تكنة

 

تعد «تكنة» اتحادية قبلية صحراوية، تتوطن وادي نون وباني الغربية، وتمثل مساند السفح الجنوبي الغربي للأطلس الصغير الحدود الشمالية، بينما يشكل المحيط الأطلسي الحد الطبيعي الشمالي، ووادي تامانارت ومعدر سلام الحد الشرقي ( 1) .
أما عن أصول قبائل تكنة فجل المؤرخين وصفهم بالحلف ولم يعرج أحد على رفعها لنسب واحد، ومن بين أولئك المؤرخين الباحث مصطفى نعيم في كتابه «الصحراء من خلال قبائل تكنة». ويقال إن بعضهم من عرب المعقل، وإليه ذهب المختار السوسي في المعسول، وعنه أخذ محمد الغربي فرفع نسب «آيت الجمل» إلى معقل، كما أن المختار السوسي رفع نسب الصنهاجيين منهم إلى الأصل الجزولي ليرقى نسبهم عن طريق أولئك إلى بني هلال بقوله: «إن قبائل تكنا من عرب بني هلال، تتابعت رحلاتها من توات إلى وادي نون» ( 2) . وحصر الغربي عدد قبائلهم في اثنتي عشرة قبيلة، بعضهم يدخل معهم في أحلاف وليس بينه معهم نسب معروف. في حين رجح الدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين نسبتهم جميعا إلى المعقل معتمد في ذلك على عدة مبررات منها: اندماجهم في عادات وأعراف أولئك القوم، ومنها توطن قبائل المعقل قديما في تلك المنطقة، ثم انقطاع اتصال التاريخ لعدة قرون. ومع ذلك فنحن ملزمون من حيث التوثيق بالاستناد إلى ما قاله المؤرخون في الموضوع، فالسوسي يروي في بعض مقولاته عنهم أنهم جزوليون توطنوا وادي نون قبل الفتح الإسلامي، وهؤلاء هم «أيت عثمان»، بينما أيت الجمل يرتفع نسبهم إلى عرب المعقل قدموا على الصحراء مع مطلع القرن 13م. ومهما يكن من أمر فإن تداخل مختلف انتماءاتهم التي يتكونون منها أعطى نسيجا اجتماعيا استحدث أنماطا من الاندماجية ذابت فيها السلالات المختلفة» ( 3) .
هذه الروايات ترجح أن سكان تكنة خليط من الأجناس الصنهاجية والمعقلية والمغفرية، لأن تتابع الحروب القبلية يسبب إقصاء بعض القلائل من مكانها، واندماج قبائل فيما بينها، وطمس بعضها نسبته إلى غير أصله خشية ما تجره الغلبة في بعض الأحيان، وهذه التبريرات تؤكد عدم إمكانية إطلاق أصل سلالي واحد على مجموعة قبائل تكنة، فهي فصائل ارتضت الانضواء تحت هذا الاسم ضمانا للمصالح المشتركة، وحماية للمكاسب ( 4) .
وبخصوص استقرارهم في مضاربهم الحالية فالمحقق أن قبائل تكنة استمر زحفها من سوس إلى الصحراء خلال حقب ممتدة، وعلى فترات طويلة خضعت للمد والجزر، فإذا سلموا من المواجهة فيما بينهم، أو تركتهم الاعتداءات الخارجية كانوا يزحفون إلى الجنوب المغربي ( 5) . حتى استوطنوا وادي نون جنوب الأطلس الصغير.
وبسبب انتشارهم على امتداد مساحة مهمة تشكل ممرات حيوية تربط بين شمال إفريقيا وجنوب غربها، وعلى امتداد سواحل تفوق خمسمائة كلم تمتد من فم أساكا حتى بوجدور على ساحل المحيط الأطلسي، وتمتد شرقا إلى الطرق التي تخترق وادي درعة من المنطقة المعروفة بأقا ( 6) . كل ذلك أهلهم لوضع اجتماعي ممتاز جعل من تلك القبائل جسرا رابطا تعبره رحلتا الجنوب والشمال للقبائل الصنهاجية، مما جعل محطة وادي نون كأول مراكز الحضارة للقادم من الجنوب، تجذبه وسائل الاستقرار مدة تخلصا من وعثاء السفر، وآخر محطة للمتوجه إلى الجنوب يمكث بها فترة تمكنه من اتخاذ العدة لقطع مجاهل الصحراء التي ينوي الهجوم عليها، إن التقاء هذه الجماعات في مكان وادي نون أهله لدور اجتماعي عظيم وقديم، ساهمت من خلاله تكنة أرضا وساكنة في الموروث الحضاري الكبير لهذه البلاد، فبسبب قوافلهم التجارية لتنبكتو وولاتة وغيرها من بلاد الغرب الإفريقي حصل لكثير من أبناء تكنة شرف حمل الدعوة الإسلامية؛ بنشرها في كثير من الأقطار، وبحمل كتبها إلى من هداهم الله للدخول فيها ( 7) .
كما سعى كل تجمع تكني تمسكا بالسلوك الإسلامي، ونبذ للانحرافات التي يسهل تفشيها في الأماكن النائية؛ تشجيع العلماء والصالحين على تأسيس الزوايا بين ظهرانيهم، وملتزمين بحدود فتواهم، وممثلين توجيهاتهم الدينية، ومطبقين أحكامهم، ومرجحين ما رجحوا، ومضعفين ما ضعفوا. وفي هذا المجتمع التكني تأصلت أعراف جمعتهم استخلصوا منها قواعد سلوكية آية في النظام والدقة، فهم ميالون إلى المساواة والمشورة والعمل برأي الأكابر، إذ سنوا نظام «أيت أربعين»، وهو مجلس يضم أربعين رجلا من الأكابر والأغنياء، والشجعان والرؤساء، ينظر في جميع ما يهم الفرق التي يتكون منها، وعادة يكون في تكنة مجلسان من هذا التنظيم: جماعة «أيت بلة»، وجماعة «أيت الجمل»، ويلجأ لهذا المجلس حسب الغالب أيام الحروب الأهلية، إذ تنتقل الكلمة من شيخ القبيلة إلى مجموعة شيوخ القبائل المتحالفة مع قبيلته ( 8) .
ويشمل هذا الحلف من قبائل «أيت الجمل» القبائل التالية: «الزرقيون»، و«أيت الحسن»، و«أيت موسى وعلي»، و«يكوت»، و«أولاد بوعيطة»، و«أيت الخمس» من «أيت باعمران»، و«مجاط» التي ترجع إلى قبيلة مجاط الكبيرة المعروفة في سوس، و«لميار»، و«الفويكات»، وتارة «أبناء دليم» في بعض الحالات وتخليهم عنه في فترات أخرى، و«أولاد تيدرارين»، و«العروسيون»، بينما يضم حلف «أيت بلة» قبائل: «أيت أوسى»، و«الزوافيط»، و«أيت إبراهيم»، و«أيت حماد»، و«أيت ياسين»، و«اصبويا» من «أيت باعمران»، و«أيت عثمان»، و«أيت بوهو»، و«أيت براييم» ( 9) .
فهذه القبائل تجمعها قواسم مشتركة تندرج في صلابة مقاتليها وشجاعتهم، والوفاء بالعهد، وقد تميزوا من خلال نشاطهم الوطني بكثرة انتمائهم لجيش المملكة عبر التاريخ ( 10) . كل ذلك مكنهم من القيام بعمليات مواجهة متكررة صدوا من خلالها مختلف التسللات الأجنبية التي حاولوا غير ما مرة كبْتَ جماح أطماع أصحابها، تضاف إلى ذلك علاقة بالسلطة المركزية ظلت متنامية ( 11) . فهم بذلك يجسدون البنية الوظيفية التي تتحكم في المقاييس الحربية، والسياسية، والاقتصادية للساقية الحمراء ووادي نون وباني الغربية ( 12) .
أما بالنسبة للخصائص العامة لتكنة فتتميز بعادات خاصة، وممارسات للحياة متميزة عن أخلاق وعادات الملثمين الذين عاشوا جنوبهم، وعن بقية القبائل البربرية المحيطة بهم، مما يثير الملاحظة بإمكانية نعتهم بقومية خاصة داخل جسم هذه الأمة التي يعد تنوع عادات أبنائها واختلاف أساليب حضارة أقاليمها دليلا من دلائل ضخامة رصيدها الحضاري ( 13) .
وخلاصة القول إن تاريخ قبائل تكنة غني بالبطولات، زاخر بالأمجاد، فهي من أكثر قبائل مختلف أنحاء المملكة تشبتا بالتبعية المطلقة والدائمة لسلطة الدولة في العاصمة التي استقرت فيها سواء في فاس، أو مراكش، أو مكناس ( 14) . وظل ملوك المغرب يعتبرونهم من أخلص رعاياهم.


         



 ( 1) مصطفى ناعمي، (مادة تكنة)، معلمة المغرب، نشر دار الأمان، الرباط، الطبعة الأولى 1435هـ/2014م، ملحق (ج3)، (26/2511).

 ( 2) المعسول (24/393).

 ( 3) كتاب قبائل الصحراء المغربية أصولها ـ جهادها ـ ثقافتها، لحمداتي شبيهنا ماء العينين، المطبعة الملكية، الرباط، 1419هـ/1998م، (ص76ـ77).

 ( 4) كتاب قبائل الصحراء المغربية (ص93).

 ( 5) نفسه (ص87).

 ( 6) نفسه (ص92).

 ( 7) نفسه (ص99).

 ( 8) نفسه (ص87ـ88).

 ( 9) المعسول (24/393)، و كتاب قبائل الصحراء المغربية (ص88ـ89).

 ( 10) نفسه (ص65).

 ( 11) نفسه (ص92).

 ( 12) مصطفى ناعمي، (مادة تكنة)، معلمة المغرب، ملحق (ج3)، (26/2512).

 ( 13) نفسه (ص75).

 ( 14) نفسه (ص66)، (ص91ـ92).