مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام

تقرير حول برنامج المراقب الدولي ج.1

مونية الطراز

 

 

 

في إطار سياسة الانفتاح التي تنهجها الرابطة المحمدية للعلماء، ووعيا منها بأهمية التواصل والتعاون في خدمة مصالح الإنسان، وإيمانا بأهمية تمتين أواصر القربى بين المسلمين في شتى أنحاء المعمور، وأهمية الحوار بين المسلمين وغيرهم من الديانات والثقافات الأُخَر؛ لبت الرابطة مؤخرا دعوة حميدة من وزارة الخارجية الأمريكية، للاطلاع على جهود الولايات المتحدة، في حفظ الحريات الدينية وتشجيع الحوار، فكانت الزيارة فرصة لبعثة الرابطة من أجل الوقوف على واقع المسلمين في أمريكا، ومناسبة للتعرف على واقع الأديان الأخرى وعلى برامج المؤسسات الدينية والعلمية والسياسية التي تخدم التعدد الثقافي والتنوع الديني في هذا البلد.

هذه الزيارة كانت تحت إشراف مؤسسة تبادل الثقافات والحضارات ((CECF التي يرأسها الإمام محمد بشار عرفات، وفق برنامج المراقب الدولي(IOP) وهو البرنامج الذي امتد من 14 أبريل الماضي إلى 28 منه، وحفل بالأنشطة واللقاءات ذات القيمة العالية.

تعريف بالبرنامج:

يتطلع برنامج المراقب الدولي إلى الإسهام في مد جسور التعارف بين مسلمي أمريكا وإخوانهم في العالم الإسلامي الكبير، كما يهدف إلى إتاحة فرص التواصل بين المؤسسات الدينية الإسلامية وغير الإسلامية والمنتديات الثقافية الأمريكية من جهة، والتمثيليات عن المؤسسات العلمية والدينية الرسمية المنتشرة في الأقطار الإسلامية من جهة أخرى؛ وتكون الزيارات فرصة للوقوف على أسلوب الحياة في أمريكا، وظروف الممارسة الدينية في هذا البلد، بعيدا عن الصورة النمطية التي يرسخها الإعلام بالأذهان والتي لا تعكس الحقيقة على الدوام.

 يهدف البرنامج ضمن ما يهدف، إلى إتاحة الفرصة للوفود والبعثات للتعرف عن قرب على الحياة العامة في أمريكا وعلى الظروف التي يعيشها المسلمون، والمسارات التي سلكوها لحفظ وجودهم ونشر دعوتهم وتسهيل اندماجهم عبر السنين. أما الغاية الكبيرة التي يهدف إليها المشرفون على هذا البرنامج فهي إيجاد أرضية سالكة للتواصل، يسهل معها الحوار، وتنقدح بوجودها بعض المجاهيل حول الدين في أمريكا، وتنكشف الوجوه المشرقة للإسلام المنفتح على كل المكونات والثقافات -في هذا القطر الأعجمي-  ولذلك اختير للبرنامج شعار معبّر جامع هو قوله تعالى: “وجعلناكم شعوباَ وقبائل لتعارفوا “، وقوله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام: “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”.

ومن أهداف البرنامج أيضا التعرف على آليات وأوجه التعاون الذي يربط بين المسلمين فى أمريكا وبين المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي، ومن بينها الرابطة المحمدية للعلماء، وكذا التعرّف على التجارب التي يكتسبها الشباب القادم إلى أمريكا من كل أنحاء العالم في إطار برنامج التبادل الثقافي الدولي، حيث تقيم نخبة مختارة من الشباب لمدة سنة لدى عائلات أمريكية ويتم اختيار أفضلهم لحضور مؤتمر مهم تقيمه مؤسسة CECF ثلاث مرات سنوياً ويسمى Better Understanding for a Better World “نحو فهم أفضل لعالم أفضل” ويُرمز له ب: (BUBW). ويركز المؤتمر على أهمية احترام الإنسان وفهم عقيدة ودين وثقافة الآخر كما يركز على أهمية الإبقاء على هذه الصلات قوية وعلى هذا المستوى العالمي.

ولقد تميّز البرنامج عموما بمناقشة قضايا من قبيل تفاعل المسلمين مع المجتمع الأمريكي وإسهاماتهم في هذا المجتمع.

تقرير مفصّل عن البرنامج: 

تشكّل الوفد المشارك في برنامج “المراقب الدولي” من تمثيليتين: الأولى عن الرابطة المحمدية للعلماء في شخص الدكتور عبد الصمد غازي رئيس موقع مسارات، والأستاذة مونية الطراز الباحثة بمركز الدراسات والأبحاث في القضايا النسائية في الإسلام، والثانية عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في شخص كل من الأستاذ ياسين حوحود، والأستاذة زكية حداد. فيما انظم إلى هذا الوفد الدكتور عبد الفتاح السمان الباحث والإعلامي السوري.

 في يوم 15 أبريل، وهو أول أيام البرنامج، وفي فندق حياة بالاص وسط ولاية فرجينيا، اجتمع الوفد بالإمام محمد بشار عرفات، الذي قدّم –بعد الترحيب- عرضا عن أحوال المسلمين في أمريكا وعن المجتمع الأمريكي والتحديات الاجتماعية التي يحيا فيها، وتحدّث عن الفضاءات الواسعة للديمقراطية الأمريكية وما تتيحه من فرص كبيرة للحوار.

وفي سياق حديثه عن قابلية الأمريكيين للحوار، نبّه الإمام على أهمية فتح قنوات للتواصل من أجل بسط رسالة الإسلام المشرقة وإرساء قواعد عملية للتعايش والانسجام، وأشار بالمناسبة إلى الأدوار التي يمكن أن تضطلع بها المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي، والآمال المعقودة على مثل هذه الزيارات التي يندرج ضمنها برنامج المراقب الدولي، والأثر الذي يمكن أن يوقعه خريجوه.

في الحصة المسائية انتقل الوفد لزيارة معهد آدم، وهو مؤسسة إسلامية تُعدّ من بين أهم المؤسسات التي تباشر التأطير الديني بفرجينيا، وكانت فرصة للتعرف على أنشطته من خلال شروحات قدّمها المدير العام وأحد أعضاء مجلس الإدارة الذي يضم 13 مديرا، فقدما أرقاما تعكس أهمية العمل الذي تقوم به المؤسسة، وكشفا عن الجهود التي يبذلها المشرفون لتأمين التأطير الديني والرعاية الاجتماعية والتربوية لصالح 6000 عائلة. معهد آدم حسب إفادات القائمين لا تقتصر خدماته على الطلبة الراتبين، بل تمتد إلى الكبار والنساء في إطار برامج خاصة تبدأ بعد صلاة الفجر. ويزيد قطر الخدمة ليشمل حتى غير المسلمين من خلال قسم تعليمي خاص بهذه الفئة يعرّفهم بالإسلام، أطلق عليه اسم (1.0.1) ويَعرف إقبالا منقطع النظير خصوصا من جهة الإناث.

ولا يُهمل المعهد النسق الثقافي والحضاري الذي يوجد ضمنه، ولذلك يعمد إلى التعاون مع كل المؤسسات الدينية التي ترمز إلى التنوع الديني، وعلى رأسها الكنائس والمعابد اليهودية. ويسعى المعهد بهذا الصدد إلى تصحيح نظرة هذه المؤسسات إلى الإسلام، والتأكيد على خصائص المرونة والاعتدال التي تطبع التشريع الإسلامي، وقيم التسامح والميل إلى الحوار، وغيرها من قيم النبل التي تؤسس الخطاب الإسلامي. كما ينسّق المعهد مع الجهات المسئولة التي يحرص على حفظ علاقات الاحترام المتبادلة بينهما. وقد صار للمعهد اليوم، وبفضل المجهودات الكبيرة التي يبذلها، وجودا في عدد من الولايات خارج فرجينيا، وأمله معقود على تغطية كل الولايات الأمريكية.

بعد هذه الزيارة اجتمعنا مع الإمام محمد بشار عرفات بالفندق، حيث تحدّث إلينا عن الدين والثقافة، وعن الفقه الديبلوماسي وضرورة التفكير في التأسيس لقواعده في الزمن الحاضر.

في اليوم الثاني توجهنا إلى واشنطن العاصمة، فزرنا مكتبة الكونغرس الأمريكي، المَعلمة التي يفاخر بها الأمريكيون، ووقفنا على ضخامتها، ووجدنا لمرافقها نسمات من عبق التاريخ وحكايات تهمس بفصول من البناء والتشييد. ولقد لاحظنا أن المكتبة كما تُخزّن المعرفة بين جدرانها، توثّق لأعلام الفكر والفلسفة ورواد العلوم والمعارف في شتى الشعب العلمية والصنوف الأدبية.

وغير بعيد عن بناية الكونغرس ومكتبتها زرنا المحكمة الدستورية التي تُعتبر بدورها لبنة من لبنات أمريكا الحديثة، وتحت سقفها تلقينا شروحا حول طريقة إجراء المحاكمات وسير الجلسات، وعلمنا كيف استُقِيَت مواد القوانين التي تُرعى بها العدالة في أمريكا من جميع الديانات والشرائع.

وفي متحف الفضاء في واشنطن، الذي احتضن أول طائرة من صنع أمريكي وأول صاروخ صعد إلى القمر، تعرفنا على بعض المحطات التاريخية ذات الصلة بصناعة الطائرات، وقد لمسنا في هذه الزيارة أسرارا من طفرة أمريكا في هذا المجال.

يوم 17 أبريل وفي فندق شيراتون ببالتمور ولاية مريلاند، كان لنا لقاء مع السيد بيتر كوفاش piter kovach ديبلوماسي متقاعد، متعاون مع وزارة الخارجية الأمريكية، وصاحب رصيد هائل من التجارب والخبرات في مجال الدين والسياسة والعلاقات العامة، ومتخصص أيضا في الديانات الشرقية؛ حدثنا انطلاقا من تجاربه عن الدين والدبلوماسية العامة، وأوضح لنا مكامن الصعوبة التي تعترض كل إنسان يختار الانفتاح على العوالم الجديدة دون معرفته العميقة بمقومات هويته، كما تحدّث عن أهمية الحوار بين الحضارات وضرورة التفكير في إيجاد قواعد متينة للتفاهم وتحقيق السلم بين الشعوب، وأوضح في حديث ذي صلة بالموضوع أن السياسة الأمريكية تسير في هذا الاتجاه الذي يندرج ضمنه برنامج المراقب الدولي، وأبرز أن الحوار بين الأديان قد يتخذ أشكالا دقيقة في التعبير كما هو الحال بالنسبة للمهرجان السنوي للموسيقى الروحية الذي يقام بفاس. وبيّن أن الولايات المتحدة تسعى إلى استثمار المكوّن الروحي وسيلة للتواصل مع الشعوب الأخرى، وذكر أن هذا ما كان ينقص استراتيجياتها وهو ما تسعى اليوم إلى تداركه، خصوصا مع تجذر القيم الدينية في الشعب الأمريكي. وأشار بالمناسبة إلى أن أمريكا من أكثر الشعوب تدينا خصوصا إذا قيست مع الدول الغربية. 

  ومباشرة بعد هذا اللقاء توجهنا إلى جامعة نوتردام Notre Dame، حيث كان في استقبالنا أستاذات علم الأديان، بادلناهن الحديث حول المادة المُدرّسة، واستطلعنا منهن ظروف العمل وطبيعة الدروس المقدّمة، ومحاور المواد التي تعرض على الطلبة ومصادرها، وإقبال الطلبة على دراسة هذه المادة. ولم يخل هذا اللقاء من حفاوة الترحيب ولطف المعاملة.

بعد ذلك زرنا مسجد الحق، الذي يعد من أقدم المساجد ببالتمور، والذي يجسّد نموذجا واضحا للانتشار الإسلامي وسط الأمريكيين من أصول إفريقية منذ أواسط القرن الماضي؛ فالمسجد أسس سنة 1966، ولازال إلى اليوم يؤدي وظائف الإرشاد الديني وإعادة إدماج المساجين في المجتمع، إضافة إلى العديد من الأنشطة الاجتماعية والدعوية.

ولقد كان مسطرا في البرنامج الاطلاع على الظروف الأمنية ودور الجهاز الأمني في حفظ الممارسة الدينية وضمان الحريات العقدية، وعلى هذا الأساس جالسنا مدير مقاطعة بالتمور بقسم الشرطة، الذي قدّم لنا نبذة عن سير العمل في سلك الشرطة ودور الدين والخطاب الديني في انخفاض نسبة الجرائم. وفي بيانه للرؤية الأمريكية لدور الجهاز الأمني في المجتمع، أوضح أن هذا الجهاز يعمل على الجمع بين وظيفتين: وظيفة الحماية ووظيفة الرعاية الاجتماعية، والتي بموجبها يجتمع الشرطة مع جميع رجال الدين لما لهم من قوى تفيد -متى توحدت- في استثباب الأمن وتجفيف منابع الإرهاب. فدور المؤسسات الدينية بحسب رئيس الشرطة لا يجب أن يقتصر على المنابر والكنائس، بل لا بد لهذه المؤسسات أن تقود الحياة العامة وتؤطر المجتمع. وأشار مدير المقاطعة بالمثل إلى أهمية الدين في هذا المجال، وكشف بهذا الصدد عن طبيعة عمله خارج مؤسسة الشرطة باعتباره مساعدا لقسيس بالمدينة، كما أشار إلى بعض الوظائف الاجتماعية التي يقوم بها شرطي مسلم يعمل معه بهذا الجهاز، هو أيضا مُدرّس للغة العربية تعلمها بدافع إسلامي، كما أنه خطيب جمعة متميّز.

 وفي الوقت الذي كنا ننتقل فيه من مؤسسة إلى أخرى ومن لقاء إلى آخر كانت الاستعدادات تجري في فندق شيراتون لاستقبال طلبة برنامج التعليم الدولي الذي تنظمه وزارة الخارجية الأمريكية، وهم شباب منتقى من بين المتفوّقين، وتتراوح أعمارهم بين 16 و18 سنة، قدِموا من 35 دولة للتكوين في الولايات المتحدة الأمريكية لمدة سنة كاملة، وهؤلاء تعتبرهم أمريكا وسطاء بين الثقافة الأمريكية والثقافات المحلية التي ينحدرون منها. وقد نظمت مؤسسة تبادل الثقافات والحضارات مؤتمرا لفائدتهم بغرض إتاحة فرصة التلاقح الثقافي بين هؤلاء الطلبة، وإثراء المشترك الإنساني الذي يجمع بين الثقافات المختلفة التي يمثلونها، وقد عُقد المؤتمر تحت شعار “فهم أحسن لعالم أحسن”. واستمرت فعالياته على مدى أربعة أيام.

 

في يوم 18 أبريل ألقى الإمام عرفات المحاضرة الرئيسية في المؤتمر بعنوان: “العائلة الإنسانية تتخطى حاجز الجهل بالآخر” وتم فيها عرض شرائط وأفلام وثائقية تهدف إلى تصحيح الأفكار المسبقة عن الآخر، كما تهدف إلى تنمية الذات وتطويرها باستمرار، وقد تخلل أشغال هذا اليوم محاضرة حول مكونات القيادة ومهارات تكوين الذات ألقتها الأستاذة سلطانة علي وهي أمريكية من أصول أوربية وآسيوية. 

في اليوم الموالي زرنا -رفقة الطلبة- المؤسسات الدينية التي تمثل الانتماءات العقدية للمؤتمرين، وكان القصد أن نقف جميعا على أوجه التشابه والاختلاف بين الأديان لإحسان تدبير الاختلاف، فزرنا كنيسة ومعبدا يهوديا، ثم توجهنا صوب مسجد الجالية المسلمة Muslim community centre silver spring قصد أداء صلاة الجمعة، وقد تلت هذه الزيارات محاضرة جمعت ممثلين عن الأديان الثلاثة وتمحورت حول أدب الاختلاف وكيف نتعامل مع هذه السنة الكونية.  وبعد الإجابة على أسئلة الطلاب،  زرنا المستشفى التابع لهذا المركز.  

وفي وقت مبكر من صبيحة يوم 20 أبريل، كان لنا اجتماع خاص مع الإمام بشار عرفات، قوّمنا فيه أشغال المؤتمر، وأبدينا آراءنا حول سير أشغاله وتنظيمه، وقد تحقق الإجماع حول المستوى الجيد للمؤتمر، وحسن تنظيمه، والأداء المبهر للمؤتمرين. وأثنى الجميع على الجهود الجبارة التي يبذلها الإمام بشار عرفات وزوجته السيدة خيرية، وسائر المتدخلين الذين يسهرون على إنجاح هذه التظاهرة المتميّزة. بعد الاجتماع توجهنا إلى ميناء بالتمور في نزهة بمعيّة الطلاب، حيث زرنا حوض الأسماك، وشاهدنا عرضا للدلافين. وكانت النزهة ذات أثر كبير في تحقيق المزيد من التواصل والانسجام بين الطلاب. وفي مساء هذا اليوم أقيم حفل ختام المؤتمر على شرف الوفد المغربي، حضره نيابة عن السفير المغربي السكرتير العام للسفير السيد محفوظ بحبوحي، كما حضر حفل الختام هذا سفير ماليزيا، والسيد رشاد قريشي رئيس مركز الجالية المسلمة، والدكتور عبد الفتاح السمان الذي استفاد بدوره من البرنامج إلى جانب الوفد المغربي. هذا الحفل تميّز بعروض ترفيهية طريفة قدّمها المؤتمرون الطلاب، وكانوا في أبهى حلة بألبسة تقليدية توحي بالغنى الثقافي للأقطار المشاركة في المؤتمر. وفي ختام الحفل وزّعت شواهد المشاركة على المشاركين.

 

 

نشر بتاريخ: 10 / 06 / 2013

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق