مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام

تقرير عن محاضرة: “النساء العالمات في التراث العربي”

في إطار سلسلة المحاضرات المباشرة عبر منصة التواصل الافتراضي (zoom)، نظم معهد المخطوطات العربية محاضرة بعنوان: “النساء العالمات في التراث العربي“، وذلك بتاريخ 8 محرم 1442هـ، ألقاها د.إبراهيم البيومي غانم، أستاذ في المركز القومي للبحوث الاجتماعية المصري، وأدارها د. فيصل الحفيان مدير المعهد.

استهلت المحاضرة بكلمة د. فيصل الحفيان، التي خصصها لوضع إطار نظري؛ أبرز فيه الحاجة لطرق الموضوع وأهم أسئلته وإشكالاته؛ وملاك ما ذكره أنه  في الزمن الذي علت فيه أصواتٌ محاولة تجاوز ما كان من تغييب للمرأة العربية، وجب تمحيص ما يقال في ذلك، وبحث الحقيقة التاريخية لإسهاماتها في مجال العلم، وكذا ما يشار إليه من أن المرأة العربية المسلمة كانت غائبة أو مغيبة. ويتفرع عن هذا تساؤلات عن مشاركة المرأة العربية المسلمة في بناء العلم، وحدود تلك المشاركة وطبيعتها، وكذا عن مشروعية عقد موازنة بين إسهام المرأة من جهة، وإسهام الرجل من جهة أخرى.

وفي محاولة لتقديم إشارات تحفز الأذهان للتفكير في الموضوع، ذكر مدير الجلسة أن التاريخ يشهد بالحضور القوي للمرأة في الحياة العلمية، مستدلا على ذلك بما حفظ لنا من أسماء عالمات وشاعرات وخطاطات وناسخات، وكذا ما ألف عن أعلام النساء وتراجمهن.

وفي إشارة إلى ما يقال عن قلة المؤلفات المنسوبة إلى النساء، ألمح إلى أن ذلك لا ينفي مشاركتهن في العلم؛ فالحياة العلمية أوسع وأرحب. وأردف بأن الغياب عن ميدان التأليف والتصنيف قد لا يكون حقيقيا، وقد يتحمل مسؤوليته التاريخ الذي طوى عنا الكثير من الأخبار وبخاصة أخبار المرأة التي لها خصوصيتها في الحضارة الإسلامية، كما قد يتحمل مسؤوليته من ألف في كتب التراجم فغفل عن هذه المسألة. دون أن تفوته الإشارة إلى أن المتقدمين لم يغفلوا عن ذكر النساء غفلة تامة، بدليل ما نلفاه من أسماءهن ومالهن منثورا في تضاعيف كتبهم،وكذا إفرادهن ببعض التصانيف.  وختم ببيان أن مشاركة المرأة في الحياة العلمية ما كانت في العلم نفسه وحسب، وإنما في صناعة صناع العلم من الرجال أيضا.

وقبل التعريف بالمحاضر، ألمع إلى أنه لا يراد من المحاضرة مساوقة الموجة المتحدثة عن حقوق المرأة، وإنما الغرض أن يولج إلى الموضوع من بابة العلم والثقافة والوعي بالتاريخ.

ليرحب بعدُ بالحاضرين، الذين خص منهم د. بشار معروف عواد، و د.أحمد الضبيب، و د.سعد مصلوح، و د.أحمد الهيب  وغيرهم.

ثم تناول الكلمة الأستاذ المحاضر، د.إبراهيم البيومي غانم، الذي عبر عن شكره وعظيم امتنانه للسادة العلماء والحضور الكريم، وأبرز أن ما سيعرضه دائر في فلك الإطار العام الذي قدمه د. فيصل الحفيان.

ولقد طرق المحاضر في مداخلته جملة مسائل، يمكن إجمالها على النحو الآتي:

  • أولا: الإطار المرجعي للعلم والمعرفة في الرؤية الإسلامية.

         لما كان موضوع المحاضرة حديثا عن النساء العالمات، فإن أول ما ارتأى المحاضر التوطئة به، التذكير بأن ما ورد في القرآن الكريم والسنة المشرفة من حديث عن العلم وحض عليه، هو الذي يمثل   الإطار المرجعي المعرفي الأعلى لمفهوم العلم في الرؤية الإسلامية، ومنه يتبين مفهوم العالم.

ثم انتقل المحاضر إلى بحث مفهوم العالم، فأورد أمثلة من تعريفات العلماء، وخلص إلى أنهم كانوا بين مضيق وموسع، وبين مخصص ومعمم، وأن هذا المفهوم كانت له أهمية بارزة في الثقافة والوعي والتراث. أما في الإعمال المعاصر فيكاد ينصرف مفهوم العالم إلى من نذر نفسه للعلم، وتخصص في باب أو مجال معين حتى أصبح معروفا به وعلما عليه.

  • ثانيا: حضور المرأة في التراث العربي الإسلامي من خلال عرض إحصائي.

بقصد بحث حضور المرأة في التراث العربي الإسلامي في إنتاج العلم والمعرفة، وفي توارث العلم وتدريسه وكذا رعاية العلم والعلماء، وبغية الإشارة إلى مجموعة مسائل في الموضوع، انطلق المحاضر من إحصاءات استقاها من نماذج من كتب التراجم؛ وذلك على النحو الآتي:

  • عز الدين الصفدي ( 764هـ ): ترجم ل 12000 شخصية، ليس منهم سوى 50 امرأة، وقد اختار  المحاضر أنموذج موسوعة الصفدي بغرض الإشارة إلى أن بعض المترجمين لم يهتموا كثيرا بإثبات تراجم خاصة بالمرأة وإسهاماتها في العلم والمعرفة.
  • عمر رضا كحالة في موسوعته “أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام”: ترجم لحوالي 2800 امرأة، منهن 2761 عربية. ولقد أشار المحاضر إلى ندرة ما جاء في هذه الموسوعة من نساء مؤلفات، وعقب على ذلك بعدم سلامة الاقتصار على مفهوم التأليف في بحث حقيقة إسهام المرأة العربية المسلمة في التراث وإنتاج العلم والمعرفة؛ لعدم انحصار إنتاج العلم والمعرفة في التأليف والكتابة.
  • خير الدين الزركلي في “الأعلام”: ذكر 13 عشر مؤلفة في فروع العلم المختلفة.
  • محمد خير رمضان يوسف صاحب كتاب “المؤلفات من النساء ومؤلفاتهن في التاريخ الإسلامي”: وقف على 36 مؤلفة .
  • ثالثها: كثرة المحدثات والراويات:

بعد أن عرض المحاضر نتائج الإحصاء الكمي لما ورد في بعض المؤلفات، انتقل إلى بحث نوعي عن طبيعة الموضوعات التي اعتنت بها المرأة العربية،متخذا موسوعة عمر رضا كحالة منطلقا لدراسته.

ومما خلص إليه كثرة المحدثات والراويات للحديث النبوي؛ فقد ذكر عمر رضا كحالة حوالي 2800 امرأة منهن 1227 محدثة وراوية وهي نسبة تصل إلى أكثر من 50 بالمائة  إذا قورنت بباقي التخصصات.

وفي محاولة لبحث علة ذلك، عرض المحاضر بعض ما قيل في الموضوع، موردا  رأي  د.محمد خير رمضان الذي علل المسألة بمناسبة الحديث النبوي من حيث اعتماده على السماع والرواية لطبيعة المرأة، ليعقب د.إبراهيم البيومي غانم بأن هذا التفسير ليس مقنعا، وبأن المسألة تحتاج إلى نظر يستند إلى أبعاد معرفية واجتماعية، ويأخذ بالحسبان حركية العلم والتعلم في تلك الأزمنة من التاريخ العربي الإسلامي.

ثم انتقل المحاضر بعدُ إلى سَوق بعضٍ مما كان عليه واقع المرأة في تحمل الحديث وتدريسه، مستندا في ذلك إلى ما ذكره  الدكتور محمد بن عزوز في كتابه ” صفحات مشرقة من عناية المرأة بصحيح الإمام البخاري رواية وتدريسا”، من نماذج لمحدثات، وما كان من إجازات المحدثين لزوجاتهم وبناتهم وتلميذاتهم، وسماعات كبار المحدثين على النساء وسماعات كبار المحدثات على الرجال.

وعن الأماكن التي كن يؤدين فيها وظائفهن في التدريس، ذكر المحاضر أنموذج دار الحديث الأشرفية، حيث كانت تأتيها النساء تلميذات وشيخات. ليخلص إلى أن كل ما سيق دال على أن مسألة عناية المرأة بالحديث تحتاج إلى تفسير اجتماعي نفسي معرفي، يبدأ بالقيم والمبادئ وأخلاقيات العلم في الإسلام دون تشويش.

  • رابعها: أنماط أخرى من إسهام المرأة في التراث العربي.

بعد الحديث عن عناية المرأة بالحديث النبوي الشريف، انتقل المحاضر إلى الكشف عن إسهامها في الكتابة ويقصد بها النساخة أو التأليف، وقد ضرب على ذلك أمثلة: لبنى الأندلسية (374هـ) التي كانت كاتبة الحكم المستنصر، وفاطمة بنت زكرياء بنت عبد الله الكاتب المعروف بالشبلاري (427هـ ).

وعن عناية المرأة بأهل العلم، ذكر المحاضر نماذج من ربات البر والإحسان؛ مثل: آسية بنت إسماعيل الأعظمي، وآمنة بنت محمد بن الحسن بن طاهر القرشية، وفاطمة بنت عبد الله الفهرية .

  • خامسها: الإطار النظري للموضوع.

عمد د.إبراهيم البيومي غانم إلى تلخيص ما ذكره في ربط الموضوع بما أسماه النظرية العامة للعلم والعلماء، والتي بين أنها مدارها على ثلاثة مقاصد تطابق وظائف معينة:

  • الوظيفة الأولى : هي وظيفة النقل والتثبيت : ويقصد بذلك نقل الأصول العليا للمعرفة؛ مثل: القرآن الكريم والحديث النبوي وعلومهما، التي يرى أنها لا تحتاج إلا إلى ذاكرة قوية وحافظة متينة وتدقيق وتثبيت.

كما يجد أن جل إسهامات النساء في التراث العربي الإسلامي مندرج تحت هذه الوظيفة،  بنسبة تصل إلى أكثر من 85 بالمائة، باعتبار الإحصاءات المستجمعة من مؤلف د.عمر رضا كحالة.

  • الوظيفة الثانية: هي وظيفة الدحض والتفنيد: ويريد بذلك رد الشبهات وتفنيد الافتراءات، وهذه تحتاج إلى إعمال العقل و الحوار، والمقارنة والنقد و الإتيان بالحجج.

وعنده أن ما يندرج من إسهامات المرأة تحت هذه الوظيفة، لا يجاوز 10 بالمائة من إجمالي الإحصاءات المتاحة من المدونات الكبرى .

  • الوظيفة الثالثة: هي الاجتهاد والتجديد: ويريد به الاجتهاد في النوازل والمشكلات، والتجديد في حل المعضلات، و تحمل مسؤولية بيان الحكم الشرعي وإبلاغه والإرشاد إليه. وقد ذكر أن إسهام المرأة في هذه الوظيفة لا يجاوز 5 بالمائة.
  • سادسها: إسهام المرأة ومشاركتها في بناء مجتمع العلم والمعرفة في العصر الحديث.

     اختتم المحاضر مداخلته بالإشارة إلى إسهام المرأة في العصر الحديث، حيث وقعت تحولات  كبيرة في المنظومة كلها ويشمل ذلك خريطة العلم والعلماء، و تقنيات وأدوات العلم والتعليم، و المناهج والمقررات.

ولقد اعتبر المحاضر أن أهم ما حصل من تغيير أيلا إلى أمرين:

  • ترسيم التعليم: أي جعله حكوميا بعد أن كان مسؤولية مجتمعية حرة مدعومة بأموال الأوقاف.
  • تعميم التعليم.

ليبين أنه بهذين المتغيرين، أصبحنا أمام بيئة جديدة كثرت فيها المتعلمات وقلت العالمات، إذ إن المعتمد في انطباق وصف العالمة النظر إلى التأليف والتخصصات الدقيقة، مؤكدا على أن هذا لا يكفي وحده ليبرز إسهام المرأة ومشاركتها في بناء مجتمع العلم والمعرفة في التراث العربي الإسلامي، مما يستدعي ضرورة توسيع مفهوم مساهمة المرأة في العلم.

ولقد تليت المحاضرة بمداخلات ألقاها جمع من العلماء والباحثين، تلتها أجوبة المحاضر، لتختتم الجلسة بكلمة شكر من د. فيصل الحفيان، للمحاضر والحاضرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق