مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك

نظرات في خصائص المذهب المالكي بالمغرب

 
د. أحمد عبادي: “الأنزيمات الفكرية” لأهل المغرب أعفتهم من السقوط في “الفُصام الاجتماعي”

إعداد مركز دراس بن إسماعيل

 بمناسبة افتتاح فضيلة الأستاذ أشغاله العلمية، نظم مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك، بالرابطة المحمدية للعلماء، بمدينة فاس محاضرة تحت عنوان: “نظرات في خصائص المذهب المالكي بالمغرب”، ألقاها الدكتور أحمد عبادي، الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، زوال يوم أمس، الثلاثاء 4 جمادى الثانية 1431 هـ، الموافق لـ18 ماي 2010، بمقر المركز، بفاس، في لقاء علمي مبارك تميّز بحضور نخبوي وجماهيري غفير.

وبداية، أكد الدكتور عبد الله معصر، رئيس المركز، أن المغرب حقّق بفضل إمارة المؤمنين أمنا روحيا واستقرارا اجتماعيا لم تزده الأيام عروته إلا التحاما، مضيفا أن هذه المؤسسة كان لها الفضل في ترسيخ الثوابت والخصوصية الدينية للمغرب، والمؤسسة على التمسك بالمذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والسلوك السني.

كما توقف المتدخل عند أهم الأهداف الكبرى التي تسعى الرابطة المحمدية للعلماء لتحقيقها من خلال تأسيس أحدث مراكزها العلمية، ولخّصها في عدة نقاط، منها، تيسير وتقريب مضامين المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والسلوك السني، وصياغة الإنتاج المتعلق به صياغة تناسب الزمن والأشخاص والبيئات؛ تفعيل ما يتعلق بالمفاهيم المذهبية والعقدية والسلوكية في المنظومة التربوية؛  تقويم ما يتعلق بالتراث المتعلق بالمذهب والعقيدة والسلوك؛ تقريب ثقافة المذهب والعقيدة والسلوك إلى عموم المجتمع؛ وأخيرا، الإسهام في نشر تدين سليم على مستوى المذهب والعقيدة والسلوك، وتجسير الهوة بين المواطن وهويته الدينية.

أما الدكتور أحمد عبادي، فقد استهل محاضرته بالتوقف عند فلسفة النشيد الشهير الذي استُقبِل به الرسول صلى الله عليه وسلم، بين أهل المدينة المنورة، (نشيد “طلع البدر علينا”)، مُلاحظا أنه يُترجم عطش أهل المدينة للإيمان ولتلقي هذا الفضل، حتى إن هذا العطش الإيماني أسّس لهذا الدين في النفوس والوجدانات والعقل وعلى أرض الواقع، بما يفسر تحول اسم هذه الأرض المباركة من طيبة ويثرب نحو المدينة بالألف واللام.

كانت هذه المقدمة ضرورية حتى يستحضر الحضور الكريم بعض وأهم المعالم التي نشأ فيها الإمام مالك، رضي الله عنه، والمؤسس في مذهبه الشهير لمنظومة “عمل أهل المدينة”، والذي اشتهر بتأليفه تحفة “الموطأ” في الفقه والحديث، وهو الإمام الذي كان لا يقبل إلا الأحاديث التي صحّت عنده، وعلا سندها، والذي كان شرطه غاية في الدقة.

وتوقف الدكتور أحمد عبادي فيما بعد عند لائحة من السمات الأساسية التي جعلت هذا المذهب يَلْقَى قبولا في المغرب، أهمها أن هذه الأرض المباركة كانت آنذاك تسمى بأرض “المغرب الأقصى”، بحيث كانت أغلب الفتن مثلا، التي تندلع في المشرق، لم تكن تطأ هذه الأرض إلا بعد تمحصيها وخفوتها في آن، كما أن أهل هذه الأرض، كانوا يؤمنون بأن العمل وَجَبَ أن يكون مرتبطا بثمراته، مما جعلهم في غاية الانتقائية في التعامل مع المذهبيات الوافدة، بما يُفسّر مثلا أن قبول أمازيغ هذه الأرض، للدين الإسلامي، لم يكن كرها أو قسْرا، وإنما تبنّوه عن طواعية وبرضى نفس، دونما أي خضوع للمركزيات الأموية والعباسية، مقابل قبول احتضان المولى إدريس الأكبر.

وعرّج الدكتور عبادي فيما بعد على أهم الخصائص المميزة للمذهب المالكي، زيادة طبعا على أصوله المعروفة والمتداولة، من قبيل التأسيس للاجتهاد بداية على الكتاب (القرآن الكريم) والسنة والإجماع والقياس، والمصالح المرسلة،واعتبار المآلات، وعمل أهل المدينة… وتُعتبر الوسطية، أولى هذه الخصائص، على اعتبار أننا إزاء مذهب وسطي يراعي جملة من الثوابت والأصول، ومن ضمنها العُرف، ولذلك لوحظ أن المجتمعات التي تبنت المذهب في المغرب والمشرق، تمكنت من تنزيل الدين الإسلامي بالشكل الذي يتوافق مع الأعراف المحلية ويجعلها تتفاعل مع قيمه ومبادئه.
من السمات الأخرى أيضا، نجد الواقعية، من منطلق أن المذهب الذي نشأ في المدينة المنورة، باعتبارها “الوحدة القياسية الاجتماعية”، كان فقها واقعيا ويأخذ من الوقائع المشخصة، وليس من النظريات المُجرَّدة، وحتى في حال الأخذ من هذه الأخيرة، فإنه يأخذ منها فقط ما يكون مستجيبا للوقائع المشخصة؛وتوجد القصدية ضمن أهم خصائص المذهب، بحيث يكون الإفتاء مُؤسَّسا على شرط تحصيل المصلحة بالدرجة الأولى؛ وهناك أيضا خاصة المرونة، من خلال طبيعة تناول المذهب للقضايا والنوازل، وقد تكون مباحث “المصالح المُرسلة” توجز بامتياز المُراد بالمرونة؛

وينضاف إلى هذه الخصائص، خاصية التيسير، ولعل ما تحفل به مدوناتنا الفقهية من قواعد عدة (من قبيل قاعدة “لا ضرر ولا ضرار” مثلا)، جعلت أئمة المذهب المالكي يضعون نصب أعينهم هذه الخصيصة؛ وهناك أيضا خصيصة المقاصدية، من خلال ربط الأمور بمقاصدها، ومعلوم أن هذه الأمور عند أئمة المالكية لم تكن مفصولة عن المآلات، بدليل أنهم بحثوا ودققوا في أصل “اعتبار المآل”، حتى يُصبح الفقيه مطالبا بالرحيل في الزمان لكي يستحضر مقاصد القول الشرعي؛

وأخيرا، هناك خاصية الفاعلية، وتنبني في واقع الأمر، يضيف الدكتور أحمد عبادي، على كل الخصائص سالفة الذكر، أي الوسطية والواقعية والقصدية والتيسير والمقاصدية، وكان نموذج التحكيم الملكي، لأمير المؤمنين، جلالة الملك محمد السادس نصره الله في موضوع “مدونة الأسرة” في غضون نهاية العام 2004، نموذجا تطبيقيا توقف عنده مليّا الدكتور أحمد عبادي، من باب إبراز المقصود بالحديث عن فاعلية المذهب المالكي في التعامل مع هذه النوازل، ملاحظا باقتدار في هذا الصدد، أن ما وصفه بـ”الأنزيمات الفكرية” التي توفرت لأهل هذا البلد، أعفتهم من السقوط في حالة من “الفُصام الاجتماعي” التي يمكن أن تصيب مجتمعات أخرى لا تتوفر فيها خصائص دينية وروحية اختص بها المغرب في ظل إمارة المؤمنين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق