مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام

تقرير عن ندوة “دور الوساطة الأسرية في استقرار الأسرة”

إعداد الأستاذ: الأستاذ أحمد أماني

 

 

 

       نظم المركز المغربي للوساطة والتحكيم ــ بشراكة مع هيئة المحامين بالدار البيضاء، ومركز سند للوساطة الأسرية، والمركز المغربي للأستاذة الجامعية للبحث في قضايا النوع والتنمية، ومؤسسة حماية، وبشراكة مع مقاطعة سيدي عثمان ــ ندوة علمية يوم 22 ابريل 2017 بمقر مقاطعة سيدي عثمان، تحت عنوان “دور الوساطة الأسرية في استقرار الأسرة”. ويأتي اختيار المنظمين لهذا الموضوع لكون الاسرة وقضايا الأسرة من أولى اهتمامات المركز وشركائه من جهة، ولأن موضوع الوساطة الأسرية يكتسي أهمية بالغة كآلية بديلة لحل وتدبير المنازعات الأسرية من جهة ثانية. ومن الأسئلة التي وردت في الندوة:

– إلى أي حد يمكن اعتبار دستور 2011 عامة والفصل 32 منه خاصة اعترافا والتزاما قانونيا قويا بضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة؟ وإلى أي حد تشكل الوساطة الأسرية آلية من آليات ضمان وحدة واستقرار ومحافظة على الأسرة؟

-أي دور للمجتمع المدني في تطوير آلية الوساطة الأسرية في مستوى ما هو كائن وآفاق ما يجب أن يكون؟

-أي موقع للوساطة الأسرية في التشريعات والتجارب المقارنة؟ وأي منها يصلح للاستئناس به والاستفادة منه من أجل تأسيس نظام ونموذج مغربي فعّال ومناسب للخصوصيات المجتمعية؟

-وأخيرا إلى أي حد يمثل الإرشاد الأسري آلية من آليات التدبير الوقائي القبلي، قصد ضمان استمرار التراضي في العيش الأسري كي لا يصل الآمر للتقاضي؟

هاته الأسئلة المحورية وأسئلة أخرى حاول المتدخلون في الندوة معالجتها كل من موقعه وتخصصه وصفته، من خلال جلسة أشرف على تسييرها وتيسيرها الأستاذة خديجة فارحي، أستاذة بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية، ومنسقة ماستر التقنيات البديلة لحل المنازعات.

أول مداخلة كانت للأستاذة إيمان لعوينة عضو هيئة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع الاجتماعي، ومديرة مركز سما للتدريب والمرافقة خاص بالمجتمع المدني، وهي تحت عنوان “قراءة في الفصل 32 من الدستور:السياقات والمخرجات”

وقد أكدت الأستاذة من خلال مداخلتها هاته أن الدولة تسعى ــ تنزيلا لهذا الفصل ــ لتوفير الحماية القانونية، والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال، بكيفية متساوية، بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية. التعليم الأساسي حق للطفل وواجب على الأسرة والدولة.

كما اعتبرت الاستاذة المقاربة  والديمقراطية التشاركية التي يؤسس لها النص الدستوري مظهرا من مظاهر التوافق مع التشريعات العلمية في مجال حماية حقوق الإنسان في جميع أوضاعه المختلفة منها وضعه داخل الأسرة. وهو ما حاولت مدونة الاسرة تحقيق بعض منه،الى جانب دور المؤسسات العامة في هذا المجال تحقيقه تماشيا مع ما ينص عليه الفصل 32من الدستور، من هاته المؤسسات الوساطة الاسرية. تم مما يفرض تقييم هذه السياسات والتركيز على ان الوساطة الأسرية هي آلية حمائية يجب مأسستها وإخراجها للخدمة العمومية خارج مرفق القضاء حتى نحقق حماية أكثر لتماسك الأسرة واستقرارها.

أما الاستاذة زهور الحر رئيسة الجمعية المغربية لمساندة الأسرة، ومحامية، وبحكم تجاربها المتراكمة في مجال قضاء الاسرة ــ رئيسة محكمة الأسرة، وأول رئيسة قسم قضاء الأسرة في محكمة النقض(المجلس الاعلى سابقا) فتعلقت مداخلتها ب “دور المجتمع المدني في تطوير الوساطة الأسرية” حيث حدّدت الأستاذة بداية مفهوم المجتمع المدني وأكدت على الأدوار الرائدة التي يمكن أن يلعبها كقوة من ميزاتها عدم السعي للسلطة، ولا يمكنه أن يكون قوة ضاغطة على السلطة عبر وسائل سلمية، خاصة في مجال الأسرة وحمايتها. ولذلك ترى الأستاذة زهور الحر أن المجتمع المدني يمكن أن يلعب أدوارا مهمة في موضوع الوساطة، عبر المطالبة بمؤسستها أولا، وعبر الأدوار التي سيلعبها في إطارها لإنجاحها، وتحقيق ما فشل فيه قانون وقضاء الأسرة من تحقيق السلم الأسري وحماية الأسرة ثانيا.

اما المداخلة الثالثة فكانت للأستاذ حسن رقيق كاتب ومرشد أسري وضيف منابر إعلامية إذاعية وتلفزية اليكترونية وورقية عديدة، عضو اتحاد كتاب المغرب وعضو استشاري ومسئول لجنة الإرشاد الأسري داخل المركز، تحت عنوان “الإرشاد الأسري خطوة من أجل التدبير الوقائي” وقد انطلق من فكرة أساسية مفادها أن التدبير الوقائي والذي إحدى آلياته الإرشاد الأسري يمكن أن يغني عن كل وسائل حل المنازعات الأسرية بما فيها الوسائل البديلة عن القضاء ومنها الوساطة الأسرية.

وقد عدد الأستاذ رقيق مجموعة من الخطوات تحقق التدبير الوقائي أهمها فهم الذات للتمكن من فهم الآخر، واكتساب تقنيات التواصل الإيجابي، واعتبر أن الإرشاد الأسري يمكن أن يشكل دعامات للأسرة المستقبلية وأدرع وقائية في مواجهة التصدع الأسري، واختصارا لجهود كثيرة تضيع في العلاج والبحث عن آليات العلاج. آليات لن تكون ناجعة إلا بتوطين خدمات مصاحبة وقائية وتنموية قبل ولوج الشاب والشابة عالم الزواج من خلال دورات تكوينية وحصص تدريبية من أجل:

–         تحسيسهما بأهمية الزواج ومقاصده وأبعاده الشرعية والاجتماعية والنفسية والقانونية.

–         مساعدة الفرد على فهم نفسه في إطار علاقاته وتفاعلاته وموقعه في الأسرة، وكذا فهم طبيعة الاتصالات والصراعات التي تحدث بين أفرادها، باعتبارها وحدة كلية، ممتدة كانت أو نووية.

–          التعرف على قواعد ومؤشرات الحياة الزوجية السليمة ومتطلباتها، وتقنيات التواصل الإيجابي وأسباب الخلافات الأسرية وتداعياتها والعراقيل التي تحول دون حلها ومهارات احتوائها وتقويضها

–          التأهيل في مجال التواصل مع الأبناء أطفالا ومراهقين .

 هذا وغيره مما لا بد منه يتم عبر مراكز ومعاهد خاصة يسهر عليها فريق عمل يضم أطباء، علماء النفس والاجتماع، رجال القانون، علماء الاقتصاد، مدربين في مجال التنمية الذاتية، علماء الدين وذوو الخبرة والمراس في الوساطة وإصلاح ذات البين .

أما آخر مداخلة فكانت للأستاذ الهادي أبو بكر أبو القاسم محامي ورئيس جمعية باني لدعم مؤسسات الصحة ومساعدة المرضى، وعضو المكتب المسير لجمعية الأيادي البيضاء وعضو مؤسس ورئيس سابق لجمعية مركز التواصل القانوني. وكانت المداخلة التي اختار لها الأستاذ الهادي “الوساطة الأسرية: قراءة في القانون المقارن”عبارة عن رحلة علمية حاولت رصد ملامح نشأة الوساطة الأسرية ومراحلها التاريخية، موضحا أن الوساطة لما أثبتت نجاعتها في النزاعات المدنية والتجارية، فقد تم التفكير في تنزيلها على الخلافات التي تحدث بين مكونات الأسرة وتدرجت نشأتها على ثلاث مراحل:

أ/ المرحلة الأولى: امتدت بين سنوات 1978-2001 وهي مرحلة الإدماج في الثقافة I’nculturation

ب/ المرحلة الثانية: مرحلة التقنين وامتدت بين سنوات 2001-2010

ج/ المرحلة الثالثة: مرحلة التطبيق منذ 2010

        لتكون الوساطة الأسرية حسب الاستاذ الهادي قد انتقلت في القوانين المقارنة من مرحلة الترويج الثقافي إلى مرحلة الاعتراف السياسي وصدرت تشريعات بإقرارها وتنظيمها، ودخلت هذه القوانين حيز التطبيق منذ أكثر من 7 سنوات، وحان الوقت لرصد نتائج تطبيقها.

 وحسب الدراسات والإحصائيات المنشورة لحد الآن، فإن تطبيق قوانين الوساطة الأسرية واجهتها صعوبات قد تصل أحيانا إلى حد المقاومة، مما حال دون تحقيق النتائج المنشودة، وقد اختار الأستاذ الهادي أن يقتصر على طرح التجربة الفرنسية وما واجهتها من صعوبات، والتي وقفت في وجهها معيقات كثيرة على رأسها ثقافة المجتمع التي لها ارتباط كبير بمستوى التعليم، وبالمستوى الاقتصادي للبلد.

– ومن جملة المعيقات المفهوم التقليدي لمهمة القاضي في النظام الفرنكفوني، والتي تنحصر في إصدار الأحكام وليس في محاولة تقريب وجهات نظر الخصوم وحملهم على الصلح.

        –  عقلية المتقاضي الذي يهدف من وراء رفع الدعوى إلى الحصول على حكم ضد خصمه، وليس على اتفاق بالصلح.

        – ثقافة المحامي الذي ما يزال ينظر إلى الدعوى وكأنها معركة يسعى إلى الانتصار فيها.

        – عدم تدقيق مفهوم الوساطة، والذي يتداخل في جزء منه مع مهام وصلاحيات فاعلين آخرين مثل الفاعل الاجتماعي، والمستشار الأسري والمصالح والمحكم وغيرهم. 

– معدل الزمن الذي يستغرقه البت في النزاعات التي تطبق فيها الوساطة والذي يبلغ 19 شهرا، مقارنة مع معدل 10 شهور الذي يستغرقه البت القضائي في المسطرة العادية، ذلك أن النظر في الدعوى يتوقف في انتظار انتهاء إجراءات الوساطة التي تستغرق ما بين 3 و6 شهور.

        – عدم كفاية عدد الوسطاء المعتمدين والمقبولين والذين لا يتجاوزن حاليا 600 وسيط، والحال أن عدد القضايا يتطلب وجود 1714 وسيطا.

        –  ضعف الموارد المالية: ذلك أن خدمة الوساطة الأسرية ليست مجانية، وتدفع الدولة أتعاب الوسيط كاملة في حالات معينة، أو جزءا منها في حالات أخرى حسب الدخل السنوي للمستفيد من المساعدة القضائية، وذلك كله إذا كان القضاء هو الذي أمر بالوساطة.

وعند انتهاء المداخلات أخذت الكلمة الأستاذة الشعيبة العافطي رئيسة مؤسسة حماية بايطاليا، والتي أكدت أن جميع التدخلات كانت جد غنية بأفكار تعالج مواضيع جد حساسة خاصة النزاعات والخلافات الأسرية، لتضيف الأستاذة أنها وبدورها كممثلة للمجتمع المدني بايطاليا ورئيسة مؤسسة حماية، وهي مؤسسة تقدم خدمات متنوعة  للجالية، ترى الأستاذة أننا في حاجة ماسة إلى الوساطة لحماية الأسرة من التفكك،  والعمل على إيجاد حلول تساهم في الاستقرار الأسري، منها ما تم توقيعه من اتفاقية تمنت الأستاذة أن تخدم الجالية بديار المهجر كذلك.

  وفي الأخير أخذ الكلمة مقرر الندوة الأستاذ أحمد أماني ليتلو على مسامع الحضور تقريرا عنها، ضمنه خطوطها الكبرى وأهم التوصيات والاقتراحات التي قدمها السادة المتدخلون.

وفي الختام تم توقيع شراكة بين المركز المغربي للوساطة والتحكيم ومركز سند للوساطة الأسرية وأخرى مع مؤسسة حماية بإيطاليا.

 

 

نشر بتاريخ: 29 / 04 / 2017

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق