استراتيجية الحد من السلوكيات الخطرة بتعزيز قدرات بناء الذات
نظم مركز الدراسات والأبحاث في القيم التابع للرابطة المحمدية للعلماء بشراكة مع الشؤون العامة لدولة كندا بمركز أجيال للمواكبة والوقاية والتمنيع بالناظور، دورة تكوين المكونين، حول موضوع: "استراتيجية الحد من السلوكيات الخطرة بتعزيز قدرات بناء الذات، يومي 13- 14 مارس 2020".
تميزت هذه الدورة بحضور ثلة مهمة من الفاعلين الجمعويين، والطلبة الجامعيين من الكلية المتعددة التخصصات بالناظور، والطلبة الباحثين في سلك الدكتوراه، والأساتذة العاملين في التعليم الثانوي، مع بعض الأطر من مركز طب الإدمان بالناظور، والمشرف الاجتماعي بالسجن المحلي بسلوان، وأعضاء مركز أجيال بالناظور.
افتتح اليوم الأول للتكوين (الجمعة 13 مارس) باستقبال المشاركين، مع تمرين التعارف بينهم، ليتناول الكلمة الدكتور عبد اللطيف شهبون رئيس مركز أجيال، مُوضِّحا أن هذا اللقاء يأتي في إطار برنامج له صلة بالمواطنة الحقة والقيم الإنسانية، ومُعرِّفا بالمركز الذي يضطلع بمهام موحدة موجهة للأجيال، ويهدف إلى الانفتاح على فعاليات المجتمع المدني وعلى مؤسسات الدولة، فهذا اللقاء هو فرصة المركز للتواصل والنقاش والتفاعل مع المشاركين.
بعده أخذ الكلمة الأستاذ عبد العلي بلعاجي الذي قدّم لمحة موجزة عن مؤسسة الرابطة المحمدية للعلماء؛ فاختصاصها هو المجال الديني غير أنها طورت مجال اشتغالها ليَهُمّ الجانب الاجتماعي، ولها عدة شراكات دولية مكّنتها من الاشتغال بوظائف جديدة ولها صلة بالمجتمع، كالتطرف والتطرف العنيف، وتمكنت الرابطة من تأطير ثلثي سجناء المغرب، وتبنّت برنامج مصالحة مع المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، مع مراجعة أفكار المتطرفين والإرهابيين.
وأوضح المتحدث أن هذا الشراكة بين الرابطة المحمدية للعلماء ودولة كندا هي بقصد تمنيع الشباب ضد السلوكيات الخطرة، بالاعتماد على الصورة والمسرح التفاعلي والقصة القصيرة، مشيرا في الوقت ذاته إلى أهمية وثيقة مشروع دعم تعزيز التسامح والسلوك المدني والمواطنة والوقاية من السلوكات المشينة بالوسط المدرسي، المُوقّعة بين وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، والأمم المتحدة والرابطة المحمدية للعلماء.
ولتحقيق التفاعل وإنجاح الحوار بين المؤطرين لهذه الدورة والمشاركين عمل عثمان البغوري الباحث بمركز الدراسات والأبحاث في القيم بالرباط على تقديم عرض للمفاهيم الأساسية: التطرف/التطرف العنيف/الإرهاب، مع عصف ذهني للمشاركين، عن طريق جرد السلوكيات الخطرة بالمنطقة، وتمرين تطبيقي بقصد تصنيف تلك السلوكيات حسب أهمية الخطورة وشساعة الانتشار والجامع بينها، وتمثلاتها داخل مدينة الناظور: (التعاطي للمخدرات- الهجرة السرية- التحرش الجنسي- الاتجار في البشر- العنف المدرسي- التشرد- التسول- العنف الأسري- السرقة- الغش- التهريب...).
وفي كلمته حول مفهوم التطرف، وقف الأستاذ عبد العلي بلعاجي عند التعريف الاصطلاحي، موضحا أنه يرتبط بأفكار بعيدة عما تعارف عليه الناس في معيشهم اليومي، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ودينيا، وأنه –التطرف- ينتقل من مجرد أفكار إلى حركات معاكسة إيذائية تجاه الآخر (الغير، المخالف)، فيصير تبعا لذلك دافعا ومولدا للإرهاب، مُعدِّدا للأسباب العميقة للتطرف: اجتماعية، سياسية، سوسيوبسيكولوجية فردية، دور الثقافة وإشكال الهوية، الصدمات المؤدية إلى انطلاق التطرف العنيف، دينامية المجموعة، القادة المخططون الذين يستغلون الشباب لبثِّ سمومهم، دور شبكات التواصل الاجتماعي، وعليه وجب اعتماد منهج تفكيكي للتطرف، وذلك بالتحليل الدقيق للمصطلحات والمفاهيم والمفردات التي توظف لإنتاج الأفكار التي يتبناها منفذو العمليات الإرهابية.
وذكر الأستاذ المحاضر نتائج تفكيك خطاب التطرف مع شرحها شرحا مفصلا: حلم الصفاء، حلم الوحدة، حلم الكرامة، حلم الخلاص، الشيء الذي أسفر عن تجريد جراحات/ عناصر رئيسية يتكرر ورودها في خطابهم: نظرية المؤامرة وتشتيت الوحدة الإسلامية، الاستعمار، إسرائيل، الإهانة التي يتعرض لها المسلمون في الوسائل السمعية البصرية، الكوكتيل العراقي الأفغاني البوسني البورمي، تحريف الجغرافيا والتاريخ، حرق المصحف الشريف، وسب النبي صلى الله عليه وسلم...
وتستمر مناقشة خطاب التطرف وتفكيكه من طرف المؤطرين والحضور بتنظيم ورشة عمل، فكان السؤال الأبرز حول مفاهيم: التطرف، التطرف العنيف، الإرهاب، واختلفت أجوبة المكونين وتنوعت، وتلخصت كلها في كون التطرف هو انحراف معياري عما هو متعارف عليه في المجتمع، ليتم السؤال حول السلوكيات الخطرة وعلاقتها بالتطرف، ولخصها المشاركون في: الاتجار بالبشر، التشرد، السرقة، التسول، العنف الأسري، الرشوة، فهي مؤشرات الهشاشة أو مؤشرات الدفع التي تخول للمتطرف استقطاب واستهداف الأشخاص.
وتوزعت التمارين التطبيقية بين ورشتين حول العوامل الاجتماعية والاقتصادية للتطرف، حيث تم عرضها ومناقشتها من طرف المجموعتين؛ إذ خلصت العوامل الاجتماعية إلى ما يلي: الإقصاء الاجتماعي، الوصم، ضعف التماسك الاجتماعي، التفكك الأسري، العنف في المؤسسات التعليمية والعمومية، الفهم الخاطئ لتعاليم الدين، عدم احترام حقوق الإنسان، الرفقة والمصاحبة السيئة، استغلال شبكات التواصل الاجتماعي، الأمية الرقمية، التهميش الاجتماعي.
أما العوامل الاقتصادية فتجلت في: الفقر، البطالة وقلة فرص الشغل، الإغراء برفاهية العيش وتحسين الوضعية.
وفي الختام نوقشت العوامل الاقتصادية والاجتماعية بين المؤطرين والمجموعتين، مع الحديث في عصف ذهني للمشاركين حول استغلال شبكات التواصل الاجتماعي في الرعاية والتحسيس والوقاية من التطرف العنيف، بتوجيه سؤال للمشاركين حول معنى الأنترنيت ومعنى الويب والفرق بينهما، ليخلص الحضور إلى أن الويب هو البروتوكول الذي يجمع المعطيات الكامنة في الشبكة العنكبوتية.
افتتحت الحصة المسائية بتناول موضوع تسويق المنتوج على مواقع التواصل الاجتماعي؛ إذ من الضروري استعمال الكلمات المفتاحية (هاشتاغ)، ومن شروط المنشورات على مواقع التواصل أن تكون هادفة ومباشرة وفي أوقات الذروة، حتى يضمن المستعمل توصيلها وتمريرها لأكبر عدد ممكن من المتتبعين.
وبموازاة ذلك قدم المؤطر -عثمان البغوري- عرضا حول المسرح التفاعلي، بتفكيك مكونات العنوان، بسؤال المشاركين حول معنيي المسرح والتفاعل؛ فالمسرح التفاعلي هو آلية جديدة هدفها تكسير الجدار الرابع، ظهر لأول مرة بالبيرو، مؤسسه برازيلي، ويعد من وسائل تعبير الشعب عن سخطه على الوضع الاجتماعي الذي يعيشه، أو ما عبر عنه بمسرح المضطهد.
فالمسرح التفاعلي يعتمد على الارتجال والحكاية والجوكر، والغرض منه ليس النقاش وإنما الحوار وإشراك الجمهور في السكيتش، واستقبال وجهات النظر والتوعية بالمخاطر، وعليه فدورنا هو المحاربة على جميع الجبهات والقنوات واستغلال المسرح التفاعلي في العملية التواصلية التحسيسية التوعوية، عبر رسائل قصيرة ذات مضمون، في احترام تام وكامل لأدبيات وقواعد المسرح التفاعلي.
وكتمرين تطبيقي تم تشخيص مسرحية حول فيروس كورونا المستجد، لأن الغرض هو الخروج من هذه الدورة التكوينية بفكر متنور وأفكار تصحيحية.
وتميز اليوم الثاني من التكوين، الذي أطره كل من: السيد رئيس مركز أجيال عبد اللطيف شهبون، والأستاذ الباحث إبراهيم بنلمقدم، والباحث أيمن قادري، والباحثة نسرين الحسني، (السبت 14 مارس 2020) بتقديم تجربتين رائدتين بمدينة الناظور: الأولى تتعلق بوثيقة مشروع دعم وتعزيز التسامح والسلوك المدني والمواطنة الحقة والوقاية من السلوكات المشينة بالوسط المدرسي، الذي اشتغلت عليه ثانوية حمان الفطواكي بالناظور، وتجربة مركز طب الإدمان بالناظور.
قدمت الأستاذة هدى السليماني والأستاذ محمد بردي من ثانوية حمان الفطواكي تجربتهما بتبيان السياق العام للمشروع (الجهود العالمية والوطنية المبذولة لتعزيز التسامح، الخطب الملكية السامية، الميثاق الوطني للتربية والتكوين)، مع الأهداف والخطوات التحضيرية والمراحل التقنية، ثم الأنشطة الإجرائية للأندية المنخرطة، والآثار الإيجابية على مستوى الثانوية.
يهدف هذا المشروع إلى تفعيل أدوار الحياة المدرسية والأندية التربوية، والقطع مع كل الظواهر المشينة وفتح آفاق الإبداع والخلق، في تحد لكسب رهان المواطنة وتعزيز منظومة القيم.
وكخطوات تحضيرية للمشروع، وضح الأستاذان أنه كانت هناك اجتماعات على مستوى الإدارة ومنسقي الإدارة التربوية، ومجالس المؤسسة ومجلس التدبير، وخلصت تلك الاجتماعات إلى تحديد البطاقة التقنية للمشروع، والمحددة في النقط التالية:
- تحديد الأولويات الثلاث للمرحلة الأولى، مع تحديد الأنشطة الإجرائية لكل أولوية، وتطبيق التكوين كما تلقاه الأستاذان بالرابطة.
- التصدي لظاهرة الكتابة المشينة على الحائط وتجهيزات المؤسسة.
- محاربة الإدمان على الهاتف الذكي في الوسط المدرسي.
- الحد من رمي النفايات في غير أماكنها.
- إعداد بطاقات الأنشطة الخاصة بالأندية: نادي المواطنة وحقوق الإنسان، نادي الإعلام والتواصل، نادي الفنون التشكيلية، نادي اللغات، نادي الصحة، نادي التميز، النادي الثقافي والاجتماعي.
وبناء على ما تقدم كانت للمشروع آثار إيجابية على مستوى الثانوية التأهيلية من جهة أولى، حيث صارت تعرف دينامية وحركية غير مسبوقة في الفضاء المدرسي، مع انخراط لمعظم الأندية التربوية، ومن جهة ثانية على مستوى المتعلمين والمتعلمات، الذين أقبلوا بكثافة، مع الخروج عن الشكل الكلاسيكي للأنشطة، كما أن الأولويات التي تم الاشتغال عليها منبثقة من المحيط المدرسي، ومن جهة ثالثة على مستوى مؤشرات تغير السلوك.
وشارك السيد رشيد الدراز تجربة مركز طب الإدمان بالناظور مع المستفيدين من هذه الدورة التكوينية، إذ وضح في البداية أن هذا المركز كان مجرد جمعية أسست سنة 2010، تمحور عملها حول إجراء دراسة ميدانية في الناظور حول مرضي السيدا والالتهاب الكبدي الفيروسي، على مستوى الإقليم (سلوان، فرخانة، العروي، بوعرك..)، وكانت نتيجة تلك الدراسة كارثية حيث سجلت نسبا مرتفعة، خصوصا بين المتعاطين للمخدرات، بحيث إن العدوى تنتقل عبر الحقن والوسائل المستعملة في التعاطي.
وتطور عمل الجمعية بتأسيس مركز طب الإدمان، الذي صار يستقبل المدمنين ويقدم لهم مجموعة خدمات: الاستحمام، تنظيف الملابس، حصص التوعية والتحسيس، مع إنشاء فريق المساعدة الاجتماعية أو ما يسمى بالقطب الاجتماعي.
وشدد الأستاذ على ضرورة إدماج المدمنين المتعالجين في سوق الشغل، لأن الفراغ يجعلهم يعودون إلى الإدمان.
وكختام لهذه الدورة التدريبية انتظم الحضور في ثلاث ورشات، من أجل مناقشة موضوعات مختلفة، مع تقديم توصيات ومقترحات:
- ورشة تعالج موضوع المخدرات، يشرف عليها الأستاذ رشيد الدراز، حصرت أسباب تعاطي المخدرات في: الفراغ، الرفقة السيئة، الجهل بعواقب التعاطي، سهولة الحصول على المخدر، طبيعة المنطقة (منطقة حدودية)، التفكك الأسري، الهدر المدرسي..، وقدمت مجموعة حلول: إنشاء مراكز طب الإدمان، دورات تحسيسية وتوعوية للآباء وأولياء التلاميذ بالمؤسسات التعليمية، إنشاء أندية بالوسط المدرسي، حملات تحسيسية وتوعوية عن طريق الملصقات والكبسولات والفيديوهات..
- ورشة حول الهجرة السرية، يشرف عليها الأستاذ محمد بردي، منطلقين في حديثهم عن هذه المعضلة عن مدينة الناظور كمدينة مستقطبة للمهاجرين السريين، ومقدمين في الوقت نفسه كأسلوب للمعالجة برنامجا حواريا حول الهجرة السرية، معددين للأسباب والحلول للحد من هذه الظاهرة المستفحلة، والمؤثرة سلبا على جميع مكونات المجتمع.
- ورشة حول التطرف: أطرها الدكتور عبد اللطيف تيليوان، قدمت مجموعة من التوصيات تلخصت في الآتي: نشر المعرفة الدينية الصحيحة الموافقة لثوابت الأمة، المبادرة بنشر قيم الوسطية والاعتدال، ولا سيما في قنوات التواصل الاجتماعي المعاصرة، الدعاية للمؤلفات ومؤلفيها المؤسسة للفكر الوسطي، مد جسور التواصل مع الشباب على أرض الواقع في جميع مؤسسات الدولة، اليقظة الفكرية وتفعيل دور المرشدين الدينيين..
وكتقويم لهذه الدورة التدريبية أنجز المشاركون تقريرا مكتوبا حول ظروف الاستقبال، ومضمون الدورة وطرائق الاشتغال، والمقترحات وآفاق العمل، حيث وقع الإجماع على نجاح التكوين في هذه المستويات الثلاث، كما أن هذه الدورة التدريبية فتحت لمركز أجيال إمكانيات جديدة لتوسيع العمل وتعميقه، في إطار استراتيجية التمنيع.