مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقدية

مركز أبي الحسن الأشعري يقرأ أعمال المؤرخ عبد العزيز السعود

 

تحت شعار: “التأريخ: إنصاف للمرجعيات، وحفظ للتراث” نظم مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية (التابع للرابطة المحمدية للعلماء)، بشراكة مع المكتبة العامة والمحفوظات، لقاء علميا تكريميا للمؤرخ الدكتور عبد العزيز السعود، وذلك يوم الجمعة 25 من شهر رمضان الموافق لـ 01 يوليوز 2016 بقاعة المكتبة العامة، احتفاء بعطاءات هذه الشخصية العلمية الفذة التي بصمت أثرها في الدراسات التاريخية المغربية تأليفا وتحقيقا وترجمة ومراجعة.
وقد انتظم هذا اللقاء باسم مركز أبي الحسن الأشعري، الذي يُعنى بالعقيدة الأشعرية وعلم الكلام تحقيقا ودراسة، للاستفادة من مختلف الكفاءات العلمية والمرجعيات الأكاديمية في التأريخ للدرس العقدي إيمانا منا بأهمية هذا الانفتاح على باقي التخصصات في النهوض بقراءة تكاملية للنصوص العقدية التراثية نستحضر فيها أثر العقائد وفاعليتها في تكوين البنى الثقافية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمع المغربي.
انتظمت هذا اللقاء مساهمات جلة من المتدخلين وتوزعت بين مداخلات علمية وبين شهادات في حق الرجل ممن عايشه ورافقه ونهل من علمه وكرع من قيمه ومبادئه.
افتُـتِح اللقاء بكلمة ترحيبية للدكتور جمال البختي رئيس المركز، بسط فيها برنامج اللقاء بعد كلمة خص فيها بالشكر الجزيل محافظ المكتبة العامة والمحفوظـات، وانتقل بعدهـا للتعريف بالمُـكرّم، مُركزا على الدواعي العلمية والمسوغات الموضوعية التي جعلته موضع العناية والاحتفاء ضمن سلسلة اللقاءات العلمية التي استنّهـا المركز اعترافا بالخدمات العلمية الجليلة التي قدّمها رجالات العلم المغاربة وأبناء هذه المدينة على الخصوص، فتحدث عن مهـامه الإدارية والمهنية، وعن عطائه العلمي ومساره الثقافي الغني، كما فصّل في عرض أعماله وبحوثه التي تنوعت ما بين تأليف ومراجعة وترجمة.
بعدها أعطيت الكلمة للدكتور نزار التجديتي التي قدّم فيها مداخلة بعنوان «أستاذ الجيل، ومؤرخ الحاضرة» نظر فيها إلى مسار المُكرّم من منظورين،  المربي والمؤرخ، في المنظور الأول تحدث عن اختصاص الأستاذ من بين أساتذة جيله بسمات جعلته نموذجـا يجمع داخل فضاء الدرس بين روح المناقشة وإتقان فن الاستشكال،  وفي المنظور الثاني ناقش مميزات الأستاذ في البحث التاريخي، مركزا على منهجيته التي تعتمد منطق تحليل البنيات وتوظف الجهاز المفاهيمي للمادية التاريخية في معالجة الوثائق والمخطوطات مع تجنب  السرد الزمني في صيغته التقليدية. 
وعن  كتاب «الزاوية» الذي راجعه المُكرّم ونشره، قدّم الأستاذ مصطفى بنسباع ورقة تناول فيها هذا العمل الذي جاء تصويباً وضبطا وفهرسة لمجموعة من النسخ التي كانت عبارة عن فصول منثورة كتبها التهامي الوزاني في دوريات مختلفة،  مبيّـنا دواعي قراءة عمل الـمُراجع، ومُفصّلا في المنهج الذي يربط بين مقاربة الشخصية وتحليل بنيتها وإبراز خصوصياتها ووضعها في سياقها التاريخي (=الزاوية الدرقاوية ونشاطها إبان الحماية، وصراعها مع الفقهاء، وعلاقتها بالمقيمية العامة الفرنسية..)، وبين المنهج الكرونولوجي الذي يتميز عن السيرة الذاتية بوصفها وثيقة تعكس الحوادث التاريخية.
بعدها قدم الدكتور محمد المرابط ورقة ناقش فيها منهج البحث التاريخي عند الدكتور عبد العزيز سعود من خلال كتابه «تطوان في القرن 18م: المجتمع والسلطة والدين»،  مُركزا على أن هذا الكتاب جاء في سياق دعوة عباس الجراري لاعتمـاد “المونوغرافيات” بوصفها تأريخا يكشف عن خصوصية المدن والأقاليم، مبيّنـا تطوير الدكتور المُكرّم لهذا المفهوم من خلال تكييفه في  الاشتغال على كتاباته التاريخية، ومُحددا للآليات المنهجية التي استقاها من مدرسة الحوليات، وكاشفا عن اهتمامه بالبنيات الاجتماعية والاقتصادية وتجاوزه للمفاهيم الماركسية والتفاسير القائمة على أحادية الزمن واتصاله، منتهيا إلى أن الدكتور الـمُكرم فهم مدينة تطوان وخصوصياتها في إطــار تاريخ المغرب.
ثم انتقلت الكلمة إلى الأستاذ إدريس بوهليلة رئيس شعبة التاريخ بكلية الآداب بتطوان، حيث حاول في مداخلة بعنوان: “قراءة في كتاب: تطوان خلال القرن التاسع عشر: مساهمة في دراسة المجتمع المغربي لعبد العزيز السعود” الإجابة عن ثلاثة أسئلة رئيسة تخص جنس موضوع الكتاب، والقضايا التي عالجها المؤلف، وقيمة الكتاب وأهميته في بابه وموضوعه. وقد أجاب المتدخل عنها بأن هذا العمل يندرج في جنس الدراسات المونوغرافية المعاصرة، وهذا يجعل الدراسة، خلافا للكتابات التاريخية التقليدية، أكثر دقة؛ إذ تميط اللثام عن موضوعات ومجالات كانت مهمشة من قبيل الوضع الاقتصادي (العلاقات التجارية ـ الفلاحة والزراعة..)، والعلاقات الاجتماعية، فضلا عن الشأن السياسي، وذلك وفق رؤية نقدية مسلحة بالوثائق والأدلة، نائية بالباحث عن تضخيم الذات وتمجيد الانتماء. ولذلك أمكن عد هذا العمل إضافة نوعية إلى المكتبة المغربية والعربية.
من جانبه تناول الدكتور محمد ياسين الهبطي في مداخلته كتاب: “إسبانيا والمغرب: علاقتهما الدبلوماسية خلال القرن التاسع عشر” لمؤلفه خيرينيمو بيكر، والذي ترجمه وقدم له المحتفى به. والكتاب في ثمانية عشر فصلا تغطي جميعها العلاقات الدبلوماسية التي ربطت إسبانيا والمغرب خلال الفترة المذكورة مع ما اعتراها من أحداث سياسية تحكمت في توجيهها ثلاثة عوامل: أولها الوضع السياسي في إسبانيا. وثانيها الوضع السياسي المغربي وما عرفه من تقلبات في الحكم. وثالثها التنافس الإمبريالي حول المغرب من طرف القوى العظمى متمثلة في فرنسا وإنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية. في غضون ذلك نوّه المتدخل بما أسماه “النقد الوطني” للإسباني صاحب الكتاب؛ وهو عبارة عن نقد ذاتي كشف فيه عن حسرته من تفويت إسبانيا فرصة فتح إفريقيا عن طريق المغرب. كما كشف عن محاولات إسبانيا للتدخل في شؤون المغرب متوسلة بإرسال الجواسيس والتأليب ضد السلطة المركزية في المغرب. وعن أهمية الكتاب وقيمته ينقل إلينا المتدخل من تقديم المترجم له أنه أطروحة مرجعية في العلوم السياسية، ويطلع الباحثين المتخصصين والمهتمين على فصول مهمة من تاريخ العلاقات الإسبانية ـ المغربية.
أما القسم الخاص بالشهادات في هذه الندوة، فقد دشنها الدكتور رشيد المصطفى بشهادة إنسانية في حق أستاذه من خلال الإلماع إلى غيض من فيض مبادئه وقيمه. وشدّد فيها المتدخل على وصف الدكتور عبد العزيز السعود بـ”الرجل المثال الأنموذج” مستدلا على ذلك بالوقوف على أربعة أبعاد جسدت شخصية الرجل: أولها البعد التربوي متمثلا في الأستاذ الملتزم المربي على قيم العلم وفضيلة المعرفة. وثانيها البعد الجمعوي؛ فالرجل عضو في العديد من الجمعيات العلمية والثقافية والخيرية. ساهم، من خلال نشاطه الجمعوي، في الرفع من شأن تطوان الثقافي عن طريق عقد ندوات علمية وإنجاز أنشطة ثقافية وتربوية. أما البعد الثالث فهو البعد الثقافي الذي يعبر عن شخصية الرجل الموسوعية، ففضلا عن تخصصه في الدراسات التاريخية، فهو باحث مترجم، وله عناية بالأدب، ومشارك في الشأن العلمي والثقافي لمدينة تطوان. وأما البعد السياسي فلا يخفى؛ إذ كان المحتفى به مستشارا جماعيا في البلدية وصاحب نظر تجديدي في انتمائه الحزبي.. استثمر موقعه السياسي خدمة للمدينة ثقافيا وعلميا. فاستحق، لكل هذه الأبعاد، الاحتفاء به تكريما منا للقيم الكريمة والمبادئ النبيلة متمثلة في شخصية الدكتور عبد العزيز السعود.
أما الشهادة الثانية فقد صاغها الدكتور محمد بن عياد في نص أدبي نثري عبارة عن مَـحكيّ صوّر فيه البدايات الأولى التي جمعته بالأستاذ، معبّراً عن رسوخ آثاره التربوية والعلمية في وجدانه، مستدعيا بعض دروسه التي وصفها بأنها لم تكن في جغرافية التضاريس فحسب، بل كانت دروسا في جغرافية الأخلاق والوفاء والود والإخاء، دروسا تجسدت في حاله قبل مقاله.
وتكللت الشهادات بخاطرة أدبية نثرية رائقة بعنوان: “هكذا أسميك” تقدم بها الدكتور قطب الريسوني شهادة منه في حق من اعتبره “سادنا من سدنة التراث العربي”؛ وقد خلع فيها على شخص المكرّم ما يستحقه من جميل المحامد وطيب الأخلاق. 
بعد ذلك أحيلت الكلمة إلى المحتفى به الدكتور عبد العزيز السعود؛ ابتدأها بشكره العميق لجميع القيمين على هذا اللقاء المتميز الذي أراد له أن يكون لقاء علميا بامتياز احتفافا بالعلم والمعرفة لا بالأشخاص والرجال، كما شكر جميع المتدخلين على اهتمامهم وإسهامهم في قراءة أعماله وتقويمها. ثم عرّج، بعد ذلك، على مساره الدراسي والسياسي كاشفا لمستمعيه كيف أنه ارتمى في حضن العمل الجمعوي بعدما لم يجد الفضيلة التي كان يرنو إليها في مجال السياسة. وحتى عمله مستشارا جماعيا ببلدية تطوان تم تكريسه للنهوض بالشأن الثقافي والعلمي بالمدينة عبر تنظيم الأنشطة الثقافية وعقد الندوات الفكرية وخلق شراكات علمية مع المؤسسات الجامعية والتربوية. أما بخصوص مجال اشتغاله العلمي فلم يُخف الدكتور السعود انتماءه إلى المدرسة المونوغرافية في التأريخ والتي تتيح الكشف عن التاريخ الحقيقي النابع من البيئة الفاعلة، لمنطقة محددة وفي زمان معين، بمختلف بنياتها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وجميع أعماله التأريخية إنما تصدر عن هذه الرؤية المجهرية في التعامل مع التاريخ.
وفي كلمة ختامية لهذا اللقاء العلمي التكريمي، توجه رئيس مركز أبي الحسن الأشعري بالشكر والامتنان لكل من ساهم في إنجاحه بدءا بالأساتذة المتدخلين على حسن إسهامهم وجميل مشاركتهم، مرورا بالحضور النوعي على صبرهم وحسن إصغائهم، وختما بجنود الخفاء متمثلين في الباحثين بالمركز والطلبة الجامعيين على عناء الإعداد والتنظيم.
هذا، وقد توج هذا اللقاء المتميز بتقديم درع تذكاري سلمه رئيس المركز للدكتور عبد العزيز السعود، وهدية أخرى باسم مكتبة التواصل وفاء وتثمينا لعطاءات هذا المؤرخ العلمية والثقافية الوازنة.
إعداد مركز أبي الحسن الأشعري

تحت شعار: “التأريخ: إنصاف للمرجعيات، وحفظ للتراث” نظم مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية (التابع للرابطة المحمدية للعلماء)، بشراكة مع المكتبة العامة والمحفوظات، لقاء علميا تكريميا للمؤرخ الدكتور عبد العزيز السعود، وذلك يوم الجمعة 25 من شهر رمضان الموافق لـ 01 يوليوز 2016 بقاعة المكتبة العامة، احتفاء بعطاءات هذه الشخصية العلمية الفذة التي بصمت أثرها في الدراسات التاريخية المغربية تأليفا وتحقيقا وترجمة ومراجعة.

وقد انتظم هذا اللقاء باسم مركز أبي الحسن الأشعري، الذي يُعنى بالعقيدة الأشعرية وعلم الكلام تحقيقا ودراسة، للاستفادة من مختلف الكفاءات العلمية والمرجعيات الأكاديمية في التأريخ للدرس العقدي إيمانا منا بأهمية هذا الانفتاح على باقي التخصصات في النهوض بقراءة تكاملية للنصوص العقدية التراثية نستحضر فيها أثر العقائد وفاعليتها في تكوين البنى الثقافية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمع المغربي.

انتظمت هذا اللقاء مساهمات جلة من المتدخلين وتوزعت بين مداخلات علمية وبين شهادات في حق الرجل ممن عايشه ورافقه ونهل من علمه وكرع من قيمه ومبادئه.

افتُـتِح اللقاء بكلمة ترحيبية للدكتور جمال البختي رئيس المركز، بسط فيها برنامج اللقاء بعد كلمة خص فيها بالشكر الجزيل محافظ المكتبة العامة والمحفوظـات، وانتقل بعدهـا للتعريف بالمُـكرّم، مُركزا على الدواعي العلمية والمسوغات الموضوعية التي جعلته موضع العناية والاحتفاء ضمن سلسلة اللقاءات العلمية التي استنّهـا المركز اعترافا بالخدمات العلمية الجليلة التي قدّمها رجالات العلم المغاربة وأبناء هذه المدينة على الخصوص، فتحدث عن مهـامه الإدارية والمهنية، وعن عطائه العلمي ومساره الثقافي الغني، كما فصّل في عرض أعماله وبحوثه التي تنوعت ما بين تأليف ومراجعة وترجمة.

بعدها أعطيت الكلمة للدكتور نزار التجديتي التي قدّم فيها مداخلة بعنوان «أستاذ الجيل، ومؤرخ الحاضرة» نظر فيها إلى مسار المُكرّم من منظورين،  المربي والمؤرخ، في المنظور الأول تحدث عن اختصاص الأستاذ من بين أساتذة جيله بسمات جعلته نموذجـا يجمع داخل فضاء الدرس بين روح المناقشة وإتقان فن الاستشكال،  وفي المنظور الثاني ناقش مميزات الأستاذ في البحث التاريخي، مركزا على منهجيته التي تعتمد منطق تحليل البنيات وتوظف الجهاز المفاهيمي للمادية التاريخية في معالجة الوثائق والمخطوطات مع تجنب  السرد الزمني في صيغته التقليدية. 

وعن  كتاب «الزاوية» الذي راجعه المُكرّم ونشره، قدّم الأستاذ مصطفى بنسباع ورقة تناول فيها هذا العمل الذي جاء تصويباً وضبطا وفهرسة لمجموعة من النسخ التي كانت عبارة عن فصول منثورة كتبها التهامي الوزاني في دوريات مختلفة،  مبيّـنا دواعي قراءة عمل الـمُراجع، ومُفصّلا في المنهج الذي يربط بين مقاربة الشخصية وتحليل بنيتها وإبراز خصوصياتها ووضعها في سياقها التاريخي (=الزاوية الدرقاوية ونشاطها إبان الحماية، وصراعها مع الفقهاء، وعلاقتها بالمقيمية العامة الفرنسية..)، وبين المنهج الكرونولوجي الذي يتميز عن السيرة الذاتية بوصفها وثيقة تعكس الحوادث التاريخية.

بعدها قدم الدكتور محمد المرابط ورقة ناقش فيها منهج البحث التاريخي عند الدكتور عبد العزيز سعود من خلال كتابه «تطوان في القرن 18م: المجتمع والسلطة والدين»،  مُركزا على أن هذا الكتاب جاء في سياق دعوة عباس الجراري لاعتمـاد “المونوغرافيات” بوصفها تأريخا يكشف عن خصوصية المدن والأقاليم، مبيّنـا تطوير الدكتور المُكرّم لهذا المفهوم من خلال تكييفه في  الاشتغال على كتاباته التاريخية، ومُحددا للآليات المنهجية التي استقاها من مدرسة الحوليات، وكاشفا عن اهتمامه بالبنيات الاجتماعية والاقتصادية وتجاوزه للمفاهيم الماركسية والتفاسير القائمة على أحادية الزمن واتصاله، منتهيا إلى أن الدكتور الـمُكرم فهم مدينة تطوان وخصوصياتها في إطــار تاريخ المغرب.

ثم انتقلت الكلمة إلى الأستاذ إدريس بوهليلة رئيس شعبة التاريخ بكلية الآداب بتطوان، حيث حاول في مداخلة بعنوان: “قراءة في كتاب: تطوان خلال القرن التاسع عشر: مساهمة في دراسة المجتمع المغربي لعبد العزيز السعود” الإجابة عن ثلاثة أسئلة رئيسة تخص جنس موضوع الكتاب، والقضايا التي عالجها المؤلف، وقيمة الكتاب وأهميته في بابه وموضوعه. وقد أجاب المتدخل عنها بأن هذا العمل يندرج في جنس الدراسات المونوغرافية المعاصرة، وهذا يجعل الدراسة، خلافا للكتابات التاريخية التقليدية، أكثر دقة؛ إذ تميط اللثام عن موضوعات ومجالات كانت مهمشة من قبيل الوضع الاقتصادي (العلاقات التجارية ـ الفلاحة والزراعة..)، والعلاقات الاجتماعية، فضلا عن الشأن السياسي، وذلك وفق رؤية نقدية مسلحة بالوثائق والأدلة، نائية بالباحث عن تضخيم الذات وتمجيد الانتماء. ولذلك أمكن عد هذا العمل إضافة نوعية إلى المكتبة المغربية والعربية.

من جانبه تناول الدكتور محمد ياسين الهبطي في مداخلته كتاب: “إسبانيا والمغرب: علاقتهما الدبلوماسية خلال القرن التاسع عشر” لمؤلفه خيرينيمو بيكر، والذي ترجمه وقدم له المحتفى به. والكتاب في ثمانية عشر فصلا تغطي جميعها العلاقات الدبلوماسية التي ربطت إسبانيا والمغرب خلال الفترة المذكورة مع ما اعتراها من أحداث سياسية تحكمت في توجيهها ثلاثة عوامل: أولها الوضع السياسي في إسبانيا. وثانيها الوضع السياسي المغربي وما عرفه من تقلبات في الحكم. وثالثها التنافس الإمبريالي حول المغرب من طرف القوى العظمى متمثلة في فرنسا وإنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية. في غضون ذلك نوّه المتدخل بما أسماه “النقد الوطني” للإسباني صاحب الكتاب؛ وهو عبارة عن نقد ذاتي كشف فيه عن حسرته من تفويت إسبانيا فرصة فتح إفريقيا عن طريق المغرب. كما كشف عن محاولات إسبانيا للتدخل في شؤون المغرب متوسلة بإرسال الجواسيس والتأليب ضد السلطة المركزية في المغرب. وعن أهمية الكتاب وقيمته ينقل إلينا المتدخل من تقديم المترجم له أنه أطروحة مرجعية في العلوم السياسية، ويطلع الباحثين المتخصصين والمهتمين على فصول مهمة من تاريخ العلاقات الإسبانية ـ المغربية.

أما القسم الخاص بالشهادات في هذه الندوة، فقد دشنها الدكتور رشيد المصطفى بشهادة إنسانية في حق أستاذه من خلال الإلماع إلى غيض من فيض مبادئه وقيمه. وشدّد فيها المتدخل على وصف الدكتور عبد العزيز السعود بـ”الرجل المثال الأنموذج” مستدلا على ذلك بالوقوف على أربعة أبعاد جسدت شخصية الرجل: أولها البعد التربوي متمثلا في الأستاذ الملتزم المربي على قيم العلم وفضيلة المعرفة. وثانيها البعد الجمعوي؛ فالرجل عضو في العديد من الجمعيات العلمية والثقافية والخيرية. ساهم، من خلال نشاطه الجمعوي، في الرفع من شأن تطوان الثقافي عن طريق عقد ندوات علمية وإنجاز أنشطة ثقافية وتربوية. أما البعد الثالث فهو البعد الثقافي الذي يعبر عن شخصية الرجل الموسوعية، ففضلا عن تخصصه في الدراسات التاريخية، فهو باحث مترجم، وله عناية بالأدب، ومشارك في الشأن العلمي والثقافي لمدينة تطوان. وأما البعد السياسي فلا يخفى؛ إذ كان المحتفى به مستشارا جماعيا في البلدية وصاحب نظر تجديدي في انتمائه الحزبي.. استثمر موقعه السياسي خدمة للمدينة ثقافيا وعلميا. فاستحق، لكل هذه الأبعاد، الاحتفاء به تكريما منا للقيم الكريمة والمبادئ النبيلة متمثلة في شخصية الدكتور عبد العزيز السعود.

أما الشهادة الثانية فقد صاغها الدكتور محمد بن عياد في نص أدبي نثري عبارة عن مَـحكيّ صوّر فيه البدايات الأولى التي جمعته بالأستاذ، معبّراً عن رسوخ آثاره التربوية والعلمية في وجدانه، مستدعيا بعض دروسه التي وصفها بأنها لم تكن في جغرافية التضاريس فحسب، بل كانت دروسا في جغرافية الأخلاق والوفاء والود والإخاء، دروسا تجسدت في حاله قبل مقاله.

وتكللت الشهادات بخاطرة أدبية نثرية رائقة بعنوان: “هكذا أسميك” تقدم بها الدكتور قطب الريسوني شهادة منه في حق من اعتبره “سادنا من سدنة التراث العربي”؛ وقد خلع فيها على شخص المكرّم ما يستحقه من جميل المحامد وطيب الأخلاق. 

بعد ذلك أحيلت الكلمة إلى المحتفى به الدكتور عبد العزيز السعود؛ ابتدأها بشكره العميق لجميع القيمين على هذا اللقاء المتميز الذي أراد له أن يكون لقاء علميا بامتياز احتفافا بالعلم والمعرفة لا بالأشخاص والرجال، كما شكر جميع المتدخلين على اهتمامهم وإسهامهم في قراءة أعماله وتقويمها. ثم عرّج، بعد ذلك، على مساره الدراسي والسياسي كاشفا لمستمعيه كيف أنه ارتمى في حضن العمل الجمعوي بعدما لم يجد الفضيلة التي كان يرنو إليها في مجال السياسة. وحتى عمله مستشارا جماعيا ببلدية تطوان تم تكريسه للنهوض بالشأن الثقافي والعلمي بالمدينة عبر تنظيم الأنشطة الثقافية وعقد الندوات الفكرية وخلق شراكات علمية مع المؤسسات الجامعية والتربوية. أما بخصوص مجال اشتغاله العلمي فلم يُخف الدكتور السعود انتماءه إلى المدرسة المونوغرافية في التأريخ والتي تتيح الكشف عن التاريخ الحقيقي النابع من البيئة الفاعلة، لمنطقة محددة وفي زمان معين، بمختلف بنياتها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وجميع أعماله التأريخية إنما تصدر عن هذه الرؤية المجهرية في التعامل مع التاريخ.

وفي كلمة ختامية لهذا اللقاء العلمي التكريمي، توجه رئيس مركز أبي الحسن الأشعري بالشكر والامتنان لكل من ساهم في إنجاحه بدءا بالأساتذة المتدخلين على حسن إسهامهم وجميل مشاركتهم، مرورا بالحضور النوعي على صبرهم وحسن إصغائهم، وختما بجنود الخفاء متمثلين في الباحثين بالمركز والطلبة الجامعيين على عناء الإعداد والتنظيم.

هذا، وقد توج هذا اللقاء المتميز بتقديم درع تذكاري سلمه رئيس المركز للدكتور عبد العزيز السعود، وهدية أخرى باسم مكتبة التواصل وفاء وتثمينا لعطاءات هذا المؤرخ العلمية والثقافية الوازنة.

 

 


 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق