مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقدية

الدكتور سعيد شبار يحاضر في ضوابط البحث العلمي ويعيد التأسيس لمفهوم السلفية وفق الاختيارات المغربية

يشكو البحث العلمي في
مجال العلوم الدينية والإنسانية في المغرب ـ كما في باقي البلدان
العربية ـ من ضعف واضح في الجدة والجودة وخلل كبير في استثمار مناهج
العلوم المعتبرة في مقاربة المفاهيم العلمية الملتبسة والمواضيع الفكرية
المشتبهة والأحكام القيمية المبهمة والإطلاقات التاريخية المرسلة للنهوض
بالدور المقدس المنوط بالعلماء والباحثين في تبديد الأوهام وكسر الأغلال
وإجلاء الحقائق والنهوض الثقافي والحضاري بالأمة.. فلا يزال العقل
العربي في زماننا مسجًّى تحت هيمنة التقليد يعزي نفسه باستذكار المفاخر
واستدعاء البطولات، حتى إذا ما أراد الانطلاق وجد نفسه مثقلا مقيدا
يرسُف في المشي رَسيف السجناء من جراء تعطيلِ روح الإبداع والتجديد منذ
قرون خلت، والإحساسِ المتجدّد بالغربة والدهشة حيال وتيرة الواقع
المعاصر وآثاره المتسارعة علميا وثقافيا واجتماعيا واقتصاديا.. والعجز
عن تدارك ركب الحضارة.
ولا يسلم البحث العلمي
في حصونه الجامعية من هذه الأحكام؛ فمن نظر في البحوث والأطاريح التي
ينجزها الطلبة والباحثون في الجامعات المغربية وجدها في مجملها واقعة في
أسر أسلوب الاجترار والاستفراغ في التعامل مع الموضوعات المدروسة بسبب
محدودية الملكات العلمية في القراءة والتحصيل، والارتكان إلى الجاهز من
الرؤى والأحكام، وضعف الإلمام والالتزام بالسَّنن المنهجي المطلوب في
مطارحة الأفكار والمناهج ومواكبة النوازل الفكرية المستحدثة والمستجدات
الثقافية الوافدة، فضلا عن تقديس غير مبرر لشخصيات علمية
تاريخية.
كل هذه التمظهرات
المعيبة لواقع البحث العلمي دفعت، ولا تزال، نُخبا من العلماء والباحثين
ـ كل بحسب موقعه وتخصصه ـ إلى رفع العقيرة بالشكوى من تردي أوضاع
الممارسة العلمية في الجامعة المغربية والتصدي له بما يناسبه من عناصر
التشخيص والتوصيف والاجتهاد في اقتراح وصفات للعلاج
والشفاء.
من أجل الإسهام في هذا
الباب تقاطعت أهداف مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية مع
إرادة الدكتور سعيد شبّار في تنظيم نشاطين علميين على التوالي؛ أولهما
عبارة عن لقاء مفتوح مع الطلبة الباحثين يُعنى بالمناهج العلمية
المعتبرة في إعداد البحوث وإنجاز الأطاريح، والثاني من قبيل استلهام روح
هذه المناهج في دراسة مفهوم من المفاهيم الملتبسة في الفكر العربي
الإسلامي المعاصر.
احتضن اللقاءَ العلمي
المفتوح فضاءُ الخزانة الداودية صبيحة يوم الاثنين (الموافق لـ 11
فبراير 2019) بتعاون متميز من قبل مؤسسة محمد داود للتاريخ والثقافة،
وقد افتتحه رئيس مركز أبي الحسن الأشعري بكلمة ترحيبية عبر فيها عن قيمة
هذا اللقاء ونوعيته من جهة توجهه إلى فئة مخصوصة هي فئة الطلبة
والباحثين رعايةً من قبل المؤسستين المنظمتين لمجال البحوث الجامعية
واستنهاضا لهذه الفئة إلى العناية بتجويد بحوثهم والتمكن من آليات النظر
والبحث والنقد. وهي الغايات الجليلة نفسها التي عبرت عنها محافظة
الخزانة الداودية الأستاذة حسناء داود في كلمة ألقتها بهذه المناسبة،
مفصحة عن عميق سعادتها باحتضان لقاء علمي تواصلي بين الأساتذة والطلبة
الباحثين.
وبعد أن تقدم مسير
اللقاء بنثر معاقد السيرة العلمية والمسار العلمي للدكتور سعيد شبار
باعتباره عضوا في المجلس العلمي الأعلى ورئيسا للمجلس العلمي المحلي
لمدينة بني ملال وأستاذا جامعيا ومفكرا إسلاميا بارزا له أنظار اجتهادية
معتبرة في نخل التراث ونقده وتجديد الفكر وعصرنته، تناول الكلمة الدكتور
شبار معبرا في مفتتحها عن غامر فرحته لتواجده بمدينة تطوان وبفضاء
المكتبة بمؤسسة داود ولدعوته لعقد مثل هذه الأنشطة العلمية التواصلية مع
الطلبة الباحثين، لغرض تمكينهم من الضوابط العلمية في بناء التصورات
وتنهيج البحوث وفق المناهج المعتمدة تجلية منه للإشكالات والعقبات التي
تعترضهم أثناء إنجاز البحوث إعدادا وتحضيرا وتحريرا. وقد ابتدأ لقاءه
المفتوح مع الطلبة بوضع أرضية عنونها بـ: “البحث العلمي: إشكالات في
التصور والمنهج”، تناول فيها مدخلين أساسين في اختيار مواضيع البحوث
والاشتغال بها استشكالا ونقدا، وهما؛ مدخل التصور أو الرؤية ومدخل
المنهج أو الطريقة؛ حيث  يؤدي أي خلل يقع على هذين المستويين
إلى الوقوع في صعوبات جمة قد تصل بالطالب إلى التخلي النهائي عن بحثه.
ولتفادي مثل هذه الإشكالات نبّه الدكتور شبار على ضرورة استيعاب إشكالية
البحث منذ البداية من جهة، ومن جهة ثانية على ضرورة مراعاة وفهم المنهج
أو المناهج التي تحددها وتفرضها طبيعة البحث (سواء كان البحث في العلوم
الدينية أو الإنسانية أو الاجتماعية أو التاريخية أو تحقيقا للنصوص
التراثية)، كما أشار الدكتور المحاضر إلى مجموعة من الأخطاء التي يقع
فيها الطلبة أثناء اختيار بحوثهم؛ ومن ذلك الانطلاق – كخطوة أولى – من
صياغة مجموعة من العناوين لتكون أرضية للبحث، دون بذل الجهد في النظر
فيها حتى يتأتى له تكوين تصور أولي عن الموضوع المراد الاشتغال به،
وإعداد ورقة في ذلك تضم المقومات الآتية: الرؤية الواضحة –
الإشكالات العلمية الأساسية – المنهج أو المناهج المتبعة –
الإضافات الممكنة ـ المفاهيم المعتمدة.. ولا يتحقق هذا الأمر إلا
بالقراءة في الدراسات السابقة في الموضوع والوقوف على كيفية معالجتها له
وتحديد الإضافات الممكنة فيه.
لينتقل للحديث عن قضية
شائكة تعاني منها غالبية جامعاتنا في العالم الإسلامي، والمتعلقة
بالتراكم المعرفي على مستوى البحوث والدراسات؛ إذ معظمها يتصف بتكرار
المواضيع واجترارها وغياب الجدة فيها، مما جعل الحضور العلمي (بمفهومه
الواسع) للأمة على المستوى الإنساني حضورا باهتا، وهذا يخالف من جهة
أولى رسالتها العالمية المنسجمة مع حقائق الوجود الإنساني والوجود
الكوني، والجامعة بين علوم الدين وعلوم الدنيا؛ فلا تقوم الأولى إلا
بقيام الثانية، ولا يتحقق تقويم الثانية إلا بتواجد الأولى، ويخالف من
جهة ثانية ما جاءت به نصوص الوحي الداعية للعلم والتفكر وإعمال العقل،
ويمنع من جهة ثالثة من تحقق التجدد المرتبط بكل دورة حضارية (يتعاقب على
كل دورة ثلاثة أجيال)، والذي يتأتى بتجدد المعرفة بالدين استجابة منه
لتجدد الواقع المعيش، ثم ختم مداخلته بعرض لمجموعة من التوصيات التي من
شأنها تصحيح الفهم عند الطلبة الباحثين وإعلاء همتهم للإسهام في تطوير
البحث في جامعاتنا واستئناف المسيرة، ودعا إلى وصل الحلقة بين العلوم
الشرعية بمختلف تخصصاتها، والتزود قدر المستطاع من باقي العلوم
الإنسانية وغيرها، لما في ذلك من فائدة على مستوى التصور والمنهج أثناء
الاشتغال بإشكالية البحث، وللخروج من دائرة الخصومة المتوهمة بين علوم
الدين وعلوم الإنسان.
وفي ختام هذا اللقاء
التواصلي فتح مسير الجلسة باب المناقشة ليطرح الطلبة إشكالاتهم بين يدي
الدكتور سعيد شبار فأجاب عنها بما تقتضيه معايير البحث العلمي وخطواته
ولغته ومناهجه وأطواره من التسلح بالنزاهة والتجرد والموضوعية في البحث
واستخلاص النتائج انتصارا للحقيقة لا للذات أو الانتماء مشددا على جسامة
الميوعة في البحث وأثرها الوخيم على مسار الباحث والبحث معا. واغتنمت
الأستاذة حسناء داود الفرصة لتدعو الطلبة لتجنب مجموعة من السلوكيات
أثناء التعامل مع المخطوط باعتباره وثيقة تاريخية وإرثا معرفيا وجب
الحفاظ عليه.
أما اللقاء الثاني مع
الدكتور سعيد شبار فقد التأم برحاب المدرسة العليا للأساتذة بمرتيل مساء
اليوم نفسه وأداره أيضا رئيس مركز أبي الحسن الأشعري، وكان بمثابة تنزيل
عملي لهذه الروح العلمية في البحث والاستشكال والتأصيل والتقويم
والإعداد والتحرير التي أمسك بزمامها في اللقاء الأول الموجه للطلبة
الباحثين، وقد خصصه السيد المحاضر الدكتور شبار لموضوع: “المدرسة
السلفية المغربية.. خصوصية الماضي والحاضر”؛ حيث جعل من محاضرته الوافية
مسرحا لعرض دلالات مفهوم السلفية ـ كما هي مقررة في الأدبيات السلفية
المعاصرة ـ ومِحكا لافتحاص دعاوي السلفية وآثارها العملية بميزان الخطاب
الشرعي.
ينطلق الأستاذ المحاضر
في مقاربة هذا الموضوع من المدخل المفهومي بالوقوف على الدلالات الراشحة
الظاهرة من مفهوم السلفية والحفر في الأبعاد الدينية والتاريخية
والسياسية التي ارتسفت بهذا المفهوم وأسّست لمرجعته الفكرية، مع الإلماع
إلى ظروف نشأة هذا المفهوم وذيوعه. وأهم المناظير التي اعتمدها المحاضر
في استشكال هذا المفهوم ونقده هو تنقيحه من حيث دلالاته التاريخية
المتغيرة والموازنة بينها وبيين ما يسميه بالمعنى الشرعي. وقبل أن يخوض
رأسا في مفهوم السلفية يقدم لنا الدكتور سعيد مجموعة من المفاهيم العمدة
في العلوم الدينية التي ضيقت الاستعمالات الاصطلاحية من معانيها الشرعية
الواسعة، من قبيل مفاهيم: الفقه، والسنة، والخلافة.. فالمفهوم الأول
منها يراد منه شرعا مطلق الفهم عن الله (كما في دعاء النبي صلى الله
عليه وسلم لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما: «اللهم فقهه في
الدين وعلمه التأويل»)، كما أن الفقه في الدنيا هو شرعا جزء
من الفقه في الدين، لمن هذا المفهوه بفعل الاختيارات المذهبية قد ضاقت
دائرته الدلالية حتى صار مصطلحا فنيا يحيل على ممارسة علمية معينة، وهي
على قيمتها وجدواها قد تسببت من جراء ضيق الأفق في انكماش النظر الفقهي
والاجتهاد فيه. ومصطلح السنة يختلف استعماله عند الفقهاء عن نظيره عند
المحدثين أو الأصوليين.. في حين أن دلالة السنة شرعا هي كل هذه
التعريفات وزيادة. ومفهوم الخلافة قد تم تضييق دلالاته حتى صار علما على
نظام في الحكم معين مع أن القرآن قد تحدث عن الخلافة والاستخلاف وقيمهما
دون تعيين نموذج في الحكم ينبغي اتباعه سياسيا بخلاف ما انطبع في أذهان
بعض الطوائف (وقد استشهد بنموذج “داعش” الذي طمع في السلطة والحكم من
باب مفهوم الخلافة دون الاعتبار بتاتا  بقيم الاستخلاف وتدبير
أمر الناس، مع أن هذه القيم ـ وعلى رأسها العدل والحرية والسلم.. هي
المطلوبة شرعا).
ومن هذا المهيع نفسه
قارب المحاضر مفهوم السلفية الملتبس عند الباحثين والمتلقين؛ فإن
الالتباس في الألفاظ يولد تعسفا في الفهم وانحرافا في التنزيل، لذلك عمد
استشكال طبيعة العلاقة التي تربطه بدلالاته بمفهوم السلف؛ فهذا المفهوم
(السلف) له وزنه الديني ورمزيته في الأمة، وهو يعني بدلالته الشرعية
مجموع المسلمين وكل الأمة وليس حكرا على طائفة بعينها من المسلمين، وقد
نص الله تعالى على الاقتداء بهم {فبهداهم اهتدي} وجعل سنتهم تجارب
للاستلهام والاعتبار، لكن ليس للاستنساخ والاجترار؛ فلكل زمان خصوصياته
التاريخية والحضارية التي لا بد من مراعاتها في التجديد والتنزيل، وإلا
فإن منطق الاستنساخ الذي تدعو إليه السلفية ـ وقد قامت بتهريب هذا
المفهوم واختطافه ـ لا يختلف العقلاء في مصادمته للواقع وهو ما يفسر ضيق
المتلبسين بها بالاختلاف في النظر والتعددية في الرأي والمبالغة في
إصدار الأحكام جزافا بالتفسيق والتضليل والتكفير.. ومرد ذلك إلى ما يميز
هذه السلفية من توجه نصي في التعامل مع الوحي وحرفية شكلية في تحديد
الأحكام الشرعية، والمبالغة في الاقتصار على مسلك إصلاح التوحيد
والعبادة ومحاربة “الشركيات” بأفق فكري محدود لا يوافق الدلالات الشرعية
نفسها لمسمى التوحيد والعبادة. بالمقابل، يدعو المحاضر إلى التعامل مع
السلف الصالح بمنطق الاستلهام والاهتداء، على أن الأصل في ذلك هو القرآن
أولا ثم التمثل النبوي للقيم والأحكام الدينية، وهذا منهج راشد يحفظ
للسلف مكانتهم دون أن يكون في هذا الحفظ تحجير على العقول
والنفوس.
بعد ذلك، انصرف الدكتور
سعيد شبار إلى الحديث عن السلفية المغربية مميزا بينها وبين السلفية
الحجازية المنتقدة؛ فالسلفية عند روادها من المغاربة (من أبرزهم: أبو
شعيب الدكالي ـ وهو يوازي محمد عبده في المشرق ـ ومحمد العربي العلوي
وعلال الفاسي والمختار السوسي..) مدرسة لها منشؤها وشيوخها وتلامذتها
ومعاقدها وخصوصياتها التي تبين بها عن السلفية المشرقية. للتدليل على
موقفه لم يجد المحاضر ندحة عن العودة إلى تاريخ المغرب المسلم عبر
فتراته وأطواره المختلفة، فاستدعى مجموعة من الدلائل التي تشهد بالمسلك
الوسطي الذي ارتضاه المغاربة في فهمهم للدين فهما راشدا يصدر عن القرآن
والسنة وآثار السلف الصالح ويرتبط بالمقاصد عوض الوسائل ويتميز بالمرونة
عوض الجمود ويروم الاستقرار روحيا وسياسيا، وهذا ما تعبر عنه الاختيارات
المغربية في العقيدة والفقه والسلوك والسياسة (المذهب الأشعري ـ الفقه
المالكي ـ التصوف السني الجنيدي ـ إمارة المؤمنين)، وهي الاختيارات التي
جعلت المغرب عموما في منأى عن التقلبات المذهبية والنعرات الطائفية التي
انبجست وانفجرت في المشرق. وإذا كان للمشرق فضل في البدايات ـ يقول
المحاضر ـ فإن للمغرب فضلا في النهايات، ولذلك باتت التجربة الدينية
المغربية محل استلهام من قبل المشارقة، ولكم أن تنظروا مثلا في غياب هذه
الخصومة المفتعلة بين التصوف والمتكلمين أو بينهم وبين الفقهاء كما هي
في المشرق. كذلك فإن السلفية المغربية تميزت بكونها نهضوية إصلاحية
استوعبت جيدا محاسن السلفية كما هي عند ابن تيمية (بخلاف السلفية
الحجازية التي وقعت في آفة الانتقاء من تراث ابن تيمية) وتشربت روح
السلفية النهضوية كما هي عند روادها المشارقة (جمال الدين الأفغاني
ومحمد عبده) وسكبت كل ذلك في الاختيارات المغربية المذكورة ما أنجب لنا
رؤية سلفية متكاملة لها ثلاثة مرافق متساوقة؛ مشروع علمي ديني إصلاحي
يحمله العلماء، وشرعية تعطيها السلطة، وسند شعبي يضمنه الشعب.
وهذه السلفية المتكامل، فضلا عن هذه الدلالات، لها بعد تواصلي يجعلها
منفتحة على الثقافات والحضارات والمجتمعات المختلفة ولا تضيق بالحوار
والجدال الحضاري.. وهي السلفية التي ندعو إلى استلهام مدرستها وإعادة
بذر مواقفها ورؤاها العلمية والعملية.
وعند الانتهاء من
المحاضرة، ونظرا لما طرحه موضوعها من إشكالات متعددة واختلاف في وجهات
النظر، فقد تناول الكلمة مسير الجلسة الدكتور جمال علال البختي فأدلى
بدلوه في الموضوع مشددا على ضرورة الإلمام بمواقف مختلف مدارس الفكر
الإسلامي المعاصرة والانفتاح على الدرس الفلسفي القديم والحديث لتعميق
الكفايات العلمية والقدرات البحثية التي من شأنها أن تساهم في التأسيس
لنوع الخطاب الديني والعلمي الصالح لزماننا،؛ خطاب يجمع بين محاسن السلف
ومناقب الخلف ويجعلنا في ركب التحديات الفكرية والعلمية
الراهنة.
ولم يكن لهذه اللقاء
العلمي أن يسدل الستار عنه دون فتح الباب واسعا للتدخلات والتعقيبات
والتساؤلات، والتي ألقت عليه مسحة علمية تواصلية متميزة.

يشكو البحث العلمي في مجال العلوم الدينية والإنسانية في المغرب ـ كما في باقي البلدان العربية ـ من ضعف واضح في الجدة والجودة وخلل كبير في استثمار مناهج العلوم المعتبرة في مقاربة المفاهيم العلمية الملتبسة والمواضيع الفكرية المشتبهة والأحكام القيمية المبهمة والإطلاقات التاريخية المرسلة للنهوض بالدور المقدس المنوط بالعلماء والباحثين في تبديد الأوهام وكسر الأغلال وإجلاء الحقائق والنهوض الثقافي والحضاري بالأمة.. فلا يزال العقل العربي في زماننا مسجًّى تحت هيمنة التقليد يعزي نفسه باستذكار المفاخر واستدعاء البطولات، حتى إذا ما أراد الانطلاق وجد نفسه مثقلا مقيدا يرسُف في المشي رَسيف السجناء من جراء تعطيلِ روح الإبداع والتجديد منذ قرون خلت، والإحساسِ المتجدّد بالغربة والدهشة حيال وتيرة الواقع المعاصر وآثاره المتسارعة علميا وثقافيا واجتماعيا واقتصاديا.. والعجز عن تدارك ركب الحضارة.

ولا يسلم البحث العلمي في حصونه الجامعية من هذه الأحكام؛ فمن نظر في البحوث والأطاريح التي ينجزها الطلبة والباحثون في الجامعات المغربية وجدها في مجملها واقعة في أسر أسلوب الاجترار والاستفراغ في التعامل مع الموضوعات المدروسة بسبب محدودية الملكات العلمية في القراءة والتحصيل، والارتكان إلى الجاهز من الرؤى والأحكام، وضعف الإلمام والالتزام بالسَّنن المنهجي المطلوب في مطارحة الأفكار والمناهج ومواكبة النوازل الفكرية المستحدثة والمستجدات الثقافية الوافدة، فضلا عن تقديس غير مبرر لشخصيات علمية تاريخية.

كل هذه التمظهرات المعيبة لواقع البحث العلمي دفعت، ولا تزال، نُخبا من العلماء والباحثين ـ كل بحسب موقعه وتخصصه ـ إلى رفع العقيرة بالشكوى من تردي أوضاع الممارسة العلمية في الجامعة المغربية والتصدي له بما يناسبه من عناصر التشخيص والتوصيف والاجتهاد في اقتراح وصفات للعلاج والشفاء.

من أجل الإسهام في هذا الباب تقاطعت أهداف مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية مع إرادة الدكتور سعيد شبّار في تنظيم نشاطين علميين على التوالي؛ أولهما عبارة عن لقاء مفتوح مع الطلبة الباحثين يُعنى بالمناهج العلمية المعتبرة في إعداد البحوث وإنجاز الأطاريح، والثاني من قبيل استلهام روح هذه المناهج في دراسة مفهوم من المفاهيم الملتبسة في الفكر العربي الإسلامي المعاصر.

احتضن اللقاءَ العلمي المفتوح فضاءُ الخزانة الداودية صبيحة يوم الاثنين (الموافق لـ 11 فبراير 2019) بتعاون متميز من قبل مؤسسة محمد داود للتاريخ والثقافة، وقد افتتحه رئيس مركز أبي الحسن الأشعري بكلمة ترحيبية عبر فيها عن قيمة هذا اللقاء ونوعيته من جهة توجهه إلى فئة مخصوصة هي فئة الطلبة والباحثين رعايةً من قبل المؤسستين المنظمتين لمجال البحوث الجامعية واستنهاضا لهذه الفئة إلى العناية بتجويد بحوثهم والتمكن من آليات النظر والبحث والنقد. وهي الغايات الجليلة نفسها التي عبرت عنها محافظة الخزانة الداودية الأستاذة حسناء داود في كلمة ألقتها بهذه المناسبة، مفصحة عن عميق سعادتها باحتضان لقاء علمي تواصلي بين الأساتذة والطلبة الباحثين.

وبعد أن تقدم مسير اللقاء بنثر معاقد السيرة العلمية والمسار العلمي للدكتور سعيد شبار باعتباره عضوا في المجلس العلمي الأعلى ورئيسا للمجلس العلمي المحلي لمدينة بني ملال وأستاذا جامعيا ومفكرا إسلاميا بارزا له أنظار اجتهادية معتبرة في نخل التراث ونقده وتجديد الفكر وعصرنته، تناول الكلمة الدكتور شبار معبرا في مفتتحها عن غامر فرحته لتواجده بمدينة تطوان وبفضاء المكتبة بمؤسسة داود ولدعوته لعقد مثل هذه الأنشطة العلمية التواصلية مع الطلبة الباحثين، لغرض تمكينهم من الضوابط العلمية في بناء التصورات وتنهيج البحوث وفق المناهج المعتمدة تجلية منه للإشكالات والعقبات التي تعترضهم أثناء إنجاز البحوث إعدادا وتحضيرا وتحريرا. وقد ابتدأ لقاءه المفتوح مع الطلبة بوضع أرضية عنونها بـ: “البحث العلمي: إشكالات في التصور والمنهج”، تناول فيها مدخلين أساسين في اختيار مواضيع البحوث والاشتغال بها استشكالا ونقدا، وهما؛ مدخل التصور أو الرؤية ومدخل المنهج أو الطريقة؛ حيث  يؤدي أي خلل يقع على هذين المستويين إلى الوقوع في صعوبات جمة قد تصل بالطالب إلى التخلي النهائي عن بحثه. ولتفادي مثل هذه الإشكالات نبّه الدكتور شبار إلى ضرورة استيعاب إشكالية البحث منذ البداية من جهة، ومن جهة ثانية على ضرورة مراعاة وفهم المنهج أو المناهج التي تحددها وتفرضها طبيعة البحث (سواء كان البحث في العلوم الدينية أو الإنسانية أو الاجتماعية أو التاريخية أو تحقيقا للنصوص التراثية)، كما أشار الدكتور المحاضر إلى مجموعة من الأخطاء التي يقع فيها الطلبة أثناء اختيار بحوثهم؛ ومن ذلك الانطلاق – كخطوة أولى – من صياغة مجموعة من العناوين لتكون أرضية للبحث، دون بذل الجهد في النظر فيها حتى يتأتى له تكوين تصور أولي عن الموضوع المراد الاشتغال به، وإعداد ورقة في ذلك تضم المقومات الآتية: الرؤية الواضحة – الإشكالات العلمية الأساسية – المنهج أو المناهج المتبعة – الإضافات الممكنة ـ المفاهيم المعتمدة.. ولا يتحقق هذا الأمر إلا بالقراءة في الدراسات السابقة في الموضوع والوقوف على كيفية معالجتها له وتحديد الإضافات الممكنة فيه.

لينتقل للحديث عن قضية شائكة تعاني منها غالبية جامعاتنا في العالم الإسلامي، والمتعلقة بالتراكم المعرفي على مستوى البحوث والدراسات؛ إذ معظمها يتصف بتكرار المواضيع واجترارها وغياب الجدة فيها، مما جعل الحضور العلمي (بمفهومه الواسع) للأمة على المستوى الإنساني حضورا باهتا، وهذا يخالف من جهة أولى رسالتها العالمية المنسجمة مع حقائق الوجود الإنساني والوجود الكوني، والجامعة بين علوم الدين وعلوم الدنيا؛ فلا تقوم الأولى إلا بقيام الثانية، ولا يتحقق تقويم الثانية إلا بتواجد الأولى، ويخالف من جهة ثانية ما جاءت به نصوص الوحي الداعية للعلم والتفكر وإعمال العقل، ويمنع من جهة ثالثة من تحقق التجدد المرتبط بكل دورة حضارية (يتعاقب على كل دورة ثلاثة أجيال)، والذي يتأتى بتجدد المعرفة بالدين استجابة منه لتجدد الواقع المعيش، ثم ختم مداخلته بعرض لمجموعة من التوصيات التي من شأنها تصحيح الفهم عند الطلبة الباحثين وإعلاء همتهم للإسهام في تطوير البحث في جامعاتنا واستئناف المسيرة، ودعا إلى وصل الحلقة بين العلوم الشرعية بمختلف تخصصاتها، والتزود قدر المستطاع من باقي العلوم الإنسانية وغيرها، لما في ذلك من فائدة على مستوى التصور والمنهج أثناء الاشتغال بإشكالية البحث، وللخروج من دائرة الخصومة المتوهمة بين علوم الدين وعلوم الإنسان.

وفي ختام هذا اللقاء التواصلي فتح مسير الجلسة باب المناقشة ليطرح الطلبة إشكالاتهم بين يدي الدكتور سعيد شبار فأجاب عنها بما تقتضيه معايير البحث العلمي وخطواته ولغته ومناهجه وأطواره من التسلح بالنزاهة والتجرد والموضوعية في البحث واستخلاص النتائج انتصارا للحقيقة لا للذات أو الانتماء مشددا على جسامة الميوعة في البحث وأثرها الوخيم على مسار الباحث والبحث معا. واغتنمت الأستاذة حسناء داود الفرصة لتدعو الطلبة لتجنب مجموعة من السلوكيات أثناء التعامل مع المخطوط باعتباره وثيقة تاريخية وإرثا معرفيا وجب الحفاظ عليه.

أما اللقاء الثاني مع الدكتور سعيد شبار فقد التأم برحاب المدرسة العليا للأساتذة بمرتيل مساء اليوم نفسه وأداره أيضا رئيس مركز أبي الحسن الأشعري، وكان بمثابة تنزيل عملي لهذه الروح العلمية في البحث والاستشكال والتأصيل والتقويم والإعداد والتحرير التي أمسك بزمامها في اللقاء الأول الموجه للطلبة الباحثين، وقد خصصه السيد المحاضر الدكتور شبار لموضوع: “المدرسة السلفية المغربية.. خصوصية الماضي والحاضر”؛ حيث جعل من محاضرته الوافية مسرحا لعرض دلالات مفهوم السلفية ـ كما هي مقررة في الأدبيات السلفية المعاصرة ـ ومِحكا لافتحاص دعاوي السلفية وآثارها العملية بميزان الخطاب الشرعي.

ينطلق الأستاذ المحاضر في مقاربة هذا الموضوع من المدخل المفهومي بالوقوف على الدلالات الراشحة الظاهرة من
مفهوم السلفية والحفر في الأبعاد الدينية والتاريخية والسياسية التي ارتسفت بهذا المفهوم وأسّست لمرجعيته الفكرية، مع الإلماع إلى ظروف نشأة هذا المفهوم وذيوعه. وأهم المناظير التي اعتمدها المحاضر في استشكال هذا المفهوم ونقده هو تنقيحه من حيث دلالاته التاريخية المتغيرة والموازنة بينها وبين ما يسميه بالمعنى الشرعي. وقبل أن يخوض رأسا في مفهوم السلفية يقدم لنا الدكتور سعيد مجموعة من المفاهيم العمدة في العلوم الدينية التي ضيقت الاستعمالات الاصطلاحية من معانيها الشرعية الواسعة، من قبيل مفاهيم: الفقه، والسنة، والخلافة.. فالمفهوم الأول منها يراد منه شرعا مطلق الفهم عن الله (كما في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل»)، كما أن الفقه في الدنيا هو شرعا جزء من الفقه في الدين، لكن هذا المفهوم بفعل الاختيارات المذهبية قد ضاقت دائرته الدلالية حتى صار مصطلحا فنيا يحيل على ممارسة علمية معينة، وهي على قيمتها وجدواها قد تسببت من جراء ضيق الأفق في انكماش النظر الفقهي والاجتهاد فيه. ومصطلح السنة يختلف استعماله عند الفقهاء عن نظيره عند المحدثين أو الأصوليين.. في حين أن دلالة السنة شرعا هي كل هذه التعريفات وزيادة. ومفهوم الخلافة قد تم تضييق دلالاته حتى صار علما على نظام في الحكم معين مع أن القرآن قد تحدث عن الخلافة والاستخلاف وقيمهما دون تعيين نموذج في الحكم ينبغي اتباعه سياسيا بخلاف ما انطبع في أذهان بعض الطوائف (وقد استشهد بنموذج “داعش” الذي طمع في السلطة والحكم من باب مفهوم الخلافة دون الاعتبار بتاتا  بقيم الاستخلاف وتدبير أمر الناس، مع أن هذه القيم ـ وعلى رأسها العدل والحرية والسلم.. هي المطلوبة شرعا).

ومن هذا المهيع نفسه قارب المحاضر مفهوم السلفية الملتبس عند الباحثين والمتلقين؛ فإن الالتباس في الألفاظ يولد تعسفا في الفهم وانحرافا في التنزيل، لذلك عمد إلى استشكال طبيعة العلاقة التي تربطه بدلالات مفهوم السلف؛ فهذا المفهوم (السلف) له وزنه الديني ورمزيته في الأمة، وهو يهمُّ بدلالته الشرعية مجموع المسلمين وكل الأمة وليس حكرا على طائفة بعينها من المسلمين، وقد نص الله تعالى على الاقتداء بهم {فبهداهم اهتدي} وجعل سنتهم تجارب للاستلهام والاعتبار، لكن ليس للاستنساخ والاجترار؛ فلكل زمان خصوصياته التاريخية والحضارية التي لا بد من مراعاتها في التجديد والتنزيل، وإلا فإن منطق الاستنساخ الذي تدعو إليه السلفية ـ وقد قامت بتهريب هذا المفهوم واختطافه ـ لا يختلف العقلاء في مصادمته للواقع وهو ما يفسر ضيق المتلبسين بها بالاختلاف في النظر والتعددية في الرأي والمبالغة في إصدار الأحكام جزافا بالتفسيق والتضليل والتكفير.. ومرد ذلك إلى ما يميز هذه السلفية من توجه نصي في التعامل مع الوحي وحرفية شكلية في تحديد الأحكام الشرعية، والمبالغة في الاقتصار على مسلك إصلاح التوحيد والعبادة ومحاربة “الشركيات” بأفق فكري محدود لا يوافق الدلالات الشرعية نفسها لمسمى التوحيد والعبادة. بالمقابل، يدعو المحاضر إلى التعامل مع السلف الصالح بمنطق الاستلهام والاهتداء، على أن الأصل في ذلك هو القرآن أولا ثم التمثل النبوي للقيم والأحكام الدينية، وهذا منهج راشد يحفظ للسلف مكانتهم دون أن يكون في هذا الحفظ تحجير على العقول والنفوس.

بعد ذلك، انصرف الدكتور سعيد شبار إلى الحديث عن السلفية المغربية مميزا بينها وبين السلفية الحجازية المنتقدة؛ فالسلفية عند روادها من المغاربة (من أبرزهم: أبو شعيب الدكالي ـ وهو يوازي محمد عبده في المشرق ـ ومحمد العربي العلوي وعلال الفاسي والمختار السوسي..) مدرسة لها منشؤها وشيوخها وتلامذتها ومعاقدها وخصوصياتها التي تبين بها عن السلفية المشرقية. للتدليل على موقفه لم يجد المحاضر ندحة عن العودة إلى تاريخ المغرب المسلم عبر فتراته وأطواره المختلفة، فاستدعى مجموعة من الدلائل التي تشهد للمسلك الوسطي الذي ارتضاه المغاربة في فهمهم للدين فهما راشدا يصدر عن القرآن والسنة وآثار السلف الصالح ويرتبط بالمقاصد عوض الوسائل ويتميز بالمرونة عوض الجمود ويروم الاستقرار روحيا وسياسيا، وهذا ما تعبر عنه الاختيارات المغربية في العقيدة والفقه والسلوك والسياسة (المذهب الأشعري ـ الفقه المالكي ـ التصوف السني الجنيدي ـ إمارة المؤمنين)، وهي الاختيارات التي جعلت المغرب عموما في منأى عن التقلبات المذهبية والنعرات الطائفية التي انبجست وانفجرت في المشرق. وإذا كان للمشرق فضل في البدايات ـ يقول المحاضر ـ فإن للمغرب فضلا في النهايات، ولذلك باتت التجربة الدينية المغربية محل استلهام من قبل المشارقة، ولكم أن تنظروا مثلا في غياب هذه الخصومة المفتعلة بين التصوف والمتكلمين أو بينهم وبين الفقهاء كما هي في المشرق. كذلك فإن السلفية المغربية تميزت بكونها نهضوية إصلاحية استوعبت جيدا محاسن السلفية كما هي عند ابن تيمية (بخلاف السلفية الحجازية التي وقعت في آفة الانتقاء من تراث ابن تيمية) وتشربت روح السلفية النهضوية كما هي عند روادها المشارقة (جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده) وسكبت كل ذلك في الاختيارات المغربية المذكورة ما أنجب لنا رؤية سلفية متكاملة لها ثلاثة مرافق متساوقة؛ مشروع علمي ديني إصلاحي يحمله العلماء، وشرعية تعطيها السلطة، وسند شعبي يضمنه الشعب.  وهذه السلفية المتكاملة، فضلا عن هذه الدلالات، لها بعد تواصلي يجعلها منفتحة على الثقافات والحضارات والمجتمعات المختلفة ولا تضيق بالحوار
والجدال الحضاري.. وهي السلفية التي ندعو إلى استلهام مدرستها وإعادة بذر مواقفها ورؤاها العلمية والعملية.

وعند الانتهاء من المحاضرة، ونظرا لما طرحه موضوعها من إشكالات متعددة واختلاف في وجهات النظر، فقد تناول الكلمة مسير الجلسة الدكتور جمال علال البختي فأدلى بدلوه في الموضوع مشددا على ضرورة الإلمام بمواقف مختلف مدارس الفكر الإسلامي المعاصرة والانفتاح على الدرس الفلسفي القديم والحديث لتعميق الكفايات العلمية والقدرات البحثية التي من شأنها أن تساهم في التأسيس لنوع الخطاب الديني والعلمي الصالح لزماننا،؛ خطاب يجمع بين محاسن السلف ومناقب الخلف ويجعلنا في ركب التحديات الفكرية والعلمية الراهنة.

ولم يكن لهذا اللقاء العلمي أن يُسدل الستار عنه دون فتح الباب واسعا للتدخلات والتعقيبات والتساؤلات، والتي ألقت عليه مسحة علمية تواصلية متميزة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق