مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام

تقرير عن مشاركة الأستاذ إلياس بوزغاية في الجامعة الصيفية الدولية للشباب بالرباط

إلياس بوزغاية

 

 

 

بتنظيم من كرسي الإيسيسكو للتنوع الثقافي والتضامن الدولي، وبشراكة مع المؤسسة الأوروبية العربية للدراسات العليا، شارك الباحث في مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام، إلياس بوزغاية، في الجامعة الصيفية الدولية للشباب بالرباط أيام 17 – 23 أكتوبر 2016. وقد شكلت الجامعة الصيفية فرصة لمجموعة من الشباب الإسبانيين للاطلاع على مختلف جوانب الحياة في الثقافة العربية والإسلامية والمغربية على الخصوص، وذلك في سبيل تعزيز قيم التسامح والتنوع الثقافي وترسيخ معرفة صحيحة بالإسلام وقيمه المعتدلة.

كان لزاما على المنظمين أن يفتتحوا اليوم الأول بمدخل عام حول الإسلام والديانات السماوية كأساس للتعمق في ما تشتمله هذه الديانة من تنوع في المذاهب والمدارس الفقهية والأصول العرقية التي امتدت عبر تاريخ المسلمين منذ نزول الوحي إلى يومنا هذا، كما اشتمل هذا المدخل على تقديم لمحة حول مجموعة من المفاهيم مثل: الشريعة، الحديث، السنة، الإمام، الأمة، الفتوى، الفقه، الجهاد…

وقد احتلت المسألة النسائية هامشا كبيرا من النقاش في الجامعة الصيفية، حيث قدم الأستاذ إلياس بوزغاية عروضا حول الموضوع تناولت التعريف بمكانة المرأة في الإسلام من خلال كثير من الآيات والأحاديث والقصص التي تبرز الثورة الاجتماعية التي أحدثها الإسلام في حقوق المرأة مقارنة بالفترة الجاهلية،وكذلك الدور المحوري للمرأة في الإسلام كفاعلة وناشطة في المجتمع وليس بالضرورة كأم أو أخت أو ابنة تابعة للرجل. هذه المكانة التي تحتلها المرأة في الإسلام، من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية هي ما شكلت جوهر الرسالة المساواتية للإسلام بين الذكر والأنثى حيث أن القرآن الكريم يزخر ب6322 آية موجهة للرجل والمرأة على حد سواء غير أن القراءات الذكورية ركزت على 5 آيات فقط تتحدث عن القوامة والضرب والإرث والشهادة والطلاق والتعدد واختزلت فيها قضية حقوق وواجبات المرأة في الفقه الإسلامي.

الإشكالية التي تمت معالجتها في العرض الثاني هي مدى مطابقة الفقه الإسلامي والممارسات الثقافية لتعاليم الإسلام حيث تمت الإشارة إلى أن 3 عوامل ساعدت على الانحراف عن الهدي القرآني والرسالة الروحانية للإسلام بخصوص المرأة، فقد ساهمت تراكمات عقلية ما قبل الإسلام في استمرار بعض الممارسات الظالمة اتجاهها، كما ساهمت الصراعات السياسية والفتوحات الإسلامية في تهميش دور المرأة عبر أحاديث موضوعة وعبر التأثر بالثقافات الأخرى التي احتك بها المسلمون فظهر مفهوم الحريم وعزل النساء في البيوت… كما أن عملية تفسير القرآن الكريم والسنة النبوية ونقلها من وحي إلهي إلى تطبيق فقهي وقانوني ساهمت في ترجمة فهوم الفقهاء المنحازة للرجل إلى قوانين تطبق باسم الدين في حين أنها تعارض مضامين الوحي الإلهي كاعتبار عقد الزواج “عقد متعة” أو “عقد تمليك” وظهور مفهوم الطاعة كواجب قسري على المرأة، وأيضا حرمان المرأة من سياقة السيارة بحجج مستمدة من الفقه الإسلامي. كل هذا يدفع إلى التساؤل عن “من يتكلم باسم الله” كما جاء في كتاب الدكتور خالد أبو الفضل[1] وهو نفس السؤال الذي دفع مجموعة من النسائيات الإسلاميات إلى مراجعة الثرات الديني الذي يتحدث عن ذلك، وبذلك شكلن قوة ضغط وتغيير من خلال كتاباتهن لكنهن في كثير من الحالات متهمات بفقدان المصداقية والشرعية التي تخول لهن إحداث التغيير المنشود، في ظل غياب علماء ينفتحون على آليات التجديد للإجابة عن كثير من تحديات العصر بكل جرأة لا تفقد للنص الديني قدسيته ولكن تسعى لإبراز وتنزيل قيم وأخلاق هذا النص الديني بحكم صلاحيته لكل زمان ومكان

تعيش معظم النسائيات اليوم على وقع التأثر بالحضارة الغربية وخاصة مفهوم الفمنزم الذي يعرف جدلا كبيرا من حيث أصوله وامتداداته، حيث أن المصطلح ظهر عقب الثورة الفرنسية التي شكلت قطيعة بين فترة احتكار الكنيسة لتدبير شؤون العامة وفترة ظهور الدولة العلمانية وحملت ثلاث شعارات (liberté, fraternité, égalité)، حيث انتبهت النساء إلى أن شعار المساواة تم تهميشه ولم تنل المرأة حظا منه وبذلك ظهر مصطلح feminisme في إحدى المجلات وعرف رواجا كبيرا تطور وتطورت معه الدول الغربية وقامت باستعمار الدول المسلمة، وبذلك حملت معها ثقافة المساواة محملة بكثير من مظاهر الرؤية العلمانية الفوقية المتمركزة حول النموذج الغربي كرؤية وحيدة لتحرير النساء. في هذا السياق تأتي رؤية مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام بتبنيه ل”الخط الثالث” كعبارة تفيد الخروج من القالب التقليدي الفقهي المنغلق والجامد في التعامل مع القضايا النسائية في الإسلام، وكذا القالب الغربي المتعالي والرافض لخصوصية الدول والثقافات في إيجاد نموذجها الخاص لتحقيق المساواة بين الجنسين. لأجل ذلك فإن المركز ينفتح على تطور الفكر الإنساني وبراعي التحولات المعاصرة لإنتاج اجتهادات تنبع من النص القرآني وتعتمد على قراءة نسائية منهاجية أهمها: القراءة التوحيدية باعتبار أن عبادة الله هي الهدف الأسمى الذي يخلص الذكر والأنثى من العلاقة التبعية أو التراتبية بينهما، والقراءة السياقية التي تراعي ظروف وسياقات كل ثقافة وتحولات المجتمع في ضوء القيم الإسلامية، والقراءة المقاصدية التي توجه الانتباه إلى مقصد الشرع من الأحكام وليس إلى الأحكام في حد ذاتها، والقراءة الشمولية التي تأخذ بعين الاعتبار أن القرآن يفسر بعضه بعضا لتحقيق الحكم الصحيح عكس القراءة التجزيئية والانتقائية له.

في الأخير، اختتم الباحث إلياس بوزغاية عروضه بالإشارة إلى النموذج المغربي في مسار معالجة قضية المرأة وفق مقاربة توافقية بين مختلف التيارات والتي أفضت إلى إخراج قوانين تجمع بين مقتضيات الشرع الإسلامي الحنيف ومقتضيات الواقع المتحول كما حدث في مدونة الأسرة ودستور 2011 عبر التحكيم الملكي والمقاربة التشاركية في المجتمع المدني والتي مازالت تحتاج لمزيد من الجهود من أجل تطبيق سليم لها على أرض الواقع.

الجامعة الصيفية التي حققت كثيرا من أهدافها عبر نقاشات مستفيضة حول المواضيع المطروحة زخرت أيضا بعدد من الزيارات واللقاءات للعديد من المؤسسات والمواقع الثقافية والدينية ككاثيدرائية سان بيير بالرباط ومسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء ومتحف الثرات اليهودي ومؤسسة محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والرابطة المحمدية للعلماء، ليتم إسدال الستار على فعاليات الجامعة الصيفية بلقاء شبابي جمع بين الطلبة الإسبانيين ومجموعة من الطلبة المغاربة ناقشو فيه معظم القضايا الراهنة في جو من التفاعل الحماسي والاحترام المتبادل والقبول بالاختلاف  

 

نشر بتاريخ: 25 / 10 / 2016 

 


[1] https://www.amazon.com/Speaking-Gods-Name-Islamic-Authority/dp/1851682627

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق