يقع هذا البستان إلى الجنوب من المشور الكبير، وما يزال ملحقا بالقصر الملكي، ويقول أكنسوس  ‏إنه من إنجاز سيدي محمد بن عبد الله . ولعل المماشي ترجع إلى عهد السلطان الأكبر، وكانت تمتد في طرفيها أشجار زيتون عمرت مئات السنين وتؤدي تلك المماشي إلى الجناح الكبير الذي يقضي به سيدي محمد فصل الصيف، وهو المسمى الدار البيضاء .

جاء في بعض النقوش أن السلطان سيدي محمدا هو الذي بنى هذا الصرح الجميل الذي يتوسط أشجار الزيتون في الحديقة المساة باسمه، سنة 62-1279هـ/1863م. تجد في هذا الصرح قاعة كبيرة مربعة تلتصق بها مقصورات ، هيئت بها فى كل زاوية غرفة صغيرة. أما المدخل فليس فتحة سوى خرق عميق خاص بالسلطان ، يستطيع أن يلقي منه ببصره عبر الباب على فناء كسيت أرضه بفخار عليه المينا، وفي امتداده نافورة أنيقة مسطحة، ثم كتلة كثيفة من الأشجار . والواجهة الجنوبية تتصل بفناء صغير به حمام وغرفة خاصة بالخدم. ونقشت عبارات وإشادات ، مثل قوله تعالى‌:  »فعال لما يريد‌»، ‌«وهو على كل شيئ قدير». والقاعة الكبيرة وغرف الزاوية مغطاتان بقباب هرمية يكسوها القرميد الأخضر؛ ومنحدرات القاعة الكبيرة الأربع تصب على مصد تيار ، به كرة نحاس مذهبة؛  وليس هناك إلا طابق أرضي .
وعلى جانب هذا الجناح ظلة شيدت على أساس مبني يرتفع بعدة أمتار، والصعود إليه من المنزه عبر سلم خفيف الانحدار ، كسيت درجاته بالزليج، والأرضية مبلطة بالآجر المكسو بالمينا، يخال المرء أن الظلة إنما وضعت عليه ، وكلها من خشب ، إلا السقف ذا الشكل الهرمي ، فهو من قرميد أخضر . والرواق تحمله عميدات دقيقة ، وهو معمى في زواياه الأربع بواسطة حجب تفصل أربعة أبهاء ، فصار الرواق كأن ليس به إلا أربع مقصورات . والوجه الخارجي مطلي بالأخضر والأصفر والأبيض ، والغالب عليه الأزرق ؛  والمجموع مفاجئ ولا يخلو من رونق . أما الداخل فجذاب؛  والقاعة الكبرى مغلقة بإطارات كلها من زجاج وبها نوافذ . أما الأرضية فيغطيها الزليج؛  والسقف مرفوع على هيكل خشبي بارز متين تزينه المنمنمات والإشادات  شأنه في ذلك شأن نظام: ورقة وجائزة  . ويسمح تعاقب الأجزاء المفتوحة والمعلقة للمرء بأن ينعزل عن الخارج متى شاء أو أن يتأمل في جمال الطبيعة . وللرائي أن ينتقل ببصره من لمعان الثلوج بالأطلس إلى تموج أفنان الزيتون ، أو من منظر المآذن الكبرى في البعيد إلى بستان النارنج ، وهو الجنان. وأخبر ميري كلوم، الذي حضر بمراكش وكان سفيرا وقت الفراغ من بناء هذه الصروح الراقية ، أن المعلمين كانوا من تطوان ، ولعل ذلك صحيح لأن التصاميم والزخرفات في مجموعها ليست مما اشتهرت الدولة بإقامته بمراكش. وقد كان جنان الرضوان دوما مكان المتعة الذي اختاره السلاطين، ففيه يهنأ بالهم رفقة أحب حظاياهم وأقرب مؤنسيهم إليهم ، وهو ما ينسيهم هموم الدولة وإكراهات المراسم والآيين الملكي .

الدار البيضاء

‏هو اليوم مستشفى ميزوناف الخاص بجنود الثكنة. ويجمع المؤلفون على أن المولى الحسن (1873-1894) هو باني هذا المنتجع، لكن كاتل رأى جدرانه سنة 1862 وهو تاريخ يسبق بكثير جلوس هذا السلطان على العرش. وأما الليوطنان واشنطن فقد أورده منذ ه سنة 1830 في تصميمه المسمى "تصميم مدينة مراكش)".

 ‏وهناك من جهة أخرى تصميم مخطوط فريد مؤرخ بسنة 1883 وبه مفتاح بالعربية نقرأ فيه: "صورة الدار البيضاء والقصر الجديد". وليس من الصعب أن نلاحظ فيه أن الجزء المتعلق بالدار البيضاء مبني، وأن الجزء المخصص للقصر الجديد ما يزال في طور البناء. وما يستنتج من ذلك هو أن المولى الحسن إنما وسع ما كان مجرد منتجع لسلفه. وهذا الجزء الراجع إلى القرن الثامن عشر يفاجئنا بجدرانه العالية وبشرافاته على هيئة درج . وقد اتخذوا في الجدران نوافذ عالية تطل على أكدال وفي زواياه أجنحة عالية مشبعة بالهواء تعلوها أسقف هرمية مكسوة بالقرميد الأخضر، وفي القمة سفود به كرة ذهبية. وليس على هذا الجزء طابع المغنى السعيد ء بل هو أقرب ما يكون إلى البناية العسكرية.
‏أما الداخل فعجيب: به ثلاثة أفنية متوالية. بالأول صهريج كبير مربع ودرج عريض في الركن ثم رواق به عقود على هيئة عروة سلة. وبالثالث في الجنوب سقاية على هيئة نجمة، ومع ذلك فهما عاديان. أما الفناء الأوسط فيفاجئنا ولا مناص  وهو في الأصل مربع يتوسطه صهريج وفي الغرب ظلة ثمانية الأضلاع بين جناحين عظيمين عاليين، تسمى قبة الغنائم، تغطيها قبة ثمانية السفوح، ويلفها رواق من الشكل نفسه لكن سقفه مسطح .

‏والمجموع ليس أنيقا، لكن نجارة السقف إنجاز بديع وصباغة الجدران تزهو بباقات الورد على اختلاف الألوان، داخل أرز نقشت فيه بعض المدائح ومقتطفات من قصيدة البردة. وإلى الشرق أمام الظلة أتت مكسورات الزوايا في غاية الابتذال. أما في ظلة اليسار فتقع مواضع الخدمة والدرج المؤدي إلى المنظرة. وفي ظلة اليمين المسجد ومئذنته غير المسقوفة، وهما شبيهان بمسجد البخاريين ومسجد المشور ومئذنتيهما، وهما من تشييد السلطان نفسه . وهذا المسجد الصغير الذي بالقصر وارد في تصميم الليوطنان واشنطن  1830ورغم الصرامة التي تطبع هندسة هذا القصر فإنه يوافق بلا شك تعفف ذوق هذا الملك فقد تمكن من العيش بعيدا عن حاثيته قريبا من عياله، فشملهم على بخله، بكامل العناية.