مركز الدراسات القرآنية

مدارسة علمية رقم2: قضية التعارض بين القرآن الكريم والسنة النبوية: النسخ أنموذجا

أبريل 14, 2017

في إطار مدارساته العلمية عقد مركز الدراسات القرآنية بالرابطة المحمدية للعلماء يوم الجمعة 15 شعبان 1438هـ/ الموافق لـ 12 ماي 2017م بمقر المركز مدارسة علمية استكمالا للقضايا المثارة تحت عنوان: «بعض قضايا علاقة القرآن الكريم بالسنة النبوية» المنعقد يوم الخميس 17 رجب 1438هـ/ موافق 14 أبريل 2017م، وقـد عقـدت هـذه الجلسة العلمية لبحث «قضية التعارض بين القرآن الكريم والسنة النبوية: النسخ أنموذجا (1)»، بتـأطيـر الأستاذ  محمد لحمادي، باحث بمركز الدراسات القرآنية.

افتتحت هذه المدارسة بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم، أعقبتها كلمة مسيرة هذا اللقاء العلمي الدكتورة فاطمة الزهراء الناصري الباحثة بمركز الدراسات القرآنية، التي أكدت فيها على أهمية البحث في هذا الموضوع الإشكالي الهام.

وقد ارتأى الباحث في هذه المدارسة العلمية أن يخصصها للتعارض بين الآي في القرآن الكريم، على أن يستكمل موضوع التعارض بين القرآن والسنة في القادم من الآيام، حيث استهل الباحث عرضه بمقدمة تمهيدية بين فيها أهمية الموضوع، والجذور التاريخية لتوهم التعارض بين آي القرآن الكريم والتي ترجع إلى صدر الإسلام، حيث برزت استشكالات أوهمت بوجود تعارض بين الوحيين، من أمثلة ذلك ما روى البخاري ومسلم من طريق سعيد بن أبي مريم، أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت لا تسمع شيئا لا تعرفه إلا رجعت فيه حتى تعرفه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ» قالت عائشة: فقلت أَوَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا﴾ [الانشقاق: 8] قَالَتْ: فَقَالَ: «إِنَّمَا ذَلِكِ العَرْضُ، وَلَكِنْ: مَنْ نُوقِشَ الحِسَابَ يَهْلِكْ».

بعد ذلك انتقل الباحث للمحور الأول الذي خصصه لتعريف التعارض لغة واصطلاحا، حيث بين أن التعارض في اللغة يدور على معان منها: المقابلة، والمساواة، والظهور، والمنع. أما في الاصطلاح: فعرفه الإمام الزركشي بقوله: «تقابل الدليلين على سبيل الممانعة»[البرهان في علوم القرآن (2/45)].

أما المحور الثاني الموسوم بـ: «بين التعارض والتناقض»، فقد بين فيه الباحث الفرق بين التعارض في نفس الأمر، والتعارض في ذهن المجتهد، مستعرضا آراء الأصوليين والمحدثين والفقهاء في وقوع التعارض؛ بين مانع لوجود التعارض الحقيقي بين الأدلة الشرعية النقلية القطعية أو الظنية وهم جمهور الأصوليين، والأئمة الأربعة، وجمهور المحدثين، والظاهرية والفقهاء، وبين مجوز لإمكان التعارض مطلقا سواء بين الأدلة العقلية أو النقلية، وإلى هذا ذهب بعض الفقهاء الشافعية كابن السبكي والصفي الهندي، وبعض الجعفرية، وبين مجوز للتعارض بين الأمارات، وعدم جوازه بين الأدلة القطعية، وهو مذهب بعض الشافعية..

في حين تناول المحور الثالث موهم التعارض بين آي القرآن الكريم باعتباره نسخا، حيث أوضح الباحث فيه مفهوم النسخ مبينا أن النسخ لغة يدور على معان منها: النقل والإبطال والإزالة، وأما في الاصطلاح فيمكن التمييز بين اصطلاح المتقدمين قبل الإمام الشافعي حيث كانوا يطلقون النسخ ويريدون به التخصيص أوالتقييد أو التبين أو رفع الحكم بجملته، بينما اقتصر معنى النسخ عند المتأخرين على رفع حكم شرعي بدليل شرعي، فلم يدخلوا فيه التخصيص أو التقييد أو التبيين، كما يبرز تعريف ابن الحاجب في المنتهى: «رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي نتأخر».

أما موقف العلماء من النسخ، فبين الأستاذ المحاضر أن جمهور العلماء اتفقوا على أن النسخ واقع عقلا وشرعا، وشذ عن ذلك الإمام أبو مسلم الأصفهاني الذي أنكر وقوع النسخ شرعا، مستعرضا ما استند عليه كل من الفريقين من أدلة في ذلك، كما بين شروط القول بالنسخ عند الأصوليين؛ وهي: أولا: تماثل الدليلين في القطعية والظنية، ثبوتا ودلالة. ثانيا: تماثل الدليلين في قوة دلالتهما على الحكم. ثالثا: أن تتحد الواقعة التي يدل الدليلين على حكمين متناقضين فيها، ويتحد زمن الحكمين أيضا.

لينتقل الباحث إلى الحديث عن مسألة التعارض بين الآي باعتباره نسخا، مؤكدا أن مبنى النسخ هو التعارض الظاهري للنصوص، ويصار إليه عند عدم إمكانية الجمع وتعذره؛ وهو طريقة جمهور العلماء، ويدخل النسخ على أحكام الشريعة في الجزئيات العملية لا كليات التشريع التي عليها مدار هذا الدين، ليستعرض الباحث بعد ذلك نماذج تطبيقية لآيات قرآنية في موضوع النسخ.

ورجح الباحث في ختام عرضه، أن النسخ واقع عقلا وشرعا، وأن القول بوجود تعارض بين الآيات القرآنية إنما هو تعارض ظاهري فقط (في ذهن المجتهد)، وأن التعارض الحقيقي بين الأدلة لم يقع، على اعتبار أنها من مشكاة واحدة.

وقد عقب على هذه الورقة  الأستاذ رضوان غزالي، الباحث بمركز الدراسات القرآنية، وخُتم اللقاء بنقاش علمي بين المتدخلين والباحثين بالمركز.

إعداد: ذ. رضوان غزالي
  مركز الدراسات القرآنية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق