أولاد دليم

 

تعتبر قبيلة «أولاد دليم» من كبرى القبائل العربية المنتشرة جنوب المغرب وفي موريتانيا ( 1) . وقد اختلف المؤرخون في نسبها، فمن يقول بانتمائها إلى دليم المنحدر من حسان جد المجموعات الحسانية، التي قدمت إلى شمال إفريقيا في عهد الدولة الفاطمية ضمن ما يعرف بتغريبة بني هلال ( 2) . وذلك ما أشار إليه أقدم مصدر محلي «الحسوة البيسانية في الأنساب الحسانية» لصالح بن عبد الوهاب الناصري حيث يقول: «... وأما أولاد دليم ابن حسان بن محمد بن معقل» ( 3) . ومن يقول بانتمائها إلى جعفر بن أبي طالب كما هو الحال عند الناصري في كتابه «طلعة المشتري في النسب الجعفري»، وهو ما رجحه الدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين بقوله: «بنو دليم من الجعفريين الذين يرفع نسبهم بتواتر روايات مؤرخيهم الشفهية إلى جعفر بن أبي طالب، ولهذا الانتساب شهوده من نمط حياة أبناء دليم» ( 4) .
في حين نسبها ابن خلدون في كتابه «العبر» إلى عرب اليمن، وتحديداً إلى معقل من بني الحارث بن كعب ( 5) .
أما أصل تسمية دليم فيرجعها الشيخ سيدي المختار الكنتي (ت1811م) إلى أن «...دليم بن حسان إنما فضلهم بنو أدي لأن أم بني أدي هلالية، وأما أم دليم فامرأة كانت تخدم أدي فتزوجها سرا، وكانت قصيرة دميمة فسموها دليما لقصرها، فلما ولدت ابنها قصيرا على هينتها وشكلها قالوا: دليما أولدت دليما، فكبر ينكره والده اتقاء ما يغير خاطر زوجته الهلالية، فلما شب الولد وظهرت شجاعته ونجدته، فارتحلوا يوما وبقيت في متاخمهم وبنوها ومعهم دليم، فبينما هي تصلح هودجها إذ العدو وقد هجموا عليهم، ففر عنها بنوها وقاتلهم دليم حتى استخلصها منهم، وقتل منهم رجالا، فلما نزل الحي وجعلوا يتغذون أرادت أن تقدم عليه بنيها وتؤخره، كما كانت تفعل، فقال لها: والله لا يتقدم علي أحد منهم بعد اليوم وقد فروا عنك واستخلصتك» ( 6) .
وقال المختار السوسي: «أولاد دليم ـ هكذا يجري اللفظ على الألسنة ـ مع أن المشهور في التاريخ من قديم ديلم بتقديم الياء على اللام» ( 7) .
كما يؤكد ذلك عبد العزيز بنعبد الله بقوله: «وأصل دليم ديلم» ( 8) .
فقبيلة «أولاد دليم» من أبرز القبائل التي يعترف لها بالأصل العربي الصرف ( 9) . فهم عرب أقحاح نقلوا إلى الصحراء لغة الضاد، وشيم النجدة، والشجاعة، والكرم، وتأصل الخصال الحميدة في مختلف جذوعهم، وعدم استكانتهم لأية قوة عبر التاريخ، وتصديهم للغزاة في كل زمان ومكان، وهم كعرب الجزيرة ينتجعون الكلأ، ويربون الإبل، ويتنقلون في أنحاء الصحراء للتجارة، ويتبارزون في الفروسية وروح الإيثار والسخاء ( 10) .
لذلك شكلت هذه القبيلة أبرز المكونات التي حافظت على ارتباطها بأسلوب حسان في العيش باحتراف الغزو، والإقبال على حمل السلاح، واعتباره مصدرا للجاه والتفاخر ( 11) . والاحتفاء بالعصبية، وازدراء الأنشطة الإنتاجية والثقافية، والاكتفاء بالرعي خاصة بفعل قلة الأنشطة الفلاحية، وتقتصر استفادتها من التجارة على المغارم التي تفرضها على القوافل العابرة للصحراء ( 12) .
أما بخصوص مجال القبيلة فتقطن في صحراء سوس، ثم نقل بعضها إلى «حوز مراكش» في أيام السعديين، ثم صار جميع تلك القبائل المنقولة المسماة القبائل السوسية ثم الحوزية ( 13) .
وخلال القرنين 17 و18 وصل «أولاد دليم» إلى مناطق «وادي الذهب» والسواحل الأطلسية «للرأس الأبيض» و«جزيرة تيدرة» «أكادير دومة»، وأشار إلى ذلك عبد العزيز بنعبد الله بقوله: «يقطنون الساحل الجنوبي وخاصة الداخلة بوادي الذهب» ( 14) . حيث تحيط بعاصمته فيلا سيسنيروس، ينتجعون مناطقه ويتوغلون في الفيافي في الجنوب الكبلة» ( 15) .
ولم ينحصر انتشار «أولاد دليم» بـ«وادي الذهب» فقط بل انتقلت منهم فرق نحو «حوز مراكش» إبان قيام دولة السعديين ضمن قبائل «أهل سوس» و«أولاد مطاع» و«أولاد أبي السباع» و«درعة»؛ إذ نجد دواوير منهم اليوم شمال غرب مدينة «مراكش» جوار «الرحامنة» و«احمر»، و«زمران»، كما نجد منهم مجموعات بمنطقة الغرب جوار مدينة «سيدي قاسم»، وقد اندمجوا ضمن قبيلة «الشراردة»، و«زيرارة»، و«تكنة»، ناهيك عن فرق أخرى بكل من «توات» و«موريتانيا» ( 16) .
وينقسم «أبناء دليم» إلى قسمين كبيرين، هما: «أولاد سنان» ومضارب أحيائهم في الجانب الشرقي من بلاد «شنقيط»، وبطونهم هي: «أولاد المولاة»، و«أولاد الدرعي ابن سنان».
أما الطائفة الثانية «دليم الساحل»، وهم: «أولاد معرف»، وقسمهم إلى : «أولاد الشويخ»، و«أولاد الرميثية». فمن «أولاد الشويخ»: «أولاد اللب»، و«أولاد سدوم»، ثم «الوعران» المندمجون في «الديكات» من «أبناء الرميثية»، ثم «أولاد سالم» وبعض أسرهم ما زال مقيما في «توات» و«وادي درعة»، والبعض منهم يقيم بالحوض الجانب الشرقي من بلاد «شنقيط»، ومنهم «الكرع» المستقرون بين «وادي الذهب» و«نواذيبو».
أما «أولاد الرميثية» فهم:
«الديكات» ومنهم: «أهل الشيعة بن منصور»، و«أهل علي بن بكار»، و«أهل الخطاط»، و«أهل أحمد بن براهيم»، و«أهل الفراح».
و«السراحنة» ومنهم: «أهل حيه»، و«أهل بيداها»، و«المحاميد»، و«أهل عمار ولد مبارك»، و«أهل الوالي».
و«أولاد بعمر» منهم: «أهل الشيخ مبريهي»، و«أهل الفقير سويد»، و«السواعيد»، و«أهل الفقير بريك»، و«العمامرية»، و«المحاميد»، وغيرهم.
و«أولاد تكدى» فمنهم: «أولاد إبراهيم»، و«أهل علي بن سويد»، و«الزبيرات» (أهل أزبير)، و«أهل علي ولد بابا»، و«أولاد إبراهيم»، و«أهل عثمان بن حم» ومنهم «أهل براي».
و«أولاد الخليكة» ومنهم: «الشكاكفة»، و«أهل عمر ولد بركة»، و«أهل محمد بن السيد»، و«السكاتيم»، و«الشباهين» ( 17) . كما تنتسب للقبيلة بطون وأعراش شتى في «المغرب»، و«الجزائر»، و«موريتانيا» و«ليبيا» و«العراق»، و«الأردن»، و«مالي».
ويعد «أبناء دليم» من المجموعات المحاربة في الصحراء، فسجلهم غني بالمواقف التاريخية التي شرفت أسلافهم، ويعتز بها خلفهم في كل فترة. فلقد خاضوا حربا جهادية ضد المد الاستعماري ألجموا فيها المتسللين بشواظ من نار أسلحتهم، كما برهنوا من خلالها للعالم أنهم جناح المغرب الذي لا يكسر، وجيش ملك البلاد الذي لا يقهر، يصدق فيهم المثل القائل: «يقلون عند الطمع ويكثرون عند الفزع» ( 18) . وحسبنا هنا مهاجمتهم لأكواخ بناها الإسبان بـ«شبه جزيرة وادي الذهب» «الداخلة» سنة 1885م، وهجومات 1887م، وفي شهر شتنبر من سنة 1890م، وفي مارس من سنة 1892م، وفي نونبر من سنة 1894م، كما هاجموا المجموعات التي تعاملت مع الاستعمار الفرنسي بـ«بلاد شنقيط»، و«جنوب غرب الجزائر»، وفي «صحراء مالي» ( 19) .
واشتدت مقاومة «أولاد دليم» للاستعمار بعد أن بدأ يتدخل عسكريا في موريتانيا وجنوب المغرب، حيث نجد رجال القبيلة ينظمون «غزيان» لوقف زحف القوات الفرنسية نحو شمال موريتانيا، فهاجموا العساكر الفرنسية في «تكانت»، و«أكجوجت»، و«نواذيبو»، كما ناصروا الشيخ ماء العينين وأبناءه حسن، والوالي، والطالب أخيار، والهيبة في مواجهة الاحتلال، خاصة بعد زحف الضابط كورو بفيالقه على منطقة «آدرار التمر» سنة 1909م، الشيء الذي ضيق الخناق على القبائل الصحراوية، ولم يعد أمامها سوى المواجهة الحربية مع الغزو الدخيل.
هكذا كان «أولاد دليم» في المواجهة، لكونهم القبيلة المتاخمة لشمال «موريتانيا»، ولذلك شاركوا في مختلف المعارك الجهادية التي واجه فيها سكان الصحراء قوات الاحتلال سواء الفرنسية منها أو الإسبانية، وظهرت زعامات جهادية ضمن هذه القبيلة بصمت تاريخ المقاومة بالجنوب المغربي، مثل: سيدي ولد الشيخ ولد لعروسي، وإبراهيم السالم ولد ميشان، وأحمد بابا ولد اعلي سالم، وأحمد بابا ولد احمد زين، وسعيد بن أحمد لعلي، وعبد الفتاح ولد العالم، وأحمد ولد ميشان، والسيد ولد بوسيفن، ومحمد ولد باهي، وغيرهم كثير. كما استخدم رجالاتها في الحكومة بين الجيش وبين الأعوان، فيتكون منهم قواد وباشوات حملوا ظهائر علوية تزكيهم على مجدهم المتوارث، وتحملهم مسؤولية تسيير شؤون قبيلتهم ( 20) .
وبقيت هذه القبيلة في معارك الجهاد سواء في «وادي الذهب» أو في «زمور» و«الساقية الحمراء»، وكذلك كانت من القبائل المشاركة في حملة الشيخ أحمد الهيبة بـ«سيدي بوعثمان» سنة 1912م، إلى أن تغلبت جحافل الاستعمار على المقاومة المسلحة سنة 1934م. ثم نجدها في حركة جيش التحرير سنة 1957م، وفي سنة 1958م في معارك: «أوسرد» ( 21) . و«لكلات»، و«لعساريات»، و«العركوب» ( 22) . و«أطوارف»، و«تكل»، وغيرها. وفي سنة 1981م انتزعت مدينة «الداخلة» بشجاعتها وحنكتها، وأعادتها إلى الوطن الأب.
بالإضافة إلى ذلك فقد ساهم أعيانها في تجديد البيعة للملك محمد الخامس ـ رحمه الله ـ سنة 1956م ( 23) . كما كانوا سباقين للبيعة التي قدموها للعرش العلوي المجيد أيام الملك الراحل الحسن الثاني ـ رحمه الله ـ.

         

 

 



 ( 1) محمد دحمان، (مادة أولاد دليم)، معلمة المغرب، من إنتاج الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، نشر دار الأمان، الرباط، الطبعة الأولى 1435هـ/2014م، ملحق (ج3)، (26/278).

 ( 2) محمد دحمان، (مادة أولاد دليم)، معلمة المغرب، من إنتاج الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، نشر دار الأمان، الرباط، الطبعة الأولى 1435هـ/2014م، ملحق (ج3)، (26/278).

 ( 3) مخطوط، وانظر محمد دحمان، (مادة أولاد دليم)، معلمة المغرب، ملحق (ج3)، (26/278).

 ( 4) قبائل الصحراء المغربية أصولها ـ جهادها ـ ثقافتها، لحمداتي شبيهنا ماء العينين، المطبعة الملكية، الرباط، 1419هـ/1998م، (ص115).

 ( 5) كتاب العبر ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، لابن خلدون، تحقيق خالد شحادة، دار الفكر، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية 1408هـ/1988م، (6/59).

 ( 6) محمد دحمان، (مادة أولاد دليم)، معلمة المغرب، ملحق (ج3)، (26/278).

 ( 7) المعسول، للمختار السوسي (18/130).

 ( 8) الموسوعة المغربية للأعلام البشرية والحضارية معلمة الصحراء، لعبد العزيز بنعبد الله، ملحق 1 (ص48)، والموسوعة المغربية للأعلام البشرية والحضارية معلمة المدن والقبائل، لعبد العزيز بنعبد الله، ملحق 2 (ص65ـ66).

 ( 9) الساقية الحمراء ووادي الذهب، لمحمد الغربي، دار الكتاب، الدار البيضاء، (1/126ـ127).

 ( 10) الموسوعة المغربية للأعلام البشرية والحضارية معلمة الصحراء ملحق 1 (ص48)، والموسوعة المغربية للأعلام البشرية والحضارية معلمة المدن والقبائل ملحق 2 (ص65ـ66)، وقبائل الصحراء المغربية (ص116).

 ( 11) الساقية الحمراء ووادي الذهب (1/126ـ127).

 ( 12) دراسة في التاريخ الاجتماعي للصحراء الأطلسية ما بين القرنين 17 و20 (ص78).

 ( 13) المعسول (18/130)، و الموسوعة المغربية للأعلام البشرية والحضارية معلمة المدن والقبائل ملحق 2 (ص66).

 ( 14) المعسول (18/130)، و الموسوعة المغربية للأعلام البشرية والحضارية معلمة المدن والقبائل ملحق 2 (ص66).

 ( 15) الساقية الحمراء ووادي الذهب (1/126ـ127).

 ( 16) نفسه (26/278ـ279).

 ( 17) قبائل الصحراء المغربية (ص116ـ117)، وراجع أيضا: محمد دحمان، (مادة أولاد دليم)، معلمة المغرب، ملحق (ج3)، (26/278ـ279).

 ( 18) قبائل الصحراء المغربية (ص116ـ117).

 ( 19) نفسه (26/279).

 ( 20) قبائل الصحراء المغربية (ص124).

 ( 21) معركة وقعت في شهر شتنبر من سنة 1957م، عندما هاجمت قوات جيش التحرير التابعة للمقاطعة الثامنة مركز قوات العدو الإسباني بقرية أوسرد التي تقع جنوب مدينة الداخلة، فانضم إلى هذه القوات المهاجمة جميع الجنود الموجودين بهذا المركز وعددهم 48 جنديا بأسلحتهم، كما استولت على جميع الذخائر الموجودة به، واستشهد في صفوفهم ثلاثة شهداء، وجرح ستة عشر بجروح خفيفة. ماء العينين النعمة علي، (مادة العركوب)، معلمة المغرب، ملحق (ج3)، (26/17).

 ( 22) معركة وقعت في شهر يوليوز من سنة 1957م عندما هاجمت قوات جيش التحرير التابعة للمقاطعة الثامنة الجيش الإسباني في قرية العركوب بمنطقة وادي الذهب وكبدته خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، حيث قتلوا منه أربعة عشر جنديا وجرحوا ستا وثلاثين وغنموا أسلحة متنوعة. واستشهد في صفوفهم ثلاثة شهداء وجرح ستة عشر بجروح خفيفة. ماء العينين النعمة علي، (مادة العركوب)، معلمة المغرب، ملحق (ج4)، (27/454).

 ( 23) محمد دحمان، (مادة أولاد دليم)، معلمة المغرب، ملحق (ج3)، (26/279).