الرابطة المحمدية للعلماء

من أجل بلورة تصور لإصلاح الشأن الثقافي بالمغرب

أبريل 3, 2013
 اعتنى هذا الملتقى، أول ما اعتنى، بمسألة التدبير والتنزيل الثقافي من خلال التجربة العملية لوزير الثقافة الأسبق فضيلة الدكتور محمد علال سيناصر، وهي التجربة التي بلور أبرز معالمها في كتاب بعنوان: نظرات في تدبير الشأن الثقافي بالمغرب: (1992-1995)، وهو كتاب من القطع المتوسط (220 صفحة)، صادر عن الرباط: دار أبي رقراق في طبعته الأولى سنة 2012.
وقد تم اتخاذه منطلقا لمناقشة وتدارس واقع الشأن الثقافي بالمغرب انطلاقا من منظورين؛ منظور تحليلي تقيمي لحصيلة تدبير الشأن الثقافي بالمغرب في الماضي والحاضر، ومنظور استشرافي اقتراحي لتطوير وتحديث الشأن الثقافي بالمغرب بناء على رصد مختلف الاختلالات البنيوية والتصورية التي جهد المشاركون في رصدها وتحليلها ونقدها..
وقد شرفت مجلة الإحياء باستضافة نخبة متميزة من المفكرين والباحثين المختصين والمعنيين بالشأن الثقافي بشكل وثيق. في مقدمتهم صاحب الكتاب/التجربة الدكتور محمد علال سيناصر؛ (وزير الثقافة ومستشار المغفور له الملك الحسن الثاني)، والناقد الرصين الأستاذ عبد الحميد عقار؛ (رئيس اتحاد كتاب المغرب السابق)، والأستاذ محمد مصطفى القباج؛ (مقرر أكاديمية المملكة المغربية المدير التنفيذي لمنظمة شمال- جنوب لحقوق الإنسان وحوار الثقافات، الذي أسهم في تحرير الكتاب والتقديم له)، والدكتور محمد مدلاوي، والدكتور عبد الصمد غازي؛ (مدير موقع مسارات للأبحاث والدراسات الاستشرافية والإعلامية بالرابطة المحمدية للعلماء) والأستاذة نعيمة لبداوي؛ (رئيسة تحرير مجلة الترتيل)، بالإضافة إلى الدكتور عبد السلام طويل؛ (رئيس تحرير مجلة الإحياء الذي نسق وأدار فعاليات هذا الملتقى).
تنبع أهمية موضوع هذا الملتقى من كونه يندرج ضمن المواضيع التي “تحتها عمل”؛ فتدبير الشأن الثقافي يعبر عن فعالية إنسانية حضارية لا تتحقق إلا من خلال وضع خطط، وبرامج، وسياسات، واستراتيجيات ثقافية متكاملة ومندمجة، كما لا يمكن تصورها إلا من خلال بلورة رؤى وتصورات نظرية تعتمد على أطر مرجعية ومعايير تقييمية محددة. وفي هذا السياق عمل المتدخلون على تقييم هذه التجربة والوقوف على أهم عناصر قوتها وعلى الممكنات التي تتيحها لتطوير مشهدنا الثقافي..
حيث أبرز السادة المشاركون في هذا الصدد أن مقاربة الدكتور محمد علال سيناصر تميزت بدرجة كبيرة من التكاملية. فالشأن الثقافي والفعل الثقافي بالنسبة إليه ليس شأنا قطاعيا، وإنما هو شأن مجتمعي يسري في بنية المجتمع والدولة أفقيا وعموديا.. وهو ما يفسر كيف أن الثقافة لديه ترتبط بالكلية الاجتماعية في شموليتها؛ حيث نجده يربط الثقافة بالثورة الإلكترونية والتقنيات المعلوماتية، كما يربط الثقافة بالاقتصاد والتجارة الدولية، والهجرة، والتربية والطفولة، والنشر والتوزيع، ومختلف فنون القول والإبداع، من شعر ونثر وقصة ورواية ومسرح وموسيقى؛ إذ نجده اعتنى عناية خاصة بالموسيقى الصوفية وفن السماع، والملحون، والطرب الغرناطي، كما ربط الثقافة بالهندسة المعمارية والمعالم التاريخية..
كما تميزت مقاربته بالربط الوثيق للسياسة الثقافية بالاستراتيجية التنموية العامة؛ ذلك أن الثقافة بالنسبة إليه تعد بمثابة الرحم الذي تتخلق فيه شروط النهضة وممكناتها وتتبلور فيه مقوماتها، كما أنها بمثابة الإسمنت الإجتماعي اللاحم للكلية الإجتماعية. وهو ما يستدعي بناء أية سياسة أو استراتيجية بصددها بناء على قراءة علمية موضوعية للواقع الإجتماعي الذي يراد تحديثه ثقافيا.. ومن الخصائص المميزة لمقاربة السي محمد علال السي ناصر الأهمية الخاصة التي تحتلها الرؤية في بلورة أي خطة أو سياسة أو مشروع أو استراتيجية ثقافية، وهي رؤية منفتحة على قيم الحداثة والديمقراطية والقيم الكونية في احترام عميق وأصيل للخصوصية الحضارية للمغرب والمغاربة.
وفي هذا المعنى يؤكدأن ” أن المشكلات والتحديات التي تواجه كل ثقافة وطنية في بلاد متوثبة ناهضة مثل بلدنا، وتدعو إلى معايشة السليم من التيارات الفكرية والابتكارات التكنولوجية هي مشاكل وتحديات متعاظمة، وتزيدها الاتصالات المرئية والمسموعة تأثيرا وتفاعلا. ولهذا يبدو ألا سبيل إلى مجابهة ما قد يحدث من السلبيات والآفات، إلا سبيل العمل الدؤوب والمتواصل على تزويد هذه الناشئة بثوابت الثقافة الوطنية ومرتكزاتها وروافدها، علما بأن المغرب –كما لا يخفى على أحد- تواق دائما إلى التطور الجاد، ومتفتح أمام كل جديد، طالما كان هذا الجديد غير مناقض ولا معاكس لمقوماته الحضارية الأساسية، وتقاليده المرعية اجتماعيا وخلقيا وفكريا.” (ص7)
كما أبرز كيف أن المغرب قد حافظ على تقاليده “ولم تحل تلكم المحافظة دون نهضته الحديثة التي أصبحت مضرب الأمثال. وظل الحرص على رعاية الثقافة قائما دون توان أو فتور. وفي هذا التوجه السليم التزمنا عدم وقف الثقافة على السياحة واللهو والتجارة والمتعة السهلة وما في حكمها، وبذلنا قصارى الجهد لجعل ثقافتنا لا تنفصل عن فضائل الحضارة –من آداب وعلوم وثقافة عامة وفنون وتقنيات- تلك القطاعات التي ترفع من الحياة الإنسانية وتحيي الضمير وتغذي الأفراد والجماعات.” (ص53) في تقديم الأستاذ محمد مصطفى القباج لهذا الكتاب، الذي أجمع المتدخلون على أهميته العلمية والعملية، أوضح كيف أنه يتكون من تقارير وخطب وتدخلات رسمية تم اختيارها من عدد ضخم من الوثائق، وكيف أنها تختزن على “رؤى ونظرات تكاد تشكل أرضية للإستراتيجية الثقافية المنشودة..”. كما أوضح أن ما أهله لذلك هو دخوله إلى المغرب وهو مسلح بتكوين أكاديمي متين في الفلسفة وبوجه خاص في ابستيمولوجيا الرياضيات، وبخبرة دولية في التدبير الثقافي على الصعيد الدولي؛ كرئيس لقسم الفلسفة والعلوم الإنسانية في منظمة الأمم المتحد (اليونسكو) بفرنسا. وبمعرفة تراثية متينة..
وانسجاما مع مركزية البعد الوظيفي في تصوره لتدبير الشأن الثقافي، وهو البعد الذي يجعل من الثقافة تكمل التعليم وما يعتريه من اختلال بنيوي وعضوي، فقد كان يصدر عن تصور للثقافة يقوم على التلازم بين المعرفة والتجربة..وليس غريبا أن يلاحظ المتدخلون كيف أن الأصول النظرية والعملية لمفهوم “مجتمع المعرفة” تجد جذورها لدى الأستاذ محمد علال سيناصر من نحثه لمفهوم “الدولة الثقافية”، وهي الدولة التي تمزجا مزجا رفيعا بين الثقافة والتنمية الشاملة، وتجعل من “الانفتاح والأصالة ركيزتا الاختيار المغربي”، وترفض إخضاع الثقافة والتربية للسياسة الظرفية، ولمختلف التحزبات الأيديولوجية، وتقوم بدلا من ذلك على “نهج الاستنباط الذكي والابداع المستنير..”، تعبيرا عن الذات الجماعية للأمة ومختلف تعبيراتها وتجلياتها الفردية..
ومن أهم القضايا التي تطارح حولها المشاركون:
1. التمييز بين الثقافة كفعالية نظرية وإبداعية لها صلة بمنظومة القيم والمعتقدات وأنماط العيش، وهي الفعالية التي تجد تجسيدها في شتى الأشكال التعبيرية عن الذات الفردية والجماعية، وبين التدبير الثقافي كنشاط وفعالية إدارية ذات طبيعة خاصة..
2. التشديد على أهمية أن يصدر التدبير الثقافي عن رجال يمتلكون رؤية وتصورا واضحين للمسألة الثقافية في سياق تاريخي وحضاري مخصوص..
3. التحذير من النظر إلى التدبير الثقافي كنشاط قطاعي منبث الصلة عن مختلف القطاعات الحكومية والفعاليات الاجتماعية.. ومن ثم نبهوا إلى ضرورة ربطه بالنظام التعليمي والمنظومة التعليمية بمختلف أسلاكها، وبوسائل الاتصال والتواصل، وبوجه خاص الإعلام العمومي، وكذا ربط الثقافة بمختلف مراكز البحث العلمي..
4. إبراز أهمية ربط الشأن الثقافي بمنظومة القيم الاجتماعية، وبالبعد الوظيفي الذي يجعل من الثقافة أداة ناجعة لتحديث المجتمعات وتطورها، وتماسكها واستقرارها، ووحدتها، وحفظ خصوصيتها ونظامها القيمي والمعياري في انفتاح على العالم وتفاعل إبداعي معه..
5. كما أبرزوا كيف أن التدبير الثقافي يعد، في جزء مهم منه، تدبيرا للتعددية الثقافية والتنوع الثقافي بما يعزز تماسك الجماعة الوطنية ووحدتها القائمة على الثوابت الدستورية (الملكية القائمة على إمارة المؤمنين، الإسلام السني، الاختيار الديمقراطي..)
6. كما عبروا عن وعيهم العميق بالإمكانات التي تتيحها مقتضيات الدستور الجديد لإعادة الاعتبار للشأن الثقافي من خلال المجلس الأعلى للثقافة..
7. وضع سياسة ثقافية أو استراتيجية ثقافية يقتضي من جهة أولى، العمل التشاركي والتفاعلي بين مختلف الفاعلين ممن لهم صلة بالموضوع بناءً على معايير الكفاءة والأهلية والصدقية.. كما يقتضي من جهة ثانية، اعتماد مقاربة علمية موضوعية بعيدا عن أية حسابات “سياسوية” أو أيديولوجية ضيقة..
8. إبراز الأهمية القصوى لاعتماد منطق التراكم بين مختلف التجارب المتصلة بتدبير وإصلاح الشأن الثقافي بالمغرب، بحيث يؤسس اللاحق، بشكل مسؤول، على ما بناه السابق أو شرع في إرسائه.. حتى لا تضيع الموارد والمقدرات والجهود..
9. حبذ المشاركون لو أن باقي الوزراء يحذون حذو الأستاذ محمد علال سيناصر في تدوين تجاربهم وإتاحتها لجمهور الباحثين والمعنيين؛ إشاعة للمعرفة الدقيقة بالواقع وتحقيقا لشرط التراكم كمحدد لازم لأية نهضة أو تقدم.

 اعتنى هذا الملتقى، أول ما اعتنى، بمسألة التدبير والتنزيل الثقافي من خلال التجربة العملية لوزير الثقافة الأسبق فضيلة الدكتور محمد علال سيناصر، وهي التجربة التي بلور أبرز معالمها في كتاب بعنوان: نظرات في تدبير الشأن الثقافي بالمغرب: (1992-1995)، وهو كتاب من القطع المتوسط (220 صفحة)، صادر عن الرباط: دار أبي رقراق في طبعته الأولى سنة 2012.

وقد تم اتخاذه منطلقا لمناقشة وتدارس واقع الشأن الثقافي بالمغرب انطلاقا من منظورين؛ منظور تحليلي تقيمي لحصيلة تدبير الشأن الثقافي بالمغرب في الماضي والحاضر، ومنظور استشرافي اقتراحي لتطوير وتحديث الشأن الثقافي بالمغرب بناء على رصد مختلف الاختلالات البنيوية والتصورية التي جهد المشاركون في رصدها وتحليلها ونقدها..

وقد شرفت مجلة الإحياء باستضافة نخبة متميزة من المفكرين والباحثين المختصين والمعنيين بالشأن الثقافي بشكل وثيق. في مقدمتهم صاحب الكتاب/التجربة الدكتور محمد علال سيناصر؛ (وزير الثقافة ومستشار المغفور له الملك الحسن الثاني)، والناقد الرصين الأستاذ عبد الحميد عقار؛ (رئيس اتحاد كتاب المغرب السابق)، والأستاذ محمد مصطفى القباج؛ (مقرر أكاديمية المملكة المغربية المدير التنفيذي لمنظمة شمال- جنوب لحقوق الإنسان وحوار الثقافات، الذي أسهم في تحرير الكتاب والتقديم له)، والدكتور محمد مدلاوي، والدكتور عبد الصمد غازي؛ (مدير موقع مسارات للأبحاث والدراسات الاستشرافية والإعلامية بالرابطة المحمدية للعلماء) والأستاذة نعيمة لبداوي؛ (رئيسة تحرير مجلة الترتيل)، بالإضافة إلى الدكتور عبد السلام طويل؛ (رئيس تحرير مجلة الإحياء الذي نسق وأدار فعاليات هذا الملتقى).

تنبع أهمية موضوع هذا الملتقى من كونه يندرج ضمن المواضيع التي “تحتها عمل”؛ فتدبير الشأن الثقافي يعبر عن فعالية إنسانية حضارية لا تتحقق إلا من خلال وضع خطط، وبرامج، وسياسات، واستراتيجيات ثقافية متكاملة ومندمجة، كما لا يمكن تصورها إلا من خلال بلورة رؤى وتصورات نظرية تعتمد على أطر مرجعية ومعايير تقييمية محددة. وفي هذا السياق عمل المتدخلون على تقييم هذه التجربة والوقوف على أهم عناصر قوتها وعلى الممكنات التي تتيحها لتطوير مشهدنا الثقافي..

حيث أبرز السادة المشاركون في هذا الصدد أن مقاربة الدكتور محمد علال سيناصر تميزت بدرجة كبيرة من التكاملية. فالشأن الثقافي والفعل الثقافي بالنسبة إليه ليس شأنا قطاعيا، وإنما هو شأن مجتمعي يسري في بنية المجتمع والدولة أفقيا وعموديا.. وهو ما يفسر كيف أن الثقافة لديه ترتبط بالكلية الاجتماعية في شموليتها؛ حيث نجده يربط الثقافة بالثورة الإلكترونية والتقنيات المعلوماتية، كما يربط الثقافة بالاقتصاد والتجارة الدولية، والهجرة، والتربية والطفولة، والنشر والتوزيع، ومختلف فنون القول والإبداع، من شعر ونثر وقصة ورواية ومسرح وموسيقى؛ إذ نجده اعتنى عناية خاصة بالموسيقى الصوفية وفن السماع، والملحون، والطرب الغرناطي، كما ربط الثقافة بالهندسة المعمارية والمعالم التاريخية..

كما تميزت مقاربته بالربط الوثيق للسياسة الثقافية بالاستراتيجية التنموية العامة؛ ذلك أن الثقافة بالنسبة إليه تعد بمثابة الرحم الذي تتخلق فيه شروط النهضة وممكناتها وتتبلور فيه مقوماتها، كما أنها بمثابة الإسمنت الإجتماعي اللاحم للكلية الإجتماعية. وهو ما يستدعي بناء أية سياسة أو استراتيجية بصددها بناء على قراءة علمية موضوعية للواقع الإجتماعي الذي يراد تحديثه ثقافيا.. ومن الخصائص المميزة لمقاربة السي محمد علال السي ناصر الأهمية الخاصة التي تحتلها الرؤية في بلورة أي خطة أو سياسة أو مشروع أو استراتيجية ثقافية، وهي رؤية منفتحة على قيم الحداثة والديمقراطية والقيم الكونية في احترام عميق وأصيل للخصوصية الحضارية للمغرب والمغاربة.

وفي هذا المعنى يؤكدأن ” أن المشكلات والتحديات التي تواجه كل ثقافة وطنية في بلاد متوثبة ناهضة مثل بلدنا، وتدعو إلى معايشة السليم من التيارات الفكرية والابتكارات التكنولوجية هي مشاكل وتحديات متعاظمة، وتزيدها الاتصالات المرئية والمسموعة تأثيرا وتفاعلا. ولهذا يبدو ألا سبيل إلى مجابهة ما قد يحدث من السلبيات والآفات، إلا سبيل العمل الدؤوب والمتواصل على تزويد هذه الناشئة بثوابت الثقافة الوطنية ومرتكزاتها وروافدها، علما بأن المغرب –كما لا يخفى على أحد- تواق دائما إلى التطور الجاد، ومتفتح أمام كل جديد، طالما كان هذا الجديد غير مناقض ولا معاكس لمقوماته الحضارية الأساسية، وتقاليده المرعية اجتماعيا وخلقيا وفكريا.” (ص7)

كما أبرز كيف أن المغرب قد حافظ على تقاليده “ولم تحل تلكم المحافظة دون نهضته الحديثة التي أصبحت مضرب الأمثال. وظل الحرص على رعاية الثقافة قائما دون توان أو فتور. وفي هذا التوجه السليم التزمنا عدم وقف الثقافة على السياحة واللهو والتجارة والمتعة السهلة وما في حكمها، وبذلنا قصارى الجهد لجعل ثقافتنا لا تنفصل عن فضائل الحضارة –من آداب وعلوم وثقافة عامة وفنون وتقنيات- تلك القطاعات التي ترفع من الحياة الإنسانية وتحيي الضمير وتغذي الأفراد والجماعات.” (ص53) في تقديم الأستاذ محمد مصطفى القباج لهذا الكتاب، الذي أجمع المتدخلون على أهميته العلمية والعملية، أوضح كيف أنه يتكون من تقارير وخطب وتدخلات رسمية تم اختيارها من عدد ضخم من الوثائق، وكيف أنها تختزن على “رؤى ونظرات تكاد تشكل أرضية للإستراتيجية الثقافية المنشودة..”. كما أوضح أن ما أهله لذلك هو دخوله إلى المغرب وهو مسلح بتكوين أكاديمي متين في الفلسفة وبوجه خاص في ابستيمولوجيا الرياضيات، وبخبرة دولية في التدبير الثقافي على الصعيد الدولي؛ كرئيس لقسم الفلسفة والعلوم الإنسانية في منظمة الأمم المتحد (اليونسكو) بفرنسا. وبمعرفة تراثية متينة..

وانسجاما مع مركزية البعد الوظيفي في تصوره لتدبير الشأن الثقافي، وهو البعد الذي يجعل من الثقافة تكمل التعليم وما يعتريه من اختلال بنيوي وعضوي، فقد كان يصدر عن تصور للثقافة يقوم على التلازم بين المعرفة والتجربة..وليس غريبا أن يلاحظ المتدخلون كيف أن الأصول النظرية والعملية لمفهوم “مجتمع المعرفة” تجد جذورها لدى الأستاذ محمد علال سيناصر من نحثه لمفهوم “الدولة الثقافية”، وهي الدولة التي تمزجا مزجا رفيعا بين الثقافة والتنمية الشاملة، وتجعل من “الانفتاح والأصالة ركيزتا الاختيار المغربي”، وترفض إخضاع الثقافة والتربية للسياسة الظرفية، ولمختلف التحزبات الأيديولوجية، وتقوم بدلا من ذلك على “نهج الاستنباط الذكي والابداع المستنير..”، تعبيرا عن الذات الجماعية للأمة ومختلف تعبيراتها وتجلياتها الفردية..

ومن أهم القضايا التي تطارح حولها المشاركون:

1. التمييز بين الثقافة كفعالية نظرية وإبداعية لها صلة بمنظومة القيم والمعتقدات وأنماط العيش، وهي الفعالية التي تجد تجسيدها في شتى الأشكال التعبيرية عن الذات الفردية والجماعية، وبين التدبير الثقافي كنشاط وفعالية إدارية ذات طبيعة خاصة..

2. التشديد على أهمية أن يصدر التدبير الثقافي عن رجال يمتلكون رؤية وتصورا واضحين للمسألة الثقافية في سياق تاريخي وحضاري مخصوص..

3. التحذير من النظر إلى التدبير الثقافي كنشاط قطاعي منبث الصلة عن مختلف القطاعات الحكومية والفعاليات الاجتماعية.. ومن ثم نبهوا إلى ضرورة ربطه بالنظام التعليمي والمنظومة التعليمية بمختلف أسلاكها، وبوسائل الاتصال والتواصل، وبوجه خاص الإعلام العمومي، وكذا ربط الثقافة بمختلف مراكز البحث العلمي..

4. إبراز أهمية ربط الشأن الثقافي بمنظومة القيم الاجتماعية، وبالبعد الوظيفي الذي يجعل من الثقافة أداة ناجعة لتحديث المجتمعات وتطورها، وتماسكها واستقرارها، ووحدتها، وحفظ خصوصيتها ونظامها القيمي والمعياري في انفتاح على العالم وتفاعل إبداعي معه..

5. كما أبرزوا كيف أن التدبير الثقافي يعد، في جزء مهم منه، تدبيرا للتعددية الثقافية والتنوع الثقافي بما يعزز تماسك الجماعة الوطنية ووحدتها القائمة على الثوابت الدستورية (الملكية القائمة على إمارة المؤمنين، الإسلام السني، الاختيار الديمقراطي..)

6. كما عبروا عن وعيهم العميق بالإمكانات التي تتيحها مقتضيات الدستور الجديد لإعادة الاعتبار للشأن الثقافي من خلال المجلس الأعلى للثقافة..

7. وضع سياسة ثقافية أو استراتيجية ثقافية يقتضي من جهة أولى، العمل التشاركي والتفاعلي بين مختلف الفاعلين ممن لهم صلة بالموضوع بناءً على معايير الكفاءة والأهلية والصدقية.. كما يقتضي من جهة ثانية، اعتماد مقاربة علمية موضوعية بعيدا عن أية حسابات “سياسوية” أو أيديولوجية ضيقة..

8. إبراز الأهمية القصوى لاعتماد منطق التراكم بين مختلف التجارب المتصلة بتدبير وإصلاح الشأن الثقافي بالمغرب، بحيث يؤسس اللاحق، بشكل مسؤول، على ما بناه السابق أو شرع في إرسائه.. حتى لا تضيع الموارد والمقدرات والجهود..

9. حبذ المشاركون لو أن باقي الوزراء يحذون حذو الأستاذ محمد علال سيناصر في تدوين تجاربهم وإتاحتها لجمهور الباحثين والمعنيين؛ إشاعة للمعرفة الدقيقة بالواقع وتحقيقا لشرط التراكم كمحدد لازم لأية نهضة أو تقدم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق