مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام

إيريك جوفروا: المنهج الصوفي ينقل الإنسان من ثنائية الصراع بين الرجل والمرأة إلى رحابة حب الله وخدمته

إلياس بوزغاية


 


في إطار سلسلة منتدى “Tribune Libre”، احتضنت مدرسة HEM  بالرباط يوم أمس الثلاثاء 6 يناير 2015، محاضرة للكاتب والمحاضر الفرنسي والمتصوف من جامعة ستراسبورغ إيريك جوفروا، بعنوان “المسار الروحي في الإسلام” (Le Parcours Spirituel en Islam). وعرض خلالها المحاضر تعريفا لظاهرة التصوف في الدين الإسلامي كمسار متطور وكممارسة تحمل الكثير من الأبعاد والدلالات.

ابتدأ المحاضر بإثارة بعض الأسئلة المقلقة حول دور ومكانة التصوف في الإسلام، ليخلص إلى أن الله تعالى أمر الإنسان بأن يتفكر (أفلا يتفكرون) وذلك ليس من باب الترف ولكن لأنه يشكل جوهر وعمق التدين، كما أن معظم العلماء يؤكدون أن الغاية من خلق الإنسان هو معرفته تعالى التي لا تحصل إلا بالتفكر. وأشار المحاضر إلى أن الطريق إلى روحانيات الإسلام لا تحتاج سوى لإحياء ما في الإنسان من فطرة صافية وطبيعة نقية تهديه إلى الطريق القويم مصداقا لقوله عز وجل (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) –الروم 30-.

بهذه المناسبة عرج المحاضر إلى التساؤل عن سبب تخلف المسلمين وارتكانهم إلى السطحية والجمود، وأشار إلى أن التركيز على ظواهر الناس ومراقبة تدينهم عبر وضعه في قوالب قانونية وفقهية أحد أهم الأسباب في ذلك، رغم أن الجميل بخصوص الشريعة هو إمكانية الاهتداء بها في سعتها ورحابتها وليس في تقديس قوانين أو أراء فقيهة بعينها. وقد حصل في التاريخ أن كانت هناك أزيد من 19 مدرسة للعلوم الإسلامية تعكس تعدد وتنوع الفقه النابع من مصدر واحد هو التوحيد، توحيد الله بمعناه التحرري والطوعي وليس كما يراه البعض على أنه علاقة عبودية قهرية.

وفي معرض حديثه، ذكر المحاضر كتاب إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي المتوفي سنة 505هـ في إشارة إلى أن تاريخ المسلمين عرف علماء انتبهوا لما في الإسلام من روح قادرة على بعث وإحياء العلوم الدينية عبر الاستفادة من وسطية الإسلام التي تدعوا إلى عقلانية منفتحة تجمع بين الذكر والفكر وبين التأمل في الآفاق وفي النفس كما جاء في الآية الكريمة (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) –البقرة 53-. كما أورد المحاضر ما للاجتهاد من أهمية في الإصلاح خاصة إذا كان مستمدا من روحانية الإنسان الصافية والتي لا يمكن أن تقبل بالإسلام كإيديولوجية دوغمائية، فالإصلاح في نظر المحاضر هو التحول، أي الالتقاء بين كتل مختلفة وحصول تفاعلات تحولها، خاصة إذا علمنا أن الحقيقة متعددة الأبعاد ولا تنحصر في زاوية واحدة.

وقد حذر المحاضر في هذا الإطار من السقوط في الفكر النيتشوي العدمي الذي يكفر بكل شيء، فرغم الاعتراف بنسبية الحقيقة إلا أن الإنسان لا يمكن أن يعيش بإنكار وجود حقيقة، حقيقة بمعناها العام La Réalité. فعبر القرون لم يستطع الإنسان إنكار وجود الله فيه وبالتالي معرفته. وارتباطا بذلك فأن المشروع التحريري الروحاني للإسلام قادر على حل كثير من الخلافات وإحداث نهضة عالمية، فهو على سبيل المثال يحقق تجاوزا للثنائية المادية للصراع بين الذكر والأنثى وينتقل بها إلى رحابة التوحيد في عبادة الله وحبه والاستخلاف في أرضه. وبذلك فإن فمنهج الفكر الصوفي هو الاحتواء وليس الإقصاء، الشمولية وليس التجزيئية. وهو ما انتبه إليه الشاعر الألماني جوته فقال “إذا كان هذا هو الإسلام ، فنحن جميعا مسلمون”

 

 

 نشر بتاريخ: 07 / 01 / 2015

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق