مركز الأبحاث والدراسات في القيم

.مكتبة الإسكندرية ومركز القدس للدراسات السياسية يبحثان دور التعليم الديني في محاربة التطرف

أغسطس 13, 2016

وأكد الدكتور خالد عزب في الجلسة الافتتاحية أن عجز التعليم الحكومي عن تلبية احتياجات الشباب، والتواصل معهم؛ نتيجة اعتماده على أسلوب التلقين بدلاً من التحليل النقدي، هو السبب الأساسي وراء ظهور تيار تعليمي متطرف موازي للتعليم الرسمي للدولة، يستند بشكل أساسي إلى أفكار تمت صياغتها في سياق زمني ومكاني مخالف لما نحن عليه اليوم، الأمر الذي أصبح يمثل خطرًا حقيقيَّا على شبابنا العربي، ويتطلب من مؤسساتنا المحلية والإقليمية، حتمية التدخل السريع لحمايتهم من الوقوع فريسة في يد التنظيمات المتطرفة.

ومن جانبه، أشاد الأستاذ عريب الرنتاوي؛ مدير عام مركز القدس للدراسات السياسية، بالتعاون المثمر والفعَّال بين كلٍّ من مكتبة الإسكندرية، ومركز القدس للدراسات السياسية في وضع استراتيجية لمجابهة التطرف من خلال اللقاءات التي تم تنظيمها على المستويين المحلي والإقليمي، لاسيما في ظل ظروف بالغة الصعوبة، تفتقر فيها أمتنا العربية إلى قيم التسامح وقبول الآخر.

وقد تضمنت ورشة العمل ثلاث جلسات أساسية؛ استعرض المتحدثون خلالها العلاقة بين التعليم الديني وظاهرة التطرف في أربع دول عربية هي: الأردن، ومصر، والمغرب، وتونس. وتناولت الجلسة الأولى الحالة الأردنية، حيث قدم الدكتور عامر الحافي؛ أستاذ مشارك في مقارنة الأديان بجامعة آل البيت، ونائب مدير المعهد الملكي للدراسات الدينية بالأردن، قراءة نقدية للتعليم الديني في الجامعات الأردنية، مشيرًا إلى أن تسييس الإصلاح الديني هو السبب الرئيسي وراء ظاهرة التطرف، كما تناول العلاقة بين الإصلاح الديني والإصلاح السياسي خاصةً فيما يتعلق بقضية “التعددية” مؤكدًا على أن الحديث عن التعددية في التعليم الديني لا يمكن أن يتم بدون وجود نظام سياسي ديمقراطي يؤمن بقيمة المواطنة.

وحصر الحافي أزمة التعليم الديني بالجامعات الأردنية في ثلاث إشكاليات أساسية؛ أولها غياب التعددية، وعدم احترام النسيج الاجتماعي، والخصوصية الوطنية، وثانيها الحرص على تعليم الطلاب “أحادية الحقيقة”، والتعامل مع النصوص الدينية على أنها مسلمات لا تقبل النقاش دون خلق مساحة للتفكير والتحليل، وثالثها تعميق النزعة الصراعية من خلال التركيز على الجوانب السلبية في العقائد الأخرى، ومقارنتها بمثالية تلك الأمور في العقيدة الإسلامية. كما حذر من خطورة تسلل الفكر المتطرف إلى الشارع بدون أي إطلاع أو فكر.

ومن ناحية أخرى، تطرق الدكتور نارت خاقون؛ باحث في الفكر الإسلامي، وأستاذ النقد الأدبي في جامعة آل البيت بالأردن، إلى خصوصية التعليم الديني الأردني، مشيرًا إلى نشأته في ظل غياب مؤسسات دينية عريقة كالأزهر  الشريف في مصر – على سبيل المثال – الأمر الذي أدى إلى وجود مشكلات في البنية الداخلية للتعليم الديني الأردني، فضلاً عن الاتجاه نحو تيسير أو تسطيح المناهج التعليمية، وعدم تقديمها بشكل معمق، ومن ثمَّ يصبح الشخص الذي يتصدر مجابهة الخطاب الديني المتطرف غير مطلع وغير ملم بأصول الدين، ومكونات الخطاب الديني نفسه، وهذا ما يفسر صعوبة وقوع الشخص المتبحر في علوم الدين ضحية للتطرف لأن إتقانه لتلك المعارف تجعله مدركًا لطرق فهم مختلفة في زمن معين يختلف عن نظيره في سياق زمني آخر. كما أشار إلى أن التطرف الذي يشهده العالم العربي اليوم هو تطرف نفسي وليس معرفي يستند إلى تشكيك كل طرف في عقيدة وفكر الطرف الآخر.

وناقشت الجلسة الثانية الحالة المصرية، حيث أشار الشيخ أحمد تركي؛ مدير عام مراكز التدريب في وزارة الأوقاف وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، إلى أن ظهور فكرة الجماعة خلقت حالة من الانتماء إليها دون العقيدة، مؤكدًا على أن انتماء المتطرف إلى المؤسسة الدينية كان فقط بهدف الحصول على مظلة تكسبه الشرعية، أما تكوينه الفكري، والنفسي فقد كان مستندًا إلى الجماعة التي شككته في كل شيء باستثناء ما تدعو إليه.

ويرى تركي أن الخطاب الديني لابد أن يكون خطابًا ثقافيًّا بحيث يتم تطويعه حسب ظروف كل عصر،  إلا أن المؤسسات الدينية تعاني من أزمة غياب الثقافة، ومن ثمَّ أصبحت عاجزة على مواكبة تطورات العصر، ومتطلبات الشباب مما يجعلهم أكثر عرضة للانضمام للتنظيمات المتطرفة التي اتخذت من مواقع التواصل الاجتماعي أداة للتواصل معهم وتجنيدهم مثل تنظيم داعش، وبالتالي ينبغي على المؤسسات الدينية تطوير نفسها، ومجابهة التنظيمات الارهابية باستخدام نفس السلاح.

وأكد تركي أن التعليم هو أخطر شيء يهدد التطرف، ودلل على ذلك بمحاولة اغتيال الشيخ علي جمعة، كما حذر من خطورة خروج الخطاب الديني المتطرف إلى الشارع أو مواقع التواصل الاجتماعي، وفي هذا الصدد أشار إلى مبادرة نفذتها وزارة الأوقاف اسمها “بالعقل كده” والتي تهدف إلى التواصل مع الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال تقديم حقائق دينية هامة دون وضع سقف للأسئلة، وبالفعل تم تسجيل أسئلة ما يقرب من عشرة آلاف شابًا وشابة.

من ناحية أخرى تحدث الشيخ سعود محمد؛ باحث في المنهج الأزهري والدعوة والثقافة الإسلامية، وإمام في وزارة الأوقاف، عن التعليم الديني في الأزهر الشريف، مشيرًا إلى أن التعليم الديني المعتدل يساهم في صياغة شخصية متزنة، ومن ثمَّ يحقق وحدة البلاد ونهضتها، وعلى العكس من ذلك فتطويع النصوص الدينية، وتحريفها يؤدي إلى العزلة، والكراهية، ورفض الآخر ، وبالتالي فالتعليم الديني سلاح ذو حدين قد يساهم في تطوير المجتمعات من ناحية، ومن ناحية أخرى قد يفتح المجال لإنتاج عقول متطرفة.

كما أكد على وسطية التعليم الديني بالأزهر، وحرصه الدائم على تطوير مناهجه من خلال التنقيح المستمر له بحيث يجمع بين الأصولية والمعاصرة، ويتسم بالحوار والتحليل بدلاً من التلقين، ويغرس في الطلاب مبدأ أن الدين ليس شكلي بل معاملة يقوم على القيم السامية والتسامح.

أما الجلسة الثالثة والأخيرة فقد تطرقت إلى كل من الحالتين المغربية، والتونسية؛ فمن جانبه أشار الدكتور محمد بلكبير؛ رئيس مركز الدراسات والأبحاث في الرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب، إلى أن مجابهة التطرف تتطلب تغيير صورة القائد الديني، وإبراز دوره القيادي لاسيما في عمليات تغيير السلوك، كما قدم منهجًا تفكيكيًّا لخطاب التطرف يقوم على القراءة النقدية للفكر التطرفي، من خلال تتبع الأساليب التعبيرية، والتحليل الدقيق للمصطلحات والمفاهيم التي توظَّف لإنتاج الأفكار التي يتبناها المتطرفون؛ بقصد تحرير فكر المتطرفين من الأفكار الخاطئة، مع التشديد على تخليص فكر الشخص المرشح للتجنيد من المفارقات، والأخطاء، والأوهام، ولجعله قادرًا على تفعيل تفكيره، وتحريكه في إطار حوار نقدي مع ذاته، بحيث يصبح مدركًا لخطورة الأفكار التدميرية التي تمارس عليه قهرًا وتستعبده.

أما بالنسبة للحالة التونسية فقد أكدت الدكتورة بدرة قعلول؛ رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية الأمنية والعسكرية بتونس، على استناد المرجعيات التربوية  لتدريس المسألة الدينية إلى مبدأ مركزي يعتبر المتعلم محور العملية التربوية، وهو أمر يستوجب تحقيقه التخلي عن الطرق القائمة على التلقين، والتراكم المعرفي، والسير في اتجاه يدفع إلى تكوين عقول مفكرة بدلاً من حشو الأدمغة بالمعارف، والعمل  على اختيار مقاربات تربوية ومنهجية  تمكن من تطوير قدرات المتعلمين الفكرية، وتنمية ملكاتهم الشخصية، وتساعدهم على الترشد الذاتي، واكتساب مهارات التحليل، والنقد، والحوار، وبناء المواقف، وتقبل الرأي المخالف، وهو ما ينمي فيهم روح المبادرة، والمسئولية، ويؤهلهم للانخراط الإيجابي في محيطهم الاجتماعي.

أيضًا أشارت قعلول إلى أنه في ظل وفرة مصادر المعرفة التي يشهدها عالمنا المعاصر لم يعد مقبولاً  أن تكتفي المدرسة بدورها التقليدي المتمثل في تلقين التلاميذ، بل بات مطلوبًا منها أن تعيد النظر في الأدوار الموكولة إليها، والتفكير في الوسائل التعليمية، والمقاربات التربوية الكفيلة بالارتقاء بأداء المتعلمين، وتطوير مهاراتهم باستخدام أحدث النظريات والمرجعيات التربوية.

في الختام أجمع المشاركون على أن التطرف ظاهرة معقدة تتداخل فيها عوامل سياسية، واقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وأمنية، الأمر الذي يجعلها تثير ابتزاز كلٍّ من: المثقف، ورجل الدين، وصانع القرار ، كما أشاروا إلى أن السبب الرئيسي وراء تلك الظاهرة هو ضعف المؤسسات الدينية الرسمية، وارتباطها بالسلطة، الأمر الذي يتطلب ضرورة إعادة النظر في استقلاليتها، وحياديتها. أيضًا شدد المشاركون على حتمية التواصل مع الشباب من خلال تدريب الأئمة، ورجال الدين، والجمع بين الأصولية والمعاصرة، وفي النهاية اعتبروا الإصلاح السياسي وبناء نظام سياسي ديمقراطي يعزز من قيمة المواطنة هو إحدى أهم الآليات اللازمة لمواجهة التطرف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق