مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقدية

مركز أبي الحسن الأشعري يشارك في ندوة المجلس العلمي المحلي لوجدة

في إطار سعيه للحفاظ على وحدة العقيدة والمذهب، وترسيخ الثوابت الدينية، نظم المجلس العلمي المحلي لوجدة يوما دراسيا في موضوع: “العقيدة الأشعرية في سياقها الحضاري”، لفائدة: الخطباء، والوعاظ، والأئمة المرشدين، وأساتذة التربية الإسلامية، وطلبة العلوم الشرعية، وذلك يوم الأحد 28/02/2016 بمركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة. وانقسمت أعمال اليوم الدراسي إلى جلستين: 

الجلسة العلمية الأولى: ترأسها الدكتور محمد المصلح (عضو المجلس العلمي المحلي لوجدة)، وتدخل خلالها: الأستاذ رمضان يحياوي (عضو المجلس العلمي المحلي لوجدة)، حيث عرف بأنشطة المجلس، والأستاذ محمد حباني (رئيس المجلس العلمي المحلي لإقليم بركان)، الذي ألقى كلمة ترحيبية باسم مجالس الشرق، وألقى العلامة الدكتور مصطفى بنحمزة (رئيس المجلس العلمي المحلي لوجدة) محاضرة افتتاحية حول: السياق المحلي والتاريخي لاستحضار الثابت العقدي الأشعري.

أما الجلسة الثانية: فقُدِّمت خلالها محاضرات ثلاث: الأولي للدكتور جمال علال البختي (رئيس مركز أبي الحسن الأشعري)، تكلم فيها عن: “مفهوم الإيمان وحدود التكفير عند الأشاعرة”، والدكتور خالد زهري (الباحث بالخزانة الحسنية) الذي وقف مع: “الكتاب الأشعري في تاريخه وأهميته وطرق التعامل مع مخطوطاته”، ثم انتهى اللقاء بمداخلة الدكتور عبد القادر بطار (أستاذ العقيدة والمنطق بكلية الآداب بوجدة) الذي تحدث عن موضوع: “الصفات والتأويل عند الأشاعرة”. 

     وفيما يلي الخلاصة الختامية لمداخلة الدكتور جمال علال البختي:«عاشت أمتنا الإسلامية تجارب تاريخية فريدة خلال مساراتها المتعددة، كانت فيها مباعِدَة لدعاوى التكفير، متعاليةً عن الوقوع في فتن الإرهاب والغلو، وكان ذلك راجعا إلى المنهج الفكري المعتدل الذي طبع الاختيارات السُّنِّيَّة السَّليمة، وللأسلوب التأليفي والتقريبي الذي آمن به جمهور المسلمين من أهل السنة والجماعة. ولعل لسيادة الفكر الأشعري التنويري، ولانتصار جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنفية وفضلاء الحنابلة، وتمكنهم من التحكُّم في الأوساط الإسلامية الأساسية، وبالنظر إلى أن علماء هذه المذاهب السُّنية كانوا شخصيات فاعلة في المجتمع، مقتبسين من مشكاة العقيدة النقيَّة التي قام فكرها، واستندت مضامينها إلى أهداف أساسية تسعى إلى الحفاظ على حياة الإنسان المعتقِد، والسُّمُوِّ به إلى الدرجات العلى، وتأخذ بيده في هدوء وسلاسة وتوازن واعتدال إلى اعتناق مبادئ: الحق، والعدل، والمساواة، والمحبة؛ (لأن العقيدة إذا لم تكن تبعث على الأمل والرغبة في الحياة، وإذا لم تدع إلى حب الخير والجمال والإقبال على فعل الطاعات، فلا يمكن أن تجلُب المصدِّقين، وتربطهم بدينهم وخالقهم). فلهذا صحَّ أن نعتبر المذاهب العقدية السنية -وعلى رأسها المذهب العقدي الأشعري- مذاهب التوازن، والتوسُّط، والاعتراف، والتقدير للحريات الدينية، والمراعاة للمستويات العقلية والاجتماعية للمؤمنين بالإسلام، والاحترام للمخالفين. 

     لقد تبين من هذا البحث المتواضع أن ما يقوم عليه الاختيار الأعظم لمفكري الأشعرية في موضوع الإيمان يستند إلى القول بأن الإيمان هو التصديق، وأن الإسلام هو العمل، فمحل الإيمان القلب، ومحل الإسلام الجوارح، والعمل ليس جزءاً من الإيمان عندهم. وأما ما زاد على الحد الأدنى من الإيمان، فلا يكون إلا مع العمل الصَّالح؛ لا لأن العمل جزءٌ من الإيمان، بل لأنه فرعه وثمرته، فكلما كان الإيمان في القلب أقوى كانت الفرع أقوى والثمرة أطيب وأوفر. 

     واجتنابا للتضييق الذي أقرَّه الاختيار الخارجي -في القديم والحديث- بإعلانهم دمج العمل بالعقيدة، وتكفيرهم للمخالفين من أهل القبلة، وما يمكن أن ينتج عنه من إباحة لدماء المسلمين، قُدِّمت لمعالجة هذا الإشكال التكفيري مواقف أكثر واقعية واعتدالا في الفصل بين البعدين: الإيماني والعملي، تمثَّلت في آراء المرجئة (الذين أخروا الحكم على مرتكب الكبيرة إلى الآخرة)، والماتريدية (الذين ذهبوا إلى أن مرتكب الكبيرة – غير المستحل لها- لا يخرج من الإيمان ولا يدخل في الكفر، بل هو مؤمن كامل الإيمان، وهو مع إيمانه فاسق، مستحق للوعيد). ولكن الطرح الأشعري كان الأوفق والأعدل والأقرب إلى حل الإشكال؛ لأنهم بمواقفهم وتحديداتهم الدقيقة لمفهوم الإيمان نأوا باختيارهم عن خلط العمل الجارحي بالتصديق القلبي، وبقي التصديق القلبي هو الضابط لإيمان المرء، والمصنف له داخل دائرة الإيمان، وحكموا على مرتكب الكبيرة بأنه في مشيئة الله، ومن ثم نأوا به أن يكون من فئة المكذبين بالعقائد، الساقطين في زمرة “الكفار”.   

     إن القول بشرطية الشهادة والعمل، والبعدَ عن عدهما جزءا من الإيمان، فسح الباب واسعا –إذن- أمام إمكانية التورّع عن التكفير، بيد أن القول بوجوب النظر، وبمنع التقليد في العقائد الذي نادى به بعض الأشاعرة، فتح إشكالات تتعلق بالحديث عن إيمان العوام، ولكن منظري الأشاعرة، وتوجُّهم العام المتوافق مع النسقية الاعتدالية للأشاعرة، وإنصافهم للفئات العريضة من الأمة، انتهى إلى التأكيد على أن جهل العوام بتفاصيل العقيدة لا يمكن أن يُعَدَّ مسوِّغا لإخراجهم من حظيرة الإسلام، بل إنهم بمعرفتهم الجُمْلِيَّة، وبعقيدتهم الفطرية داخلون ضمن دائرة المؤمنين. ولولا هذا الحكم، لتوجبت منازعة الجمهور العريض من المسلمين عبر تاريخ الإسلام الطويل في عقيدتهم ودينهم؛ إذ معظمهم ليسوا من علماء الكلام –بمن فيهم علماء الفنون المختلفة-، ولوجب أيضا النظر حتى في عقائد كبار المتكلمين، لأن المعرفة التصوُّريَّة في مجال العقائد غير متحقِّقة للجميع، كما أن البحث في آراء علماء الأشاعرة أنفسِهم على المستوى التصديقي المتعلق بدقائق العقائد الإيمانية أفرز الوصول إلى اختلافات كثيرة في عدد كبير من قضايا العقيدة الأساسية حتى داخل الصف الأشعري نفسه.   فكيف نطالب الفئات العريضة من المسلمين (وهم العوام) بما لا طاقة لهم به ولا لغيرهم من الخاصة به؟!».

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق