مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصة

الملتقى العالمي للتصوف في دورته السادسة

تحت شعار:

التصوف ورعاية الحقوق: المنهج والسلوك

شارك مركز الإمام الجنيد في أشغال الملتقى العالمي السادس للتصوف في دورته السادسة الذي نُظم في موضوع: “التصوف ورعاية الحقوق: المنهج والسلوك”، وذلك أيام 2-4 فبراير 2012م، وبمشاركة نخبة من المفكرين والباحثين والمتخصصين في مجال الحقوق والشريعة والتصوف، من المغرب وخارجه، من بلدان مصر والأردن وفلسطين والإمارات العربية المتحدة، ومن فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا…، وغيرها من البلدان التي كان لها حضور وازن ومتميز.

وقد اكتسب الملتقى الذي نظمته الطريقة القادرية البودشيشية، بمقر زاويتها بمداغ ناحية بركان، صفة العالمية، لجديته في معالجة مواضيع العصر في ربط دائم بالتربية الروحية ودورها في إصلاح الفرد والمجتمع.

 • تمحورت مداخلة الدكتور إسماعيل راضي، رئيس مركز الإمام الجنيد، حول: “التزكية بين التخلي عن الفسوق والرعاية للحقوق“، مشيرا في بداية عرضه إلى بعض تجلياحقوق الإنسان بمفهومها الغربي، لينتقل إلى الحديث عن حقوق الإنسان في الإسلام المستندة على التكريم الإلهي للإنسان واستخلافه وعمارته للأرض، والتي هي من الضرورات الإنسانية التي توجب الشريعة الحفاظ عليها: الدين والنفس والنسل والعقل والمال. وأشار إلى أن السبيل الوحيد والنهج الأصيل لتحقيق هذه الغايات الحقوقية هي التربية السلوكية المتمثلة في التزكية، والتي على هديها أرسل الله الأنبياء والرسل للبشرية كافة، وهو ما اختص به رجالات التصوف في الحقل الإسلامي، إذ أننا لا نعثر على صوفي لم يتحدث عن سعيه للحق ورعايته للحقوق، بل يمكن القول إن ما يميز الصوفية في التراث الإسلامي كونهم السائرين إلى الحق وأهل الحق. ولعل مصنفاتهم التي عبرت أصدق تعبير عن تمسكهم برعاية الحقوق خير دليل على ذلك، ومنها: الرعاية لحقوق الله للمحاسبي، كتاب الصدق للخراز، اللمع للسراج الطوسي، إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي… وأكد المحاضر على أن البداية الصحيحة في فقه السلوك والسير إلى الله عز وجل بعد إبلاغ الوحي هو التركيز على تنقية وتزكية القلب، لذلك قدمت التزكية على التعليم في النص القرآني ليظهر أن العلم النافع يحصل بها لا بغيرها، فهي وراثة علمية نبوية لها أصولها ومبادئها وقواعدها كسائر العلوم الإسلامية التي هي مستمدة من مشكاة النبوة، لذلك ارتبطت الحقوق الفاضلة بالتربية والتزكية، إذ لا يمكن توقع ميدان آخر لبعث هذه الحقوق ورعايتها غير ميدان الروح والأخلاق.

    • وقدّمت الدكتورة ربيعة سحنون، الباحثة بالمركز، تأصيلا لمفهوم حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية من خلال موضوعها المعنون ب: “التأصيل الشرعي لمفهوم رعاية الحقوفي الإسلام“، موضحة أسبقية الإسلام إلى الإقرار بحقوق الإنسان والحث على صونها، وأول من أحاط الإنسان بسياج من الرعاية لحقوقه، فهو دين الله الذي أقام المنهج المتكامل للحياة الإنسانية على قواعد ثابتة، وجعل له أصولا راسخة ومبادئ خالدة، بل إن الإسلام اعتبر التفريط في حق من حقوق الإنسان تفريطا في جنب الله تعالى، وتعديا على حدوده، وخروجا على سنة الله في خلقه. كما بيّنت أن الباحث في القرآن الكريم والسنة النبوية لا يحتاج إلى مزيد جهد أو عناء ليكتشف ريادتهما في إعلان حقوق الإنسان، والتأسيس لمنظومة متكاملة من المبادئ والمفاهيم والإجراءات التي تقرر تلك الحقوق، وتعزز تحقيقها وحمايتها. وأبحرت المتدخلة في رحاب القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة من أجل الكشف عن الاهتمام الكبير لشريعتنا الغراء بهذا الموضوع من خلال التكريم الإلهي للإنسان واستخلافه في الأرض، فتميزت تلك الحقوق بالإلزامية والشمولية والثبات. وخلصت إلى أن الشريعة الإسلامية قد راعت جميع الحقوق وبجميع الاعتبارات، ولم تترك صنفا من الناس إلا ونصّ الذكر الحكيم على حقه، وفصّلت السنة النبوية ذلك وبينته، مما لم يوجد في دين أو منهج أو قانون غير الإسلام.

      • وعنون طارق العلمي، الباحث بالمركز، تدخله بـ: “مفهوم الحق من المنظور الصوفي“، مبرزا أهمية الحديث عن هذا المجال الشائك في عصرنا الحالي، الذي يعرف زعزعاليقينيات، من خلال عمل تربوي متجذر في كيان المسلم، يشكل هويته ويستولي على شعوره، بما لا يدع مجالا لغيره في أن يحل محله، وذلك عن طريق ممارسة صوفية حقة تنزل بالسالك في رحاب مقامات القرب وصفاء اليقين، وتنعكس فيها إشراقات الباطن على سلوك المؤمن الظاهر، وتعطي رؤية متجددة للعالم كقبضة من نور الإيجاد للخالق سبحانه وتعالى، ومظهر للجمال الذي يأخذ من شعور العبد، إقرارا بالفضل، وإيجاب الشكر على الإنعام. وتمتاز المقاربة الصوفية في نظره في ممارستها لمفهوم الحق بخصائص متنوعة، من منطلق العمل على مستوى العمق الوجداني في تفاعله مع الخطاب الإلهي، يتنزل العبد بموجبه إلى إدراك أبعاد الحق وفق حركية متجددة تصحب السالك بارتقائه الروحي وحفرياته الذاتية، تتحول من خلالها الأشياء في رؤية العبد على أنها معاني قيمية، تستوجب مراعاة حقها بالنظر لإشارتها إلى العالم المطلق، وهذا العمق الوجداني الذي يتحصّل لدى السالك من خلال ممارسته التربوية التي تعطي لمفهوم الحق أبعادا تفاعلية يتكامل فيها الجانب الغيبي والواقعي، ويأخذ فيها مفهوم الحق بعده الشمولي. وعلى هذا الأساس أجمل المتدخل خصائص الحق من المنظور الصوفي في ثلاثة أبعاد: البعد العمقي، البعد التكاملي والبعد الشمولي.

        اترك تعليقاً

        لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

        زر الذهاب إلى الأعلى
        إغلاق