تقرير عن ندوة الملتقى الثالث للأسرة بالمجلس العلمي للحاجب
إعداد مونية الطراز
نظم المجلس العلمي لإقليم الحاجب ملتقاه الثالث للأسرة، يوم الأحد 26 مارس 2017، بمقر ابتسامة وسط المدينة، وكان موضوع الملتقى "مشكلة التفكك في أسرتنا المعاصرة"، انطلاقا من قول الله تعالى: ﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا﴾. وقد سيّرت هذا اللقاء الأستاذة لطيفة الكريني عضو الرابطة المحمدية للعلماء والناشطة بخلية المرأة التابعة للمجلس العلمي لمكناس، حيث أعطت انطلاقة الأشغال بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم، أعقبتها بكلمة سياقية حول الملتقى وأهميته، وناولت الكلمة بعد ذلك لرئيس المجلس العلمي للمدينة عبد الإله التاج الذي ألقى كلمة افتتاحية بالمناسبة، شدّد فيها على دور الأسرة في المجتمع، وأشار إلى ما تعرفه من تحولات، وإلى ما طرأ على الأوضاع الاجتماعية بالمغرب من تغيرات وتطورات.
وأضاف الأستاذ التاج أن ظاهرة التفكك الأسري تفرض على المجالس العلمية الاهتمام بها من حيث هي ظاهرة معضلة تحتاج لحل مشكلاتها، وتفكيك أسبابها، بدءا بتحرير المفاهيم المتعلقة بها، وتجلية آثارها وانعكاساتها، وقد نبّه في معرض حديثه إلى المخاطر الاجتماعية التي يفرزها إهمال هذا الموضوع، وشدّد بالمناسبة على أهمية التفكير في سبل الحفاظ على تماسك الأسرة وتقوية بنائها.
وبعد كلمته تفضلت الأستاذة مليكة العوان عضو المجلس العلمي بالحاجب بإلقاء كلمة حول الموضوع، فرحبت بالحضور وكل المتفاعلين مع الملتقى، وشددت بدورها على أهمية معالجة ظاهرة التفكك الأسري ونبّهت على راهنيته، كما أشادت بالأدوار التي يقوم بها المجلس العلمي للإقليم في مقاربته للموضوع.
وبعد كلمتهما السياقية والتمهيدية والترحيبية ناولت المسيرة الكلمة للدكتور إبراهيم بورشاشن، الأستاذ بالتعليم العالي والباحث في الفكر الإسلامي، ليتحدث عن "أسباب التفكك ومظاهره وانعكاساته على الأسرة" وقد بيّن عددا من الأسباب التي تؤدي في العادة إلى التفكك، وميّز بين ما يتعلق منها بالعوامل الخارجية وما يتصل بالعوامل الداخلية، وانتقل بعد ذلك إلى بيان المخاطر الثقافية التي تسلب الأسرة مرجعيتها، وقد جاء في كلمته رصد لجملة من الظواهر التي تسهم في تكريس واقع التفكك كالجهل وافتقاد التدريب على مهارات البناء الأسري وكذلك مهارات ضبط العلاقات الزوجية والوالدية. وفي هذا السياق قدّم الدكتور بورشاشن سبل الوقاية من الانحراف، وخلص إلى أهم انعكاسات هذا الانحراف على الفرد والمجتمع وعلى التنمية عموما وعلى العمران على وجه الخصوص. وأنهى مداخلته بمجموعة من الاقتراحات من أجل إعادة بناء هذا الصرح الذي يتوقف عليه صلاح المجتمع كله.
وبعد هذه المعالجة لواقع التفكك في الأسرة المعاصرة، تناولت الكلمة الأستاذة مونية الطراز الباحثة بمركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام التابع للرابطة المحمدية للعلماء، حيث ناقشت "المقومات الإسلامية للحفاظ على الأسرة" فأشارت إلى أصول الاختلال في الأسر المعاصرة والتي تعود بحسبها إلى الفلسفات المادية والنزعات الغربية، وقد تطرقت بعد هذا البيان إلى تحديد المقصود من مقومات البناء الأسري، حيث نبهت على وجود مقومات ذات بعد رباني ومقومات أخرى لها بعد مادي وأساس وضعي، وفي حديثها عن المقومات المادية أشارت الطراز إلى ضرورة توفر الباءة والاقتصاد في المعيشة، والتعاون في خدمة البيت والتوسعة في النفقة والأمن في المحيط، بيد أن هناك مقومات أخرى لها طبيعة نفسية توقفت عندها أيضا، فأشارت منها إلى مقوم الهناء الأسري والذي هو ثمرة السعي إلى إشاعة المرح والدعابة والرحمة على البيت، كما أشارت إلى مقوم الانسجام والتوافق، وإلى مقوّمات أخرى تبنيها عدّة مساعي منها تمتيع الأسرة بواجب الحنان والرعاية والتسامح، وتفهم الاختلافات على مستوى التفكير والتفاوت في الأعمار، والتغاضي عن العيوب وتغليب الإيجابيات.
وفي حديثها عن مقومات الحفظ الرباني، ذكرت الباحثة ثلاثة ركائز، منها كون الزوجية ميثاق غليظ، وكون بر الوالدين واجب مقدس، وكون صلة الرحم رباط متين، وقد استمدت هذه الركائز من عظيم الإشارات القرآنية المتعلقة بها، حيث اعتبرت أن الأسرة استأثرت بأسباب ربانية تضمن لها الحفظ وتجنبها المهالك من باب رقابة تصل المكلف بالخالق، وفي ختام مداخلتها أشارت المحاضرة إلى بعض الأبعاد العمرانية المتضمنة في فقه الأسرة، والتي اعتبرت أنها لم تنل حظها الكافي بالعناية والاهتمام من لدن أهل الفكر وعلماء الشريعة.
وبعد هاتين المحاضرتين، فتح الباب للمناقشة والتي كشفت عن تفاعل واضح مع الموضوع من قبل الحاضرين الذين أثروه باستفساراتهم وتدخلاتهم التكميلية. وقبل رفع أشغال الملتقى رفعت برقية الشكر والولاء لأمير المؤمنين محمد السادس نصره الله، تلتها آيات بينات كانت مسك الختام.
نشر بتاريخ: 14 / 4 / 2017