أولاد أبي السباع
تعد قبيلة «أولاد أبي السباع» من القبائل العظيمة محتدا واحتراما، تنسبها المصادر التاريخية
(
1) .
إلى الولي الصالح عامر الهامل، المكنى بـ«أبي السباع» المتوفى سنة 924هـ، ودفين خلوة «أضاد امدن» بقبيلة «آيت اصواب» شرق مدينة «تزنيت»
(
2) .
فقد استقر «أولاد أبي السباع» أول الأمر في سوس، ويؤكد ذلك وجود مزار الجد الجامع بقلب هذه المنطقة، وكذلك أضرحة أبنائه: اعمر، وعمران، ومحمد النومر المدفونين ببلدة «لكصابي»، فكانت بلاد سوس هي القاعدة الخلفية؛ إذ منها انطلقوا نحو الصحراء، ونحو الحوز المراكشي، والأطلس الكبير الغربي
(
3) .
وأول السباعيين الذين نزحوا نحو «الساقية الحمراء» وبقية الصحراء أحفاد أبي السباع عامر الهامل، الذين استشهدوا ضد الغزو البرتغالي للسواحل الصحراوية بـ«الساقية الحمراء»، حيث يوجد مزارهم بجوار ضريح الشيخ سيدي أحمد العروسي (ت1002هـ/1594م)، على الضفة اليسرى لـ«وادي الساقية الحمراء» شمال غرب مدينة «السمارة»، بالجماعة القروية لـ«سيدي أحمد العروسي»، وهم: محمد البكار بن الحاج بن اعمر بن عامر الهامل أبي السباع، وأبناؤه الأربعة: محمد المختار، وعيسى، وإبراهيم بوعنكة، ومحمد المعروف باكللش، وابني عمهما عبد المولى، والعباس
(
4) .
أما بالنسبة لاستقرارهم بـ«حوز مراكش» فيظهر أن بدايتهم كانت على يد فقهاء وأرباب مدارس علمية وأولياء، وأول هؤلاء هو مؤسس زاوية «أستيف» الشيخ سيدي
الحسن بن محمد السوسي السباعي، ومن أجل بث مبادئ التصوف العملي، والبحث عن مجال حيوي لقبيلة ظاعنة صارت تشكل مجموعة اجتماعية وازنة قامت بأدوار هامة في الربط بين الشمال المغربي «الحوز المراكشي وسهول الغرب» والصحراء وإفريقيا جنوب الصحراء
(
5) .
كما عرفت هذه القبيلة حركة علمية وأدبية خاصة خلال القرن 18 و19م وبداية القرن العشرين، تمثلت في المساجد، والزوايا الدينية، والمعاهد والمدارس العلمية العتيقة، والعلماء الأفذاذ في كل من سوس، والحوز، وفي هذا الصدد يقول العلامة المؤرخ محمد المختار السوسي: «ولئن اشتهروا بنو أبي السباع بالقواد الكبار في عصورهم الأخيرة، فقد اشتهروا في هذا العصر وقبله بعلماء فطاحل وصالحين لهم ظلال وريفة. وكفاهم شرفا سيدي المختار ياقوتتهم، وحفيده سيدي الجيلالي الحافظ الكبير. ثم تتابعت حلقات علمائهم في القرن الثالث عشر، وفي صدر هذا القرن في الحوز، وفي سوس، فممن كانوا في سوس العلامة سيدي محمد الضوء السباعي»
(
6) .
ثم قال: «وأما الذين في الحوز، فقد بنوا مدارس كثيرة في قبيلتهم حتى لا تسمع إلا المدارس السباعية المتكاثرة التي تحمل مشاعل العلوم في الحوز ،فتمد كل ما في جوارها من القبائل. فكانت مدرسة الساعدات، ومدرسة بوعنفير، ومدرسة بني عبد المولى، ومدرسة سيدي الضوء المومني، من بعض هذه المدارس التي بثت من العلم والإرشاد ما بثت مما لا يزال إلى الآن ذكره غضا طريا على كل لسان...»
(
7) .
وفي نفس السياق يقول الفقيه السيد عبد الله بن عبد المعطي السباعي ما نصه: «ومما يدل على شرفهم ـ يقصد السباعيين ـ ووضوح فضلهم، أنك لا تجد في قبائل المغرب من يضاهيهم في التنافس في تحصيل العلم، ودرسه، وقراءته، فإن لهم مدارس عامرة بالذكر، وقراءة القرآن، ودرس فنون العلم، والتنقيب عنه، والتحقيق، وتقصدها التلاميذ الغرباء من كل فج عميق، والفقيه الذي بنى تلك المدرسة وشغل أوقاته بالدرس فيها يقوم بمؤونة التلاميذ ومعاشهم، وما يحتاجون إليه من كد يده، وتكسبه في باديته،
إلى انقضاء عمره، رغبة في بث العلم والهداية، إلى أن يبلغ المتعلمون النهاية، ثم يقوم أولاده بذلك من بعده، وهذا هو ديدنهم، والذي عليه فطرتهم، عهود من الآباء توارثها الأبناء»
(
8) .
وقد ساعد النسب الشريف وتعلم العلم على نجاح أولاد أبي السباع في التجارة العابرة للصحراء، حيث شكلوا ما أسماه الشيخ سعد بوه بـ«قنطرة البقاع» ما بين السودان الغربي والمغرب الأقصى. وكانت بضاعتهم تتكون من: الكتب، والورق، وريش النعام، والزرابي، وأواني الشاي والسكر، وقاموا بأدوار طلائعية في التجارة الصحراوية، خاصة خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حيث نجد تجارا منهم في كل من: «الداخلة»، و«كلميم»، و«إلغ»، و«شنقيط»، و«أطار»، و«تشيت»، و«كاوة»، و«نيورو« في «مالي»، وفي «اللوكة»، و«سان لوي» بـ«السينغال»، لذلك كانوا من أول القبائل التي تعاملت مع التجار الأجانب، كما كانوا من أول من أدخل السلاح الناري إلى الصحراء، آنذاك سيبسط «أولاد أبي السباع» هيمنتهم على «الساقية الحمراء»، و«وادي الذهب»، و«زمور»، ولن تتراجع تلك الهيمنة إلا سنة 1910م حيث تحالفت بطون «الركيبات» ضدهم، ولذلك نزح العدد من «أولاد أبي السباع» من المنطقة إما نحو «موريتانيا» و«السنغال» أو نحو داخل المغرب
(
9) .
وإبان مقاومة الاستعمار شارك العديد من المجاهدين من هذه القبيلة في حركة المقاومة في معارك: «أم التونسي»، و«شرواط»، و«نواذيبو»، و«غزي يشعت»، و«غزي وادان»، و«غزي تكانت». كما ساهموا في التوعية بخطر الاستعمار، وفي نقل أخبار الحركة الوطنية من داخل المغرب بفعل مراسهم التجاري وتنقلاتهم الدائمة.
وعلى المستوى الاجتماعي ربطوا علاقات تحالف وتواد مع العديد من القبائل ذات الثقل المحلي مثل: «تكنة»، و«الركيبات»، و«أولاد دليم»، و«إيد يشل»، كما دخلوا في مواجهات مع قبائل أخرى بفعل المنافسة التجارية والتوسع المجالي؛ إثر تنامي قطعان الماشية التي كانوا يملكونها، وهيمنتهم على أهم الأسواق بـ«آدرار التمر»، و«إينشيري»،
و«الساقية الحمراء»، و«تيرس»، وفي ثغر «الداخلة»، حيث كانوا من أول القبائل التي أبرمت اتفاقيات تجارية مع التجار الكناريين الإسبان، وذلك عند مقدم الضابط الإسباني بونللي Bonelli إلى شبه جزيرة الداخلة، حيث تلاقى مع شخصيات سباعية كان على رأسها أحميدة السباعي، وعبد العزيز ولد المامي السباعي، اللذين وقعا الاتفاقية التجارية التي بموجبها يجلب السباعيين الصوف، والمواشي، والفحم، والخشب من الداخل نحو «الداخلة» لينقل إلى «جزر الكناري»، وبالمقابل يزود الإسبان «أولاد أبي السباع» بالسكر، والشاي، والأثواب، والبنادق
(
10) .
كما حاول أولاد أبي السباع ممارسة زراعة الحبوب بمناطق «الساقية الحمراء» و«إيمريكلي» و«نكجير»، ونتج عن ذلك خلافهم مع «أولاد تيدرارين» حول حيازة أرض «إيمريكلي» بإقليم «بوجدور»، الشيء الذي قادهم إلى القضاء، حيث أفتى الطالب ولد اطوير الجنة بأحقية «أولاد أبي السباع» في حيازة تلك المنطقة الزراعية، فقاموا ببناء بعض الدور هناك وجوار «حاسي أريدال، خاصة عائلة «أهل امبيريك»، وفي «قصبة الدورة» شمال «واد الساقية الحمراء» التي شيدتها قبيلة «الزرقيين» خلال القرن التاسع عشر كان القائد مولاي أحمد ولد الشيكر يتملك دارا ومارس التجارة عبر الصحراء قبل أن يذهب إلى «حوز مراكش» حيث عينه السلطان قائدا على «أولاد أبي السباع» بمنطقة «بوجمادة» بالحوز
(
11) .
إن شمائل السباعيين أكثر من أن تحصى في فقرات كهاته، فإذا ذكر العلم فهم حفاظه وأساتذته، وإذا ذكر الجهاد فهم أبطاله، وإذا ذكر الشعر فهم رواته ومنشؤوه، وإذا ذكر الاقتصاد فهم مديروه وتجاره، ففيهم كرم النفوس، وبذل الأموال، وإباء الضيم، والتمسك بكل قيم الإسلام، هذا كله وفر لهم مكانة يهابها الأعداء، ويعتز بها الأصدقاء
(
12) .
( 1) انظر: تأليف في أهل النسب النبوي رضي الله عنهم» مخطوط، للشيخ عبد العظيم الزموري، مخطوط بالخزانة الحسنية بالرباط، قسم الوثائق تحت رقم: 1512 د، ومختصر البيان في نسب آل عدنان، لأحمد بن محمد بن جزي، مخطوط بالخزانة الحسنية تحت رقم: 1093 د، والإبداع والإتباع في تزكية شرف أبناء أبي السباع، لشقر مولاي أحمد السباعي، مطبعة الجنوب، الدار البيضاء، 1994م، (ص55)، والمعسول، للمختار السوسي، (19/354)، والدفاع وقطع النزاع عن نسب الشرفاء أبناء أبي السباع، لعبد الله بن عبد المعطي الحسني الإدريسي السباعي، صححه محمد المؤقت المراكشي، المطبعة الاقتصادية بالرباط 1359هـ/1940م، (ص20)،(ص41ـ42)، و دينامية القبيلة الصحراوية في المغارب بين الترحال والإقامة دراسة سوسيوـ أنثروبولوجية حول أولاد أبي السباع، لمحمد دحمان، طوب بريس، الرباط، الطبعة الأولى يوليوز 2012م، (ص25ـ26)، وكتاب قبائل الصحراء المغربية أصولها ـ جهادها ـ ثقافتها، لحمداتي شبيهنا ماء العينين، المطبعة الملكية، الرباط، 1419هـ/1998م، (ص159).