أهل ماء العينين
تنتمي قبيلة «أهل ماء العينين» إلى مؤسسها محمد المصطفى الملقب بـ«الشيخ ماء العينين» ابن الشيخ محمد فاضل بن مامين بن الطالب أخيار المتوفى سنة 1328هـ.
وتعتبر من أكثر القبائل الصحراوية عراقة في النسب، فهم قبيل يتكون من خليط من جميع السلالات، إلا أن من خرج من عقب الشيخ ماء العينين الذي تحمل القبيلة اسمه هم شرفاء أدارسة حسب سلسلة نسبهم الشريف التي تواتر عليها المؤرخون والنسابون، ودونت نظما ونثرا على صفحات الكتب، وفي عقود شجرتهم المنتشرة عند كثير من أبنائهم
(
1) .
وفي سنة 1275هـ بعد أداء الشيخ ماء العينين فريضة الحج رجع إلى السلطان المنعم مولاي عبد الرحمن فأحسن وفادته، وأرسله إلى ولي عهده خليفته على مراكش سيدي محمد فطلب منه المكوث عنده.
ومن هذه السنة استحكمت وشائج الإخلاص والمحبة بينه وبين ملك البلاد، فأخلص الشيخ ماء العينين للعرش، وأنعم عليه السلطان غاية الإنعام، فصادفت الثقة أهلها، وأسندت المسؤولية لمن أحسن القيام بها. من هذا المنطلق تكونت قبيلة «أهل ماء العينين» في الساقية الحمراء بالسمارة، فهي تجمع نشأ من أجل حفظ الحدود، ونشر العلم، وتأسيس أولى نواة للحضارة في منطقة نائية تشكل نقطة وصل بين الجنوب والشمال، ويكفيها أنها تكونت استجابة لطموحات شيخها الشيخ ماء العينين
(
2) .
ولم يكن تعمير الشيخ ماء العينين لهذه المنطقة عملا إقليميا يعبر عن رغبة فردية انعزالية تنطلق من تأسيس تجمع حضاري يخضع لنفوذه الروحي والزمني كما يشير إلى ذلك بعض الدارسين الأجانب
(
3) .
ولكنه عمل وحدوي ينطلق من روح وحدوية، ويصب في مشروع وطني متكامل. فقد كان بناء مدينة السمارة مشروعا معينيا سلطانيا، يستجيب لضرورة تاريخية تفرضها ظروف المنطقة الصحراوية، وتستوجبها آفاق العمل
الدفاعية المشتركة بين السلطة المركزية وخلفائها بهذه المنطقة. ولذلك جند السلطان مولاي عبد العزيز كامل إمكانياته للتعجيل ببنائها، فوضع مجموعة من البنائين والمهندسين رهن إشارة الشيخ ماء العينين، واستنفر عددا من السفن التي كانت تحمل مواد البناء من الموانئ الشمالية إلى طرفاية لتنقل على ظهر الجمال إلى وادي السمارة
(
4) .
وبعد استكمال بناء هذه المدينة، صارت قلب المنطقة النابض، وكعبتها المقدسة، وسوق عكاظها السياسي والثقافي والاجتماعي، تعقد بها المعاهدات، وتتم فيها اللقاءات وتذوب في منتدياتها ومجامعها الخلافات والمنازعات
(
5) .
فخلال مدة عشرين سنة من استقرار الشيخ ماء العينين في الصحراء بلغ عدد من معه عشرة آلاف نسمة، مكثوا محيطين به في تلك البلدة ثلاثين سنة، يدافعون عن مقدسات هذا البلد، حتى ضيق عليهم المستعمر الخناق، فرحلوا كلهم إلى تزنيت، ثم حملوا راية الذب عن حوزة الوطن بقيادة أبناء الشيخ ماء العينين الذين كونهم تكوينا خاصا، فقاد الجهاد من بعده ابنه الشيخ أحمد الهيبة، ثم أخوه الشيخ مربيه ربه لمدة عشرين سنة منه بعده، ثم إن أفراد هذه القبيلة قادوا مع إخوانهم أبناء الصحراء جميع المعارك التي قام بها المجاهدون لصد المستعمر، وحفظ استقلال المملكة المغربية الشريفة
(
6) .
ولما تحكمت قوة الاستعمار في جميع التراب المغربي تفرقت قبيلة «أهل ماء العينين» في جميع أنحاء المغرب؛ فمنهم من استوطن «بني ملا»، وهم «أهل الشيخ سيدي علي بن الشيخ محمد فاضل»، ثم «أهل الشيخ حسنا» بـ«طاطا»، بينما استوطن «أهل الشيخ الجيه» «بويزكارن»، ومجموعة في «إفني» برئاسة العالم الجليل والمؤلف الكبير الشيخ محمد الإمام، بينما استقرت مجموعة أخرى في «الداخلة» مع المجاهد العظيم العالم الشيخ الولي وأخيه العالم الصالح الشيخ الطالب بوبكر، في حين انتقلت مجموعة أخرى إلى «موريتانيا» فسكنتها تحت قيادة الولي العالم .....، كما أقامت مجموعة في «طانطان» مع الولي العالم
الصالح الشيخ عبداتي بن الشيخ ماء العينين، والكل ظل متشبثا بوحدة وطنه المغرب، مخلصا لبيعة الآباء والأجداد وللعرش العلوي المجيد
(
7) .
هذا بعد أن ظلت فيالق كثيرة من هذا القبيل وغيره مع العالمين الجليلين الشيخ أحمد الهيبة والشيخ مربيه ربه بسوس لجهاد النصارى، وما زال أبناء الجنوب يتذكرون المعارك البطولية التي خاضها العالم الجليل الشيخ مامين بن الشيخ سيداتي بن الشيخ ماء العينين خلال العشرينات من القرن العشرين، وبهذا ندرك مدى العدد الكثير الذي ينتمي لهذه القبيلة التي انتشرت في جميع الأقاليم المغربية، إلى أن من الله برجوع الصحراء على يد أمير المؤمنين الملك الحسن الثاني، عندها رجعت جميع فصائل «أهل ماء العينين» إلى الصحراء كبقية إخوانها أبناء الصحراء الذين عادوا إلى ديارهم بعد خروج الاستعمار منها، وهم اليوم مستقرون بها يبنون مستقبل وطنهم صحبة إخوانهم جميع أبناء الصحراء المغربية
(
8) .
أما عن أوصافهم العامة التي عرفوا بها فقد تميزوا بتعلم العلوم وتحصيلها وتدريسها وتأليفها وامتهانها، كما أوقفوا أنفسهم على الجهاد في سبيل الله متشبثين بالمذهب المالكي والعقيدة الأشعرية، وأصبح بعض مشايخهم اليوم يجاهرون بتمسكهم بالطريقة القادرية، وإن كان الشيخ ماء العينين نسب إلى والده الشيخ محمد فاضل عدم التقيد بأية طريقة معينة.بل أثبت في ملفاته أن والده لم يلقنه طيلة حياته وقراءته عليه وردا نسبه إلى طريقة خاصة، كما ذكر أنه لم يسمع أو يشاهد ما يجعله يجزم بأنه يفضل طريقة من طرق أهل الله على أخرى حتى يكون ذلك قال الشيخ ماء العينين ترجيحا لها على غيرها يمكنني أن أقلده فيه
(
9) .
هذه المعلومات العامة التي توضح لنا البعد البشري لـ«أهل ماء العينين»، علما بأن الروح الدينية والرباط الجهادي الذي نشأوا فيه يصرف نظرهم عن التمسك بفكرة القبلية الضيقة، فبعدهم الديني والحضاري ينصهر في الوطن بدون تلك النزعة العصبية،
وهم كغيرهم من أبناء الصحراء يجسدون شهادة حية على استمرار الوحدة الترابية المغربية من طنجة إلى الكويرة
(
10) .
وتزخر الخزانة المغربية بوثائق مهمة تؤكد العلاقة التعاونية بين «أهل ماء العينين» والملوك العلويين، نقتصر في عرضها على خمس وثائق رسمية منها:
أولا:ظهير حسني يرتب بمقتضاه السلطان مولاي الحسن الأول أجرة شهرية للشيخ ماء العينين بتاريخ 5 شعبان 1303هـ/29 أبريل 1887م.




