السمارة
تعتبر «السمارة» مدينة بالصحراء المغربية، يرجع اسمها إلى احتمالين: أولهما: هو وجود نبات «اسمار» خاصة بقعر «واد سلوان» أحد روافد «واد الساقية الحمراء»، أما الاحتمال الثاني: فيرجع الاسم للصخور السوداء السائدة بالمنطقة L'ardoise، والتي تنتشر بشكل كبير على سطح المنطقة، وهناك من استعملها كمواد للبناء.
وقد اكتسبت مدينة «السمارة» مكانة بارزة في تاريخ المغرب، باعتبارها نقطة استراتيجية، وصلة وصل بين شمال المملكة وجنوبها، مما جعلها تحظى على الدوام باهتمام ملوك الدولة العلوية الشريفة، حيث اتخذها السلطان مولاي الحسن الأول معقلا للجهاد، وقاعدة خلفية لصد أطماع المعتدين على المناطق الجنوبية للملكة، وهو نفس الدافع الذي جعل خلفه السلطان مولاي عبد العزيز يقدم الدعم المادي والمعنوي للشيخ ماء العينين لبناء زاويته فيها، وذلك بإرسال مواد البناء من ميناء الصويرة إلى ميناء طرفاية، بالإضافة إلى إيفاد مهندس خصيصا لهذا الغرض، مما مكنها من أن تقوم بدور تاريخي بارز كمركز للإشعاع الديني، فضلا عن دورها الجهادي.
ففي سنة 1888م شرع الشيخ ماء العينين في شق طريق يربط بين السمارة وطرفاية، بهدف جلب المواد الضرورية لبناء زاويته.
وفي سنة 1895م شرع في البناء، وكلف ابنه الشيخ الطالب أخيار بمهمة السهر على أوراش البناء، بعدما وصلت المواد الضرورية عن طريق البحر إلى شواطئ طرفاية على متن باخرة مخزنية تابعة للبحرية السلطانية بقيادة الربان أحميدة الملقب بالتركي، وعلى متنها أربعة من البنائين المختصين ينتمون إلى مدن: مراكش، وفاس، وطنجة، وتطوان، وبعد سنة التحق بهم عامل خامس من مدينة وجدة.
وهذه المكانة المتميزة جعلتها محط أطماع الدول الأوروبية (فرنسا وإسبانيا)، التي اصطدمت بمقاومة باسلة من طرف قبائلها المتاخمة بزعامة قبائل: الركيبات، وأهل الشيخ ماء العينين، والعروسيين، وآيت أوسى، وغيرهم من القبائل الصحراوية
(
1) .
ومن بين المعارك التي تكبد فيها المستعمر الفرنسي خسائر فادحة نذكر على سبيل المثال لا الحصر: «معركة السمارة» في شهر يناير 1957م
(
2) .
و«معركة مركالة» عام 1957م، و«وادي الصفا» سنة 1958م، و«معركة سيدي أحمد العروسي» في نفس السنة
(
3) .
ولقد شكل هذا الفضاء عبر عصور ولت خلوة يقصدها الصلحاء والمتصوفة، بحكم موقعه الجغرافي وسط الترسبات الغرينية لـ«وادي الساقية الحمراء» وروافده: «واد سلوان» و«الحبشي»، إذ يوفر الكلأ والماء لكل راحل أو زائر. وقد استقر بها أحمد الرقيبي كما يذكر الأمين الشنقيطي في كتابه الوسيط، حيث يصف المنطقة وساكنتها بقوله: «... وهي في الأصل للركيبات، قبيلة أصلهم من الزوايا، إلا أنهم يحملون السلاح في أكثر أوقاتهم»
(
4) .
وأضاف قائلا: «وكانت الساقية الحمراء خالية لا أنيس بها لشدة الخوف، ولقحولتها دائما، حتى عمرها الشيخ ماء العينين، وبنى فيها الدور، وغرس النخل فسهلت المواصلة بين شنقيط وغيرها من المواضع المغربية، أعني التابعة للمخزن...»
(
5) .
إلا أن منطقة «الساقية الحمراء» لم تكن «خلاء لا أنيس فيها»، بل كانت عمارة وخلوة لأهم أولياء الصحراء قبل مجيء الشيخ ماء العينين بقرون. فهذه الأرض تضم آباء وأجداد بعض القبائل كـ: الشيخ سيدي أحمد الرقيبي، دفين «واد الحبشي» شمال شرق «الساقية الحمراء»، ومن بين الأولياء الذين سكنوها نذكر شهداء أولاد أبي السباع السبعة المدفونين بـ«الطويحل» التابع لـ«جماعة سيدي أحمد العروسي»، ومن صلحاء «الساقية الحمراء» سيدي الحاج أحمد اللحية جد فخذة «أولاد الشيخ» من «الرقيبات»، والجد
الجامع لـ«أولاد دليم» بويا علي الدليمي على «واد وين تركت»، والشيخ مربيه ربه بن الشيخ ماء العينين بـ«واد تافودارت» أحد روافد «واد الساقية الحمراء»
(
6) .
وبعد أن كانت مدينة «السمارة» تشكل في الماضي مربط الجهاد ومرحلة مهمة في طريق القوافل، هاهي اليوم تصل حاضرها ماضيها، وتصبح إحدى المحطات الرئيسية للمحور الطرقي عبر الصحراء، تربط بين الشرق الجنوبي المحادي للحدود لمنطقة «طانطان» و«واد نون» مع شمال المملكة، وبالساحل الأطلنتي غربا عبر «بوكراع» في اتجاه «العيون». وتقع النواة القديمة للمدينة في الجزء المنخفض منها حيث توجد زاوية الشيخ ماء العينين، وهي مصممة على شكل مربعات.
وشهد «إقليم السمارة» في ظرف وجيز بعد استرجاع أقاليم المملكة الجنوبية نهضة كبيرة، ومنجزات ضخمة في جميع الميادين سواء منها: الاقتصادية، أو الاجتماعية، أو الثقافية، التي تطلبت جهودا جبارة في بنائها وتشييدها، علما بأن الاستعمار الإسباني لم يترك بها أي عمل أو إنجاز
(
7) .
يوجد «إقليم السمارة» في أقصى الجنوب الشرقي للملكة المغربية، ويحده من جهة الشرق والجنوب حدود دولة «موريتانيا»، ومن الغرب «إقليم العيون»، ومن الشمال إقليمي «طانطان» و«أسا ـ الزاك»، ومن الجنوب الغربي «إقليم بوجدور». ويخترقه طريقان أساسيان؛ الأول يربطه بـ«العيون» إلى الغرب، والثاني بـ«طانطان»، وعبرها إلى الأقاليم الشمالية من المملكة مرورا بـ«كلميم».
ويمتد على مساحة شاسعة تبلغ حوالي 61.760 كلم2، ويقع بين خطي الطول والعرض 11 و26 درجة، ويعلو عن سطح البحر بـ 110 متر. ويتكون من جماعة حضرية واحدة «مدينة السمارة»، وخمس جماعات قروية، هي: «جماعة الجديرية»، و«جماعة تفاريتي»، و«جماعة حوزة»، و«جماعة أمكالة»، و«جماعة سيد أحمد العروسي».
وبخصوص تضاريس «إقليم السمارة» فتنتمي من الناحية التاريخية إلى أقدم حقبة جيولوجية عرفها المغرب، وهي عبارة عن هضاب صلبة شرقا، وهضاب رملية هشة غربا مسطحة وشاسعة، يخترقها وادي الساقية الحمراء الذي يتجه من الشرق نحو الغرب،
حيث ينحدر من أقصى الهضاب الشرقية للحمادة إلى المحيط الأطلسي «مصبه عند فم الواد» حوالي 450 كلم، جاعلا من المناطق التي تجتاحها مياهه في فترات فيضانه هضابا مكسوة بنباتات ومراعي للماشية.
أما المناخ فيتميز بكونه قاريا صحراويا جافا، فهو حار صيفا، وبارد شتاء، ويقوم بُعد الإقليم عن البحر بدور مهم في تشكيل المدى الحراري، حيث تتراوح درجة الحرارة ما بين 48 درجة صيفا و15 درجة شتاء، كما يتميز مناخه بقلة التساقطات المطرية خلال السنة، وتتحول هذه التساقطات الضعيفة إلى سيول جارفة في بعض الأحيان على شكل زخات مطرية تحدث فيضانات كاسحة، ويتراوح معدل التساقطات ما بين 20 و40 ملم في السنة
(
8) .
كما تختزن مدينة «السمارة» من الناحية التاريخية والأركيولوجية عددا من المعالم التاريخية والمواقع الأثرية، منها ما يرجع إلى فترات ما قبل التاريخ، ومنها ما يعود إلى بداية القرن العشرين.
ـ النقوش الصخرية: ترجع إلى أزمنة ما قبل التاريخ وتتمركز في المواقع الآتية: «ميران»، و«الفارسية»، و«حوزة»، و«وادي سلوان»، و«العصلي بوكرش»، وغيرها. ويشكل موقع «العصلي بوكرش» أبرزها، فهو على بعد 40 كلم غرب مدينة «السمارة»، ويختزن نقوشا صخرية تعود لفترة ما قبل التاريخ، ويتكون من شريط صخري يعرض لوحات صخرية منقوشة لمجموعة من الحيوانات كـ: النعام، والزرافة، والفيل، والغزال، وغيرها، بالإضافة إلى مجموعة من المقابر الجماعية المسماة «تومول» يصل عددها إلى خمسة مقابر كلها مبنية بالأحجار.
ـ زاوية الشيخ ماء العينين: : تم بناؤها من قبل الشيخ ماء العينين بدعم من السلطان مولاي عبد العزيز خلال الفترة الممتدة بين سنتي 1898 و1904م.
ـ كريزيم أو قصر التازي: تقع بقايا هذه البناية شمال شرق المدينة على بعد حوالي 10 كيلومترات، وتمثل بقايا بناية استقر بها الشيخ ماء العينين حتى حدود 1259هـ ولم يبق منها إلا جناح مكون من غرفة منية بالحجارة المنجورة والطين.
ـ المسجد العتيق: يقع هذا المسجد وسط بنايات الحي الذي شيدته السلطات الاستعمارية الإسبانية، ويشكل نموذجا متناسقا محكم التصميم تتجسد فيه عدة مهارات وتقنيات معمارية، كما أنه خضع منذ سنة 1994م لعمليات توسعة وترميم.
وتبقى السمات السياحية الطاغية على هذا الإقليم هو خصائصه الجغرافية والمناخية، وخاصة التضاريسية كـ: «الحمادات»، و«الطبيلة»، و«واد الساقية الحمراء»، و«كلتة زمور»، و«أمكالة»، و«تفاريتي»، و«أشجار الطلح»، وغير ذلك من المؤهلات السياحية التي توحي بسياحة واعدة في مجال الاستكشاف والمغامرة والتحدي
(
9) .