مركز علم وعمران للدراسات والأبحاث وإحياء التراث الصحراوي

مركز علم وعمران للدراسات والأبحاث وإحياء التراث الصحراوي يقارب موضوع الزمن في ثقافة الصحراء

يناير 16, 2020

تحت عنوان: الزمن في ثقافة الصحراء: المجالات وإنتاج المعرفة، انعقد بقاعة المحاضرات لمركز مركز علم وعمران للدراسات والأبحاث وإحياء التراث الصحراوي يوم الخميس 16 يناير 2020 لقاء فكري أطره ثلة من الباحثين بمداخلات علمية رامت الكشف عن خصوصيات مفهوم الزمن في ثقافة الصحراء.

وركزت الكلمة الافتتاحية لرئيس مركز علم وعمران الدكتور بوجمعة إدبنصر على إبراز أهمية تناول هذا الموضوع والأغراض المنشودة وراءه، إذ نبه إلى أن حجم الموضوع الكبير لا يمنع محاولة استنطاق مجالات معرفية وميدانية كالرعي والترحال والمعارف الدينية خاصة منها علم التوقيت، والمعارف العلمية الأخرى كالفلك والأدب والشعر، والأنتروبولوجيا وغيرها، يمكن أن تسهم في معرفة أكثر لعلاقة البدو بالزمن، ومن ثم فهم أكثر لنظرة الصحراوي إلى الزمن بما هو حضور في الوجود والحياة ككل، والذي انتبه إليه مونطان في كتابه Lacivilisation du desert حيث قال:”يجب أن نكلف أنفسنا مجهود فهم البدو الرحل، من خلال محاولة التفكير كما يفكرون، لذاك لا بد لنا أن نتخلى عن أحكامنا المسبقة وعن طريقتنا في قياس الزمن وفي تقسيم المجال وفي استشراف المستقبل، وكذا التخلي عن عادتنا في الحكم على الناس والأشياء”[1].

وقد انكب الباحثون طيلة اللقاء على مناقشة مواضيع متنوعة حاولت رصد حضور الزمن عند البدو الرحل، وكذا حضوره في الثقافة العالمة، وهو ما مكن من الخروج بنتائج تشير إلى خصوصية صحراوية في التعامل مع الزمن، كما لاحظ ذلك خوليو باروخا في مبحث سماه حوليات الصحراء، إذ يقول: “إن تقييم الرُّحَّل للأشياء ليس اعتباطيا بل إنه ينبني على ماهو ملموس ومعاش”[2]،

وتناول الكلمة بعد المداخلة الافتتاحية لرئيس المركز، الباحث وديع أكونين الذي لامس حضور الزمن في المعرفة الدينية في الصحراء من خلال نماذج مختارة من كتابات الشيخ محمد المامي في علم الأصول؛ إذ أبدع في استدعاء قاموس زمني في مبحث العلة ومسالكها، مما يدل على مكانة الزمن في فكره، وقال في آخر ذلك: “والحامل على هذا كله تعظيم شأن القياس بالأفلاك والبروج، وإشارة إلى صعوبته وعلو شأنه، ليهتم به وليتحقق النظر فيه من هو أهله”[3]. والشيخ ماء العينين في علم التفسيرحيث تكلم في اشتقاق معاني أسماء الشهور ومنازلها وأبراجها وحرمة بعضها، وخصوصيات بعضها الآخر، مما أشار إليه الدكتور محمد ماء العينين الشيخ الطالب الأخيار في كتابه السراج المنير لمقاصد الشيخ ماء العينين في التفسير[4].

أمامداخلة الدكتور سعيد كويس فقد رصدت تيمة الزمن في الشعر الحساني الشفهي،والذي عرف توظيف منظومة من مصطلحات الزمن في محورين كبيرين، أولهما التوظيف العلمي والمعرفي للزمن الرامي إلى نقل المعرفة العلمية عبر الشعر كأسماء السنوات والأوقات ومنازل القمر، والثاني التوظيف الجمالي والفني الذي ينشده الشاعر باستثمار مفردات الزمن في شعر المديح والغزل والطلل، قبل أن يختم مداخلته بالكلام عن الزمن السردي في قصيدة للشاعر المرحوم محمد الناجم ولد الحرمة ولد بوجمعة ولد بوشنة البوعيطاوي التي نظم فيها القصص القرآني ومطلعها:

فَرَّغْ فَلْحِين ْاصْحَابْ الْفِيلْ

وَاهْلَكْ فَرْعَوْنْ فْبَحْرْ النِّيلْ

والنَّمْرُودْ اعْدُوه ْالخَلِيلْ


وَامْنَعْ َمحْمُودْ مَنْ الْوَطْيَاتْ

اجْنُودُو وَالمُوَتفِيكَاتْ


لاَحوُ فَالنَّارْ ياَغِيرْ طْفَاتْ

من جانبها ركزت الباحثة آدو الشيخ ماء العينين في ورقتها على جرد مجموعة من الأمثال الحسانية التي تدل على قيمة الزمن في ثقافة الصحراء، مرتبة هذه الأمثلة حسب المفردات الزمنية التي يحملها المثل كالليل والنهال والفجر والمساء والساعة واليوم والشهر والسنة والدهر، مما يحيل على حضور رمزي وبعد معرفي وقيمي له أهميته في ثقافة المجتمع الحساني التي ترتبط بهذه التيمة في كل تجلياتها الواقعية، حاولت الباحثة رصدها من خلال معاينة الأمثال الدالة على توظيفات أخلاقية وتربوية.

من ذلك المثلُ القائل: “أَعَشَّ مَنْ گَمْرَتْ أَسْبَعْ طَعْشْ”، أي أكثر تأخرا من طلوع القمر ليلة السابع عشر، يضرب لمن يعشی سوامه حتى وهن من الليل، أو لكل ما يتأخر عن وقت مجيئه ليلا. وقولهم: “الدَّهْرْ أَلَّانَوْبَاتْ أُكَلْ نَوْبَ وَلْ يَطْرَ فِيهْ “، الذي يفيد أن الزمن يتقلب أطوارا كل طور وما يحدث فيه، في دلالة على الاتعاظ بأحوال الدنيا. وكقولهم للإنسان الثقيل في سيره الذي لا يقدر الوقت:”أَمْشَ يْجِيبْ الزَّرِّيعَ وَارْجَعْ فَالَحْصَادْ”، وقولهم: “يَوْمْ مَوْتْ وَلْ آدَم ْهُوَّ يُومْ آخَرْتُ” تذكيرا بعذاب القبر وفتنته.

وفي موضوع النجوم والمنازل حاول الدكتور بوزيد الغلى إبراز عناية أهل الصحراء بعلم التوقيت والهيئة ضاربا لذلك مجموعة من الأمثلة الحية في مجال الرعي والفلاحة، كما لفت الانتباه إلى قدرة البدو على التكيف مع المعطيات المجالية والمناخية انطلاقا من رصد الزمن.مذكرا في كلمته بمساهمة علماء الصحراء والجنوب المغربي في علم التوقيت كالشيخ العلامة المرغيتي السوسي من المتقدمين؛ الذي ينحدر من سلالة آل اعزى وهدى دفين أسا في الصحراء، الشيخ القاضي سيدي لعبيد ولد الحرمة البوعيطاوي الوادنوني من المتأخرين؛ التي يظهر من الوثائق التي عرضها الدكتور الغلى عناية هذا القاضي بعلم التوقيت في عصره.

وجاءت الكلمة الختامية للدكتور عمر ناجيه لتبرز عنصر الزمن وأهميته في تشكيل الفراسة عند بدو الصحراء، حيثيحضر التوزيع اليومي للزمن بقوة عند الصحراوي، ما يعطي للتنشئة الاجتماعية بعدا تفاعليايبرز من خلال استثمار المعطيات الزمنية في التأهيل والتكوين والتربية على القيم.

إن فهم مجموعة من التغيرات المناخية عند الصحراوي –حسب الدكتور ناجيه- يحصل من خلال تعامله مع الإبل وباقي الحيوانات التي تعيش في الصحراء، وهو ما يمكنه من تكوين فراسة في التعامل مع الزمن ومراكمة تجارب تلهم البدوي نمطا خاصا في العيش يشكل فيه الانتباه إلى قيمة الزمن أبرز السمات.

[1] النص نقلا عن الباحث عبد الكريم مدون بين الأسير والباحث، ص 49

[2]دراسات صحراوية، النص الكامل خوليو كارو بروخا، ترجمة د أحمد صابر. ص 567.

[3] البادية للشيخ محمد المامي ص: 267.

[4] السراج المنير لمقاصد الشيخ ماء العينين في التفسير محمد ماء العينين الشيخ الطالب الأخيار، دار الكتب العلمية طبعة 2009. ص 543.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق