مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام

تقرير حول برنامج المراقب الدولي ج.2

مونية الطراز

 

 

يوم 21 أبريل ودّعنا الطلبة المشاركين في المؤتمر، وتوجهنا بعد ذلك إلى مقر مؤسسة تبادل الثقافات والحضارات(CECF)  للاطلاع على مرافقها وطلبا للمزيد من المعلومات حول الأنشطة التي تقوم بها،  وعقب هذه الزيارة عرجنا على مسجد الرحمة القريب، ومنه اتجهنا صوب مدينة نيوجيرسي للمبيت، ومنها إلى نيويورك في اليوم الموالي، فقمنا أولا بجولة في المدينة، زرنا فيها تمثال الحرية، ومكان برج التجارة العالمي والمسجد بقربه الذي أثيرت حوله مشكلة منذ سنتين.

بعد هذا قمنا بزيارة المركز الإسلامي الرئيسي في نيويورك، وتعرفنا على أدواره الطلائعية في التربية والتعليم، وتبادلنا الحديث مع المشرفين عليه قبل أن نقوم بجولة في مرافقه الشاسعة ذات الخدمات المتنوعة.

وفي اليوم الثاني من الإقامة في نيويورك، زرنا كنيسة سان جون، والتي تعد أكبر كنيسة في الولايات المتحدة الأمريكية. ورفقة القساوسة المشرفين على هذه الكنيسة تدارسنا سبل محاربة العنف في العالم، وقُدّمت بالمناسبة من الوفد المغربي توضيحات للقسيسين حول تجربة المغرب في تطوير مؤسساته الدينية، كما قدّم الوفد تعريفا عاما عن برنامج المملكة للحد من ظاهرة التطرف الديني. وقد كانت المدارسة مفيدة للغاية للجانبين معا، وأثمرت في الطرفين قناعات تجاه قضايا تشكّل همّا مشتركا لدى الجميع. وعلى سبيل التعريف بالأدوار التاريخية التي تقوم بها الكنيسة، قادنا أحد القساوسة في جولة استطلاعية لفضاءاتها.

 وعلى إثر ذلك توجّهنا إلى مسجد تامبكتو حيث كان لنا لقاء مع إمام المسجد، ثم غذاء مع جالية مالي نوقش فيه موضوع: “الرحمة في حياتنا اليومية: دعوة للتفعيل”.

وفي مساء هذا اليوم عدنا إلى واشنطن.

صبيحة 24 أبريل وفي جامعة جورج تاون Georgetown بواشنطن حضرنا أشغال مؤتمر أقامته الجامعة بشراكة مع مبادرة كلمة سواء، وحمل عنوان: “حدود الحرية والتعددية الدينية: الشيطان يكمن في التفاصيل” وتطرق المؤتمرون في معرض مداخلاتهم إلى قضايا تتعلق بتحديات التعددية الدينية، كما تطرقوا إلى الصراعات التي تنشأ بين المجتمعات بسب سوء تدبير العلاقات المسيحية الإسلامية. 

وعلى هامش المؤتمر حظينا بفرصة اللقاء مع المفكر المسيحي جون إسبوزيتو John L. Esposito، رئيس مركز الوليد بن طلال للتفاهم الإسلامي المسيحي، وكان ذلك بمقر المركز الكائن بالفضاء الجامعي، وقدّمت لنا في هذه الزيارة توضيحات وشروحات حول عمل المركز من طرف رئيسه ذو الشهرة الواسعة، وقد أهدى لنا مشكورا مجموعة من تآليفه وكتبه.

وفي يوم 25 أبريل زرنا مكتب الحريات الدينية العامة، بوزارة الخارجية الأمريكية، حيث قدّمت لنا شروحات حول عمل المكتب وكيفية إعداد التقارير عن الحالة الدينية في العالم، وقد أثارنا الحضور الملفت للأطفال داخل الوزارة، ذلك أن هذا اليوم صادف اليوم الذي تخصصه الوزارة -على غرار باقي الوزارات والمؤسسات- لاستقدام الأطفال لمقرات عمل أوليائهم تحت شعار “احضر ابنك للعمل”.

وفي مساء هذا اليوم زرنا المجلس الأمريكي للتعليم الدولي (YESPOOGRAMS) التابع للخارجية الأمريكية والذي تشرف عليه السيدة سحر تمّان، وهي أمريكية من أصول مصرية، وقد اطلعتنا على أنشطة هذه المنظمة وما تقوم به من عمل على ترسيخ الحوار الديني والثقافي بين الأمريكيين والعالم العربي، وبيّنت في معرض حديثها، علاقات التنسيق التي تجمعها بالإمام محمد بشار عرفات، على غرار علاقات متعددة تتوخى نفس الأغراض.

السيدة تمان عرضت بين أيدينا الإنجازات والمشاريع التي أنجزها الطلبة الذين استفادوا من هذا البرنامج في السابق، وبيّنت كيف أفادوا بلادهم بهذه التجارب. ولم يفتها أن تشير إلى أن عمر المنظمة يمتد إلى 36 سنة خلت، وأن آثارها لا تخفى على المستفيدين بشكل عام.

بعد ذلك لبى الوفد دعوة لحضور حفل عشاء مع “مجموعة عمل مجتمع الإيمان” والتي اجتمعت تحت شعار: من أجل مواجهة أعمال العنف في اتحاد وأمل، وذلك على إثر التفجيرات الإرهابية التي عرفتها بوسطن.

يوم 26 أبريل قمنا بزيارة مجلس الشيوخ الأمريكي بقصد التعرف على العضوين المسلميْن الوحيدين بالمجلس، السيد Keeth Elison و John Carney.  وظهر لنا من خلال الإحصائيات المقدّمة أن التمثيلية لا تليق من حيث العدد بالوجود الإسلامي في أمريكا، وهذا عزاه نائب أحد العضوين إلى العزوف السياسي الذي يغلب على المسلمين في هذا البلد.

ومن الكونغرس انتقلنا إلى السفارة المغربية، حيث وجدنا في استقبالنا نائب السفير السيد عبد الرحيم رحالي والسكرتير العام للسفير السيد محفوظ بحبوحي فتحدثا عن طبيعة العلاقات المغربية الأمريكية، والتي تتميّز بروح التفاهم والانسجام والاحترام المتبادل، وقرّبانا من الظروف العامة التي يعيشها المهاجرون المغاربة، كما كشفا عن التميّز الذي يطبع الوجود المغربي في الولايات المتحدة الأمريكية. وفي حديثه عن أهمية الحوار الثقافي والفكري أشار نائب السفير إلى أن الجهل بقيم الآخر سبب من أسباب الصراع الأساسية، وبهذا الصدد يسعى المغرب إلى إطلاق دورة للحوار الاستراتيجي تشمل الحوار السياسي الثنائي، وحوار الصراع في الشرق الأوسط، وجانب التعاون الأمني ومحاربة التطرف والحفاظ على السلم، مثلما تشمل التعاون الاقتصادي الذي كان من أولى نتائجه تدشين مناظرة وطنية، شارك فيها رجال المال والأعمال، وتشمل الدورة  أيضا الحوار بين الثقافات والأديان. وقد أثنى سكرتير السفير على جهود الرابطة المحمدية للعلماء في شخص أمينها العام الدكتور أحمد عبادي، واعتبر أن الجهود التي يقوم بها أصبحت وسام فخر تعتز به السفارة المغربية في أمريكا. هذا وقد ذكّر نائب السفير والسكرتير العام بأهمية استحضار البعد الإفريقي للمغرب، كما شكر السفارة الأمريكية في الرباط لقيامها بمثل هذه البرامج(IOP).

وبعد صلاة الجمعة التي أقيمت في مبنى الكونغرس زرنا المؤسسة الإسلامية لشمال أمريكا ISNA) ( وهي من بين أهم المنظمات في أمريكا، وفي لقائنا مع مديرتها السيدة مرغريت صديقي Margaret M. Siddiqi التي أسلمت منذ ثمان سنوات، قُدّمت لنا صورة عامة عن طبيعة عمل هذه المؤسسة، والتي من بينها التأسيس لحوار الأديان، والعمل في إطار علاقات سياسية مع البيت الأبيض، وأشارت مديرة المنطمة إلى بعض خصائص هذه المؤسسة من قبيل مناهضة التعذيب والتوقيف التعسفي من الشرطة وتشجيع الحرية الدينية والحرية الشخصية. وكشفت عن وجود أطياف مذهبية في صفوف المنظمة، مما اعتبرته عامل غنى يُضفي شرعية زائدة على المؤسسة. وقد نوّهت السيدة مرغريت بعمل المرشدات الذي يميّز الحقل الديني المغربي، وهذا ما اعتبرته سبقا في التجربة المغربية بيد أن غيابه في نظام المنظمة  من النواقص الطاعنة في عملها، حيث يقتصر عمل النساء في المنظمة على الأعمال الاجتماعية.

يوم 27 أبريل انتهى البرنامج بشكل رسمي، مما خوّل لنا فرصة للراحة والاستجمام والتسوق.

 وفي مساء هذا اليوم حضرنا حفل الذكرى الخامسة والعشرين لتأسيس مدارس الرحمة الكائنة بمسجد الرحمة الذي سبق للوفد زيارته.

وكان آخر يوم من أيام هذا البرنامج الحافل هو يوم 28 أبريل، وخصص لتقويم أنشطة البرنامج، ولإبداء الآراء والاقتراحات حوله، وقد تخلّل هذا اللقاء مداولة حول بعض التوصيات التي من شأنها أن تفيد في تطوير عمل البرنامج في المستقبل.

وتوجّه الجميع بعد هذه الجلسة إلى المطار وعدنا إلى أرض الوطن بذكرى طيبة عن البرنامج وعن حسن وحفاوة الاستقبال التي حظينا بها إلى جانب المراقب السوري الدكتور عبد الفتاح السمان الذي كان وجوده عامل غنى حقيقي للبرنامج، من خلال إضافاته العلمية واجتهاداته القيّمة التي كان يتحف بها المجموعة، ويضفي بها إفادات بطعم المرح والطرافة.   

ويمكن تلخيص الأنشطة التي انخرط فيها الوفد المغربي والإفادات التي حصّلها خلال فترة إقامته بأمريكا طيلة أسبوعين فيما يلي:

-الوقوف على التعدد الثقافي والديني في أمريكا اليوم.

-التعرف عن قرب على حياة المسلمين في أمريكا، ومساهماتهم في المجتمع ككل.

-اكتشاف تاريخ وتطور مبادرات التعايش في أمريكا.

-المشاركة في محافل الزعماء الدينيين من خلفيات متنوعة وثقافات دينية مختلفة.

-إجراء حوارات مباشرة مع أفراد المجتمع من خلال ندوات، لقاءات، حضور مناسبات فيها ممثلين عن ديانات مختلفة.

-مراقبة العملية الديمقراطية والمشاركة السياسية للمسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية.

وتبقى الإفادة الأكبر من هذا البرنامج، ما لمسناه في عمل الإمام محمد بشار عرفات من غيرة كبيرة على الإسلام والمسلمين، ومن تفان في البحث عن المشترك الإنساني الذي يمكن أن يذوّب الخلافات ويجمع الشتات، ومن شأنه أن يحقق السلم والسلام والأمن والأمان للعالمين، وقد أثبت الإمام بحق أن المبادرة إلى الإصلاح تحتاج بعد الفكرة إلى نكران الذات وإخلاص العمل والسعي بالخير إلى الناس، وهذا أكبر درس تعلمناه. فالإمام قدوة قلّ نظيرها في هذا المجال.

 

نشر بتاريخ: 24 / 06 / 2013

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق