السبب الحامل على بنانه

‏عقد أحمد المنصور العزم - بعد مضي خمسة أشهر على انتصاره أشهر على دون سبستيان وجيشه البرتغالي - على بناء قصر عظيم، يخصه لاستقبال الوفود. وكان كغيره من ملوك المسلمين، ولاسيما يعقوب ا‏لموحدي الذي تلقب هو أيضا بالمنصور، يريد أن يكون لدولته الشفوف على مآثر الدول التي سبقتها على مملكة المغرب، لأنها قال الإفراني: أحق الناس بذلك، لشرف انتسابهم إلى بيت جدهم الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، إذن تصدى المنصور لبناء البديع رفعة للشرفاء بعد أن أصبحوا أعزة. ولكن لابد من الإشارة إلى أن زمن الدول الكبرى قد ولى وأدبر أعني الدول التي كانت تريد التميز في أسن الناس أجمعين بإقامة حاضرة جديدة فلم يكن المنصور، ببناء قمره الجديد بالقصبة الموحدية، إلا واصلا حاضره بماض ثقيل الوطأة.
‏وقد اختاروا الركن الشمالي الشرقي من القصبة، ليقيموا، على مقربة من دار السلطان الخاصة به الممنوعة على غيره قصرا للاستقبال، تقام فيه الحفلات وتعقد فيه الجلسات الرسمية، وتتجلى فيه أبهة السلطان المملكة وخاصتها على السواء وأيضا للسفارات الأجنبية. وقد كان ذلك الموضع بستانا موحديا قديما مهجورا "بلقعا" كما ذكرنا بذلك بيت شعر في "نزهة الحادي" ولم يفت السلطان أن يحيط بنيته بجميع ما يجب من الحيطة والحذر، فأمر مجموعة من أهل العلم بالنجوم، ومن أهل الصلاح، بأن يعينوا أوفق الأوقات للشروع في البناء.
أخبر الإفراني أن الشروع في بناء البديع كان في شوال عام 986هـ ‏/ دجنبر 1578م أي بعد أشهر من خلافة المولى أحمد المنصور، وأن الأشغال اتصلت ستة عشر عاما، من ذك التاريخ إلى سنة 1002هــ/1594م، ولم يتخلل ذك فترة ولا أثر اليوم للنقوش التي كانت تزين جدران بنايات هذا القصر، لكن نص بعضها محفوظ، وقد نشر. وقد وقعنا في تلك النصوص على بيتين يؤرخان لبناء البديع بالسنة التي قبل التاريخ المتقدم، وهي سنة  1000هــ/1593م لكنهما يتعلقان بأشغال التنعيم: وهي باب رخامي وسقيفة.
وجاء في بعض المصادر الأوروبية أن السلطان اشترى رخاما ومواد أولية مستقدمة من الهند، وفي سنة 992هـ/1584م. أما التصميم البرتغالي، فقد صور لنا قصرا قد فرغ من بنائه في سنة 993هــ/1585م ولا شيء في مفتاحه ينبئ بأن الأعمال لم تنته في ذلك التاريخ.
تدعونا هذه الأخبار جميعا إلى التروي فلذلك لا نستخلص منها سوى أن الأشغال بدأت في السنة التي ولي فيها السلطان، وهي سنة 986هــ/1578م، وأنها اتصلت إلى وفاته في سنة 1012هــ/1603م، وذلك أن رسالة كتب بها أحمد المنصور (وقد حفظها لنا - من حسن جدنا - الإفراني) تشهد بأنه لم يزل منشغلا بعد، في سنة  1011هــ/1602م بأمور البناء وتركيب سواري الرخام.

اسمه:

‏البديع: ما لا نظير له وهو أولا أحد أسماء الله الحسنى التسعة والتسعين وهو أيضا اسم قد اشتهر، ولهج به التاريخ فقد كان بقرطبة علما على أحد أجنحة القصر بها، وسمي به بستان ببجاية استحدثه بنو حماد، ثم خرب فأحيا ميت أغراسه، بعد ذلك، أحد ولاة الموحدين.

خطته:

لا نعلم اسم واضع خطته، ولاشك أنه كان من أهل الأندلس لأن القصر بتصميمه العام وبزخرفة نقوشه يكشف عن تأثير غرناطة، ذاك الفردوس المفقود الذي ما يزال المغاربة يدعون الله أن يعيدهم إليه في يوم من الأيام ولئن قيد بعضهم، في سنة 1927م أن هندسة القصر المعمارية تفيد بشيء جديد، فليس الأمر كذلك لوجود وثيقتين اثنتين وبسبب التقنيات المنظمة التي قامت بها مفتشية المآثر التاريخية بالمغرب، وهي تشهد بأن البديع قد أنجزه مهندس ومعماري في آن معا. وكما هو الشأن في العمارة الفرنسية في ذلك العهد تعين التناظر في خطته، وهو غالب عليه لكن ما أبعده ‏عن اللطائف الخفية التي وقف عليها بعضهم، واستعذبوا دراستها وينم مجموع ذلك كله عن تناسق لا يخلو من وقار لكنه كان يناسب الاستعمال الذي له هذا القصر، أعني الأبهة والحفاوة.
أما إنشاء الصهاريج العظام فوق مستوى الأرض لتيسير إفراغها وسقي البساتين المجاورة، فقد اضطرهم إلى بناء القصر كله على عقود من الآجر تكون على مستوى الماء أهم الغرف المعدة للتكريم وسقائفها التي تتقدمها. فالظاهر إذن أن الأشغال التمهيدية كانت عظيمة عظم عدد الآجر الذي دعت إليه الحاجة، وهذا الآجر قد أجيد طبخه، فقاوم حيثما كان الإهمال وعوادي الدهر.
وقطب رحى مباني القصر ساحة فسيحة على هيئة المستطيل محيطها مائة وخمسة وثلاثون مترا في مائة وعشرة تمتد وسطها ‏في أكبر محوريها لم ووجهته المجملة بين شرق وغرب) بركة هولها أكثر من تسعين مترا، وعرضها عشرون وعلى جانبها بقعتان منخفضتان عنها أطول ‏منها بقليل، عرضهما أربعة وثلاثون مترا، غرستا أشجارا وأزهارا موزعة في مغارس مربعة، تفصل بعضها عن بعض مماش مبطلة بالزليج. وعند أطراف هذين المغرسين، في أركان هذه الساحة الفسيحة، ابتنوا صهاريج مستطيلة، من ثلاثين مترا في عشرة بالتقريب، ينزل إليها بدرج. وقد كانت الصهاريج والمماشي المحيطة بها مفروشة كلها بزليج مختلف الألوان. وتتربع في قلب البحيرة الوسطى نافورة عظيمة هي فسقيتان الواحدة فوق الأخرى، تعلوهما فوارة وكان يوصل إلى هذه النافورة العظيمة على ألواح حجرية مرفوعة على أعمدة ‏‏وفي وسط أصغر ضلعي مستطيل الساحة، بين الصهاريج الصغار الواقعة في الأركان، أي في طرفي البركة الطويلة، ترتفع بنايتان عظيمتان، عرضهما أقل من عرض البركة بقي ماثلا أساس إحداهما في الجهة الغربية، ‏ومكنت التنقيبات من الوقوف على خطة الأخرى، وكانت تقابلها وهما متشابهتان، وعلى هيئة المربع (16×15). وقد كان على كل واحدة منهما قبة ‏محمولة على أعمدة، لعل عددها كان على قدر أعمدة القاعة الرئيسة في قبور السعديين (وهو اثنا عثر عمودا) وكانت أرضهما مفروشة بالزليج، وحفرت فيهما صهيرجات، يجري فيها الماء. وفي الخارج كانت البنايتان محاطتين بسقائف على أعمدة وكان على واجهاتهما النافعة أبواب عظيمة، يطل منها الرائي على الغراس والصهاريج من مناظر مختلفة. وكانت بنايتان أعظم منهما (15×23 ‏) تتوسطان متقابلتين أكبر ضلعي الساحة، وكانتا كالسالفتين مكسوتين قرميدا أخضر، وكانتا متخلفتين قليلا عن حرف الساحة، مما يسر رفع رواق مكشوف على أعمدة من يشب أبيض وأسود، يتقدم كل واحدة منهما. وفى كل ركن من الأركان الأربعة، قبالة جانبي البنايتين المربعتين، كانت توجد قاعة، يتقدمها أيضا رواق.
وفي التصميم البرتغالي - والعهدة على صاحبه أربعة أبراج على صورة قاعدة الهرم، مثل هذه التي في القصبات البربرية اليوم، تحتل أركان القصر، وعليها شرافات متدرجة والظاهر أن برج الركن الشمالي الشرقي وحده يصعد إليه بدرج ولاشك أنه الدرج الذي يفضي إلى الغرفة العليا (وتسمى المصرية) الخاصة بالسلطان، منها يكحل عينيه بمنظر بساتين القصبة والمدينة جميعا. وكان لهذا القصر في واجهاته الجنوبية والشرقية والغربية، أبواب وأدراج كثيرة تفضي إليه. أما الباب الرئيسي فكان في الواجهة الجنوبية، في الركن الجنوبي الغربي ولعله باب الرخام المذكور في أبيات أنشدها الإفراني. ويستشف من وجود ممرات تحت الأرض نيتهم الظاهرة ألا تقع أعين الأضياف على العبيد والخدم وأن تتيسر خدمة البساتين والقباب في الخفاء.
وكان القصر، من واجهته الشرقية، ينفتح على بستان عظيم تحيط به أسوار عالية، هو المسمى اليوم "عرصة الوجاج" والظاهر أن البديع كان خلوا من مسجد لصلاة.
‏أما خطة القصر العامة فتستوحي في آن معا - كما سبق أن أشار إليه السيد جورج مرسي - مثال ساحة الأسود، بقبتيها الناتئتين على أصفر الأضلاع، وقبتيها العظيمتين على أكبر الأضلاع وساحة البركة، ببركتها المستطيلة بين الأغراس.
‏وليسر للبديع - مثلما هي الحال في القصور الإسلامية جمعاء - واجهة خارجية، إلا - ربما - تلك الأبراج الأربعة التي في الأركان ولم تكن بالارتفاع الذي جاءت به في التصميم البرتغالي ولم يبق منها رسم ولا أثر.
وقد أشارت غازيت دي فراس أيضا، في عدد 1632/11/28 إلى أن قباب هذا القصر، "الرائع البناء" لكن على عادتهم هناك، ليست لها نوافذ، ولا تستصبح إلا من أبوابها العظام قال محرره: "وهذا أمر سيدهشك كثيرا".

القباب الشرفية:

وقع في تصميم وندوس أن قبة الضلع الصغير الشرقي كانت تسمى قبة الذهب؛ إلا أن قربها من عرصة الزجاج يدفعنا إلى الظن أنها أيضا قبة الزجاج التي ذكرها الإفراني، وهو ما يعتقده الناصري.
وأعظم القباب وأحسنهن بلا خلاف القبة الخمسينية (أي من خمسين ذراعا في كل ضلع منها ويثير بيت شعر إلى أنها اختيرت لتكون مجلس أمير المؤمنين، والمراد أنها كانت قاعة استقبالاته وهي البناية التي ظلت ‏قائمة في الجهة الغربية كانت على مقربة من الباب الرئيس، ومن رواقها يشرف الناظر على قبة الزجاج، بل ربما يخترقها بصره ليصل إلى عرصة الزجاج لا يحده إلا سورها الشرقي المرتفع، وعليه اليوم حائط ‏بارز لا ندري لماذا بني، إلا أنه كان من غير شك جزءا من ذك المنظر.
والأبيات التي أنشدها صاحب النزهة قد شحنت - في شقشقتها الأدبية بالإشارات الخفية إلى الأغراس والصهاريج، وهي تذكر جميعا بأن هذه القبة تفوق غيرها سموا وسنا. ونرانا نبتسم من أحدها، قيل: "إنه كتب بمرمر أسود في بياض ببهو السلطان: فقد شبه "موج البركتي" أمامه بأنه "حركات سجف صافحته دبور". لكن شارل ألان بعد أن كشف عن أرض هذه القبة، عثر - يا للمنظر البديع المفاجئ على الحويضين المستطيلين اللذين كنا نكذب بوجودهما، فمكن الوقوف عليهما من تعرف القبة من حيث لا يحتسب.
وكانت قبة ثالثة حقيقة بأن تكون مغنى للغواني، تسمى باسم الخيزارنة وهو اسم علم يطلق على أنواع كثيرة من النباتات، ولاسيما على رقيب الشمس أو الآس، وعلى العارشة. والخيزران أيضا من أعلام النساء: فقد كان اسم أم الخليفة العباسي هارون الرشيد وكان أيضا - وهو موضوعنا هنا - اسم حظية زنجية حسناء من حظايا المولى أحمد المنصور، والظاهر أن هذه الحظية كان لها مقام خطير في البلاط، لأنها كانت أم محمد الشيخ المأمون، وربما أيضا أم أبي فارس عبد الله وقد ملكا جميعا بعد وفاة أبيهما.
ويستفاد من صورة ماطام، وقد ذكر صاحبها "دارا للنساء"، أن هذه القبة قد تكون هي القبة الكبيرة التي في الواجهة الجنوبية من القصر - وقد وردت في تصميم وندوس - على مقربة من حمام كشفت عن جزء منه تنقيبات السيد نولو.
‏وتمكننا المواضع التي تعرفناها فيما تقدم بعد استبعاد ما ينبغي استبعاده من أن ننسب اسم القبة الخضراء إلى القبة الكبرى التي في الواجهة الشمالية وما تزال جدرانها قائمة إلى يومنا هذا بالقبة الخمسينية، وتيجان أعمدة عظام من كلس توروني، وبضع قطع من أعمدة0 ‏حسان، وسقف، وعدد لا بأس به من قطع الجبص وإلزليج، وواحد من صهاريج الأركان، احتفظ - لا ندري كيف - بفرشه الزليجي البديع.
وبقيت لنا أيضا شهادات من مؤرخين، وزوار، وأسارى، وسفراء وغيرهم، يصدق بعضها البعض الآخر في الإعجاب والدهشة، إلا أنها لا تحتوي على أوصاف دقيقة بأعيانها، فهم جميعا قد شاهدوا أنواعا من الجزع وألوانا، وعددا كبيرا من الرخام أبيض وأسود، وتيجانا كسيت سلسال العسجد أو ورق الذهب الرفيع، ومناظر خلابة، وجدرانا زينت بزليج محكم القطع، وسقوفا مرصعة ذهبا أو منقوشة بنفائس المقرنصات، وما لا يحصى من الفسقيات والبرك، يجري فيها الماء لجينا يسحر العين، ويسري منه إلى الجو نسيم منعش. ومع أن الشعر كان في ذلك الزمان متصنعا غثا كثير الانتشار، فقد كان البديع مكسرا بأبيات منه، مطرزة على الأبواب ومنحوتة على الأرز ومنقوشة على الزليج والمرمر، ومرقومة رقما أخاذا على الجبص. ولم ينسوا عبارات الحمد لله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ينبهون بها الناس طرا إلى فناء أمور الإنسان وأحواله، ويسابقون بها إلى الرد على المزدرين بهذا الترف، مدعين أنه إعلاء لكلمة الله تعالى!
والواقع أن هذه الزخرفة من الأمور التي نقتلها علما: وهي زخرفة قبور السعديين، وسوف تتكلم عليها عما قريب. لكن الإشارات الخفية الواقعة في الأبيات المنقوشة التي حفظها لنا الإفراني توقفنا على أمرين اثنين: أما أولهما، فالظاهر أن الفسقيات والصهاريج الداخلية كانت تستمد ماءها من أساود ونمور أو آساد من فضة، قيل: إنها " تركت زئيرها لتهمس مع المياه". وإقامة التماثيل أمر نادر جدا في بلاد البربر الإسلامية، فلذلك أشرنا إلى هذا التقليد المستوحى من قرطبة وأما ثانيهما، فإن مويت وهو لم ير مراكش البتة، لكن وصفها له من يوثق به قد ذكر لنا قاعة صورت فيها جميع أبراج السماء وأحكم تصويرها، حتى كأنك ترى القبة الزرقاء بعينها عندما تنظر إلى صورتها". ولعل زخرفة هذه القبة هي التي أوحت إلى الوزير أبي فارس الفشتالي بأبيات شعر نقشت بداخل القبة الخمسينية لم تكن مفهومة قبل هذا.
وهذه الأشعار جميعا شبيهة بتلك التي تزين قاعة الأختين بغرناطة ففيها أيضا إشارات إلى صورة في سقفها تمثل القبة الزرقاء. وليسر ذلك إنما هو من بلاغة القول، بل يؤكد مرة أخرى أن البديع صورة منقولة عن الأندلس بل نذهب إلى أن المولى أحمد المنصور ربما ظلت عالقة بخاطره ذكرى قصر الأمراء بطليطلة، على عهد المأمون في القرن 11 وأمره مشهور، والسطور التي خص بها لا في بروفنصال نقلا عن "ذخيرة"، ابن بسام ء بلاط طليطلة، و"الإعذار الذنوبي" وبه كان يضرب المثل مدة في الأندلس، تصدق حرفا حرفا على البديع وعلى الحفلات التي كانت تقام فيه، ولم يطوها النسيان. لقد كان قصر البديع في فجر القرن 17 في أعين رعايا الشرفاء وجميع الأوربيين الذين زاروه، رمز التأنق والبذخ، شأن قصر أمراء طليطلة في أعين مسلمي الأندلس ونصاراها إلا أنه، للأسف الشديد، لم يبق منه أثر.

دور الغرباء:

‏قدمنا أن خطة القصر أندلسية، لا يمكن أن يكون وضعها إلا مهاجر غرناطي مورسكي. ثم إن التأثيرات الأجنبية ودور الأوربيين أمور لم ينكرها البتة المصنفون العرب. فقد ذكر الإفراني أن المنصور "حشر له الصناع حتى من بلاد الأفرنجة" وأن الرخام جلب له من إيطاليا. وأكد مونطين، في "رحلته" أن عمالا من الطليان كانوا يقطعون، على مقربة من بيزة، خمسين عمودا من المرمر طويلة جدا، لترسل إلى ملك فاس في بلاد البربر وقد زعم الإفراني (وزعمه بعيد عن الصدق) أن هذا الرخام كان يشترى منهم بالسكر وزنا بوزن. وبعد ذلك بمدة، كان السلطان ما يزال يطلب أحجارا ضخاما: ففي سنة 1584م ‏أرسل وزير إليزابيت الأنجليزية رجلا يسمى باجيت، وكلفه بالبحث عن حجر الصوان مما يمكن إرساله إلى المغرب لكنهم لم يعثروا على حجارة بالضخامة والعرض المطلوبين.
وجاء في النصوص أيضا أن المولى أحمد المنصور كان يحسن نزل الصناع الأجانب حتى إنهم في مدته الآمنة لم يشتكوا من مقامهم بمراكش. وقد ذكر خبرهم شيني.

تدشين البديع:

‏عندما كملت أشغال البناء، صنع السلطان المولى أحمد مهرجانا عظيما، دعا إليه أكابر حاضرته وأعيان مملكته. فأقام مأدبة مشهودة لضيوفه، في أطباق مذهبة مجتلبة من مالقة وبلنسية، وأخرى جلبت من تركيا والهند، ومن الصين أيضا. ولم يقف كرم السلطان عند ذلك، بل أفرغ عليهم مقادير عظيمة هدايا وصدقات، حتى تضم الرعية صوتها بالدعاء له بالسعد والمجد إلى صوت الشعراء المرتبين الذين قالوا في ذلك أبياتا غلبت عليها عبارات الحرفان الأدبية والإشارات الخفية، وقلت فيها المشاعر النابعة من صميم الحب. وقد أفسد الاحتفال وغير خاطر الأمير رجل من البهاليل كانت له شهرة وذلك أن السلطان - زعموا - سأله عابثا به: كيف رأيت دارنا فأجابه البهلول قائلا: "إذا هدمت كانت كدية كبيرة من التراب وكان ذلك رجما بالغيب: فبعد عقود، أمر المولى إسماعيل، عظيم سلاطين العلويين، بهدم القصر.
وقد أقيمت في البديع، مع ذلك طيلة أكثر من سبعة عقود مهرجانات عظيمة أقامها الشرفاء في مدة ‏ملكهم، ولا تنكر النصوص أنها كانت أحيانا تتسم بالفساد والغدر. واحتفل فيه أيضا باستقبال السفارات والأرسال الذين كان السعديون يترقبون منهم شيئا فكانوا بذلك يعبرون لهم عن لطفهم. وقد خلف لنا بعضهم أوصافا دقيقة عن زيارتهم.