية الوساطة الأسرية والصلح بما يحقق الأهداف المنوطة بهما.

-القيام بدراسات وبحوث مقارنة حول مستجدات مدونة الأسرة في جميع المذاهب.

-إعداد دورات تكوينية للتعريف بالمذهب المالكي في ما يتعلق بقضايا الأسرة.

– القيام بحملات تحسيسية توعوية عبر وسائل الإعلام من أجل اكتساب ثقافة أسرية تربوية وحقوقية

تعصمهم عن الانزلاقات التي تزج بهم إلى ردهات المحاكم.

– العمل على معلمة فقهية على غرار الموسوعات الحقوقية في القوانين الوضعية الأجنبية، تكون مرتبة ترتيبا قاموسيا.

– اعتماد مقاربة تشاركية مبنية على الاستفادة من أبحاث وفتاوى المجالس العلمية والمجلس العلمي الأعلى، في إطار التنسيق والتعاون المستمر.

– طبع أعمال الندوة.

ولم تخل الجلسة الختامية من نفحات روحية، حيث اطمأن المجلس بالاستماع لآيات من الذكر الحكيم. 

 

 

نشر بتاريخ: 01 / 06 / 2016

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق