لقد أحب المولى عبد الله أن يبني مسجدا جامعا متميزا عما بناه الملوك الذين خلفهم هو على عرش مملكة مراكش. ولم تحدثه النفس بمنافسة جوامع المدينة القديمة بل ارتأى أن يبتدع جديدا؛ فاجتهد في إقامة مجموعة معمارية دينية تضم إلى بيت الصلاة والمئذنة، سقاية عظيمة بصهاريج، وميضأة كبيرة، وحماما وأيضا محلات سكنى الموظفين الموكلين بإقامة الشعائر. فمن أين أتته فكرة ذلك؟ لعله إنما استوحاها من المجاميع الدينية الكبرى التي شيدها المماليك قبله في القاهرة، ولم تكن خافية على المغرب ولا على الحجاج المغاربة القاصدين مكة.
‏روى الإفراني أن المسجد بني بين سنتي (970هـ/1563-62م) و(980هـ/1573-72م) على مجموع مساحة حارة يهودية قديمة. ولم تكن هذه أول مرة يرفع فيها المسلمون مسجدا فوق أملاك يهودية فتوسعة جامع القرويين بفاس جرت على هذا المثال: والمسجد الحرام كذلك، على ما جاء في القرطاس.
 لكن صاحب "النزهة" زعم أن أهل الورع امتنعوا مدة من الصلاة في هذا المسجد، لأنه بني على قبور بني إسرائيل. وقد رد ذلك السيد العباس بن إبراهيم، قاضي مراكش ومؤرخها، لكن ذلك قد يكون هو السبب الذي دفع بالسلطات، أيام طوريس إلى حث المصلين على حضور صلاة الجمعة في هذا المسجد ويؤكد خبر سُمع في ملاح مراكش وجود مقبرة ودين اليهود يحظر عليهم دخول المواضع "النجسة" كالمقابر فلذلك يروى أن بعض كهنة بني إسرائيل ما يزالون إلى اليوم يتحاشون المرور بالقرب من مسجد المواسين.

اسم المواسين:

يعتقد المغاربة أن المواسين (بتشديد الواو) اسم بيت كبير من بيوتات الشرفاء، كانت سكناهم في ذلك العهد على مقربة من الجامع الجديد، هذا إلى أن الجامع قد كان مدة طويلة يسمى جامع الأشراف. ولم نعثر على شيء نركن إليه عن هؤلاء الأشراف. ومن المحتمل أيضا أن الشارع الرئيس ‏في الحي الذي يقع فيه المسجد اليوم كان فيما قبل شارع المواسين، أي صناع الموسى، وهي حرفة كثيرا ما امتهنتها اليهود. فعندئذ يكون لفظ المواسين (بتسكين الميم وتخفيف الواو) مشتقا من المواسيين، جمع المواسي، وهي نسبة مشتقة من الجمع الرباعي للفظة الدالة على الشيء المصنوع، وهو الموس (وعربيته الموسى). لكن الظاهر أن النسبة إلى هذه الصناعة قد أهملت، إن كانت وجدت يوما، فاندثرت هي والحي المنسوب إليها.

المسجد:

هو بناية تكاد تكون على هيئة المستطيل، واسعة الأكناف 64م/65م×38م/39م، في الداخل، وهو بعد على هيئة التاء اللاتينية مثل مسجد الكتبية ومسجد القصبة، إلا أن التطور الحاصل منذ عهد الموحدين يتجلى في نسبة طوله إلى عرضه، وغلبة الأول من هذين البعدين على الثاني ظاهرة جلية. وصحنه المربع فسيح جدا، ومئذنته يشينها صغرها. وعدد بلاطات بيت الصلاة سبعة، الأوسط أعرض قليلا من غيره. وله سقف فاخر من خشب، يمتد من قبة المحراب إلى العنزة المنقوشة وعلى طول رجل التاء اللاتينية الصهريح الذي وسط الصحن، والقبة التي فوق الباب المقابل للمحراب ولبلاط المحراب مثل السقف الخشبي الجميل المذكور، إلا أنه ينتهي عند طرفيه بقبتين أخريين. أما البلاطات الأربعة الأخرى فأعرض قليلا. ويستطيل البلاطان الجانبيان على جانبي الصحن فيكونان رواقين، وعلى الرواق في الواجهة الشمالية من الصحن ثلاث قباب موازية للقبتين اللتين على البلاط الأوسط. وبناء هذه القباب الأمامية هو الزيادة الوحيدة التي تميز هذا المسجد. وليس له سوى ثلاثة أبواب، عدا باب الإمام وباب المنبر؛ اثنان منهما متقابلان يفضيان إلى آخر بلاطي المسجد الجانبيين، أما الباب الثالث، فهو الباب الرئيسي، وقد قدمنا ذكر قبته. ولكل باب رواق خارجي ظاهر يعلوه عقد صغير حسن بمقرنصات. ولهذه الأبواب مصاريع خشبية حليت بمزاليج، نقش عليها اسم السلطان الذي بناه.

زخرفته:

في زخرفة هذا المسجد رأى السيد هنري طيراس آثار التقاليد العتيقة ظاهرة ظهورا يدهش الناظر وقد أشرنا إليها في بعض عناصر خطة المسجد.
أما المحراب فنسخة من محراب مسجد القصبة؛ فالخطوط العامة واحدة ومواقع الزرافين الفاخرة وعددها أيضا واحد، وكذا الخطوط الكوفية في النقوش والنوافذ على جانبي مداميك العقود، الخ. أما المنبر فشبيه بمنبر مسجد القصبة، ويؤكد رغبة الصناع في أن يحتذوا - ما وسعتهم الطاقة – حذو الموحدين في منجزاتهم العظمى. ويتبين من هذه النسخة أنهم لم يزالوا قادرين على إبداع رائق أصيل، وأنهم لم ينقلوا عن الأصول نقل البلداء. ولئن كانت يد الصانع منهم قد تتعثر أحيانا إلا أنهم استطاعوا أن يحافظوا على صفاء المثال المقتدى. والعقود الحدوية اللمساء من أحسن ما يكون، تمتمد منها بلاطات المسجد "سكينة كبرى، هي أحد محاسن هذه البنية"، ولا تخلو التيجان من رونق إلا أن الإتقان بالجملة ضعيف وهو دون إتقان قبور السعديين ومدرسة ابن يوسف. أما السقوف؛ فما تزال شاهدة على مهارة لا تنكر وهي أبهى محاسن هذا المسجد. وتظهر التقاليد الموحدية في الجلمونات والرباطات المزدوجة، وأيضا في الشريط العريض المحلى بزخرفة هندسية على قمته، ويضيق شيئا فشيئا في سقوف البلاطات المشتركة، لكن الصناع السعديين وشوا ذلك بألف زخرف وزخرف من ابتداعهم، لم تشن كثرتها متانة هذه السقوف (المكونة من مربعات عظام)، وتعرف في أسبانيا باسم أرطسونادس artesonados ، وهي واحدة من أمجد مناقب الفن المدجن.
إذن، مسجد المواسين مثال المساجد التي سوف يرفعها السلاطين بالمغرب فيما بعد،   وسوف يتقلص فيها عمق بيت الصلاة ويتسع الصحن، ويكون فيها للصحن تصميم خاص ونظام على حدته.
ومجمل القول أن التقاليد الموحدية شديدة التجلي في المواسين، إلا أنها أخفى في الهندسة المعمارية وأظهر في الزخرفة، وقد كشف نقش الخشب عن صناع حذاق مهرة.

ملحقاته:

لم يكتف المولى عبد الله برقم مسجد عظيم على صفحة هذه التربة، بل زاد عليه مجموعة من المباني اللازمة لأداء شعائر الملة الإسلامية على أحسن وجه.

الخزانة:

هي قاعة مربعة واسعة تقع خلف جدار القبلة، من جهة الشرق، وقد صيروها اليوم لغرض آخر ولم أعثر لها في الكتب سوى على خبر واحد، غير أن صاحبه من أجود العارفين بهذا الشأن، وهو أحمد بابا العلامة المنتزع قهرا من تمبكتو، فقد ذكر أنه قرأ أحد شروح سيدي خليل في خزانة الشرفاء بالمواسين.

المئذنة

هي ناتئة عن الركن الشمالي الغربي، وقد عالجوا بنيانها كأن لجامع هو أحد مساجد الحي الصفار، وهي برج لا زخرفة عليه، يعلوه على ارتفاع لا يتجاوز السطوح المجاورة سطح عليه شرافات مسننة. ويتواتر بمراكش خبر مؤداه أن المهندسين قد امتثلوا رغبة أحد وزراء السعديين، كان حريمه قريبا جدا من المسجد، فعدلوا عن الإشادة بهذا الجامع الجديد برفع مئذنة تماثل في عظمتها تلك اللواتي يشرفن على المساجد الكبرى بمراكش، واتخذوا لها هذه الهيئة التي تدهشنا اليوم.

سقاية المواسين:

في المغرب وفي المشرق على السواء يعد حسنة من الحسنات سقاء الأناسم والبهائم، وقد جاء في المأثور عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن سقاية الظمآن إحدى الصدقات المحتسبة. وقد قدمنا أن إحدى مناقب علي بن يوسف المرابطي المجيدة أنه بنى المسجد والسقاية المسميين باسمه إلى اليوم. ونحن لا نعلم شيئا عن سقايات الموحدين، لكن كثيرا من سقايات السعديين ما تزال قائمة، تشهد كل يوم على كمال عناية هذه الدولة بحاضرتها. وأكبر السقايات بلا منازع هي هذه الملصقة بالمسجد، وقد جاء في "نزهة الحادي" أنها بنيت هي والمسجد في زمن واحد؛ وهي سقاية ذات مستند، مصممة تصميما معماريا ضخما. بها ثلاثة حياض لشرب الدواب، يليها حوض لسقاية الأنام، والظاهر أنه زيادة زيدت. أما الحياض الثلاثة؛ فذرعها أربعة أمتار في خمسة، تكنها أقباء، وتفضي إلى الطريق من ثلاثة أقواس، تفصل بعضها عن بعض أعمدة عارية كالأقواس. وأما الإفريز الذي عليها اليوم، فالظاهر أنه ليس من عمل السعديين. وقد انصبت العناية كلها على الفجوة الرابعة، يعترضها جذع شجرة أن لا تدنس البهائم الماء، فلذلك رجعوا قليلا بطرف الحوض، ولم يجعلوه على سمت الثلاثة الأخر. لها عضادتان، فوقهما حاملتان بمقرنصات من جبص، تتقابل جبهتاهما الأفقيتان، وتحملان طِنفين من خشب الأرز عليهما نقوش وفوقهما يتربع ساكف مزدوج من الخشب عينه. أما الأسفل، فعليه نقش بارز، هذا نصه:
أحسن ما صرف فيه المقال****الحمد لله على كل حال
وأما الأعلى، فعليه طاق زخرفي ملون. وفي الداخل ساكف آخر، يساعد على حمل الغشاء وترى فيه بضع كلمات من بيت شعر كاد ينطمس ولاشك أنه لا يرقى إلى عهد السعديين ويعلو هذه الزخارف كلها إفريز بديع عليه قرميد أخضر، فوق حاملات صغار. وللإفريز الخشبي ذي المقرنصات بين العضادتين حس رائق.
ومن ساحة ضيقة في أعيننا، لكنها فسيحة بالقياس إلى وسط المدينة، يستطيع الرائي أن يحيط في نظرة واحدة بجماع هذه الواجهة من هذه السقاية الضخمة الجليلة. ولئن كانت الزخرفة فيما عدا الخشب لا تحتمل عين الناقد، ففي المجموع شموخ ومهابة.

الميضأة:

على مقربة من المسجد ميضأة حسنة (هي قاعة للوضوء بها مراحيض) وهي غرفة واسعة، في وسطها مسناة عالية، تقوم مقام الفحل لدخول الهواء والضياء. ولا تخلو هذه الميضأة من إشادات منقوشة، وهي ظاهرة الشبه بقبة مسجد علي، ويتبين المرء آثارها فيها.

الحمام:

الحمام عند سكان المدن نعمة من نعمها فلا يمكن أن تخلو منه مجموعة دينية مثل جامع المواسين. والحمام أفضل من الميضأة، لأن المصلي يخرج منه إلى صلاته في طهارة كبرى، لاسيما إذا كان جنبا، والشرع يلزمه عنذئذ بالغسل. ثم لا يفوتنك أن حلق العانة - وهو داخل في الطهور - يكون في الحمام أيسر منه في البيت ‏غير خاف أن الغرف الحارة في الحمام تكون دائما مقبية كالطاق، لأن غطاءها الخشبي لا يقاوم بخار الماء، فيفسد مع المدة فلذلك جعلوا على حمام المواسين قبة من آجر، قاعدتها ثمانية الأضلاع، على حنية ركنية تصميم رباعي، تستصبح من كوى زجاجية. ولا مانع من التسليم بأن هذا الحمام قد سمي أصلا باسم درب قريب منه، وهو جرب حمام الذهب.

المدرسة:

على مقربة من الجامع مدرسة لا جوهر لها ولا عرض (ولا نعلم شيئا عن تاريخها)، ولا مانع من نسبتها إلى السعديين، مع أنها من الممكن أيضا أن تكون من مصانع العلويين