مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام

تقرير عن ندوة: عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها في تراث الغرب الإسلامي

  مونية الطراز.

شهدت قاعة الندوات بغرفة التجارة والصناعة لمدينة طنجة – المغرب- حفلا علميا امتد طيلة يومي الجمعة والسبت 20-21 محرّم 1433هـ الموافق ل 16-17 دجنبر 2011م، تحت عنوان “عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها في تراث الغرب الإسلامي” وكان ذلك بمبادرة طيبة من مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعين التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

وبالنظر إلى أهمية الندوة التي أدارت مواضيعها حول شخصية نسائية من النجوم الطوالع لهذه الأمة وأقطابها البارزين، وبالنظر لما تعنيه شخصية السيدة عائشة بالنسبة لمركز الدراسات والبحوث حول القضايا النسائية في الإسلام من رمزية ومثال، وتثمينا للمجهودات التي تحيي ذكرى المرأة القدوة وتخدم قضية النساء، حرص المركز على متابعة كل المداخلات التي تَفضّل بها ثلة من الأساتذة والباحثين من ذوي الكفاءة والاختصاص والذين اجتهدوا في رسم لوحة متناسقة لشخصية عائشة استوحوها من مآثر أعلام الغرب الإسلامي وعرضوها مُتّسقة، لتُعبّر بألوان مختلفة عن تعدد المشارب العلمية للمحاضرين.

الحفل هذا حظي بالعناية اللازمة للأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء السيد الدكتور أحمد عبادي الذي قدّم كلمته في الجلسة الافتتاحية، وكان ذلك عقب تلاوة آيات من الذكر الحكيم، فذكّر بأهمية الموضوع وأشاد بمجهودات المنظمين الذين حرصوا على أن يكونوا في الموعد وعلى قدر المسؤولية.

بعد ذلك تقدّم السيد رئيس غرفة التجارة والصناعة بكلمة للمشاركين عبّر فيها عن سعادته بالحفل واهتمامه بموضوعه وقدم الشكر بالمناسبة للحاضرين، وعلى إثر كلمته استمع الحضور إلى كلمة رئيس مركز عقبة بن نافع الذي أشاد بمجهود الجميع في إنجاح الندوة بعد أن أوضح القيمة الكبيرة للسيدة عائشة في نفوس المغاربة كما عكستها مؤلفات الغرب الإسلامي، وبكلمته رفعت جلسة الافتتاح لتعقد جلسة أخرى بعد الظهيرة تحت عنوان “خصائص أم المؤمنين عائشة ومكانتها” برئاسة رئيس المركز الدكتور بدر العمراني الذي قدّم للدكتور زين العابدين رستم وفتح له باب الحديث عن “فضل عائشة أم المؤمنين في كتب شروح الحديث المؤلفة في الغرب الإسلامي” وقد وفّق الباحث الفاضل في تقريب المستمعين من الموضوع بوقفة ملية عند منهج القرطبي في شرحه لصحيح مسلم من خلال دراسة أجراها المحاضر على الأحاديث الواردة في شأن السيدة عائشة، خلص بعدها إلى أن نظرة علماء الغرب الإسلامي تبرق بحب النبي وآل بيته الطاهرين خصوصا منهم أم المؤمنين عائشة، يشهد بذلك إنصافهم لها واقتفائهم لآثارها الموسومة بالتميز والتفرد، فعائشة رضي الله عنها كانت متميزة بأقوالها وآرائها بل حتى بمنهجها الذي تتبعت منه الدكتورة منى إزعريين جانبا متعلقا بمناهج المحدثين، حيث تعرضت للحديث عن باب مهم من أبواب علم الدراية بيّنت عبره بعض معالم السبق والتفرد في ما ثبت عن أم المؤمنين من تدقيق في الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلّم ولقد كانت في مداخلتها التي تحمل عنوان “التعديل والتجريح عند عائشة أم المؤمنين” حريصة على بيان ملامح التجريح في آثارها حيث قدّمت نماذج  لبعض مصطلحاتها في هذا الباب.

وبعيدا عن هذا الموضوع، خاضت الدكتورة خديجة إزعيريين في جانب آخر من شخصية أم المؤمنين وهو المتعلق ب “المكانة السياسية لعائشة رضي الله عنها” فكانت كلمتها مناسَبة للحاضرين من أجل اكتشاف آراء ثاقبة لهذه السيدة الفريدة التي شهد التاريخ بحنكتها السياسية وقوّتها في مواجهة القضايا والعوارض، سواء في العهد النبوي أو ما تلاه من زمن كانت فيه الرقيبة والناصحة للحكّام.

شخصية عائشة القوية ظهرت أيضا في مداخلة الدكتور طارق طاطمي الذي قدّم عرضا حول إفهامات عائشة وبيانها لما أشكل من مسائل الناس وأسماه “أجوبة عائشة عن سؤالات الصحابة” وقد كان موضوعه -حسب ما قال – ثمرة جهد قام فيه بجمع مادة موزّعة في المصنفات، وثّق فصولها واعتنى بدراستها لتكون إضافة نوعية في رصيد البحوث حول أم المؤمنين، وفي عرضه، وبعد التذكير بمناقب عائشة، تطرق إلى بعض الأجوبة المرتبطة بكليات القضايا التي عرضت على أنظار عائشة وكانت في نظره غالبة في المأثور عنها، كما عرض إلى أجوبة أخرى متعلقة بأمور دقيقة وجزئية من تراثها.

هذا وقد كان مسك ختام جلسة اليوم الأول مداخلة الأستاذة الأديبة نعيمة بن يعيش التي تحدثت عن “أم المؤمنين عائشة، شخصيتها ومكانتها العلمية” وتساءلت في معرض حديثها عن أسباب إهمال الأمة لبعض الجوانب المهمة من شخصية أم المؤمنين كما نبّهت على ضرورة الرجوع إلى سيرتها العطرة لتكون مصدر توجيه للناشئة ولعموم الناس حتى لا يبقى هذا النموذج رسما في السطور بلا نبض ولا روح. وهكذا اختتمت المداخلات ليُتَوّجها المنظمون بحصة للنقاش كانت فرصة لإثراء الموضوعات وتلاقح الأفكار.

أما اليوم الموالي فقد كان مناسبة أخرى لاجتماع الحاضرين حول مائدة علمية جديدة كانت أولى حلقاتها مأدبة غنية دسمة حول موضوع كبير عنوانه: “عائشة أم المؤمنين وأثرها في المدارس العلمية في الغرب الإسلامي” برئاسة الدكتور محمد التمسماني الذي أعطى الكلمة الأولى للدكتورة ريحانة اليندوزي فقدّمت عرضا قيما بعنوان “أثر فقه عائشة في فقه أعلام المذهب المالكي –ابن عبد البر نموذجا- قسم العبادات” وكان موضوعها مفيدا في إبراز هذا الأثر نظرا لغنى الشواهد في الباب، ذلك بأن أم المؤمنين سدّت ثغرات كان من شأنها أن تبقى مفتوحة على الأقوال بين الفقهاء، وخصوصا في مبحث الطهارة الذي استقصت المحاضِرة ما ورد فيه عن ابن عبد البر، وأثبتت عن طريق الاستقراء والإحصاء أن فقه عائشة كان عمدته في الاختيارات الفقهية التي تبنّاها، ولتوضيح ذلك عرضت اليندوزي نسبا مئوية استعانت بها لبيان نتائج الاستقصاء.

ولم يكن ابن عبد البر إلا نموذجا للتدقيق لا ينحصر فيه المثال، فقد كان فقه الغرب الإسلامي غنيا بأثر عائشة كما دل على ذلك بحث الدكتور يوسف احميتو الذي تتبع أثرها في التراث الإسلامي وعرضه في مداخلة تحت عنوان “حضور أم المؤمنين عائشة في كتب الفقه الإسلامي” فكان لا يقضي من شواهد مصنف حتى ينشد أخرى في غيره من مصنفات الفقه المشهورة لدى المالكية في بلاد الغرب الإسلامي، ولقد ظهر بعد حين من العرض أن فقه أم المؤمنين كان جليا وذا أثر في النظر الفقهي عند مالكية هذه الجهة من الرقعة الإسلامية، وهذا بدا للباحث بعد مراجعة ستة عشر مصنفا، أخضعها جميعا للبحث والافتحاص.

وفي انسجام عجيب عرضت الدكتورة كلتومة دخوش هذا الأثر أيضا على أنظار الحضور ولكن من زاوية أخرى وضّحتها في عنوان مداخلتها “عائشة أم المؤمنين وأثرها في فقه المدرسة المالكية في الغرب الإسلامي من خلال مروياتها في الموطأ دراسة إحصائية تحليلية مقارنة”، وقد كان عرضها ذا ميزة وقيمة كشف عنها اختيارها الموفّق لكتاب الموطأ مجالا للبحث واختيارها لمسلك التحليل والمقارنة منهجا للدرس، ولقد عمدت إلى جانب الموطأ –المرجع الأول لفقهاء المالكية- إلى كتب بعض رموز الغرب الإسلامي، أعملت فيها المنهج المذكور فاستخلصت إفادات مهمة عرضتها على الحضور على شكل نتائج وخلاصات ضمّنتها جداول إحصائية لا يخفى فيها الحضور القوي لأم المؤمنين في فقه الغرب الإسلامي، وقد كان من المصنفات المدروسة أيضا كتابا المنتقى وبداية المجتهد.

وعائشة في فقه الغرب الإسلامي قوة وأثرا هي عائشة في تفسيره مرجعا وسندا، فقد كانت على مسافة واحدة من القرب إلى الفقهاء والمفسرين، وكان لها من المبررات ما يسوّغُ هذا التأثير والقرب، منها ما هو ذاتي ومنها ما هو موضوعي، هكذا قالت الدكتورة فريدة زمرد وهي توضّح أسباب الحضور القوي لأم المؤمنين في مداخلة مركّزة وقيّمة اختارت لها عنوان “مرويات أم المؤمنين عائشة في نماذج من تفسير الغرب الإسلامي المجالات والخصائص” فالمجالات التي خاضت فيها السيدة عائشة تميّزت بالطرح الإشكالي الذي كانت صاحبة السبق فيه-حسب الأستاذة- كما أنها لم تقتصر على بيان أجزاء بعينها في رواياتها بل شمل قولها موضوعات مختلفة من التنزيل، ومن جهة أخرى  امتازت مروياتها في مقاربات مفسري الغرب الإسلامي بالتنوع والتباين ذلك أنهم  اختلفوا في فهم هذه المرويات والاستدلال بها.

وفي الختام أسندت الكلمة للدكتور العلاّمة أحمد الخياطي ليتحدّث عن نموذج لهذه المرويات في موضوع “المرويات عن عائشة في التسهيل لابن جزي الكلبي” حيث عمد إلى إشارات عابرة لبعض المرويات إجمالا، ليلِج إلى صلب موضوعه المرتبط بكتاب التسهيل فجعل المرويات في محاور من قبيل التوحيد، القراءات، أسباب النزول  …إلخ، وخصّ كل محور بمرويات عن عائشة أم المؤمنين.

وبعد استراحة خفيفة التأم الجمع مرة أخرى في جلسة جديدة محورها “عائشة أم المؤمنين وموقفها من الفتنة من خلال مؤلفات الغرب الإسلامي” أدار هذه الجلسة الدكتور محمد السرار الذي أغناها بإشاراته وإضافاته المتميزة، وكانت أولى المداخلات تحت عنوان “موقف عائشة رضي الله عنها من الفتنة في عهد عثمان وعلي رضي الله عنهما” ألقاها الدكتور محمد أمحزون، ووضّح من خلالها براءة عائشة من الفتنة والدعوة إليها، وقدّم شواهد على ذلك، كما أكّد أن خروج عائشة في هذه الفتنة ما كان لحرب، وإنما كان رغبة في الإصلاح وجمع كلمة المسلمين، وأن موقفها يُحمل على حسن النية والتقدير في الاجتهاد، ولم يكن قط لنيل حظ من الدنيا.

وبعد كلمته تفضّل الأستاذ منعم سنون بعرض قيّم أسماه “تحقيق موقف السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها في الفتنة (موقعة الجمل) من خلال مؤلفات الغرب الإسلامي” فبيّن أسباب حدوث الموقعة، وموقف علماء الغرب الإسلامي من الشبهات المثارة حول موقف طلحة والزبير من إمامة علي، وأكّد على أن ذلك كان من قبيل الخلاف حول الأولويات فحسب، ثم بيّن وجهة نظر كل فريق ممن شهدوا موقعة الجمل، وكان عمدته في التحليل مراجع منتخبة من مؤلفات الغرب الإسلامي.

ولما كان لهذا الحدث التاريخي الهام بعدا عقديا، عملت اللجنة التحضيرية للندوة على إدراج زاوية نظر تمثل رجالات العقيدة، وقد أسندت مهمة الحديث حول هذا الموضوع للدكتور جمال علال البختي الذي كشف عن جوانب من “اجتهادات عائشة في موقعة الجمل من خلال كتابات الأشاعرة” فتتبع ما قاله أئمة الأشاعرة وما قدّموه من آراء وأقوال في اجتهادات عائشة فيما له صلة بالواقعة، ووقف خصوصا على إنتاجات ابن العربي والباقلاني في ذلك.

الجلسة الثالثة والأخيرة لهذا اليوم نقّبت عن ذكر “عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها في الأدب المغربي” وقُدّمت فصولها برئاسة السيد عبد الصمد العشاب الذي أعطى الكلمة للدكتور فريد أمعضشو ليحدث الحاضرين عن “نونية ابن بهيج في عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها (مقاربة نصانية)” هذه النونية التي تعدّ –حسب الأستاذ المحاضر- ترجمة لأم المؤمنين عرضها ابن بهيج بلسانها وضمنها عواطفه الإنسانية النبيلة. القصيدة من جهة أخرى تلهج بمحاسن أم المؤمنين وفضلها على سائر الأمة، وهي -حسب ما ذكر الأستاذ- تشرح مدى التأثير الذي برز في مختلف مسارات التاريخ الإسلامي.

 وخارج الموضوع قدّم الدكتور فريد دراسة للقصيدة من الناحية الشكلية والفنية باعتبارهما آليتان لخدمة الموضوع.

وبعد هذه الكلمة تقدّمت الدكتورة حنان الحداد بموضوع ذي طابع مغاير عنوانه “التعريف بمخطوطة المواهب الغزيرة فيما للوزيرة الصديقية لعبد الله بن محمد الطاهر ابن حمو الجرسيفي التازي” وقد تعرّف الحضور من خلال هذا الموضوع على المؤلِّف والمؤلَّف وعلى منهج الكاتب في التصنيف، وكذا على المصادر التي اعتمدها وعكست رأي صاحبها في أم المؤمنين. وفي علاقة عائشة بالشعر تحدث الدكتور محمد المعلمي عن “عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها في أحداق شعر الغرب الإسلامي” فأبان عن الاهتمام البالغ الذي كانت توليه رضي الله عنها للشعر وما أثر عنها من حفظها  لنصوصه، ثم قدّم لمحة عن عائشة في عيون الشعر المغربي والأندلسي.

وكانت آخر مداخلة في هذه الندوة المباركة من توقيع الأستاذ عبد اللطيف السملالي حملت عنوان   “عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها في تآليف علماء الغرب الإسلامي” فأماط اللثام عن العناية الخاصة التي نالتها الصديقة من لدن علماء الغرب الإسلامي، وأكّد على ارتباط ذكرها بجانب المقام النبوي الشريف.

بهذه المداخلة، وبعد يومين من المدارسة النافعة، أُعلن عن انتهاء أشغال الندوة، وتُليَ البيان الختامي الذي أكّد فيه المنظمون عزمهم على طبع أعمال المحاضرين لتعم فائدتها الجمهور، وأخبروا بنيتهم الاستمرار على نفس التوجه في عقد الندوات والمدارسات حول الصحابة الكرام في التزام تام بجودة المحتوى وما يليق به من تحليل وعلمية. ولم يفت المنظمين أن يعزوا أسباب نجاح هذه الندوة إلى مجهودات الجميع، منظمين ومشاركين وحاضرين ورؤساء الجمعيات المحلية وكذا وسائل الإعلام التي تابعت تفاصيل الندوة وكل المساهمين. وقدّم الشكر للسيد الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء على جهده وعنايته، ولأمير المؤمنين على تشجيعه لجهود العلماء.

‫2 تعليقات

  1. اكتبي عن شخصيه نسائيه اسلاميه لانها اثرها في التاريخ الاسلاميه موضحه واجبك تجاه الشخصيات في حدود فقرتين مترابطتين

  2. من يمددني برقم أو العنوان الألكتروني للدكتورة حنان الحداد جزاكم الله خيرا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق