مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقدية

ندوة علمية في موضوع: “فاعلية العقيدة الأشعرية في تحقيق السلم النفسي والاجتماعي”

موضوع فاعلية العقيدة
الأشعرية في تحقيق السلم النفسي والاجتماعي، كان محور الندوة العلمية
التي أسهم الباحثون بمركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية
التابع للرابطة المحمدية للعلماء بتطوان في بسط معالمها بشراكة مع
المجلس العلمي المحلي بمدينة شفشاون، متغيين الوقوف على ما امتازت به
العقيدة الأشعرية التي ارتضاها المغاربة في اعتقادهم بما تتسم به من
وسطية واعتدال ودعوة إلى التسامح بين المسلمين بمختلف طوائفهم ونبذ
العنف والتطرف أو محاكمة الناس على ما تعتقده قلوبهم وتلهج به ألسنتهم؛
بل يكفيهم في ذلك إيمانهم التصديقي بما جاء به رب العزة من إسلامهم
القائم على النطق بالشهادتان وإقام شعائر الدين وإيمانهم بما كلفوا به
من أركان.. جامعهم في ذلك قول إمام المذهب أننا لا نكفر أحدا من أهل
القبلة، هذا إلى جانب الفقه المالكي الذي اختاره المغاربة كذلك وهو
الفقه المتصل بما توافق عليه عمل أهل المدينة، ثم التصوف السني المرتبط
بمنهج الإمام الجنيد، وأخيرا الفقه السياسي الذي يرتكز  على
إمارة المؤمنين، تحقيقا لمعاني السلم والأمن وحفاظا على الثابت الديني
للأمة المغربية. الندوة احتضنها فضاء مركب محمد السادس للثقافة
والفنون  بمدينة شفشاون يوم الخميس 21 فبراير 2019، بحضور
أعضاء المجلس العلمي ومنسقي الخلايا بالمجلس وبعض المدعوين وجمهور غفير
من المتتبعين.
بعد الاستماع إلى آيات
بينات من الذكر الحكيم رحبت الدكتورة إحسان النقوطي (إطار بالمجلس
العلمي المحلي لمدينة شفشاون) بالمشاركين في هذه الندوة مقدمة شكرها
الكبير لمركز أبي الحسن الأشعري في شخص رئيسه الدكتور جمال علال البختي
وفريق العمل به للإسهام في تأثيث هذه الندوة بمداخلاتهم العلمية في سبيل
بسط المعالم الرئيسية للعقيدة الأشعرية أمام جمهور الحاضرين من مختلف
الفئات بالتعاون مع المجلس العلمي المحلي لمدينة شفشاون، والذي ما فتئ
ينظم بين الفينة والأخرى مجالس للتثقيف والتوجيه حفاظا على الشأن الديني
بهذا الجزء من وطننا المغرب، ولهذا كانت المداخلة الأولى لرئيس المجلس
الأستاذ محمد بن تحايكت منصبة على ما اعتبره بيانا لحقيقة التدين
المغربي وترسيخا لمفهومه في أذهان الناس والتي تجمع بين الجانب العقدي
والجانب الفقهي والسلوكي والسياسي، حيث ركز في بداية كلمته أن المغاربة
ينتمون ومنذ عهود خلت إلى مذهب أهل السنة والجماعة، واتخاذهم للعقيدة
الأشعرية معتقدا كان لاعتبارها منهجا وسطا في استنباط العقائد الإيمانية
من الكتاب والسنة، فهم يؤمنون بما وصف الله به نفسه وأخبر به رسوله عليه
السلام، وينفون عنه ما نفاه بنفسه عنه وما أخبر به رسوله كذلك، وفق ما
وضعه إمام المذهب الشيخ أبو الحسن الأشعري(ت.324هـ)، مضيفا أنه وعلى
الرغم من كون المغرب قد عرف توافد عدد من الفرق الكلامية المختلفة
المناهج من معتزلة وخوارج وشيعة، إلا أنه ارتضى أكثرها توافقا؛ والقائمة
أساسا على رفض كل قول يكفر المسلم بذنب ارتكبه تحقيقا لما ورد في القرآن
الكريم في قوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك
لمن يشاء). مشيرا إلى أن المغاربة أجمعوا على العمل في العقائد
الإيمانية بالمذهب الأشعري وفي التدين بفقه الإمام مالك(ت.179هـ) وفي
السلوك بمذهب الإمام الجنيد الصوفي(ت.297هـ)، وارتبطوا في الجانب
السياسي بإمارة المؤمنين لحماية هذه الثوابت وصيانتها، وهو ما دعى إلى
تنظيم هذه الندوة العلمية بسطا لهذه الثوابت، معربا في ختام كلمته عزم
المجلس على الاستمرار في عقد ندوات أخرى تفهيما ووصلا لهم بمضامين هذه
الثوابت الدينية.
في المداخلة الثانية
تفضل رئيس مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية بتطوان
الدكتور جمال علال البختي بكلمة أثنى في بدايتها على المجلس العلمي
المحلي بشفشاون دعوته لإقامة هذه الندوة مساهمة منه في بسط أحد الثوابت
الدينية للمغاربة والمتعلقة بمفاهيم العقيدة الأشعرية لعموم المتتبعين،
مبتدئا حديثه بالتعريف بالأمن كما ورد في القرآن الكريم باعتباره من
الحاجات الأساسيّة للنفس، وبمفهومه العام الذي هو الاطمئنان الذي ينتج
عن الثقة وأمن الإنسان من الفقر والحرمان والخوف والعنف. وبالتالي كان
الأمن نعمة عظيمة، بل كاد أن يكون من أعظم النعم لأن مقتضاه: الأمن
النفسي والطمأنينة والسكينة التي يستشعرها الإنسان، والشعور بالأمن غاية
في الأهمية، ومن ثم فقد جعله الله عز وجل نعمة جليلة، يتفضل بها على بعض
خلقه، وجعل فقد هذا الأمن نقمة ينتقم الله بها من بعض خلقه العاصين أو
الكافرين. ولهذا فإن الأمن العقدي الذي هو التصديق بالله تعالى وبأركان
العقيدة الإسلامية، وبما جاء به الرسل من الإيمان بهم جميعا، وبكتب الله
المنزلة والملائكة واليوم الآخر والقدر خيره وشره، فيحدث في النفس الأمن
والطمأنينة، بما يحدثه فيها من تصور كامل للدنيا والآخرة.
وقد تميزت
المذهبية الأشعرية بعدة مميزات وخصوصيات تدفع معظمها في اتجاه تحقيق هذا
البعد التوازني الأمني للعقيدة وأركانها؛ ويمكن إجمال هذه المميزات
والخصائص فيما يلي: الغيبية والشمولية والنسقية والتوسط والاعتدال
والواقعية والتسامح، وبالتالي تتظافر هذه الخصائص من أجل ضمان مبدأ
التسامح العقدي في المذهبية الأشعرية ونبذ التكفير، ومن ثم قرَّر جمهور
الأشاعرة (دون النظر إلى استثناءات حاصلة لا شك) عدم تكفير المسلمين
المجتمعين على قبلة واحدة، اللهم إلا من أنكر مجمَعا عليه، معلوما من
الدين بالضرورة؛ لأن التكفير حق لله – تعالى-، لا يُطلَق
إلاَّ على من يستحقه شرعا، وهو ما جعل أبا الحسن الأشعري يقرر في أواخر
أيامه كما روى ذلك البيهقي حين قال: «عن أبي علي السرخسي قال:
“لما قرُب حضور أجل أبي الحسن الأشعري -رحمه الله- في داري ببغداد،
دعاني فأتَيْتُه، فقال: “اِشْهَدْ علىَّ أَني لا أكفِّرُ أحداً من أهل
هذه القبلة؛ لأن الكل يشيرون إلى معبودٍ واحدٍ، وإنما هذا كلُّه اختلافُ
العبارات”». وعلى هذه القناعة التنظيرية لم يَحِدْ الأشعريُّ
في اجتهاداته المكتوبة عن هذا الخط الانفتاحي والعقلاني؛ لتنزُّهِه عن
تكفيرِ مرتكب الكبيرة (كما فعل الخوارج)، أو سحبِ صفة الإيمان عنه (كما
فعل المعتزلة الذين تركوه في منزلة بين منزلتين)، بل رفض أن يُخْرِجه من
ربقة الإيمان.. وبهذا حفظت الأشعرية اختيارها في تحقيق البعد الأمني
التسامحي للمجتمع المسلم.
من جانب آخر ركزت
المداخلة الثالثة التي تفضلت بإلقائها الدكتورة إكرام بولعيش على
العلاقة بين العقيدة والسلوك عند النشء؛ حيث بينت أن مبدأ الصلاح
والإصلاح من النفس لتغيير الأحوال والسلوك، وانطلاقا منه أسست لمشروع
العناية بالنشء تحقيقا للسلم الأسري على ضرورة البحث عن العناصر المظلمة
المدسوسة في  النفوس، والبحث عن العناصر المشرقة التي تسمو
بالنفوس إلى المعالي لإحيائها وبعثها من جديد، وبعثها إنما هو تمثلها في
النفوس فعلا تغييريا  يتجلى في نمط سلوكي إيجابي موحد في
المجتمع الإسلامي. وعليه أوجبت الباحثة التركيز أولا على ما هو نفسي
وروحي عند النشء لدفعه نحو تمثل قيم الإسلام الفضلى؛ إذ المطلوب هو
انغراس قيمة كبرى في القلب وهي الإيمان تنبثق عنها الطاقة الفعالة لكل
هذه قيم، ابتداء من امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه، مرورا باتباع
أحكام الشريعة جملة وتفصيلا، وانتهاء بحب الخير للغير، ودفع الأذى عنه
وبذل السلام للبشرية بأكملها. والإيمان  الباعث على تمثل القيم
الإسلامية الفاضلة سلوكا، ينبثق من المعرفة الصحيحة بالله عز وجل:
صفاته، أسمائه وأفعاله. كما لا يجب أن يقف الإيمان عند مستوى
الاعتقاد الباطني الذي لا يمنع عن رذيلة ولا يبعث على إحسان، بل يجب أن
يستثمر، وأفضل استثمار للوازع الديني هو الرقابة الذاتية التي تعني
محاسبة النفس بدافع الإيمان بالله واستشعار عظمته ورأفته ورحمته، ومخافة
جبروته، وإدراك أنه سبحانه مطلع رقيب على السر والنجوى، وهذا هو الموجه
نحو حسن أداء العمل الصالح  الذي يشمل في مفهومه الواسع كل
مكارم الأخلاق، سواء ارتبطت بتهذيب النفس أو بشحذ العقل وإطلاق طاقته
بما يحقق التكامل المنشود من قبيل: الصدق، والإخلاص، والعدل، والوفاء،
وتقدير أمانة الاستخلاف، وحب الخير للناس، والتكافل الاجتماعي… ثم
ذكرت الباحثة بضرورة تحقق القيم المذكورة في الآباء والمربين والمؤهلين
حتى يقوموا بدورهم المحوري  في توجيه الوازع الذاتي للنشء
وتعهده بالرعاية والمتابعة النفسية الأخلاقية.
في حين اهتمت المداخلة
الرابعة التي ألقاها الباحث بالمركز منتصر الخطيب نيابة عن زميله الباحث
أمين السقال في التأصيل لمفهوم الموافاة في العقيدة الأشعرية، مبتدئا
بحثه ببسط معاني السلم وضرورته في المجتمعات الإنسانية، ذلك أن السلم
مقصد مقاصد هذا الدين، فإذا كانت غاية الدين هي حفظ الضروريات الخمس من
النفس والعقل والمال والعرض والدين، فلا يمكن أن تكون النفس محفوظة إلا
بالسلم، ولا يمكن للعقل أن يكون محفوظا إلا بالسلم، وبالتالي لا يمكن
لهذه الضروريات كلها أن تكون محفوظة إلا بالسلم. وبما أن آفة التكفير
باعتبارها ظاهرة تاريخية مرتبطة بالإنسان في كل زمان ومكان باعتبارها
منغصّا من منغصات السلم، فقد استنهضت عقول علمائنا لمواجهتها بالتفكير
العلمي، فتأملوا أسبابها، وشخصوا عللها، وساهموا بطرح حلول لتفاديها
واستئصالها، لذلك تحتم البحث في تراث هؤلاء العلماء لاستخراج ما قدموه.
وقد اجتهد المتدخل مفتشا ومنقبا في التراث العقدي الأشعري، باحثا عن
إمكانية فهم نزوع المتدين إلى التكفير، وقد ذكر أنه وقف على فكرة
اعتبرها محورية في فهم هذا النوع من أنواع العنف الرمزي المتعلق بهذا
النزوع؛ وهي فكرة  مدى قدرة العقل الإنساني على الإحاطة بإيمان
الناس ومعتقداتهم، فإذا كان الإيمان حقيقة باطنية ومعقدة ومتشابكة، فكيف
أمكن للناس أن يحكموا بكفر الآخر وخروجه من الدين؟ من هنا كانت مشكلة
البحث متمثلة في مفهوم الإيمان بين علم الله وعلم الإنســان. ومن ثم
أضحى البحث في مفهوم “الموافاة” متضمنا لمعرفة أسباب التكفير بوصفها
جهلا بمصائر الناس وتوهما لامتلاك حقيقتهم، انطلاقا مما ورد في القرآن
الكريم عن أصول كلمة موافاة ومعانيها اللغوية وفق المعهود من لسان
العرب، ولهذا خلص الباحث بعد النظر في التراث الكلامي للأشاعرة إلى أن
المشكلة تنطلق من بداية فكرة التكفير رأسا، أي حين يتجرأ المسلم ويكفّر،
والتكفير هنا لا يتعلق فحسب بتكفير أخيه المسلم، بل بأخيه الإنسان
رأساً، فلب المشكل هو مدى علم الإنسان بما يمكن أن يوافي به العبد ربه،
خوفا مما سيسفر عنه هذا الأمر من نعرات دينية أو حروب طائفية لها آثارها
الوخيمة على المجتمع في تماسكه واستقراره. وقد دعا الباحث في ختام
المداخلة إلى ضرورة إعادة النظر في الحكم على المرتد بالقتل بإرجاء أمره
إلى الله مع تطريق القول بجواز توبة الله عليه، وكذا هجر حكم لعن الكافر
المعين في زماننا لما يمكن أن يسفر عنه من نعرات دينية أو حروب طائفية،
وغير ذلك من مثل هذه الاجتهادات تحقيقا لمفهوم الموافاة كما استنبطها من
التراث الفكري الأشعري.
وفي ختام هذه الندوة
فتح باب المناقشة لطرح مجموعة من الأسئلة من طرف جمهور المتتبعين، تفضل
الأساتذة المحاضرون بالإجابة عنها ركزت بالخصوص على مسألة ضرورة بسط بعض
مضامين العقيدة الأشعرية بما يتوافق وعقول الناشئة وجمهور الناس، وكذا
الوقوف على تلمس الطرق الناجعة في توجيه تربية النشء على الإيمان، في ظل
ما أصبحت تعاني منه المجتمعات المسلمة اليوم من مشكل (الإلحاد والانتحار
في صفوف الشباب). وعلى هامش هذه الندوة عقد المجلس العلمي بشفشاون بمقره
جلسة خاصة امتدت لساعتين بين مجموعة من الطلبة الباحثين وفريق البحث
بمركز أبي الحسن الأشعري لتعميق النقاش العلمي حول القضايا العقدية التي
طُرحت خلال الندوة.

موضوع فاعلية العقيدة الأشعرية في تحقيق السلم النفسي والاجتماعي، كان محور الندوة العلمية التي أسهم الباحثون بمركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية التابع للرابطة المحمدية للعلماء بتطوان في بسط معالمها بشراكة مع المجلس العلمي المحلي بمدينة شفشاون، متغيين الوقوف على ما امتازت به العقيدة الأشعرية التي ارتضاها المغاربة في اعتقادهم بما تتسم به من وسطية واعتدال ودعوة إلى التسامح بين المسلمين بمختلف طوائفهم ونبذ العنف والتطرف أو محاكمة الناس على ما تعتقده قلوبهم وتلهج به ألسنتهم؛ بل يكفيهم في ذلك إيمانهم التصديقي بما جاء به رب العزة من إسلامهم القائم على النطق بالشهادتين وإقام شعائر الدين وإيمانهم بما كلفوا به من أركان.. جامعهم في ذلك قول إمام المذهب إننا لا نكفر أحدا من أهل القبلة، هذا إلى جانب الفقه المالكي الذي اختاره المغاربة كذلك وهو الفقه المتصل بما توافق عليه عمل أهل المدينة، ثم التصوف السني المرتبط بمنهج الإمام الجنيد، وأخيرا الفقه السياسي الذي يرتكز  على إمارة المؤمنين، تحقيقا لمعاني السلم والأمن وحفاظا على الثابت الديني للأمة المغربية. الندوة احتضنها فضاء مركب محمد السادس للثقافة والفنون  بمدينة شفشاون يوم الخميس 21 فبراير 2019، بحضور أعضاء المجلس العلمي ومنسقي الخلايا بالمجلس وبعض المدعوين وجمهور غفير من المتتبعين.

بعد الاستماع إلى آيات بينات من الذكر الحكيم رحبت الدكتورة إحسان النقوطي (إطار بالمجلس العلمي المحلي لمدينة
شفشاون) بالمشاركين في هذه الندوة مقدمة شكرها الكبير لمركز أبي الحسن الأشعري في شخص رئيسه الدكتور جمال علال البختي وفريق العمل به للإسهام في تأثيث هذه الندوة بمداخلاتهم العلمية في سبيل بسط المعالم الرئيسية
للعقيدة الأشعرية أمام جمهور الحاضرين من مختلف الفئات بالتعاون مع المجلس العلمي المحلي لمدينة شفشاون، والذي ما فتئ ينظم بين الفينة والأخرى مجالس للتثقيف والتوجيه حفاظا على الشأن الديني بهذا الجزء من وطننا المغرب، ولهذا كانت المداخلة الأولى لرئيس المجلس الأستاذ محمد بن تحايكت منصبة على ما اعتبره بيانا لحقيقة التدين المغربي وترسيخا لمفهومه في أذهان الناس والتي تجمع بين الجانب العقدي والجانب الفقهي والسلوكي والسياسي، حيث ركز في بداية كلمته أن المغاربة ينتمون ومنذ عهود خلت إلى مذهب أهل السنة والجماعة، واتخاذهم للعقيدة الأشعرية معتقدا كان لاعتبارها منهجا وسطا في استنباط العقائد الإيمانية من الكتاب والسنة، فهم يؤمنون بما وصف الله به نفسه وأخبر به رسوله عليه السلام، وينفون عنه ما نفاه بنفسه عنه وما أخبر به رسوله كذلك، وفق ما وضعه إمام المذهب الشيخ أبو الحسن الأشعري(ت.324هـ)، مضيفا أنه وعلى الرغم من كون المغرب قد عرف توافد عدد من الفرق الكلامية المختلفة المناهج من معتزلة وخوارج وشيعة، إلا أنه ارتضى أكثرها توافقا؛ والقائمة أساسا على رفض كل قول يكفر المسلم بذنب ارتكبه تحقيقا لما ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء). مشيرا إلى أن المغاربة أجمعوا على العمل في العقائد الإيمانية بالمذهب الأشعري وفي التدين بفقه الإمام مالك(ت.179هـ) وفي السلوك بمذهب الإمام الجنيد الصوفي(ت.297هـ)، وارتبطوا في الجانب السياسي بإمارة المؤمنين لحماية هذه الثوابت وصيانتها، وهو ما دعى إلى تنظيم هذه الندوة العلمية بسطا لهذه الثوابت، معربا في ختام كلمته عزم المجلس على الاستمرار في عقد ندوات أخرى تفهيما ووصلا لهم بمضامين هذه الثوابت الدينية.

في المداخلة الثانية تفضل رئيس مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية بتطوان الدكتور جمال علال
البختي بكلمة أثنى في بدايتها على المجلس العلمي المحلي بشفشاون دعوته لإقامة هذه الندوة مساهمة منه في بسط أحد الثوابت الدينية للمغاربة والمتعلقة بمفاهيم العقيدة الأشعرية لعموم المتتبعين، مبتدئا حديثه بالتعريف بالأمن كما ورد في القرآن الكريم باعتباره من الحاجات الأساسيّة للنفس، وبمفهومه العام الذي هو الاطمئنان الذي ينتج عن الثقة وأمن الإنسان من الفقر والحرمان والخوف والعنف. وبالتالي كان الأمن نعمة عظيمة، بل كاد أن يكون من أعظم النعم لأن مقتضاه: الأمن النفسي والطمأنينة والسكينة التي يستشعرها الإنسان، والشعور بالأمن غاية في الأهمية، ومن ثم فقد جعله الله عز وجل نعمة جليلة، يتفضل بها على بعض خلقه، وجعل فقد هذا الأمن نقمة ينتقم الله بها من بعض خلقه العاصين أو الكافرين. ولهذا فإن الأمن العقدي الذي هو التصديق بالله تعالى وبأركان العقيدة الإسلامية، وبما جاء به الرسل من الإيمان بهم جميعا، وبكتب الله المنزلة والملائكة واليوم الآخر والقدر خيره وشره، فيحدث في النفس الأمن
والطمأنينة، بما يحدثه فيها من تصور كامل للدنيا والآخرة.

وقد تميزت المذهبية الأشعرية بعدة مميزات وخصوصيات تدفع معظمها في اتجاه تحقيق هذا البعد التوازني الأمني للعقيدة وأركانها؛ ويمكن إجمال هذه المميزات والخصائص فيما يلي: الغيبية والشمولية والنسقية والتوسط والاعتدال والواقعية والتسامح، وبالتالي تتظافر هذه الخصائص من أجل ضمان مبدأ التسامح العقدي في المذهبية الأشعرية ونبذ التكفير، ومن ثم قرَّر جمهور الأشاعرة (دون النظر إلى استثناءات حاصلة لا شك) عدم تكفير المسلمين المجتمعين على قبلة واحدة، اللهم إلا من أنكر مجمَعا عليه، معلوما من الدين بالضرورة؛ لأن التكفير حق لله – تعالى-، لا يُطلَق إلاَّ على من يستحقه شرعا، وهو ما جعل أبا الحسن الأشعري يقرر في أواخر أيامه كما روى ذلك البيهقي حين قال: «عن أبي علي السرخسي قال: “لما قرُب حضور أجل أبي الحسن الأشعري -رحمه الله- في داري ببغداد، دعاني فأتَيْتُه، فقال: “اِشْهَدْ علىَّ أَني لا أكفِّرُ أحداً من أهل هذه القبلة؛ لأن الكل يشيرون إلى معبودٍ واحدٍ، وإنما هذا كلُّه اختلافُ العبارات”». وعلى هذه القناعة التنظيرية لم يَحِدْ الأشعريُّ في اجتهاداته المكتوبة عن هذا الخط الانفتاحي والعقلاني؛ لتنزُّهِه عن تكفيرِ مرتكب الكبيرة (كما فعل الخوارج)، أو سحبِ صفة الإيمان عنه (كما فعل المعتزلة الذين تركوه في منزلة بين منزلتين)، بل رفض أن يُخْرِجه من ربقة الإيمان.. وبهذا حفظت الأشعرية اختيارها في تحقيق البعد الأمني التسامحي للمجتمع المسلم.

من جانب آخر ركزت المداخلة الثالثة التي تفضلت بإلقائها الدكتورة إكرام بولعيش على العلاقة بين العقيدة والسلوك عند النشء؛ حيث بينت أن مبدأ الصلاح والإصلاح من النفس لتغيير الأحوال والسلوك، وانطلاقا منه أسست لمشروع العناية بالنشء تحقيقا للسلم الأسري على ضرورة البحث عن العناصر المظلمة المدسوسة في  النفوس، والبحث عن العناصر المشرقة التي تسمو بالنفوس إلى المعالي لإحيائها وبعثها من جديد، وبعثها إنما هو تمثلها في النفوس فعلا
تغييريا  يتجلى في نمط سلوكي إيجابي موحد في المجتمع الإسلامي. وعليه أوجبت الباحثة التركيز أولا على ما هو نفسي وروحي عند النشء لدفعه نحو تمثل قيم الإسلام الفضلى؛ إذ المطلوب هو انغراس قيمة كبرى في القلب وهي الإيمان تنبثق عنها الطاقة الفعالة لكل هذه قيم، ابتداء من امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه، مرورا باتباع أحكام الشريعة جملة وتفصيلا، وانتهاء بحب الخير للغير، ودفع الأذى عنه وبذل السلام للبشرية بأكملها. والإيمان  الباعث على تمثل القيم الإسلامية الفاضلة سلوكا، ينبثق من المعرفة الصحيحة بالله عز وجل: صفاته، أسمائه وأفعاله. كما لا يجب أن يقف الإيمان عند مستوى  الاعتقاد الباطني الذي لا يمنع عن رذيلة ولا يبعث على إحسان، بل يجب أن يستثمر، وأفضل استثمار للوازع الديني هو الرقابة الذاتية التي تعني محاسبة النفس بدافع الإيمان بالله واستشعار عظمته ورأفته ورحمته، ومخافة جبروته، وإدراك أنه سبحانه مطلع رقيب على السر والنجوى، وهذا هو الموجه نحو حسن أداء العمل الصالح  الذي يشمل في مفهومه الواسع كل مكارم الأخلاق، سواء ارتبطت بتهذيب النفس أو بشحذ العقل وإطلاق طاقته بما يحقق التكامل المنشود من قبيل: الصدق، والإخلاص، والعدل، والوفاء، وتقدير أمانة الاستخلاف، وحب الخير للناس، والتكافل الاجتماعي… ثم ذكرت الباحثة بضرورة تحقق القيم المذكورة في الآباء والمربين والمؤهلين حتى يقوموا بدورهم المحوري  في توجيه الوازع الذاتي للنشء وتعهده بالرعاية والمتابعة النفسية الأخلاقية.

في حين اهتمت المداخلة الرابعة التي ألقاها الباحث بالمركز منتصر الخطيب نيابة عن زميله الباحث أمين السقال في التأصيل لمفهوم الموافاة في العقيدة الأشعرية، مبتدئا بحثه ببسط معاني السلم وضرورته في المجتمعات الإنسانية، ذلك أن السلم مقصد مقاصد هذا الدين، فإذا كانت غاية الدين هي حفظ الضروريات الخمس من النفس والعقل والمال والعرض والدين، فلا يمكن أن تكون النفس محفوظة إلا بالسلم، ولا يمكن للعقل أن يكون محفوظا إلا بالسلم، وبالتالي لا يمكن لهذه الضروريات كلها أن تكون محفوظة إلا بالسلم. وبما أن آفة التكفير باعتبارها ظاهرة تاريخية مرتبطة بالإنسان في كل زمان ومكان باعتبارها منغصّا من منغصات السلم، فقد استنهضت عقول علمائنا لمواجهتها بالتفكير
العلمي، فتأملوا أسبابها، وشخصوا عللها، وساهموا بطرح حلول لتفاديها واستئصالها، لذلك تحتم البحث في تراث هؤلاء العلماء لاستخراج ما قدموه. وقد اجتهد المتدخل مفتشا ومنقبا في التراث العقدي الأشعري، باحثا عن
إمكانية فهم نزوع المتدين إلى التكفير، وقد ذكر أنه وقف على فكرة اعتبرها محورية في فهم هذا النوع من أنواع العنف الرمزي المتعلق بهذا النزوع؛ وهي فكرة  مدى قدرة العقل الإنساني على الإحاطة بإيمان الناس ومعتقداتهم، فإذا كان الإيمان حقيقة باطنية ومعقدة ومتشابكة، فكيف أمكن للناس أن يحكموا بكفر الآخر وخروجه من الدين؟ من هنا كانت مشكلة البحث متمثلة في مفهوم الإيمان بين علم الله وعلم الإنســان. ومن ثم أضحى البحث في مفهوم “الموافاة” متضمنا لمعرفة أسباب التكفير بوصفها جهلا بمصائر الناس وتوهما لامتلاك حقيقتهم، انطلاقا مما ورد في القرآن الكريم عن أصول كلمة موافاة ومعانيها اللغوية وفق المعهود من لسان العرب، ولهذا خلص الباحث بعد النظر في التراث الكلامي للأشاعرة إلى أن المشكلة تنطلق من بداية فكرة التكفير رأسا، أي حين يتجرأ المسلم ويكفّر، والتكفير هنا لا يتعلق فحسب بتكفير أخيه المسلم، بل بأخيه الإنسان رأساً، فلب المشكل هو مدى علم الإنسان بما يمكن أن يوافي به العبد ربه، خوفا مما سيسفر عنه هذا الأمر من نعرات دينية أو حروب طائفية لها آثارها الوخيمة على المجتمع في تماسكه واستقراره. وقد دعا الباحث في ختام المداخلة إلى ضرورة إعادة النظر في الحكم على المرتد بالقتل بإرجاء أمره إلى الله مع تطريق القول بجواز توبة الله عليه، وكذا هجر حكم لعن الكافر المعين في زماننا لما يمكن أن يسفر عنه من نعرات دينية أو حروب طائفية، وغير ذلك من مثل هذه الاجتهادات تحقيقا لمفهوم الموافاة كما استنبطها من التراث الفكري الأشعري.

وفي ختام هذه الندوة فتح باب المناقشة لطرح مجموعة من الأسئلة من طرف جمهور المتتبعين، تفضل الأساتذة المحاضرون بالإجابة عنها ركزت بالخصوص على مسألة ضرورة بسط بعض مضامين العقيدة الأشعرية بما يتوافق وعقول الناشئة وجمهور الناس، وكذا الوقوف على تلمس الطرق الناجعة في توجيه تربية النشء على الإيمان، في ظل ما أصبحت تعاني منه المجتمعات المسلمة اليوم من مشكل (الإلحاد والانتحار في صفوف الشباب). وعلى هامش هذه الندوة عقد المجلس العلمي بشفشاون بمقره جلسة خاصة امتدت لساعتين بين مجموعة من الطلبة الباحثين وفريق البحث بمركز أبي الحسن الأشعري لتعميق النقاش العلمي حول القضايا العقدية التي طُرحت خلال الندوة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق