مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

البيان الختامي للندوة العلمية الوطنية: القرآن الكريم وفقه الأحكام الشرعية: «أنظار في وجوه الاستدلال ومناهج الاستنباط»

الحمد الذي يسر الأسباب وأعان، ولو وكلنا إلى الحول والقوة لخار منا العزم ولان، فنستمده موصول العناية، ونستمطره تمام الرعاية، فما التوفيق والرشاد إلا منة مستوحاة من سابغ جوده وإنعامه،  بداءة نجدد خالص شكرنا لمن أسهم في إنجاح هذه الندوة المباركة؛ مشاركة قيمة ومواكبة تقنية وهيئة تنظيمية، فالله نسأل أن يجعل ذلك من العمل الصالح الذي يتناسى عناؤه وجهده، ويحصى عند الله ثوابه وغنمه

أما بعد:

وبعد هذا التفيئ الظليل مواكبة لفعاليات الندوة الوطنية : «القرآن الكريم وفقه الأحكام الشرعية: أنظار في وجوه الاستدلال ومناهج الاستنباط» التي جرت مراسيمها أيام 14 و15 و16 من ذي القعدة 1442هـ، الموافق لـ25 و26 و27 يونيوه 2021م، بتنظيم مشترك بين مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة المنضوي تحت لواء الرابطة المحمدية للعلماء و ماستر «فقه النوازل المعاصرة» بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة القاضي عياض.

لقد تم لنا ما ارتسمناه بفضله سبحانه وتوفيقه، مستو على سوقه، دان قطاف ينعه، وقبيل الحصاد يقوم النتاج، رصدا لأسرار الوجاهة والنجح، و تتوخيا  لمكامن الإحباط والكبو، ومن لم ينظر في المحصل بين يديه،  ولم يرصد مراميه وينصبها أمام عينيه، خبط خبط عشواء، وسار في التيه من غير اهتداء، فلقد بدا بدليله أصالة المعرفة المستقاة من معين الوحي ومشكاته، إذ هي التي تستحق أن توسم بميسم المعرفة على الحقيقة، لما لها من حلية الرصانة الآيبة إلى متانة الدليل والحجة والارتكاز على ركنية الثبات والاطراد المشروط في العلوم البحثة، والتطيلس بطيلسان القداسة المستمد من قدسية الشرعة، ومما يحذر في هذا المقام الاحتراس من أن تخرجها نشوة التحصيل عن ما جعلت له، وتصرفها غطرسة الاستعلاء عن ما وضعت له، فيسلك بها مسلك العلوم العقلية البحثة، علوما ومعارف جامدة يابسة، لا تبض بالحياة ولا تسري في أرواحا نضرة البهاء، فتصير بذلك قوانين وضعية لا نفاذ لها إلى ملامسة القلوب، ولا تأثير لها في مغازلة النفوس، وظهور آثارها في المعاملة والسلوك، وهذا مقصد المقاصد التي  يتحدث عنها أرباب هذه الصناعة، كيف نشكل العبدية الاختيارية في الإنسان داخل إطار عبديته القهرية، وهو ما سطره رائد المقاصد بقوله: “المقصد الشرعي من وضع الشريعة إخراج المكلف عن داعية هواه، حتى يكون عبدا لله اختيارا، كما هو عبد لله اضطرار.

وإذا كانت هذه المعرفة لها محل الصدر بين المعارف، لما تنبني عليه من عمد رشحتها لنيل قدم السبق، لزم الاعتناء بمسالك تحصيلها، والحذق بأصول امتلاكها، ولا شك أن اللسان العربي ابن بجدتها، فهو عذيقها المرجب، وجذيلها المحكك، على قدر التمهر فيه يفتح على الناظر في الكتاب ما لا يفتح على مزجى البضاعة فيه، ولما كانت الذرابة فيه ولت مع الجيل السليقي، فقد أضحت الحاجة ماسة فيه إلى الاكتساب الصناعي، أخذا له عن أهله، ونهلا له من معينه، و رجوعا به إلى محتده وأصله.

وما ينبغي استحضاره في هذا المقام، أن الانخراط في مسلك الاستنباط الفقهي، و رصين التقعيد الأصولي،  دونه خرط القتاد، فليس كل حامل فقه فقيها، وليس كل من اكتسب آلياته يحسن توظيفها ترشيدا، فإعداد الفقيه الأصولي المستكمل للعدة،  الشافع لها بحسن التنزيل على الوقائع المستجدة،  يستغرق من طالبه أزمنة مديدة،؛ تحصيلا و مدارسة، وسبر غور ومفاتشة، ثم معافسة لها وممارسة، فمسلك تحصيله حرون، ومركبه جنوح، وعقبته وعرة كؤود، وصاحبه  يحتاج إلى مزيد مثابرة واصطبار، وتمام اطلاع على الواقع ومتغيرات الأحوال.

وعلى هذا الوزان يكون الابتحاث في فلك القرآن مسهما في إيجاد حلول لكثير من القضايا العالقة، ويسدي للبشرية خدمة جليلة، استمدادا من معين فيضه، واستدرار من وابل صيبه .

ومما سبق عرضه تظافرت جهود وأنظار مسعفة الجهات الوصية بالتوصيات الآتية:

-1ركنية تجديد بعثة الجيل القرآني، جيل يستمد مرجعيته البحثية من الكتاب، بما أراد له منزله من مركزية حاكمة، وقبلة هادية، وفيصلة معيارية.

-2 النظر في مسعفات إعداد الجيل القرآن المجدد، نواتها إنشاء خلية بحثية مؤهلة، تمتد جسورها خارج مركزيتها، تستدعي القامات الوازنة المشهود برسوخ كعبها، تشرف على التأطير الممنهج لنابتة البحثة، تعقد دورات تدريبية، وتوجه الورشات التأهيلية.

-3الانفتاح على المحيط يقود إلى اكتشاف ذوي التمهر والمراس من أهل هذا الشأن، فيعضد التهمم، ويستقوى الجهد، ويجتمع الشمل، فيسفر عن تلاقح الأفكار، وتوسيع آفاق النظر، تقديما  لما حقه الاعتبار، وترشيدا لمتغيى الابتحاث والاستثمار.

–4مدارسة آيات الأحكام واستخلاص المرتجى من مفاتشتها يستلزم استكمال عدة الدرس القرائي، بدءا  بالإحاطة بلسان القرآن، وشفع محصل الرواية بالفهم الواعب دراية، و تمييز التعارض بين كثير من الأدلة خاصة عند دعوى النسخ والإزالة، وتمحيص القول فيها وقوعا واستعمالا.

-5النفوذ من الحكم الفقهي تقعيدا وتأصيلا، إلى المتغي من تشريعه تربية وسلوكا، ونصب البعد القيمي غاية غايات التشريع، خروجا من حرفية النص إلى ما تقتضيه رسومه وتستلزمه مقاصد تشريعه، تشوفا لبعثة الجيل القرآني المجدد.

-6 تشوفا للتجديد والإنماء يقترح أن يكون موضوع التدارس في الندوات المقبلة، ما يشغل العقل البشري من مستجدات وإشكالات، سواء من حيث الجزئيات العالقة في الموضوع، أو في المواضيع التي لم توطأ أكنافها، ولم ترتد جنباتها.

– 7 تزخر مصادر آيات الأحكام  وأمهات الكتب الفقهية عامة بمادة علمية وفيرة، خصوصا في الجانب التفريعي منها، لو أخضعت لقانون التأصيل والتقعيد، تكون أجدى نفعا، وأسد قيلا، وقبل هذا وذاك، هي ميدان رحب للمراس، اكتسابا للأهلية، و وتشوف  لامتلاك ناصية الكفاءة المنشودة.

-8 إيلاء مزيد اهتمام لمصنفات الفقه المالكي ومصادر آيات الأحكام، والنظر في إعادة إخراجها في حلة مرضية، تعنى بها مدارسة وتحقيقا، وتقرب مادتها العلمية على هذا الوزان.

9- الدعوة إلى العناية بالصنعة الحديثية في كتب أحكام القرآن، لما للأحاديث المفسرة لآيات الأحكام من وطيد الصلة بالموضوع، فهي جديرة بالبحث الحديثي ؛مدارسة لأحكامها، و تعمقا في تقريب مداليلها.

-10 العمل التشاركي ينآى بأهله عن الزيغ والخطل، وتعضد فيه آصرة المعارف وتتآزر، ولذلك ندعو إلى توطيد الصلة بين هذا الجمع المبارك، رغبة في استمرار عمله العلمي، وسعيا إلى تمتين رحم العلم بين هذه الصفوة من خيرة شباب الأمة.

-11 استزادة لمنابر نشر رسالة العلم، تطلبا لمزيد الإشعاع، وتشوفا لواسع الانتفاع، يقترح أن يعقد المركز العمري شراكة مع الجهات الرسمية التي تقاسمه نفس التهمم، وتحمل عين الرسالة،  معاهد علمية، ومؤسسات أكاديمية..

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

د.عبد الجليل الحوريشي

  • باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق