التقرير العام عن الدورة التكوينية في خصوصيات البحث الفقهي وصعوباته
في إطار أشغال التكوين التي يضطلع بها مركز البحوث والدراسات في الفقه المالكي التابع للرابطة المحمدية للعلماء، للإسهام في تكوين وتأهيل باحثين متخصصين في الفقه المالكي وأصوله:
نظم مركز البحوث والدراسات في الفقه المالكي بشراكة مع كلية الشريعة أيت ملول أكادير دورة للتكوين المتخصص لفائدة طلبة الدكتوراه والماستر في موضوع:
«خصوصيات البحث الفقهي وصعوباته»
وذلك أيام الأربعاء والخميس والجمعة: 23ـ 24ـ 25
جمادى الثانية 1435ﻫ، الموافق 23ـ 24ـ 25 أبريل 2014م،
ضيفا شرف الدورة
د عبد الوهاب أبو سليمان د محمد الروكي
عضو هيئة كبار العلماء رئيس جامعة القرويين
بالمملكة العربية السعودية وعضو المجلس العلمي الأعلى
وقد أطرها أكثر من عشرين أستاذا من داخل المغرب وخارجه، وشارك فيها ما يزيد عن 600 طالب من المغرب وخارجه.
انطلقت ـ بحمد الله ـ أشغالُ هذه الدورة العلمية يوم الأربعاء 23 جمادى الثانية 1435هـ، الموافق 23 أبريل 2014م، 23 أبريل 2014م، على الساعة: التاسعة صباحا بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم، تلتها مجموعة من الكلمات الافتتاحية، وفق الترتيب التالي:
ـ الكلمة الأولى: كانت من إلقاء فضيلة العلامة الدكتور محمد الروكي، رئيس جامعة القرويين، استهلها بتوجيه الشكر إلى الجهات المنظمة للدورة العلمية، وتحية إلى المشاركين، وعلى رأسهم مرجع أجيال الباحثين: الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان.
ثم بين الأستاذ أن علم الفقه من أجل العلوم الشرعية، وهو مجمعها، وملتقى أصولها وفروعها، وأن الفقهاء اهتموا به غاية الاهتام؛ إذ صنفوا المصنفات، وتنافسوا فيها، فكان لكل عصر رجاله، ففي العهد الأول كان عهد الرواية والحفظ، وبعدها فقه الرأي والنوازل، ثم صار التأليف متنوعا بحسب الدهور من مصنفات كبيرة إلى مختصرات سادت في فترة الجمود. بعد ذلك عرَف الفقه نقلة جديدة في العصر الحديث؛ نتيجة احتكاكه بالفقه الغربي.
وأشار في نهاية هذه الكلمة إلى أن البحث الفقهي رجع القهقرى وإلى الأسوأ، وأن هذه الدورات من شأنها أن تسد هذا الخلل.
ويعد موضوع هذه الدورة مهما نافعا؛ إذ ركز على عنصرين، هما:
1ـ خصوصيات البحث الفقهي.
2ـ صعوبات البحث الفقهي.
الأول: خصوصيات الفقه: وللفقه خصوصيات، منها:
كثرة مناهجه. ـ كثرة مؤلفاته. ـ كثرة الأقوال والاجتهادات. ـ تميزه بطابع الواقعية (الافتراض قليل). ـ تميز الفقه بحُرمة مضامنه ومقرراته. ـ مزاوجته بين المعقول والمنقول. ـ أمانة النقل. ـ تميزه بأصوله ومصطلحاته. ـ انقسامه إلى فقه التأصيل، وفقه التنزيل، ولكل ضوابطه.
ثانيا: أما صعوباته فأبرزها:
اتساع مواده ومواضيعه وتشعبها في جهة، وقلتها في جهة ثانية. ـ صعوبة المؤَلَّف الفقهي في منهجه، وطريقة تحريره. ـ مشكلة توثيق النص الفقهي، (قد يكون محققا وهو غير محقق). ـ قلة كشافات المصادر. ـ دقة موضوعات الفقه. ـ الباحث فيه عرضة للوقوع في الضعيف. ـ بعض الأمثلة الفقهية مبهة، وغيرها انتهى العمل بها. ـ انغلاق النص الفقهي وانعدام المفاتيح أحيانا. ـ إحالة المؤلفات الفقهية إلى كتاب غير معروف، أو غير موجود. ـ عزو الأقوال دون تسمية الكتاب إلا نادرا.
وبعد سرده لهذه المسائل بشيء من التفصيل، جدد شكره لمركز البحوث والدراسات في الفقه المالكي في شخص الدكتور محمد العلمي الذي ابتكر فكرة هذه الدورة، وسهر على إنجازها مع فريق العمل بالمركز.
ـ الكلمة الثانية: للدكتور محمد السرار، رئيس مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث والسيرة ألقاها نيابة عن الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، وقد أعرب فيها عن ثناء الأمين العام على جامعة القرويين، التي تعد شراكتها مع الرابطة المحمدية للعلماء من أحسن الشراكات.
ثم بين أن مثل هذه الدورة من حيث موضوعُها والمشاركون فيها من أساتذة ومكوَّنين، هي موجهة إلى جهة خاصة، لذا وجب أن تستمر، وأن لا تكون مثل (بيضة ديك)، كما رحب الأستاذ ترحيبا خاصا بضيف الدورة وأستاذ الأجيال: عبد الوهاب أبو سليمان، كما دعا الطلبة إلى الاستفادة من هذا العالم؛ إذ هذا الاجتماع يعد من الندرة بمكان.
وكانت الكلمة الثالثة: من إلقاء الدكتور عبد العزيز بلاوي، عميد كلية الشريعة بأكادير، بدأ فيها بالشكروالترحيب بالأساتذة والضيوف والباحثين، كما أعرب فيها أيضا عن فرحه الشديد؛ إذ احتضنت كليته هذه الدورة، ثم تكلم عن دور الكلية ونظيراتها والمراكز العلمية في مجال البحث العلمي لإعداد الطلبة الباحثين المتمرسين، وبناء الشخصية المستقلة التي تحترم خصوصيات البحث العلمي، والتراث الديني والوطني مع مواكبة العصر.
كما ذكر بأهمية البحث العلمي وقدرته على مواكبة القضايا المعاصرة، وهذا ما تسعى إليه الكلية في إعداد طلبتها.
الكلمة الرابعة للأستاذ محمد العلمي، رئيس مركز البحوث والدراسات في الفقه المالكي، وجه الشكر للجنة المنظمة، والأساتذة المشاركين في الدورة، وبعد ذلك قدم المعالم الكبرى لأغراض الدورة ومقاصدها، والتي منها:
أن الفقه له خصوصيات يتفرد بها عن باقي العلوم الشرعية، وهو الموجِّه للناس، وكل العلوم تتضافر خدمة له.
واليوم نعيش فوضى في الفتوى بلا علم، والاجتهاد بلا مؤهلات، أو بمؤهلات وهمية، مآلاته عادة تبدأ بإبطال عبادات الناس، والطعن في تمسكهم وديانتهم، وتنتهي بإحراق خزائن المخطوطات، ونبش القبور وإقامة الحدود في الهرج، مما يشكل مادة دسمة لمقولات الإعلام الدولي لـ "شيطنة" الأحكام الشرعية، والتدليل على عدم صلاحيتها للعصر الحاضر.
وهذه الدورة نريد منها:
ـ أن لا ينفصل الفقه عن المسؤولية الأخلاقية والإشفاق على الأمة.
ـ لا يمكن التنازل عن الاجتهاد المذهبي في الفتوى.
ـ لا يجوز التغاضي عن التحاكم إلى القواعد، ونقل المسائل مجردة عن المناط.
ـ البحث: لا بد فيه من الملكة والأهلية، وتحقيق كل مذهب على حدة، والتحقق من العلوم المكملة.
ـ يستهين جمهور واسع من الباحثين بالقواعد الشكلية، ولذلك تجدهم يدخلون من باب ويخرجون من باب آخر، يلجون عالم البحث الفقهي بغير عناية ولا دراية بمسائل البحث، فتشيع فيهم ثلاثة طرق ذميمة وغريبة عن البحث الجامعي:
1ـ فبعضهم يشتغل بطريقة الصحفيين، فيقول ما شاء، دون تدقيق ولا تحفظ. وينتقص السلف دون حجج بينة. 2ـ وبعضهم يلج البحث الفقهي بأسلوب «الزاوية» و«دور القرآن»، فيرفع الظنيات إلى مرتبة القطع، ويملأ الصحائف بالأساليب المجافية تماما لقواعد البحث، ويشرد بعيدا عن تكاليفه ومطالبه. 3ـ وبعضهم يمارس البحث الفقهي بنَفَس الخطابة والوعظ الديني، مما أوقع الضرر البالغ، وسطَّح تماما عددا كبيرا من البحوث الجامعية. لذلك تأتي هذه الدورة لتدارك النقص الحاصل في البحث الفقهي لدى طلبة العصر. وقد انتظمت عروض الأساتذة المشاركين ومداخلاتهم في ثلاثة محاور: المحور الأول: القواعد الشكلية للبحث الفقهيمنسق الجلسة: د إسماعيل شكري، المقرر: الباحث عبد القادر الزكاري
المداخلة الأولى: صعوبات اختيار موضوع البحث الفقهي
د/ محمد الروكي، رئيس جامعة القرويين
افتتح الأستاذ مداخلته بمقدمة أكد فيها أن البحث الفقهي أدق منهجا، والباحث فيه يحتاج إلى امتلاك أداة البحث؛ لأنه يحتاج إلى ربط الأصول بالفروع، والعلل بالمقاصد، والباحث الذي لا يملك أهلية لذلك، ولا يمتلك تلك الأداة، كالساعي إلى الهيجاء بغير سلاح، وكثير من الباحثين يفتقدون هذه اللوازم، ومنهم من يعتقد أن البحث عمل تقني لا يحتاج إلى زاد علمي، وللبحث الفقهي صعوبات، أهمها: «اختيار موضوع البحث».
والصعوبات التي تكتنف اختيار موضوع البحث تقتضي جملة من الأمور، ترجع في الأساس إلى خمسة، وهي:
أولا: آثار الاختيار على الباحث :
ـ حسن الاختيار: يقتضي أن يكون الباحث أهلا للبحث بصفة عامة. ـ وامتلاك أدوات الاختيار. ـ يجب فيه
مراعاة المختار منه، (الموضوعات الفقهية)، والمختار له، (أهداف البحث ومقاصده...). ـ يفضي إلى التجاوب مع الموضوع بقناعة. ـ يتضح فيها صدق الباحث وجديته. ـ يمنع من تكرار موضوع البحث، التكرار الذي لا فائدة منه. ـ هو الذي يجعل لبحثه موقعا ضمن البحوث الأخرى.
ثانيا: أهلية الباحث، وتتوقف على:
ـ أن يكون على صلة بالمكتبة الفقهية والأصولية. ـ أن يكون له حظ من التكوين في الفقه، وفي اللغة. ـ التمرس على الكتب المذهبية والمعاصرة. ـ فهم الواقع. ـ إمعان النظر في المقدمات، (مقدمات الكتب، إذ غالبا ما يوجد فيها منهج المؤلف، وسبب التأليف). ـ النظر في عيوب الكتب المعاصرة. ـ النظر في خاتمة الأبحاث التي أنجزت. ـ النظر في الدوريات. ـ متابعة الإصدارات. ـ حضور الملتقيات.
ثالثا: المنظومة الفقهية منظومة متكاملة، فعلى الباحث:
ـ أن يفقه بأن المذاهب متكاملة. ـ أن يفقه العلاقات؛ علاقة الفقه بالأصول، وبالسنة وبالمقاصد، وعلاقة كل ذلك باللغة العربية. ـ أن يفقه القواعد والفروع، وأن لكل طريقته. ـ أن يميز بين كتب الأدلة والتجريد، وأن يعلم بأن لكل منها نكهته ومنهجه. ـ أن يفقه فقه الخلاف. ـ أن يميز بين فقه المتقدمين والمتأخرين. ـ أن يميز بين فقه المجتهدين والمقلدين. ـ أن يحسن ترتيب المضامين والمحتويات، وللفقهاء في ذلك نظريات. ـ أن يميز بين فقه المسائل، وفقه النوازل، ولكل كتبه.
رابعا: صعوبة الكتاب الفقهي:
الكتاب عمدة الباحث، والمؤلف الفقهي يتميز عن غيره بصعوبته مما يستلزم العُدة التي تكتسب بالتمرس ومداومة الرجوع إليه، ومن صعوباته:
ـ إحكام لغة الفقهاء ورصانتها. ـ دقة منهجهم في عرض مسائل الفقهاء. ـ دسامة المضامين وعمقها، (كتب الفقه تشمل الاتفاق والاختلاف)، وكل ذلك يستوجب الجهد والصبر. ـ كتاب الفقه يشمل الفقه الواقعي والافتراضي، ولابد من بصيرة للتمييز بينهما. ـ الكتاب الفقهي فيه المطول والمختصر إلى حد الإلغاز.
ـ اشتمال كتاب الفقه على التعليلات الدقيقة للأحكام التي لا نص فيها؛ فلا بد من إبراز الجهد لفهم هذه التعليلات؛ لأنها هي التي توقف الباحث على عقلية الفقيه وبعد مراميه.
ـ كتب الفقه منها المحررة ومنها المختلطة، خصوصا أن بعض الأئمة كان يملي، أو أن المَنون لم يمهله لمراجعة ما كتب. ومنه المخطوط ومنه المطبوع المحقق، وبعضه يحتاج إلى أن يحقَّق (والمخطوط أقوم)!
خامسا: قواعد وفوائد في الاختيار، وقد سردها جملة، وهي:
ـ لا تبحث ما هو مبحوث. ـ لا تبحث فيما لا تحسنه. ـ ابحث في الميسور دون المعسور. ـ لا تبحث فيما ليس واقعا. ـ لا تبحث فيما ليس له قيمة علمية. ـ لا تبحث في المغلقات دون الواضحات. ـ الباحث في حاجة إلى كثرة القراءة والاطلاع. ـ الباحث الناجح من جعل نصب عينيه قصد البحث عن الإفادة وليس الشهادة الجامعية. ـ البحث رسالة وأمانة، ولهذا يجب التعامل معها بهذا الوعي. ـ التعويل على الكتاب الورقي بدل الكتاب الرقمي، إذ الكتاب الورقي إن أمكن تحصيله فهو مفيد.
المداخلة الثانية: البناء المنهجي للرسائل الجامعية
د/ العربي البوهالي، عميد بالنيابة لكلية العلوم الشرعية بالسمارة، التابعة لجامعة القرويين
استهل الأستاذ مداخلته بالترحيب بالجميع، شاكرا الجهات المنظمة لهذا اللقاء العلمي، مؤكدا أن للبحث العلمي عامة وللفقهي خاصة خصوصياته وصعوباته، لابد للباحث الدراية بها؛ ليكون بحثه ذا نقلة نوعية ونتيجة مجدية؛ فالبحث الفقهي ليس ترفا فكريا كما يظنه بعض المقتحمين غماره، وإنما وجب الإحاطة بمقدماته وأدواته لما يمثله موضوعه من خطورة نوعية؛ لأنه الرابط بين العباد وربهم.
ومن الصعوبات التي أشار إليها الأستاذ، التي تكتنف البحث الفقهي خاصة، ما يرجع إلي طرق التعليم والتلقين في المؤسسات العلمية المختلفة، بدءا من التعليم العتيق ومرورا بالتعليم الأصيل إلي التعليم العمومي، فلكل من هذه المؤسسات منهجه وأسلوبه في تدريس الفقه، مما يجعل بعضا منها ذا مستوى عال، وبعضها الآخر دون المستوى المطلوب, وما يسري على تدريس الفقه يسري كذلك على الجانب اللغوي الذي يعرف اهتماما متباينا، وخاصة في التعليم الجامعي الأكاديمي.
أضف إلى هذه الصعوبات عدم وجود فهارس وأدلة تجمع شتات ما أنجز من بحوث علمية في مختلف الجامعات المغربية.
ثم ركز الأستاذ على أهم الدعائم التي يجب أن تتحلى بها الرسائل الجامعية في الفقه، ومن ذلك:
ـ مراعاة التقسيم المنهجي المتعارف عليها من مقدمة وعرض وخاتمة.
ـ اعتبار إشكالية البحث أو نظريته أهم عنصر يجب إبرازه في مقدمة البحث.
ـ عدم إغفال الدراسات السابقة في الموضوع.
ـ العرض يخصص
للمناقشة والمدارسة، ولا يمكن اقتحام غماره إلا بخطة محكمة مع مراعاة الاحتراز والمناهج العلمية.
ـ ضرورة وحدة الموضوع وتسلسله وعدم التسرع في الأحكام الفقهية.
ـ التمرن على اللغة العلمية الفقهية الواصفة غير اللغة الإنشائية.
ـ الاحتراز من التكرار والعناية بالأسلوب.
المداخلة الثالثة: أهمية اعتبار المصطلح في البحث الفقهي
د/ محمد التمسماني، عميد كلية أصول الدين، التابعة لجامعة القرويين
[هذه المداخلة محلها المحور الأخير، ولكن ظروف الأستاذ اقتضت تقديمها للجلسة الأولى]
حدد الأستاذ محاور مداختله في مقدمة وجملة مقاصد، منها:
ـ حقيقة المصطلح الفقهي بين الأمس واليوم.
ـ نشأة المصطلح الفقهي.
ـ ضوابط التعامل مع المصطلح الفقهي.
ـ الطرق الموصلة إلى معرفة المصطلح.
ـ ذكر نماذج عملية للإخلال بالمصطلح الفقهي.
وقبل تفصيله الكلام في هذه العناصر تكلم عن أهمية المصطلح؛ إذ إن لكل علم مصطلحه، وبين أن الاهتمام بالمصطلح الفقهي أمر مهم، واعتبار المهم شأن الراسخين في العلم، وعليه فالعناية به واجبة للحفاظ على خصوصيات الفن، ولسد الثغور على العابثين الذين يتخذون من المصطلح مطية لهم لشن العدوان على الشريعة.
أما من حيث طبيعته فهو بحث أصيل ودقيق، ويحتاج إلى نظر عميق.
ومن خصائصه أنه ينمو ويتجدد، مما يشكل صعوبة إدراك حقيقة المصطلح، ولهذا لا بد من: التعرُّف قبل التّعريف، ومن الوصف قبل التوصيف، ومن التصور قبل التصور.
ثم تكلم عن الطرق الموصلة إلى معرفة المصطلح، ولخص هذه الطرق في نتيجة بناها على كلام الإمام الشاطبي: «إن العلم كان في صدور الرجال، ثم انتقل إلى الكتب، وصارت مفاتحه بأيدي الرجال»، ولهذا فلا بد من طلبه من الرجال، عن طريق المشافهة التي تعني الجلوس بين يدي العلماء، وكذلك مطالعة طرق كتب المدونين، وأن يكون للناظر في هذه الكتب قدر من فهم مقاصد هذا العلم، وأن يتحرى طرق المتقدمين...
ثم عاد مرة أخرى لبيان حقيقة المصطلح الشرعي، فبين أن المتتبع لهذا الشأن يجد هناك رسائل مختلفة اهتمت بالموضوع، إلا أن الذي ظهر بعد التتبع أن هناك اتجاهين:
ـ الاتجاه الأول: فرَّق بين الحقيقة الشرعية والمصطلح الفقهي، على اعتبار أن الاصطلاح تواضع بعد اتفاق.
ـ الاتجاه الثاني: لا يرى أن هناك فرقا بين الحقيقة الشرعية والمصطلح الفقهي.
ولكن بالنظر يتبين أن الخلاف بين الاتجاهين لفظي.
ثم انتقل إلى الحديث عن العوامل التي تساعد في تحديد المصطلح، فذكر أن هناك أربعة عوامل ضابطة، وهي قابلة للنقاش، منها :
المقاصد، والقواعد، والمناهج، والموضوعات:
فبدأ بحديثه عن القواعد، وقال: إن الجهل بالقواعد التي وضعها العلماء قد يسقط المرء فيما سماه المتقدمون الخلط.
والموضوعات كذلك لا بد من التمييز بينها، إذ إن الحقيقة الفقهية قد تصبح حقيقة عقدية، ويمثل لها بمصطلح «التوسل» فإنه مصطلح فقهي، وقد أصبح مصطلحا عقديا.
ومن اعتبارات المصطلح كذلك أن يندرج تحت علمين مختلفين، ولهذا فالدراسة تساعد في التمييز بين ما هو داخل ضمن هذا العلم، وبين ما هو ليس كذلك، مثلا مصطلح «الصداق»، هل هو عوض أو نحلة، وهناك من يرى فيه الشائبتين، ولهذا لا بد من التمكن من الأصول؛ لأن التمكن من الأصول شرط من تحقيق المصطلح والتصرف فيه.
ثم تحدث الأستاذ عن نشأة المصطلح من الناحية التاريخية، فقال: إن كثيرا من الدراسات ترجع البداية الأولى لنشأة المصطلح الفقهي وغيره إلى بداية القرن الثالث، واعتبر هذا غير صحيح، وبين أن الحقيقة الشرعية بدأت مع النص الشرعي وحيا من الله وبيانا من رسوله، ثم من بعده الصحابة والتابعين وهكذا، فكان عصر النبوة وصحابته عصر السليقة، المتمكن من اللغة يدرك هذه الحقائق، ثم مرحلة تابع التابعين، وهي مرحلة أطلق عليها مرحة الصناعة، ثم جاء عصر الكتابة والتدوين عندما ظهرت المذاهب الفقهية، وبعدها مرحلتان: مرحلة الرسوخ والنضج، ومرحلة الركود، التي تميزت بحصول التأخر في العلوم، وظهور الاختصار المذموم، ثم سرد مجموعة من الضوابط للتعامل مع المصطلح، منها:
ـ لكل علم اصطلاحه.
ـ المصطلح مفتاح العلوم.
ـ اعتبار العرف ضروري.
ـ لا مشاحة في الاصطلاح.
وعن واقع المصطلح الفقهي في الوقت المعاصر، قال الأستاذ: إنه بالرغم من أن هناك دراسات وأبحاثا إلا أن الدارس يقف على كثير من الخلل والعشوائية، كما أن المصطلح الفقهي مزاحَم بالمصطلح القانوني في كثير من المجالات.
ثم ذكر الأستاذ بعض الجهود الحميدة التي قام بها بعض العلماء في خدمة المصطلح الفقهي، كالعلامة ابن الصديق، وفي المقابل هناك بعض الكتابات الفقهية المعاصرة التي زاغ أصحابها في تحديد الكثير من المصطلحات الشرعية، والاعتماد على مثل هذه الكتب في العبادات يعتبر باطلا، وذكر مثالا من أحد الكتب التي عرف فيها التيمم بالتوضؤ بالتراب.
المداخلة الرابعة: البحث الفقهي صعوبات وعيوب
د/ محمد المصلح، أستاذ الفقه وأصوله بجامعة محمد الأول بوجدة
مهد الأستاذ لمداخلته باستشكال الوضع الذي آل إليه البحث العلمي بصفة عامة، والبحث الفقهي بصفة خاصة، وقال إنه يصعب تحديد من تقع عليه المسؤولية، هل على الطالب، أم على البرنامج، ولهذا لا بد من الرفق بالطلبة، ثم وجه كلمة شكر إلى الجهات المنظمة، وبعدها شرع في عرض مداخلته التي جعلها في محورين:
1 ـ النقائص والعيوب.
2 ـ الصعوبات.
أولا: النقائص والعيوب:
ـ من العيوب الاقتصار في التكوين والدرس الفقهي على مباحث خاصة وإهمال غيرها، في المقابل يعد من إيجابيات البحث الفقهي القويم (الختمة/السلكة)، فهذا يستوعب ويستجمع العلم في بابه، ولكن حين غيب هذا المنهج، واستبدل بما سمي بالمقرر أضحى الطالب ـ وهو في مستوى التخرج ـ يجهل الكثير، وجعله يعمد إلى قشور البحث، ولابد من معالجة هذا الخلل ودراسة المتن دراسة كاملة.
ـ إهمال الجمع بين الفرع والأصل، هناك جموح إلى الاهتمام بالتأصيل، وفي بعض المعاهد قد تجد اهتماما بمبحث الفروع، والاهتمامُ بالفروع المجردة لا طائل منه، ولذلك فالاقتصار على المسلك الأول قد يصبح متفننا في التأصيل، ولكن تجده يتخبط خبط عشواء.
أما المقتصر على المسلك الثاني، الفقه المجرد، فهذا قد يكبله، ويجعله عاجزا عن التأصيل والنظر، وبالتالي ينعكس على أبحاثه، ولهذا لا مناص من اعتماد المسلكين معا.
وضرب أمثلة للعلماء الأوائل، كالقاضي عبد الوهاب وابن عبد البر والمازري؛ إذ ألفوا في الفروع والأصول، وقال إن الفرصة متاحة اليوم للجمع بين المنهجين.
ومن العيوب والنقائص كذلك:
ـ إهمال مقاصد التأليف: فالأوائل كانوا يراعون هذه المقاصد، منها استهداف جهة معينة، كمتن ابن عاشر، والرسالة لأبي زيد القيرواني، وابن عاصم صاحب التحفة، وغيرها، فالذي لا يدرك هذه المقاصد قد يحكم على بعض هذه المؤلفات وأصحابها بعكس مرادهم من تلك المؤلفات، كما وقع لبعض المشارقة الذين ألفوا في الفقه المقارن، نظروا إلى خليل ومختصراته نظرة خاطئة، واستنتجوا أن الفقه المالكي كله على هذه الشكل، ولكن الأصل أن هذا كان منهجا، فلا يجوز محاكمته إلى غير شرطه.
ـ التصرف المخل في النصوص: النص له حرمة، فالفقهاء كانوا حريصين على الدقة في نقل الكلام.
ـ إعادة صياغة التعريفات السابقة: كثير من الباحثين يوردون صياغات وتعاريف مختلفة لمصطلح من كتب خاصة بهذا الفن، ثم يصوغون تعريفهم الخاص ، وهذا عيب.
ثانيا : الصعوبات، ومن جملتها:
ـ صعوبة اختيار الموضوع (قد سبق للدكتور محمد الروكي التفصيل في هذا)، بعض الطلبة قد تدفع به العجلة لاختيار أي موضوع أو تقديم استقالة نهائية، وعليه فلا بد من وضع استراتيجية تحدد فيها المقترحات مع مراعاة قدرات الطالب.
ـ قلة الفهارس الجامعة للبحوث المنجزة، ولذلك لا بد من وضع هذه الفهارس؛ لتسهيل البحث على الطالب.
ـ عدم اطراد الإحالة عند العلماء: كثيرا ما ترد الإحالة مبهمة، وأحيانا لا تتضح نهاية النقل، أو يأخذه ناقصا، ومن أغرب ما وقفت عليه نقل جمهرة من الباحثين نصا في مبحث المآل في الموافقات ينسب للشاطبي، ولكن هو نفسه يصرح أنه نقل عن ابن العربي، والذي أوقع في هذا أن الإمام الشاطبي لم يصرح إلا بعد إيراده الكلام، أي: في النهاية.
ـ الاعتماد على المخطوط غير المحقق، أو المطبوع الذي يحتاج إلى تحقيق، و غيرها من الصعوبات.
الجلسة المسائية:
المجموعة الأولى: منسق الجلسة د/إبراهيم أزوغ، المقرر: الباحث عبد الكريم الهواوي
الورشة الأولى: التدليل للفروع في الفقه المالكي
د/محمد الوثيق، أستاذ التعليم العالي بكلية الشريعة أيت ملول، أكادير
استفتح الأستاذ المحاضر هذه الورشة بمدخل نظري، تحدث فيه عن إشكال الاستدلال داخل الفقه عموما والفقه المالكي خاصة، من خلال طرح مجموعة من الأسئلة، منها:
هل كان الفقهاء الأئمة الأول عندما يفتون مثلا يلتزمون بالاستدلال؟
وهل كانوا فعلا يستدلون؟
وهل يمكن أن نقول إن جميع أدلة الفروع الفقهية للمذهب نصية؟
وما هو واقع الفقه المالكي من حيث الدليل؟
وكيف كان التراث الفقهي المالكي يهتم بالاستدلال؟
وكيف نستدل نحن للفرع في الفقه المالكي الذي نجده منصوصا دون دليل؟
وكيف نبحث عن هذا الدليل؟
وكيف نستدل لنازلة حادثة وفق أصول الإمام؟
وقد نبه الأستاذ على أن الفقيه إذا صار الفقه له ملكة، مثله مثل المحدث، ليس ملزما أن يستدل دائما لرأيه أو لفتواه أو لحكمه، وإن كان هذا مركوزا في نظره ومعروفا لديه سلفا، ولكنه لا يذكره لسبب من الأسباب أو لظرف من الظروف، وهذا أمر جار عند جميع فقهاء المذاهب.ثم أشار إلى أن الفقه المالكي له اهتمام بالغ بالاستدلال على الفروع، وأتى بنموذج لذلك من شرح الصغير للدردير على كتاب الحج من مختصر خليل، استخلص منه مصادر وآليات الاستدلال داخل المذهب.
وبعد هذا التقديم، قسم الأستاذ الطلبة الباحثين إلى ثمان مجموعات، وجعل على كل مجموعة منسقا، ثم عرض نصا من باب المسابقة في مختصر خليل، وطلب منهم إنجاز ما يلي:
ـ تقسيم النص إلى وحدات موضوعية، ثم تقسيم كل وحدة إلى جزئيات مستقلة.
ـ اعتبار كل وجه يستقل بحكم ولو بالمفهوم.
ـ الترتيب المنطقي للمسائل والفروع.
ـ وضع العناوين للمسائل والفروع.
ـ صياغة الحكم الفقهي في عنوان الفرع.
ـ اقتراح أدلة لكل فرع.
الورشة الثانية: الأوهام العلمية في تحقيق بعض تراث الفقه المالكي
د/ مولاي محمد الإدريسي الطاهري، أستاذ التعليم العالي بكلية الشريعة أيت ملول، أكادير
أكد الأستاذ المحاضر في مفتتح هذه الورشة أنه يروم منها إطلاع الطلبة الباحثين على نماذج من الأخطاء التي وقع فيها بعض المحققين، الذين أخرجوا كتبا من تراث المذهب المالكي أصولا وفروعا، وما يترتب عن ذلك من توجيه فهم النصوص إلى غير مقصود واضعيها، خاصة أن بعض هذه الكتب صادرة بعناية باحثين جامعيين أو مؤسسات مشهود لها بالكفاءة والريادة.
ثم بين الأستاذ أن مداخلته تتغيى تحقيق مجموعة من المقاصد، اقتصر على اثنين منها:
ـ المقصد الأول: إثارة الانتباه إلى ضرورة إحياء الدراسات النقدية التي كانت سائدة في مرحلة من مراحل تاريخنا، والتي كان المحدثون روادها الأوائل، من خلال مناهجهم الدقيقة في ضبط السماع وتقييد الرواية، وتصحيح التصحيف، وتحرير التحريف، ثم اقتفى آثارهم العلماء في سائر العلوم، ومنهم الفقهاء.
وأما في العصر الحديث فقد ظهرت في منتصف القرن الماضي بعض هذه الدراسات النقدية التي غالبا ما تتناول التصحيفات والأوهام التي وقع فيها المحققون، وقد ساهمت في إثراء البحث العلمي وترشيد كثير من خطواته، فضلا عن كونها مانعة لغير المؤهلين أن يقتحموا حمى التحقيق.
ـ وأما المقصد الثاني: فهو إثارة انتباه الباحثين إلى ضرورة التحلي بقدر كبير من الفطنة والذكاء، بالنظر إلى أن كثيرا من نصوص التراث المالكي المطبوع وإن ظهرت في حلل جميلة من حيث الشكل إلا أن التحقيق يعوز في الكثير منها.
وفي ختام مداخلته عرض نماذج من الأخطاء والأوهام التي وقف عليها عرضا في كتاب الذخيرة للإمام القرافي والجواهر الثمينة لابن شاس.
المجموعة الثانية: منسق الجلسة الدكتور عبد الله أكرزام، المقرر: الباحث عبد الفتاح مغفور
الورشة الأولى: منهجية التوثيق والتعامل مع المصادر في البحث الفقهي
د/لحسن مكراز، أستاذ التعليم العالي، كلية الشريعة آيت ملول، أكادير
استهل الأستاذ حديثه ببيان بعض المصطلحات التي تتوقف سلامة عملية التوثيق على إدراكها، من قبيل التمييز بين الأمهات، والمصادر، والحواشي، والطرر، والتعاليق... مع طرح بعض الإشكالات التي يقع فيها الطلبة الباحثون خلال قيامهم بعملية التوثيق من المصادر الفقهية.
ثم عرج الأستاذ على الإشارة إلى بعض طرق كشف مناهج المؤلفين في كتبهم كقراءة المقدمة مثلا، ثم ذكر أهم الصعوبات التي تواجه الباحث في التعامل مع المصادر الفقهية، وعد منها ما يأتي:
ـ إشكالية تداخل الموضوعات الفقهية:
حيث بين الأستاذ أن الموضوع الواحد يتم بثه في أبواب متعددة، متشابهة فيما بينها، مثل مسألة الهبة، تعرض أحكامها في باب الصدقات، وفي باب النذور والأيمان وغيرهما من الأبواب الفقهية.
ـ صعوبة تحديد بداية النقل من نهايته:
وبخاصة في الكتب التي لا يشير أصحابها إلى بداية النقل ونهايته، فيقع الطالب في الخلط، فلا يميز بين النقل وتعليق المؤلف على عكس ما نجده عند بعض الفقهاء، كالإمام الرهوني في حاشيته على الزرقاني، إذ يقول أثناء نقله للنص: «انتهى بلفظه»، «وهذا بنصه»...
ـ عدم الإلمام بالمصطلحات والرموز الفقهية:
من أهم الصعوبات التي تعترض الباحث، عدم اهتمامه بالمصطلحات والرموز الفقهية، حيث إنه لا يعرف مصطلح «الكتاب» إذا أطلق في المذهب المالكية على أنه المدونة، وأنه صار علما عليها بالغلبة.
ـ اختلاف الطبعات وأثره في ضبط النص:
ضرورة التمييز بين دور الطبع، لما له من أهمية في ضبط النص، ومثل لذلك بدارين:
ـ دار الكتب العلمية بلبنان، التي توصف طبعاتها بالرداءة، نتيجة تغليبها لهدف الربح على حساب خدمة العلم والمعرفة.
ـ دار بولاق، التي تعد من الدور الموثوقة، وغرضها من الطبع هو تأهيل البحث العلمي، إذ تعتمد لجنة علمية متخصصة، تحكم الكتاب قبل إخراجه.
ـ إشكالية النقل بالواسطة:
من الأخطاء التي يقع فيها الباحثون في تعاملهم مع المصادر الفقهية، النقل بالواسطة، مثلا إذا وقع الباحث على نص في الجامع لابن يونس، منقول من النوادر والزيادات، في هذه الحالة لابد من الرجوع إلى النوادر أولا، ثم الباحث ينظر هل ابن يونس علق على هذا النص، وحقق وصحح أم لا؟ وذلك بالمقابلة والمقارنة بين المطابع.
ومن فوائد الرجوع إلى النقل الأول المحافظة على الترتيب الزمني.
ـ ترتيب المصادر المنقول منها تاريخيا:
فعلى الباحث أن يرتب المصادر حسب السبق التاريخي، وأيضا تقديم المصادر على المراجع.
ـ التوثيق من المصادر غير المتخصصة:
فمن الأخطاء التي يقع فيها الباحثون، تأصيلهم لمسألة في اللغة من كتب الفقه أو أصوله، كأن ترد في البحث لفظة غريبة، كقول البعض: قال الحطاب: عن مشارق الأنوار، فكيف يرجع إلى الحطَّاب والمشارق موجود، بل ينبغي الرجوع إلى المشارق، ولكن قد يحتاج الباحث إلى الحطَّاب في التعليق على قول المشارق، أو كان المشارق مفقودا.
الورشة الثانية: مشكلة التعليق والتوثيق في تحقيق المخطوطات الفقهية
د/ محمد العلمي، أستاذ التعليم العالي، كلية الحقوق، سلا
ورئيس مركز البحوث والدراسات في الفقه المالكي
استهل الأستاذ المحاضر حديثه بإبراز أهمية التعليق والتوثيق في تحقيق المخطوطات، منبها إلى أشكال من الأخطاء التي يقع فيه الطلبة أثناء تعريفهم ـ بالأعلام والأماكن، والمصطلحات، وحصرها فيما يأتي:
التعريف الناقص، والتعريف المختل، والتعريف بالمجهول، والزيادات المخلة، والاختلاف بين المحل والتعليق، والتعليق بغير المطلوب، ثم التعليق الزائد، بالإضافة إلى سوء استعمال التعليق والتعامل مع المصادر في التوثيق.
فقسم موضوعه إلى ما يلي:
1 ـ الخطأ في ترجمة الأعلام.
2 ـ الخطأ في التعريف بالأماكن والمدن.
3 ـ استعمال الأسماء والمصطلحات المهجورة وعدم تحيينها.
4 ـ سوء التعامل مع المصادر في التوثيق.
5 ـ سوء استعمال التعاليق.
مستعينا في معالجة هذه النقط بعرض نماذج لأخطاء وقع فيها طلبة باحثون، في مجموعة من الأطاريح، منها:
أولا: الخطأ في ترجمة الأعلام:
حدَّدَ وجوه الخطأ في ترجمة الأعلام فيما يأتي:
ـ الخطأ في تحديد مكان الوفاة، كأن يصرح باسم مكان غير موجود في وقت المترجم له.
ـ الخطأ في عد بعض الأعلام أنها من الأعلام المتشابهة، كأن يرد في النص المخطوط اسم «ابن مالك»، وينبه في التعريف به بقوله غير النحوي، وهذا نوع من الوهم والخلط يقع فيه الباحث، ويريد أن ينقله إلى القارئ.
ـ الخطأ في التعريف بالعلَم، (كأن يقول الباحث: هشام هو آخر ملوك بني أمية بالأندلس، دون أن يذكر التاريخ وباقي المحددات...).
ـ الخطأ في عدم ملاءمة المصدر المعتمد في الترجمة، للمترجم له، كأن يكون العالم المترجم له فقيها، أو أصوليا، ويترجم له من الكتب التي تترجم لرجال الحديث، ومثل لذلك بترجمة أبي حامد الغزالي، الذي ترجم له أحد الباحثين من كتاب المنتقى في سرد الكنى، وطبقات المحدثين للذهبي، مع العلم أن المصادر المعتمدة في ترجمة الغزالي، هي: طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي، والمنتظم لابن الجوزي، وسير أعلام النبلاء للذهبي.
ـ الخطأ في صياغة الترجمة وبنائها: أبرز الأستاذ المحاضر معالم وأسس الترجمة العلمية فيما يأتي:
الاسم الكامل، أشهر شيوخ المترجم له، وأشهر تلامذته، وبعض مؤلفاته المشهورة، ووفاته، ومصادر ترجمته، ثم نبه أيضا الأستاذ على سياقات الترجمة التي ترد فيها، فإن كانت في سياق الفقه ينبغي أن تبنى بناء فقهيا، وإن كانت في سياق الحديث ينبغي أن تبنى بناء حديثيا، وهكذا.
ثانيا: الخطأ في التعريف بالأماكن والمدن:
وذلك أن يعرف الباحث المكان من خلال ذكر المسافة التي بينه وبين مدينة مشهورة، مشيا على الأقدام، أو تكون المدينة مشهورة، ومثل لذلك بأن يقول الباحث: «جيان: مدينة كبيرة بالأندلس، بينها وبين قرطبة سبعة عشر فرسخا...»، ومثل لذلك أيضا بقول أحد الباحثين أثناء تعريفه بتونس: «مدينة بإفريقيا إسلامية، توجد في سفح الجبل، بينها وبين القيروان مسيرة ثلاثة أيام...»، فتونس معروفة مشهورة، ولا تحتاج إلى تعريف، والمعروف لا يعرف.
ثالثا: استعمال الأسماء والمصطلحات الفقهية المهجورة، وعدم تحيينها:
أبرز في هذه النقطة ما يقع فيه الطلبة الباحثون من أخطاء أثناء تعريفهم لبعض المصطلحات الفقهية، كمقاييس الأوزان، كالقفيز: (القفيز من المكايل، وهو ثمانية مكاكيك عند أهل العراق، والمكوك صاع ونصف)، فبدل أن يعرفه بمصطلحات متداولة معروفة، تلائم الزمن الحاضر، يعرفه بمصطلحات غير معروفة الآن بين الناس، ولا متداولة بينهم، وهذا مما يسقط في الغرابة والإضمار، وتعريف المجهول بالمجهول، علما أن عددا من الدراسات عرفت هذه المقاييس بشكل مستفيض ودقيق.
رابعا: سوء التعامل مع المصادر في التوثيق والعزو:
النقل عن المراجع وإغفال العودة إلى المصادر في التعريف بالأعلام أو توضيح الغريب من الألفاظ، أو الرجوع إلى مصادر غير متخصصة، كأن ترد عليه لفظة غريبة، فيرجع في تعريفها إلى كتب التفسير، بدل أن يرجع إلى كتب الأدب واللغة، أو أن يرد عليه بيتا شعريا يعزوه إلى كتب التفسير أو شروح الحديث، بدل أن يرجعه إلى صاحبه، أو على الأقل إلى أحد الدواوين الشعرية إن تعذر عليه معرفة صاحبه.
خامسا: سوء استعمال التعاليق، مثل:
ـ محاكمة الكتاب على غير شرط مؤلفه.
ـ الأوهام في التعليق: ذكر منها الأستاذ جملة من التعاليق، نذكر منها ما يأتي:
التصحيف في الأسماء، كأن يقول الباحث: «ابن الشاب»، وهو خطأ بل هو «ابن المنتاب».
الوهم في تاريخ الوفاة، ومثل لذلك بابن عبد الحكم، وقال: إنه إذا أطلق في المذهب المالكي فهو عبد الله، فجعل أحد الباحثين أثناء تعليقهم وفاته سنة 191ﻫ، وهو خطأ بل وفاته سنة 214ﻫ.
ـ عدم ملاءمة النص للتوثيق، ومثل له بنص يتكلم على بيع البتل (القطع)، فقام الباحث بالتعريف بقسمة البتل.
ـ إثبات الخطأ بدل الصواب، وهو ناتج عن ضعف الخبرة، ومثل له بنص فيه: «وقصره أحمد بن حنبل على...»، فعلق المحقق في الهامش: بالتشديد، والصواب: «اقتصره»، فركب خطأ على خطإ.
لقاء مفتوح مع الدكتور محمد الروكي
منسق اللقاء الدكتور إدريس جويلل، المقرر: الباحث فؤاد القطاري
بعد انتهاء الجلسة المسائية لليوم الأول من أيام الدورة التكوينية
عقد لقاء مفتوح للباحثين المشاركين
مع فضيلة العلامة الدكتور محمد الروكي، رئيس جامعة القرويين.
طرحت على الأستاذ الكريم مجموعة من القضايا والإشكالات من قبل الباحثين المشاركين، وقد تمحورت هذه الأسئلة حول بعض الصعوبات التي تعترض الباحث في مشواره الدراسي، كالمدة الزمنية المخصصة لبحث الماستر والدكتوراه، ومشكل اختيار الموضوع، ومعيار الجدة في البحث، كما طرحت أسئلة تروم استكشاف السبيل إلى إظهار الشخصية العلمية للباحث في بحثه، وكذا تمت مناقشة أزمة البحث العلمي في العالم الإسلامي وأسبابها، والبحث عن تجاوزها، إضافة إلى أسئلة عامة في الفقه الإسلامي، وقد أجاب الأستاذ عن تلك الأسئلة بقدر ما سمح به الوقت.
الخميس24 جمادى الثانية 1435 الموافق 24 أبريل 2014
الجلسة الصباحية:
المحور الثاني محتوى البحث الفقهي: قواعد ومحاذير
منسق الجلسة: الدكتور إبراهيم أزوغ، المقرر: الباحث محمد الخادير
المداخلة الأولى: تخريج الأحاديث في البحوث الفقهية
د/محمد السرار، أستاذ التعليم العالي، كلية الشريعة، فاس
ورئيس مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش
صدر الأستاذ كلمته ـ بعد شكر المنظمين للدورة والسادة الأساتذة والعلماء المؤطرين لها ـ بالتنويه إلى أن كتب الفقه والأصول تضم جمهرة كبرى من الأحاديث، يحتاج الواقف عليها إلى معرفة حالها؛ ليتبين حال الدليل قوة وضعفا، مؤكدا أن هذه الحاجة تزداد إذا عُلم أن أكثر الفقهاء كانوا يوردون كثيرا من الأحاديث بالمعنى، وفي غالب الأحيان تذكر بعض القواعد الفقهية على أنها أحاديث، دون قصد إلى الوضع.
لينتقل بعد هذه المقدمة إلى الحديث عن مفهوم التخريج وإطلاقاته، وجهود المحدثين في تخريج الأحاديث الموجودة في المؤلفات الفقهية والأصولية، ومثَّل لذلك بمجموعة من الأمثلة كـ«التحقيق في أحاديث التعليق» لابن الجوزي، و«نصب الراية» للزيلعي، كما ألمح إلى جملة من المؤلفات المصنفة في علم التخريج.
بعد ذلك عرج الأستاذ على الصعوبات التي تعترض الباحث في علم التخريج، وأجملها في ما يلي:
ـ الأحاديث المختصرة، الاقتصار على محل الشاهد، ذكر الحديث بلقبه، مثل: (حديث الطير، حديث جبريل)، جعل المرفوع موقوفا، أو مقطوعا، أو العكس، جعل القواعد الفقهية حديثا.
ثم ختم الأستاذ العرض بالحديث عن ضوابط تخريج الأحاديث، وذكر منها:
ـ لا يعزى الحديث إلا لكاتب مسند.
ـ تقديم الكتب المشهورة على غيرها.
ـ الحذر من كتب الفقهاء.
ـ الحذر من التقليد.
ـ مراعاة ما اشتهر من الألقاب والأسامي والأنساب.
ـ مراعاة الأمور الاصطلاحية.
ـ التفريق بين مقدمة كتاب الحديث والكتاب نفسه، كمقدمة صحيح مسلم وصحيحه، فلا يعزى ما في المقدمة إلى صحيح مسلم إطلاقا، بل يجب أن يقال رواه مسلم في مقدمة صحيحه.
المداخلة الثانية: صعوبات البحث في أصول المذاهب وقواعدها
د/الناجي لمين، أستاذ التعليم العالي بمؤسسة دار الحديث الحسنية، الرباط
مهد الأستاذ لمداخلته بمقدمة حدد فيها المذاهب التي سيتناولها بالدراسة والتحليل، وهي: مذهب أبي حنيفة، والإمام مالك، والإمام أحمد، وابن أبي ليلى.
ثم انتقل للحديث عن كل مذهب مبينا أصوله وقواعده التي بني عليها، وكيف تم ذلك، والمراحل التي مر بها، مركزا على المذهب الأخير ـ مذهب ابن أبي ليلى ـ لصلته القديمة به، وقلة الأبحاث فيه.
وبين مراده بالأئمة، فقال: المقصود بالأئمة هم فقهاء الأمصار، سواء الذين بقيت مذاهبهم، كأبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، أو الذين اندثرت مذاهبهم، كابن أبي ليلى، والأوزاعي، والثوري... وهؤلاء الأئمة لم يدونوا أصولهم كما فعل الشافعي، وإنما أثرت عنهم سماعات وآراء في الفقه، تكون في الغالب مجرد مدركات.
ثم انتقل للحديث عن الإمام أبي حنيفة، وكيفية البحث عن أصوله، فقال إن أبا حنيفة كانت له أصول عامة، بنى عليها نسقه الفقهي، لكنه لم يكن ينص عليها، ويجد الباحث حولها إشارات لها في كتب محمد بن الحسن الشيباني وأبي يوسف صاحبي أبي حنيفة وناشري مذهبه، لا سيما كتابه اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلة، وتكمل الفائدة من هذا الكتاب إذا درس بتعليق الشافعي عليه، وهي تعليقات مطبوعة في آخر كتاب الأم للشافعي.
وبالنسبة للإمام مالك، بين الأستاذ المحاضر أن أصوله لا تخرج عن أقضية عمر بن الخطاب، وآثار الفقهاء السبعة، وفقهاء المدينة، وأيضا فإن الناظر في الموطأ والمدونة من شأنه أن يصل إلى تبين المنهج العام للإمام مالك في بناء أصوله، ثم استعرض بعض خصائص هذا المنهج، ملخصا لها فيما يلي:
ـ يأخذ بالحديث ولو كان منقطعا، إذا عضده العمل، وجرى على عرف الناس، أو كان موافقا لقول من أقوال الصحابة.
ـ يقدم السنة العملية على الخبر الواحد.
ـ يأخذ بالذرائع ويستحسن إذا قبح القياس.
ـ لا يأخذ في المسألة بالأصل الواحد، بل يدرسها على عدة أصول.
ـ يراعي ما جرى به عرف الناس، واستقرت عليه أحوالهم.
ثم عرج عن الإمام أحمد، فذكر أنه لم يحرص على رسم أصول المذهب، وأن الشيء المؤكد أن الإمام أحمد أخذ عن الإمام الشافعي، وتأثر به في التأليف الأصولي، كما ذكر ذلك ابن القيم، ولذلك فلا يختلفان إلا قليلا في التصنيف الأصولي.
ثم تحدث الأستاذ عن أصول مذهب ابن أبي ليلي، وهو عمل كانت له معه تجربة في أطروحته التي طبعت بعنوان: «الإمام محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى وأصوله من خلال آرائه الفقهية».
من خلال ذلك توصل إلى مجموعة من النتائج، منها:
أن أصول ابن أبي ليلى شبيهة بأصول الإمام مالك؛ إذ كان مفتيا وقاضيا.
ثم ختم الأستاذ بأن الحديث عن أصول المذاهب هو في غاية الصعوبة، وأنه في القرن الثاني الهجري كانت هناك مناهج لم تعمر، ثم نبه في الأخير: أنه من المجازفة العلمية أن نجعل القواعد المبثوثة في أصول الفقه معايير للتراث الفقهي.
المداخلة الثالثة: قواعد البحث في القواعد الفقهية
د/عبد الواحد الإدريسي، أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، أكادير
استهل الأستاذ كلمته بالحديث عن أهمية البحث في القواعد الفقهية، وقيمته العلمية، وبين أن كبار العلماء وفطاحلهم كالقرافي، وابن السبكي، والسيوطي، قد نبهوا على ذلك، ترغيبا للمتفقهين والباحثين، لخوض غمار هذا اللون من التصنيف الفقهي، ثم ذكر قاعدتين جليلتين:
الأولى: تكرار الورود على الفروع والقواعد أنجح لحل مشكلات البحث الفقهي.والثانية: جودة الفهم عن الفقهاء متوقف على أصلين:
ـ الأصل الأول: ممارسة الأصول والفروع.
ـ الأصل الثاني: مرفة الوجوه والمباني.ثم انتقل للحديث في فصل أول عن: مهارات فن التقعيد وصعوباته، وذكر منها: مهارة التعرف على القاعدة، ومهارة صياغتها، ومهارة التعرف على أدلتها، ومهارة تصنيفها بحسب التقييد وإطلاقه، ومهارة التخريج والتفريع على القواعد.
بعد ذلك تحدث عن منهج تحرير المباحث والمطالب الفقهية، بين فيه كيفية صياغة القواعد الفقهية مع ذكر بعض النماذج، ثم انصب كلامه على قواعد البحث في القاعدة الفقهية، وتطرق فيه إلى: ممارسة الفروع والقواعد وتكرار الورود عليها يفتحان ما استغلق من ألفاظ الفقهاء وإطلاقاتهم، والانطلاق من المعلوم إلى المجهول، والوفاق مقدم على الخلاف، وتنصيص الأئمة على القاعدة شرط لقبولها، وقدر من التجاسر والتوغل والتقحم في البحث مطلوب، والباحث متأول وخطؤه مغتفر.
المداخلة الرابعة: ضوابط البحث في الموضوع الفقهي
د/ محمد الصمدي، أستاذ التعليم العالي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، تطوان
استفتح الأستاذ عرضه بالشكر للمنظمين وجهود تضحيات أعضاء مركز الدراسات والبحوث في الفقه المالكي، وأشاد بالدورة وأهميتها وكونها مفيدة جدا.
ثم بين أن مقصوده بالضوابط: المعايير والأدوات التي يجب أن يمتلكها الباحث لإنجاز بحث علمي متميز ورصين، وهي جملة من المؤهلات العلمية والأدوات المنهجية التي يجب أن يتحلى بها الباحث، ثم حصر هذه الضوابط في ما يلي:
أولا: تحصيل الملكة في المجال الذي اختاره الباحث في الفقه الإسلامي، المفروض في الباحث أن يكون قد حسم خياره، وهو ما عبر عنه ابن خلدون «بالاستيلاء على العلم».
ثانيا: ضابط الشرعية والتزود بالثقافة الشرعية الكافية.
ثالثا: اطلاع الباحث على المسارات الكبرى للفقه الإسلامي والإشراف على محطاته الكبرى.
رابعا: ضابط الشرعية الواقعية.
خامسا: علاقات الفقه بالعلوم الأخرى.
سادسا: الأفاق المستقبلية.
ثم نبه إلى أن الكثير يتوهم بأن كتب الأقدمين لا يوجد فيها منهج، وأنها تقتصر فقط على الجانب المعرفي، ولا تلقي بالا للجانب المنهجي، وهذا غير صحيح.
وأشار الأستاذ إلى أنه يجب على بحوث الطلبة أن تتميز بمجموعة من السمات كالشرعية، والعملية، والواقعية، والتاريخية، وأن البحوث الجيدة هي التي تنفتح على العلوم الأخرى ولا تتقوقع على ذاتها.
المداخلة الخامسة: مبادئ المقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي
د/حسن القصاب، أستاذ التعليم العالي، كلية الشريعة، آيت ملول، أكادير
أشار الأستاذ في البداية إلى أن هذا الموضوع يحجم عنه كثير من الباحثين في علوم الشريعة بخلاف نظرائهم في القانون الوضعي، وأضاف مهما كان الحال فإن هذا النوع من البحوث له مبادئ ومنطلقات، لا بد من مراعاتها حتى نتمكن من تلك الثمرة المرجوة من الجدة في البحث والجودة في البسط، ولعل أس تلك المبادئ الحرص على بيان الفروق بين الفقه الإسلامي والفقه القانوني؛ لأن الدقة والأمانة العلمية تقتضيان الاحتفاظ لكل منظومة بمقوماتها وطابعها، فلا أضر على الدراسات المقارنة من دعوى التقريب، فإنها لا تكسب الفقهين أية قوة.
ثم أشار فضيلته إلى أن هناك ثلاث عقبات تقتحم الدراسات المقارنة، وهي:ـ العقبة النفسية: أشار إلى أن الباحث المسلم لا يستشعر ولا يعطي أهمية لقوانين الغير، حيث ينصب نفسه مدافعا عن الفقه الإسلامي، وهو في غنى عن ذلك، وبين أن أحسن خدمة يخدم بها هذا الفقه هي لزوم الحياد المصاحب لجودة الفهم، حتى تتم الاستفادة بشكل جيد من كلا الفقهين القانوني والإسلامي.
ـ العقبة المنهجية: بين أن المنهج هو ما يبحث في الدراسات المقارنة، وضعف الدراسات في هذا المجال ناتج عن هذا المنهج غير المنضبط خصوصا، وأن بعض الدراسات تكون فقط بمثابة مجمع لمباحث لا علاقة بينها، مع الغياب التام للطبيعة السجالية، التي ينبغي أن لا تخلو منها هذه البحوث.
ـ العقبة المهارية: وضح فيها الأستاذ أن البحث يستدعي ملكات ومهارات خاصة متميزة عن غيره من البحوث في مجالات أخرى، ومما تتطلبه هذه البحوث إلمام الباحث بقواعد الحقلين الفقهيين القانوني والإسلامي، ويكون مشاركا في كلا المجالين.
الجلسة المسائية
المجموعة الأولى: منسق الجلسة: الدكتور حسن القصاب، المقرر: الباحث عبد القادر الزكاري
الورشة الأولى: حقوق الإنسان من منظور الشريعة والشرائع الوطنية والمواثيق الدولية
د/ أحمد إد الفقيه، أستاذ التعليم العالي، كلية الشريعة، آيت ملول، أكادير
استهل الأستاذ المحاضر مداخلته بالإشارة إلى أن نظام الورشات في الجامعة المغربية ما زال غائبا، والطلبة لم يتعودوا إلا التلقي من الأساتذة.
بعد هذا قدم عرضا موجزا حول مفهوم حقوق الإنسان، من حيث التعريف والنشأة، وقال إن الذي يمكن أن يعرِّف لنا الإنسان هو القرآن الكريم؛ إذ تكلم عن الإنسان، وهو جنين في بطن أمه إلى ما بعد موته، واستشهد بكثير من الآيات.أما في الغرب فمفهوم الإنسان قد تأثر بالفكر المسيحي، التي تنظر إلى الإنسان وارث للخطيئة من آدم، وتفقد له حريته، ولم يظهر مفهوم حقوق الإنسان إلا في عصر الأنوار، مع نظرية العقد الاجتماعي، ولكن مصطلح حقوق الإنسان لا يستعمل استعمالا بريئا، ولذلك يجب التنبه إليه، كما يجب اعتبار أصل المنهجين عند المقارنة، وتطور ثقافة حقوق الإنسان في الغرب بصفة عامة، التي مرت من فترة إلى الآن بثلاثة أجيال:
ـ الجيل الأول: كانت المناداة فيه بالحق في الحياة، والحرية، والمساواة...
ـ الجيل الثاني: المناداة بالحقوق الاجتماعية، والاقتصادية والثقافية، والسياسية.
ـ الجيل الثالث: الحق في السلم والتنمية، وفي بيئة سليمة، والحق في العيش الرغيد.
ثم طرح الأستاذ مجموعة من القضايا، كحرية التعبير، وحرية الزواج بمفهومه الغربي، وقضية المساواة في الإرث، وغيرها، وحاول أن يقسم الطلبة المستفيدين من الدورة إلى طرفين طرف ينظر إلى تلك القضايا من زاوية شرعية، والطرف الآخر من زاوية غربية، بعد ذلك فتح الباب للمناقشة عن طريق إبداء آراء وتساؤلات، وفي الأخير طلب من الحاضرين أن يستصحبوا معهم الفكرة، وهو الأساس الأول من اللقاء على هذا الشكل.
المجموعة الثانية: منسق الجلسة: الدكتور جمال بوشاما، المقرر: الباحث طه فنطاسي
صعوبات البحث في النوازل الفقهية
د/ لحسن الرغيبي، أستاذ التعليم العالي، ومنسق ماستر القضاء والتوثيق بكلية الشريعة، آيت ملول، أكادير
مهد الأستاذ المحاضر بالشكر الجزيل للساهرين على إنجاح هذه الدورة التكوينية، ثم استعرض في هذه الورشة التطبيقية مجموعة من الصعوبات التي تعترض الباحث في مجال البحث الفقهي بشكل عام والنوازلي بشكل خاص، والتي منها:
ـ صعوبة اختيار المخطوط أو الكتاب الذي سيشتغل عليه؛ لوجود كثير من العراقيل.
ـ احتكار بعض الأفراد هذه المخطوطات، وصعوبة وجودها حتى في المكتبات.
ـ كما ذكر بعض الأمور المنهجية في التعامل مع المخطوط، وذلك أن الطالب الذي يرغب في تحقيق مخطوط يجب عليه أن يتأكد من وجوده، من أجل تجاوز مشكلة غياب المخطوط في المكتبات.
ثم انتقل بعد ذلك إلى تعريف المخطوط، وواجب الطالب الذي اختار التوجه إلى تحقيقه ودوره:ـ قراءة المخطوط، وهذه الصعوبة لا تعود إلى عدم وضوح المخطوط، بل تكون هذه الصعوبة نتيجة لعدم تشكيل النص.
ـ كون النوازل الفقهية غير مرتبة على الأبواب الفقهية المعروفة، ومتشعبة المواضيع، لذلك توجد العديد من كتب النوازل المحققة، هي في حقيقة أمرها عبارة عن جمع وترتيب لهذه النوازل الفقهية.
ـ طبيعة الاستدلال داخل كتب النوازل تختلف عن كتب فقهية أخرى، فأغلبها يستشهد فيه بمختصر خليل وشروحه.
ـ عدم قدرة الطالب على فصل المكونات، وهي الأسئلة والأجوبة، فلا يستطيع الطالب أن يميز بين السؤال والجواب.
ـ وكذلك صعوبة طبيعة الجزء المستشهد به في المخطوط.
ـ صعوبة التمييز بين المتن والنظم.
ـ خلط الأسماء وعدم التفريق بينهم، مثال: يقال قال العبدوسي، فلا يعرف الطالب ما المقصود بالعبدوسي، فهم ثلاثة أو أربعة، وقد يذكر شخصا ليس بعالم، بل ذكره من أجل الاستشهاد فقط.
ـ وهناك صعوبات تأتي بعد التحقيق، وهي إخراج العمل، فأغلب الرسائل تظل في رفوف مكتبة الكلية، وبعد مدة يأتي طالب آخر يسجل بحثه في نفس العمل.
ـ أيضا من الصعوبات التي تعتري المخطوط هو أن العمل على المخطوطات يولد عند الطلبة نفورا نفسيا من البحوث الجامعية، وذلك يرجع إلى أسباب منها قلة اليد وضيق الوقت وأمور أخرى.
الورشة الثانية: (ورشة عامة) تصحيح أخطاء شائعة في الدراسات الفقهية
د/ محمد شرحبيلي، أستاذ التعليم العالي، كلية الشريعة، أيت ملول، أكادير
منسق الجلسة: الدكتور لحسن مكراز، المقرر: الباحث عبد الباسط صيد
ـ في مقدمة المداخلة أشار الأستاذ شرحبيلي إلى عسر الوقوف على جميع أخطاء المصنفات والاكتفاء ببعضها.
ـ بنى الأستاذ مداخلته على مخالفة أهل مذهب مالك للإمام، ومثّل ذلك بمخالفتهم له في الموطّأ، فعرض نسخة من رواية علي بن زياد الذي قال فيه ابن كنانة: (ما طرأ علينا طارئ ناقش مالكا في أصوله مناقشة علي بن زياد)، واعتراضاته على الإمام في الموطّأ فروعية كإجازته أكل ميتة الجراد بقوله: (ليس الناس على قول مالك، لا بأس بميتته)؛ لأنّه لا دم له، مخالفة للإمام القائل بعدمه.
ـ من القواعد التي أسّس لها أنّ من خالف الإمام لا يخرج عن مذهبه؛ لأن الفروع قد تتبدل بناء على الأصول، أما أصول المذهب فلا تتبدل، والمخالفة في الفروع لا تضر، ممثلا لها بقول أشهب لما خالف الإمام، فلما اعتُرض عليه، قال: (إن قال مالك غير هذا فلسنا له بمماليك).
وكما فعل ابن زياد وغيره، خالف اللّخمي مذهب الإمام مالك حتى قيل فيه:
كما مزق اللخمي مذهب مالك *** لقد مزق قلبي سهام جفونهاودافع الأستاذ عن اللخمي بقوله: (لم يمزّق اللّخمي المذهب بالعكس).
في سياق آخر نقل الأستاذ كلام الشيخ زروق: (العلم أفضل الأعمال)، إشارة إلى أن العلم لا ينفك عن العمل، بل هو منه، حاثا الطلبة والباحثين على الصبر والمثابرة على العلم.
ـ أصل الأستاذ لتصحيح الأخطاء بقول القرافي: (يجب على أهل المذاهب أن يتفقدوا مذاهبهم...).
ـ من التصحيحات التي ذكرها الأستاذ أيضا قول الشيخ خليل في المختصر أن القبض مكروه بقيد بقوله: (وهل كراهته في الفرض للاعتماد، أو خيفة اعتقاد وجوبه، أو إظهار خشوع...)، وقول الأمير باستحبابه: (ووضع اليمنى على اليسرى لمن تسنن)، ألا تناقض حقيقة، فقيود الشيخ خليل مضمنة في قول الأمير.
ـ من القواعد التي بناها أيضا أن البدعة أكبر من أن تطلق على المخالفات الفقهية الفروعية خاصة، مشيرا إلى أصل الاحتياط عند الإمام مالك.
ـ أما عن رجوع الفقهاء إلى الحق ما وصلهم الدليل فمثل له بفعل عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه الذي لم يفرق بين البنت وأمها في حرمة كل منهما بالعقد أو الدخول بالأخرى، فلما اطلع على قول أهل المدينة رجع، وقرر أن العقد على البنت يحرم أمّها، والدّخول بالأمّ هو الّذي يحرّم البنت.
ـ مما أشار إليه الأستاذ أيضا أنّ المتأخّرين أقلّ عذرا، وأكثر اطّلاعا من المتقدّمين، معضّدا هذا بكلام لابن عبد البرّ، كما ساق قصّة لعمر بن الخطّاب رضي الله عنه أنّه قال: إن من تزوّج امرأة في عدتها، ودخل بها، تأبّد تحريمها عليه، وعلّل هذا ابن العربي أنّه استعجل الأمر، فيعامل بنقيض قصده، وردّ عليه الشيخ شرحبيلي مشيرا أنّ المسألة في: «شرح تبيين المسالك»، وفيه أنّ عليا رضي الله عنه هو الذي رد على عمر رضي الله عنه، ولم يبلغ مالكا قول علي رضي الله عنه، فبقي مشهور المذهب على قول عمر، ثم ذكر أنّ المسألة ذكرها محمّد بن الحسن في روايته للموطّأ أيضا.
ـ نوّه الأستاذ بكتاب تبيين المسالك، وهو من آخر المختصرات، مخطّئا الحجوي الّذي اعتبر مختصر الشيخ خليل آخر المختصرات، بل ذكر الأستاذ «مختصر الأمير» و«مختصر الدّردير» اللّذين انتقدا واستدركا على الشيخ خليل، وبعدهما «تبيين المسالك للأحسائي»، وكل هذه المختصرات جاء بعد مختصر الشيخ خليل.
ـ أشار الأستاذ إلى ردّه على الحجوي، وابن حزم في أطروحته: «تطوّر المذهب المالكي»، مرجعا ردّهم على المذهب إلى تحاملهم عليه.
ثم عرض كتاب الموطإ من رواية يحيى بن يحيى الليثي مبيّنا بعض الأخطاء الواقعة فيه، ومنها:
ـ ما حمل الخطأ فيه على الإمام مالك، وهو قليل، وهو في الأسانيد دون المتون.
ـ ما حمل الخطأ فيه على يحيى بن يحيى الليثي، وهو في الأسانيد والمتون.
ـ من الفوائد التي أكّد عليها الأستاذ أنّ الشيخ خليل لم يختصر جامع الأمهات لابن الحاجب، بل حاذاه، فعدة مسائل ابن الحاجب أربعون ألف مسألة، ومسائل مختصر خليل مائة ألف مسألة من المنطوق، ومثلها من المفهوم، فليست مائتا ألف مسألة اختصارا لأربعين ألف مسألة!
ـ مثّل الأستاذ شرحبيلي لضغط الشيخ خليل للعبارة بمسألة ما لا يؤكل من الصيد إذا قطع، وذكر أنّ المسألة في المدوّنة في تسعة أسطر، فاختصرها الشيخ خليل في نصف سطر، مضيفا إليها فرعا آخر، فقال: (ودون نصف أُبِين ميتةٌ إلاّ الرأس).
لقاء مفتوح مع الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان، منسق الجلسة: الدكتور محمد السرار،
المقرر: الباحث عبد الرحيم اللاوي
بموازات مع الدورة التكوينية، برمجت اللجنة المنظمة لقاء مفتوحا للطلبة الباحثين مع الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان.
وقد استهل الأستاذ هذا اللقاء بعرض تجربته في مناهج البحث، وما استفاده من الكتب المؤلفة في الموضوع،خاصة التي كتبت باللغة الإنجليزية، ثم أردفه بالحديث عن جولته في بعض الجامعات العالمية مما أكسبه خبرة فيما يحتاجه الطالب، ثم بين أن البحوث الشرعية تبنى بالأساس على المصادر القديمة، عكس العلوم الأخرى، بيد أنه توجد مصادر حديثة جيدة لا يمكن الاستغناء عنها.
بعد هذه المقدمة، عرض الأستاذ المحاضر خطوات إيضاحية لمراحل كتابة البحث العلمي، وضعها في خطاطة بيانية، ثم تناولها بالشرح والتعليق، وهذه الخطاطة كالآتي:
الجمعة25 جمادى الثانية 1435 الموافق 25 أبريل 2014
المحور الثالث: الخصوصيات اللغوية للبحث الفقهي
الجلسة الصباحية: منسق الجلسة: الدكتور محمد المصلح، المقرر: الباحث عبد الرحيم اللاوي
المداخلة الأولى: التحقيق العلمي وتماثيله: أهدافا ووسائل ومناهج
د/ إبراهيم أزوغ، أستاذ سابق، بكلية الآداب، ظهر المهراز، فاس
[هذه المداخلة مؤجلة عن الجلسة الأولى بسبب تغيير في البرنامج]
استهل الأستاذ محاضرته بالحديث عن مجموعة من عيوب التحقيق، منها:
1ـ دخول من لا يحسن التحقيق هذا المضمار.
2ـ غياب الحسبة في كثير من التراث المحقق.
3ـ الساحة اليوم تعج بكثير من المحققين الذين اتخذوا التحقيق مطية لنيل الشهادات.
4ـ كثير من الأعمال هي أشباه التحقيق، وليست تحقيقا، ومن أشكال هذا التحقيق:
أولا: الادعاء للتحقيق.ثانيا: ملء الهوامش بالتعليقات من غير النظر إلى مضمونها.
ثم عقب بعد ذلك بذكر مجموعة من قواعد التحقيق العلمي، منها:
1ـ السعي إلى إخراج النصوص التي لم تحقق من قبل تحقيقا علميا.
2ـ حسن اختيار المخطوط.
3ـ توفر الوثائق المناسبة لإنجاز العمل.
4ـ مراعاة قدرة المحقق على العمل التحقيقي، علما، وتخصصا، ووقتا.
5ـ الإقامة العلمية للنص بإعادته إلى أقرب صورة وضعها المؤلف عليه.
6ـ الحذر من تحريفات النساخ وتصحيفاتهم.
وبعد ذكر هذه القواعد نوه الأستاذ بالحرص على علمية التوثيق، ويكون كالتالي:
ـ استقراء النسخ وتتبعها.
ـ اختيار النسخ العتيقة في حالة التعذر.
ـ لابد من مراعاة إبرازات النسخ، فتُعتمد آخرها، وتعرف الإبرازات بتصريح المؤلف، أو تاريخ الانتهاء منها.
ـ المعول عليه في التحقيق أن يختار الباحث نسخة يتخذها أصلا، ولا يلجأ إلى التلفيق بين النسخ، واختيار الألفاظ.
ـ مراعاة ترتيب النسخ بالمقاييس العلمية، ويقدم ما وجد بخط المؤلف، أو صحح عليه، أو قربه من زمانه، أو ما صحح على عالم من العلماء، ولا تقدم النسخة لمجرد وضوحها.
وفي الختام نبه الأستاذ المحاضر على بعض الأخطاء التي يقع فيها الباحث أثناء التحقيق، وهي قراءة الوثيقة انطلاقا من معارفه وخلفياته، ثم يسقط هذه المعارف والخلفيات عليها، فتكون القراءة بمعارفه وخلفياته، لا بمعارف الوثيق، مما قد يفقد الوثيقة أصالتها.
المداخلة الثانية: اللغة والأسلوب في كتابة البحث الفقهي
د/ محمد جميل مبارك، أستاذ التعليم العالي، كلية الشريعة، أيت ملول، أكادير
ورئيس المجلس العلمي المحلي بأكادير
بين الأستاذ أن البحث الفقهي يمر بأزمة، وهي أزمة من أزمات البحث العلمي، مع اختلاف هذه الأزمات من علم لآخر.
ثم تحدث الأستاذ عن ضرورة التمكن من اللغة، فهي وعاء البحث الشرعي، ومنها الفقه، ومن هنا نعلم الصلة بين لسان العرب وعلم الشرع، فالعلوم خادمة لنصوص الوحي، ونصوص الوحي جاءت باللغة العربية، وليس الأمر أن العبرة بالفكرة، ويكون التعبير كيف ما كان، بل اختيار الكلمات المناسبة في الجملة المناسبة يكون جامعا، ولذلك كانت حاجة الباحث إلى لغة الفقه.
إن لغة الفقه وأسلوبه ينسربان في قلوب من يعايش الفقه؛ لإنجاح البحث الفقهي، فاللغة وعاء العلوم جميعها، وهي شارحة لنصوص الوحي.ثم انتقل للحديث عن معنى الفقه، وتطور المعنى الاصطلاحي له عبر تاريخ الأمة، فقد كان يطلق في البداية على الشريعة كلها، كقوله تعالى: ﴿فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون﴾، وقوله صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين»، فهذه النصوص وغيرها تدل على أن الفقه كان شاملا للشريعة، وهو شمول كان شائعا إلى زمن ظهور الأئمة الكبار، وهو شمول يعززه أن الفقه مستمد من القرآن الكريم والسنة النبوية، ولا يعرف المستَمَد إلى بمعرفة المستَمد منه، إذ معرفة الفرع متوقف على معرفة الأصل، فمعرفة لغة الفقه متوقفة على معرفة لغة الوحيين، إذ هو معني ببيان المراد من نصوصهما، وبتقريب دلالة ألفاظهما، فآل الأمر إلى الألفاظ وإلى دلالاتها، والألفاظ ودلالتها هي مجمل اللغة، إذ اللغة لا تعدوا أن تكون ألفاظا، ولتلك الألفاظ دلالات، ومن هنا كان الفقيه لا يطلق عند السلف إلا على المجتهد، وقد أطبق الأصوليون في مؤلفاتهم الأصولية على أن من شروط المجتهد معرفة اللغة العربية مع اختلافهم في درجة هذه المعرفة.
والفقه يتوقف على ثلاثة أمور.
1ـ معرفة مراد المتحدث بحديثه، فهذا لا يتم إلا بمعرفة لغة الفقه، وأساليبه، وأن الفقه في كل مراحله يتوقف على خبرة باللغة العربية وأساليبها، بالإضافة إلى الخبرة بخصوصيات الفقه بمفاهيمه واصطلاحاته .
2ـ إدراك العلة الباعثة عليه.
3ـ إدراك العلة الغائية له.
ثم تساءل الأستاذ، هل للغة الفقه خصائص، فقال: وهو سؤال وجيه، والجواب عنه ذو شقين:
الشق الأول: أن لغة الفقه هي لغة القرآن والسنة، وأنه لا يعدو أن يكون مبينا عنهما.
الشق الثاني: أن لغة الفقه تعبير عن أوضاع، وإبانة عن مفهيم خاصة ومصطلحات خاصة.
ثم أتبع بالقول: إن تضلع الفقهاء في الشق الثاني مبني على تضلعهم في الشق الأول، فبعض المصطلحات لها معان لغوية، أضاف إليها الفقهاء معاني شرعية، ومن ثَم قسمت الحقائق إلى حقائق شرعية ولغوية وعرفية، فالأولان: متفق عليهما، والآخر مختلف فيه، ونفى البعض ـ منهم الباقلاني ـ الحقائق الشرعية، وقال هو مجاز، وثمرة الاختلاف: إذا وجد اللفظ مجردا عن القرينة على أي الحقيقتين يحمل.
ثم ختم الأستاذ محاضرته بمجموعة من النماذج والأمثلة تدل على سوء قراءة بعض النصوص المحققة، وما وقع لأصحابها من أخطاء في التحقيق، وهذه الأمثلة تدل على قصور في اللغة وعدم تمكن بعض من يمتطي التحقيق في اللغة والنحو والصرف.
كما أكد الأستاذ على ضرورة مراعاة الأسلوب الرصين في كتابة البحوث العلمية.
المداخلة الثالثة: التأريخ للفقه الإسلامي وسؤال المنهج
د/الحسن الباز، أستاذ التعليم العالي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة ابن زهر، أكادير
تحدث الأستاذ عن مصطلح التأريخ وجذوره الغربية ومقاصد أصحابه، حتى لا ينبهر دارسو الفقه بالمصطلحات الغربية، ثم تحدث عن تطور مصطلح الفقه عبر تاريخ الأمة، وذكر نماذج من التطبيقات التاريخية في الدراسات الشرعية، كالفقه السياسي، ثم تحدث عن أدوار ومراحل الفقه الإسلامي عند المؤرخين، وأسباب انزياح الفقه
الإسلامي عن حكم الواقع والتطبيق.
ثم ذكر أن علاقة مصطلح التأريخ بالمنهج تنصرف إلى أربعة أمور، وهي:ـ التأريخ بمعنى منهج المؤلف في كتابة التاريخ.
ـ التأريخ بمعنى نشأة الظاهرة وتطورها.
ـ التأريخ بعني منهج التعامل مع الظاهرة.
ـ التأريخ بعني تفسير الوقائع والأحداث.
ثم عرج على مدلول مصطلح التأريخ، وأنه ارتبط عند المعاصرين بخصائص الحضارة، ثم انتقل للحديث عن مراحل وأطوار الفقه الإسلامي، وبعض مناهج التصنيف فيه، وبعض المؤلفات في الباب كالفكر السامي في تاريخ التشريع الإسلامي لمحمد بن الحسن الحجوي.
ـ سوء استعمال مصطلح السياسة الشرعية.ثم ذكر بعض الأسباب التي ساهمت في تسرب القوانين الغربية إلى الفقه الإسلامي، وهي :
ـ إزاحة الفقه الإسلامي من الواقع.
ـ تحكيم الأعراف خاصة في بلاد سوس.
ـ غياب تقنين الفقه الإسلامي.
ـ ما قامت به الدراسات الاستشراقية، حيث تخصصت كل فرقة في مجال معين، لهدم ركن من أركان الفقه الإسلامي.
ثم ختم الأستاذ محاضرته بالحديث عن بعض مناهج وطرق تجديد البحث الفقهي، وأهمية الاقتباس من العلوم الأخرى كالقانون وغيره.
الجلسة المسائية:
منسق الجلسة: الدكتور محمد جميل مبارك، المقرر: الباحث فؤاد القطاري
المحاضرة الختامية: البحث الفقهي خصائص ونقائص
د/ عبد الوهاب أبو سليمان، عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية
استهل الأستاذ محاضرته بالتنبيه على جملة من الأمور المنهجية المتعلقة بالبحث في العلوم الشرعية عموما، والبحث الفقهي على وجه الخصوص، وذلك من قبيل تحديد عنوان البحث، وخطته، ومصادره، علاوة على ضرورة احترام التخصص، وتنظيم أفكار البحث وترتيبها؛ مشيرا إلى أنه ليس كل من قرأ، وعَلِم، واستبحر في القراءة يعد باحثا، فالبحث هو ترتيب منطقي للأفكار.
وبعد هذا المدخل، ركز محاضرته على محورين اثنين:
المحور الأول: خصائص البحث الفقهي
تحدث الأستاذ عن مجموعة من الخصائص التي يتميز بها البحث الفقهي، فذكر منها:
أولا: أن البحث الفقهي ذو طبيعة اجتهادية، وهو لا يتأتى إلا لأهله، وهم العلماء الممارسون له، والمتخصصون فيه.
ثانيا: دقة مصطلحاته، والجفوف في أسلوبه وعبارته، مما يستوجب على المشتغل بالبحث الفقهي النهل من كتب الأدب؛ لتهذيب الأسلوب.
ثالثا: التأصيل لمسائله؛ لأنه لا فقه بدون دليل.
رابعا: ربط المسائل الجزئية بالقواعد الفقهية؛ إذ القواعد الفقهية تمثل قمة ما وصل إليه الفقه.خامسا: العنايةُ بالمقاصد ومآلات الأحكام؛ لأن من توجه إلى مقاصد الشرع أصاب الحق، وكذلك يجب على البحث الفقهي معالجة القضايا المعاصرة لكل زمان، والاهتمام بالدراسات الاجتماعية، والإبداع والابتكار، فضلا عن العناية بالفهارس والكشافات.
المحور الثاني: نقائص البحث الفقهي
أبرز الأستاذ المحاضر في هذا المحور جملة من النقائص، التي تعاني منها البحوث الفقهية، منها:
أولا: الأسلوب السردي الذي يدل على ضيق الفكر، ومحدودية التعبير، والجهل بالمادة الفقهية: مبدؤها ونهايتها.
ثانيا: عدم الاستدلال بالحديث النبوي الشريف.
ثالثا: والاعتماد على المختصرات الفقهية.
رابعا: النقل من المصادر غير المعتمدة.
خامسا: الإسهاب في التعريفات كما لا كيفا.
سادسا: الاستدلال لقطعيات الشريعة.
ثامنا: تداخل الموضوعات الفقهي.
تاسعا: توضيح المسائل الفقهية بالأمثلة الغريبة.
عاشرا: الاستكثار من الفروع ومداركها، والاستناد على فتوى متقدمة ذات بيئة وظرف خاص، وغير ذلك.
وبعد انتهاء المحاضرة، فسح الأستاذ المحاضر المجال للباحثين من أجل الأسئلة والمناقشة للأفكار التي تفتقت في أذهانهم، وهم يتابعون المحاضرة، ثم أجاب عنها حسب ما سمح به الوقت.
الجلسة الختامية:
منسق الجلسة: الدكتور محمد العلمي، المقرر: الباحث فؤاد القطاري
وقد جاءت كلمة هذه الجلسة تباعا، فكانت الكلمة الأولى للسيد رئيس مركز البحوث والدراسات في الفقه المالكي الدكتور محمد العلمي، الذي حمد الله أولا على نجاح الدورة، ثم أثنى على من أسهم في نجاحها من الأساتذة واللجنة المنظمة والباحثين.
ثم أخذ الكلمة ثانيا السيد عميد كلية الشريعة بآيت ملول، عبد العزيز بلاوي، الذي ثمن الدورة، وأبرز أهميتها في الإجابة على عدد من الأسئلة والإشكالات، ثم توجه بالشكر والثناء للأساتذة المشاركين والطلبة والإداريين والمنظمين.
والكلمة الثالثة كانت للدكتور محمد السرار، بالنيابة عن السيد الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، وأفردها لشكر الأساتذة والباحثين، وخص بالشكر الدكتور محمد العلمي رئيس مركز البحوث والدراسات في الفقه المالكي، والدكتور عبد العزيز بلاوي، عميد كلية الشريعة بآيت ملول، على ما بذلاه من جهد في تنظيم هذه الدورة العلمية.
ثم كانت الكلمة الرابعة باسم الباحثين المشاركين في الدورة من خارج المغرب، والخامسة باسم الباحثين المشاركين في الدورة من المغرب، والسادسة باسم الباحثات المشاركات في الدورة، والقاسم المشترك بين هذه الكلمات الثلاث، تثمين الدورة والتنويه بها، وشكر كل المؤطرين والمنظمين لها.
وبعد هذه الكلمات المتتاليات، ألقى الأستاذ أحمد زنداك قصيدة شعرية في تقريض الدورة وتثمينها، ثم أردفتها تلاوة عميد كلية الشريعة لبرقية الولاء المرفوعة إلى صاحب الجلالة، لتختم الدورة بالدعاء وتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم.
صورة جماعية للأساتذة المؤطرين للدورة مع الباحثين المشاركين فيها
لقاءات علمية بين الأساتذة المؤطرين للدورة وبعض الأساتذة الضيوف
صور للأساتذة المؤطرين في مكتب السيد عميد كلية الشريعة
صور للأساتذة المؤطرين مع الطلبة الباحثين
معرض إصدارات الرابطة المحمدية للعلماء خلال الدورة
دورة تكوينة موفقة ولله الحمد، أظهرت مدى الجهد الذي بذلته اللجنة المنظمة من أجل إنجاحها. وعلى رأسها الأستاذ محمد العلمي. فالشكر لهم جميعا.
من خلال اطلاعي على برنامج الدورة والاساتذة المؤطرين ومواضيع المداخلات وملخصاتها يتبين قيمة هذه الدورة واهميتها
وهذا امر ليس بغريب على استاذنا محمد العلمي الذي عهدنا فيه الجدية والابداع والتميز
وفقكم الله
السلام على الأحبة سررت بالمشاركة في هذه الدورة المباركة والاستفادة من ثلة من المشايخ الفضلاء. أقول لكم جزاكم المولى على ماتفضلتم به من فوائد ومن حسن استقبال
دورة ممتازة بكل المقاييس ، الطرح جديد، والإبداع، والتنظيم، وحجم المحاضرين، والإقبال الكبير من الباحثين، ، تحية من اعماق القلب إلى المنظمين من إخواننا في مركز الدراسات والبحوث في الفقه المالكي وعلى رأسهم الدكتور سيدي محمد العلمي رجل وعد فاوفى والشكر موصول إلى الباحثين في المركز والكلية المضيفة كلية الشريعة درة سوس العالمة ، فأقول لكم دمتألقين مسددين بإذن الله تعالى
كانت دورة ناجحة ولله الحمد..
ويسرت للطلبة اللقاء بأساتذة وعلماء عرفوهم من قبل عبر كتاباتهم فقط..
شكرا لكلية الشريعة بأيت ملول على احتضانها لهذا الحفل..
وشكرا لمركز البحوث والدراسات في الفقه المالكي على تأطيره…
السلام عليكم ورحمة االله وبركاته
وصلتنا أصداء طيبة عن هذه الدورة العلمية المباركة التي فتحت آفاقا جديدة في مجال البحث العلمي وخاصة في مجال الدراسات الفقهية المالكية، نتمنى للمركز والمشرف عليه الدكتور سيدي محمد العلمي المزيد من التألق والعطاء.
الحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات
كانت دورة متميزة التقينا فيها بأساتذة فضلاء وجمعتنا بطلبة درسنا معهم أعواما خلت وفرقتنا الأيام
أرجو أن تكون لنا فرصة لقاء جديدة بعلمائنا وأساتذتنا في دورات جديدة
أنتظر بشوق الإعلان عن دورة علمية جديدة نفيد ونستفيد
دمتم للعلم ودام لكم وطبتم وطاب ممشاكم
والسلام عليكم