مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعين

تقرير عن اليوم الدراسي العلمي تحت شعار

مارس 11, 2019

في ظلال الأصحاب الكرام، علم التخريج قواعده ومصادره.

لفائدة طلبة الإجازة، والماستر، والدكتوراه.

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير الخلق، خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله الغر الميامين، وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإنّ الصّحابة الكرام هم حملة الوحي: قرآنا وسُنّة، ولولاهم لما بلغنا شَرْعٌ، وأهل الحديث هُمْ حُماته بالإسناد عنهم؛ إذ لا يوجد كتاب حديث أو أثر إلا واحتفى بالصّحب، وكان دالاًّ عليهم.

وفي إطار خدمة كتب معرفة الصّحابة التي اضطلع مركز عقبة بن نافع للدّراسات والأبحاث حول الصّحابة والتّابعين بطنجة، التابع للرابطة المحمّدية للعلماء، بمهمَّة إحيائها والاعتناء بها، نظَّم المركز لقاءً دراسيا، في سياق أنشطته العلمية، تحت شعار:

في ظلال الأصحاب الكرام:

علم التَّخريج قواعده ومصادره 

حضر هذا اللقاء نخبة من الطلبة الباحثين، من مختلف الأسلاك الجامعية، الإجازة، والماستر، والدكتوراه، وذلك يوم الاثنين 4 رجب 1440هـ الموافق لــ 11 مارس 2019م برحاب قاعة المحاضرات بملحقة المركز بطنجة.

ومن بين أهداف هذا الملتقى العلمي:

– وصل مقام الصُّحبة بوسائل التَّخريج.

– التأسيس لعلم التخريج.

– التعرُّف على مصادر التخريج وما أُلِّف فيه.

– التذكير بجهود المحدثين في تخريج الحديث والأثر.

– إيناس الطلبة بهذا العلم.

استُهِلَّ هذا اللِّقاء بالاستماع إلى قراءة مباركة لآيات بيِّنات من الذِّكر الحكيم، من تلاوة القارئ محمد الخنشاوي، وبعده تم الاستماع أيضا إلى كلمة مسيِّر الجلسة الأستاذ الدكتور عبد الرحمن هيباوي؛ أستاذ بدار الحديث الحسنية بالرباط، الذي رَحَّب فيها بالأساتذة المشاركين في هذا اليوم الدراسي، وبالطلبة المهتمين، وذكر أن هذا اللقاء العلمي المبارك هو من ثمار هذا المركز؛ الذي يُعنى بالصحابة الكرام، ومن تبعهم.

 بعد ذلك أعطى الكلمة للدكتور ياسين أزكاغ؛ وهو باحث في العلوم الشرعية؛ لإلقاء مداخلته، فعبر عن سعادته وهو يشارك في هذا اللقاء العلميِّ المتميزِ بمعية الأساتذة المشاركين، في موضوع علم التخريج، القائم على حفظِ السنة وصيانَتِها عن كل دخيل، وقد انتظمت كلمته في المباحث التالية:

– أولاً: تعريف التخريج لغة واصطلاحًا.

– ثانيًا: المناسبة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي.

– ثالثًا: المبادئ العشرة لعلم التخريج.

– رابعًا: مصطلح التخريج في إطلاقات أهل الحديث.

– خامسًا: شروط المُخَرِّجِ.

– سادسًا: فوائد علم التخريج.

– سابعًا: أهم المصنفات في علم التخريج.

– ثامنًا: أهم المصنفات المعاصرة في أصول التخريج. وبها ختم مداخلته.

بعد ذلك أعطى مسير الجلسة الكلمة للدكتور بدر العمراني الذي تناول فيها، قضايا هامة في علم التخريج، استهلها بداية بالحديث عن فنّ تخريج الأحاديث، وهو علمٌ قائمٌ بذاته ضمن منظومة علوم الحديث، له قواعده المؤسسة، وضوابطه المرشدة، التي لا ينبغي الاستهانة بها، أو إهمالها. مع تقرير أن الصحابة رضوان الله عليهم هم الحلقة الأبرز، والوساطة الأساس في سلاسل السند، والمحدِّثون جعلوهم العُمدة أثناء جمع الحديث في المسانيد والمعاجم تصنيفا وترتيبا، لذلك فلا يمكن إهمالهم أثناء الكلام عن هذا العلم.

وذكر المحاضر أن هذا الفن ألَّف فيه المتخصِّصون مؤلفات لِلَمِّ شتاته، بعد أن كان مجرد صنعة عند أربابه، مع بيان السبل التي سلكوها، والمناهج التي طرقوها، وأعطى أمثلة لذلك؛ ككتاب: (حصول التفريج بأصول التخريج)؛ للشيخ أحمد بن الصديق الغماري، وكتاب: (أصول التخريج ودراسة الأسانيد)؛ للدكتور محمود الطَّحَّان، وكتاب: (التأصيل لأصول التخريج وقواعد الجرح والتعديل)؛ للدكتور بكر أبو زيد.

وظل هذا الفن طيلة قرون من الزمان مصانا مهابا، لا يقربه إلا أهله وذووه عَبْرَ مصادره المعروفة، ومناهله المورودة، إلى أن ظهر في عصر المعلوميات: الموسوعات الإلكترونية، ومحركات البحث السريعة، فشُغِل الناس بها؛ بل افتتنوا بها، وصار التخريج نتيجة ضغطة زرّ في ثوان معدودة.

لكن مع هذه السرعة، وفيوض المعارف الناتجة عنها، يجد الباحث في مجال الدراسات الحديثية- وخاصة الناشئ- نفسه في خِضَمٍّ لا يُدْرِكُ غَوْرَهُ؛ إلا ذو التكوين الجيِّد، والمتبصِّر بمصادر الفن وأصوله.

وفي عمق هذا الخضم تبرز الصعوبات والعراقيل التي تعوق السبيل، أو تُنتج ثمرة غير ناضجة.

وفي حديثه عن هذا الفن، قَسَّمَ المحاضر مداخلته إلى مبحثين:

المبحث الأول: قواعد منيرة، والمبحث الثاني: صُوَى مُسْتَنيرة.

ذكر في المبحث الأول مجموعة من القواعد لتخريج الحديث، جاءت كالآتي:

القاعدة الأولى: الوسيلة سبب إلى الأصل وليست معتمدا، وقال فيها: إن المتطفّل على الفن غير المتمرِّس بمصادره لا يستطيع التعرّف أو الوصول إلى مظان الحديث إذا أراد تخريج حديث معيَّن، وحسبه في ذلك أن يهرع إلى الحاسوب ليُغيثه في ثوان معدودة، فيدرج نتائجه في بحثه غير مبال بالضوابط التي ينبغي الامتثال لها. وشأنه في هذا شأن الكسول الذي يريد تحقيق الغاية بأقل كلفة.

وتطرق أيضا إلى مسألة هامة أثناء تخريج الحديث؛ وهي: الاعتماد على (المكتبة الشاملة)؛ حيث قال: إن الاعتماد عليها يؤدي إلى سبيلين: الخطأ والوهَم، والحيدة عن الصواب.

القاعدة الثانية: معرفة المصادر قبل ورود الموارد: أي أن يكون المخرِّج للحديث عارفا بمصادر السنة النبوية التي ينبغي التخريج منها، والرجوع إليها، كي لا يقع في الخلط بينها وبين ما لا يُعدُّ مصدراً في الفن.

القاعدة الثالثة: مراعاة الأولويات أولى من تكثير العزو؛ أي: ألا يُكثر من العزو إلى مراجع متأخرة، ويُغفل ما هو أعلى وأوثق منها، أو يَعْزُوهُ مثلا إلى الصحيحين ثم يذيِّلهما بالإحالة إلى المسانيد والمعاجم والأجزاء والفوائد. دون فائدة تستلزم ذلك. ومن فعل هذا فقد حاد عن منهج المحدِّثين في التخريج. وقد عِيب على من فعلها من العلماء فكيف بمن دونهم.

القاعدة الرابعة: معرفة المعاني والاصطلاحات أسٌّ لبلوغ أسمى الغايات؛ فالذي لا يضبط معاني المصطلحات ولا يُدرك مفاهيمها، ضلَّ عن بلوغ هدفه من التخريج؛ وبيَّن المحاضر الفرق بين الإخراج والتخريج، وذكر أنه من بين الاصطلاحات: فهم كلام النُّقاد، ومراعاة ألفاظ الرواية المراد تخريجها، ومعرفة مضامين الأحاديث.

القاعدة الخامسة: توسيع دائرة البحث سبيل إلى الظَّفَر بالمراد؛ فمن تصدَّر لتخريج حديث عليه أن يُطِيلَ نَفَسَهُ، وأن يكون مجال بحثه واسعا، كي يصل إلى مبتغاه، أما من كان مستعجلا، ويقنع بما تراءى له، ولا يغوص في الأعماق، ولا يَسْتَكْنِهُ المجاهيل، فلن يَظْفَرَ بمراده. ومن ذلك: استيعاب الطرق والروايات للتأكد من درجة الحديث، والتعرف على أصل الخبر.

القاعدة السادسة: معرفة المناهج وصل لإحكام النتائج.

القاعدة السابعة: النقل والاجتهاد مسلكان للحكم وبيان الحال.

وتحدث المحاضر في المبحث الثاني عن صُوَى مُسْتنيرة؛ ذكر فيه: النظر في المتن لإدراك موضوعه، والتأمل في الموضوع حتى يتسنَّى معرفة الطريق إلى الحديث؛ والطريق إليه هو: معرفة مصادره، وتتبع مظان الحديث اعتبارا بالموضوع؛ أي: الاستقصاء التام للمصادر التي يُظَنُّ وجود الحديث بها. واقتفاء الأثر وتلمُّس حلقات سلسلة مصادره المترابطة، وإصدار الحكم فيه أو التوقف.

وقد استعرض خلال بيانه لهذه القواعد أمثلة تطبيقية لأحاديث، وآثار من كتب تراجم الصحابة؛ كالجامع لِمَا في المصنفات الجوامع من أسماء الصحابة الأعلام أولي الفَضْلِ والأحلام؛ للحافظ أبي موسى الرُّعيني عيسى بن سليمان الأندلسي المالقي الزُّبيدي، المتوفى سنة: 632هـ ، والإصابة في تمييز الصحابة؛ للحافظ أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، المتوفى سنة: 852هـ .

وأنهى المحاضر عرضه بخاتمة أبرز فيها مجموعة من النتائج؛ كإدراك قدر ومكانة هذا العلم ضمن علوم الحديث، لا الاستهانة به، وجعل الوسائل الحديثة بباب المعلوميات عِوَضاً عنه، والتركيز على مقام الصحبة التي لا يمكن إثباتها إلاَّ بمعرفة حال الحديث الذي رواه ذلك الصحابي، وضرورة الاهتمام بمصادر الحديث ومعرفة مناهجها، والتفريق بين الأصيل منها والدَّخيل، والأصلي والفرعي، والاستفادة من طريقة الحُفَّاظ في التخريج، خاصة النُقَّاد منهم والمبرَّزين في العِلل، وإدمان مراجعة كتب الرجال، وَتَذَوُّقُ صَنْعَةِ المحدِّثين في إخراج حديث الراوي بذيل التَّرجمة، والتَّمرن على تخريج الأحاديث والآثار، ونشر طُرُقِهَا، وَاسْتِكْنَاه أحوالها، وبيان عِلَلِها، فإذا عُلِمَتْ هذه المقاصد، أمكن للباحث في هذا المجال أن يكون مُؤهَّلا للسَّير في هذا السبيل، بخُطى ثابتة، متسلِّحاً بالعُدَّة اللازمة، مفيداً بأنظار متبصِّرة.

بعد هاتيْن المداخلتين، فسح مُسَيِّرُ الجلسة المجال للطلبة الحاضرين لإلقاء تساؤلاتهم واستفساراتهم، التي أجاب عنها الأساتذة الكرام.

وبعد ذلك خُتِم هذا اللقاء بكلمة ذكَّر فيها رئيس المركز، باسم مركز عقبة بن نافع الفهري للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعين، الطلبة والطالبات الحاضرين بما تَضَمَّنَهُ الملف المسلَّم لهم من أحاديث منتقاة من كتاب: الاستيعاب في معرفة الأصحاب؛ لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي، المتوفى سنة: 463هـ؛ قصد تخريجها وتطبيق ما حصَّلوه، ثم إرساله إلى المركز عبر بريده الإلكتروني، وعبَّر عن شكره للأستاذين الكريمين مشاركتهم القيِّمة، وباحثي المركز الذين أسهموا في إعداد وتنظيم هذا اللقاء وإنجاحه، وَشَكَرَ الطلبة أيضا على حضورهم وحُسن اهتمامهم.

وفي الأخير سُلِّمت شهادتان تقديريتان للتنويه بالأستاذين المشاركين، تقديرا لجهودهما في إنجاح هذا اللقاء العلمي. وسلِّمت أيضا شهادات الحضور لجميع الطلبة الحاضرين، ثم خُتم اللقاء بآيات بينات من الذكر الحكيم من تلاوة القارئ محمد الخنشاوي، والسلام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق