مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية

مجالس في النحو «2»

انعقد بمقر مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات والبحوث اللغوية والأدبية صباح يوم الاثنين 27 شعبان1439هـ الموافق لـ 14 ماي 2018م المجلس الثاني من مجالس النحو، التي يشرف عليها رئيس المركز فضيلة الدكتور محمد الحافظ الروسي.

وكان الحديث في هذا المجلس تتمة لشرح أبيات المنظومة، وقد تناول الدكتور في هذا المجلس علامات الاسم انطلاقا من أبيات الناظم الشيخ الخديم رحمه الله تعالى وهي:

فَالاسْمُ بِالخَفْضِ وبِالتَّنْوِينِ مَعْ  ///   دُخُولِ «أَلْ» يُعْرَفُ عِنْدَ ذِي الْفَنَعْ

وَبِحُرُوفِ الخَفْضِ وَهْيَ: مِنْ إِلَى  ///   وَعَنْ وَفِي وَرُبَّ وَالْكَافُ عَلَى

وَاللَّامُ وَالْبَا، وَبِكُلِّ مُقْسَـمِ     ///    بِهِ مِنَ الْحُرُوفِ عِنْدَ الْعَلَمِ

كَالْوَاوِ وَالتَّا، ثُمَّ إِنَّ التَّا تِي    ///     مُخْتَصَّةٌ بِاللهِ حَيْثُ تَاتِي

وبيَّن الدكتور محمد الحافظ الروسي المعنى اللغوي لكلمة «الفَنَعْ» وهو الكرم والعطاء والجود الواسع والفضل الكثير، مستدلا ببيت الأعشى وهو:

وَجَرَّبُوهُ فَمَا زَادَتْ تَجَارِبُهُمْ    ///   أَبَا قُدَامَةَ، إِلَّا الْحَزَْمَ وَالْفَنَعَا

ويقصد الناظم بذي الفنع ابن آجروم.

وذكر أن للاسم علامة واحدة معنوية وهي: الإسناد إليه، وهو أن تنسب إلى الاسم حكما تحصل به الفائدة بأن يكون مبتدأ أو فاعلا، نحو: فهمت، أنا فاهم. وهذه العلامة كما ذكر الدكتور محمد الحافظ الروسي هي أصدق علامات الاسم وأشملها لأنها أوضحت اسمية الضمائر وما أشبهها مما لا تدخل عليه العلامات اللفظية المذكورة هنا. فإن كان لفظ الاسم لا يقبل الإسناد إليه كلفظة «عند» اعتبر الإسناد إلى ما هو بمعناه كالمكان الذي هو بمعنى «عند»، وهو يقبل الإسناد إليه، فتصدق الاسمية عليها.

وفي هذا الصدد بَيَّنَ أن الخفض عبارة اختص بها الكوفيون، في حين أن الجر عبارة اختص بها البصريون.  

ثم انتقل إلى بيان علامات الاسم الأربع وهي:

أولا: الخفض: وهو حالة إعرابية علامتها الكسرة أو ما ينوب عنها كالفتحة في الممنوع من الصرف مثلا، فكل كلمة مخفوضة هي اسم، كقوله تعالى(وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدْ)،

ثانيا: التنوين، وهو نون ساكنة زائدة تلحق آخر الكلمة لفظا لا خطا لغير توكيد، نحو: «زيد» و«رجل» و«صه» و«مسلمات» و«حينئذ»، وفي هذا الصدد ذكر أن قوله «ساكنة»، أي أصالة، لأنها قد تحرك لالتقاء الساكنين «زيد ضارب الرجال»، فلا يعتبر ذلك بالتحريك. وخرج بقوله «الساكن المتحرك» كنون ضَيْفَنٍ للطفيلي، ورَعْشَنٍ للمرتعش، فالنون فيهما زائدة غير ساكنة وإنما زيدت فيهما تشبيها بفعلها.

وثالث هذه العلامات دخول «أل المُعرفة» أي التي تفيد الكلمة تعريفا فخرج بذلك «أل» الموصولية التي بمعنى: الذي أو التي، فإنها قد تدخل على الفعل كقول الشاعر:

مَا أَنْتَ بِالْحَكَمِ التُّرْضَى حُكُومَتُهُ    ///    وَلَا الْأَصِيلِ وَلَا ذِي الرَّأْيِ وَالْجَدَلِ

أي: الذي ترضى؛ فترضى فعل مضارع مبني للمجهول، و«أل» فيه موصولية بمعنى الذي. وخرج أيضا «أل» الاستفهامية عند بعض العرب فإنهم يقولون: أل قام؟ بمعنى: هل قام؟

أما العلامة الرابعة التي وقف عندها فهي دخول حروف الخفض وهي: أولا: «من»: وذكر أنها تأتي للابتداء نحو قوله تعالى: (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ) مستشهدا بما جاء في الألفية:

بَعِّضْ وَبَيِّنْ وَابْتَدِئْ فِي الْأَمْكِنَهْ     ///    بِمِنْ وَقَدْ تَأْتِي لِبَدْءِ الْأَزْمِنَهْ

وتجر الاسم الظاهر والمضمر (وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ)، وثاني هذه الحروف «إلى»: وتأتي للانتهاء (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) مستشهدا بما جاء في الألفية:

لِلِانْتِهَا حَتَّى وَلَامٌ وَإِلَى    ///      وَمِنْ وَبَاءٌ يُفْهِمَانِ بَدَلَا

وبيَّن الدكتور محمد الحافظ الروسي أنها تجر الاسم الظاهر والمضمر أيضا نحو قوله تعالى: ( إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَة  )وقوله: ( إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ )وقوله: ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ )والمقصود بالانتهاء بيان آخر المسافة من زمان أو مكان. وثالث هذه الحروف «عن»: وتأتي للمجاوزة نحو قوله: (وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) وأشار إلى أنها تجر الاسم الظاهر والضمير أيضا، نحو قوله: ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ ) وقوله: ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ) مستدلا بما جاء في الألفية:

عَلَى لِلِاسْتِعْلَا وَمَعْنَى فِي وَعَنْ    ///    بِعَنْ تَجَاوُزًا عَنَى مَنْ قَدْ فَطِنْ

ورابع هذه الحروف التي تحدث عنها الدكتور محمد الحافظ الروسي «في»:وذكر أنها تأتي للظرفية الزمانية أو المكانية لقوله تعالى( لِلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأرْضِ ) مستدلا بما جاء في الألفية:

وَزِيدَ وَالظَّرْفِيَّةَ اسْتَبِنْ بِبَا     ///    وَفِي وَقَدْ يُبَيِّنَانِ السَّبَبَا

وخامسها حرف «رب»: وبين أنها تأتي للتكثير وتأتي للتقليل نحو: «رب رجل خير من ألف» ولا تجر إلا الاسم الظاهر، وذكر الدكتور محمد الحافظ الروسي أن في «رب» أقوالا: أولها: أنها تأتي للتقليل قليلا وللتكثير كثيرا، وثانيها: لم توضع لواحد منهما بل يستفادان من القرينة، وثالثها: للتقليل فقط، ورابعها: للتكثير فقط، وخامسها: هي لهما على حد سواء، وسادسها: للتكثير في موضع الافتخار وللتقليل فيما عداه، ثم بين أنه يجب تصديرها وتأخير عاملها مع كونه فعلا ماضيا وتنكير مجرورها، قال في الألفية:

وَاخْصُصْ بِمُذْ وَمُنْذُ وَقْتًا وَبِرُبْ     ///   مُنَكَّرًا وَالتَّاءُ لله وَرَبْ

وسادس حروف الخفض: «الكاف»: وتأتي للتشبيه ( وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَام ) ولا تجر إلا الاسم الظاهر كقوله تعالى: ( مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ  ) وكما جاء  في الألفية:

شَبِّهْ بِكَافٍ وَبِهَا التَّعْلِيلُ قَدْ    ///     يُعْنَى وَزَائِدًا لِتَوْكِيدٍ وَرَدْ

وقد أشار الدكتور في هذا السياق إلى الكاف التي أطلق عليها الدكتور تقي الدين الهلالي « الكاف الدخيلة الاستعمارية» وذكر أن تسميتها دخيلة لا إشكال فيه، لأنها لا توجد في الإنشاء العربي الذي قبل هذا الزمان. وأما تسميتها استعمارية، فلأنها دخلت في الإنشاء العربي مع دخول الاستعمار البلدان العربية، فإن جهلة المترجمين تحيروا في ترجمة كلمة تجيء في هذه اللغات قبل الحال، وهي الانكليزية «AS» وفي الفرنسية «comme » وفي الألمانية «ALS» مثال ذلك: فلان يشتغل في الجامعة كمحاضر، وفلان مشهور ككاتب.وهذا الاستعمال دخيل لا تعرفه العرب، ولا يستسيغه ذوق سليم، وليس له في قواعد اللغة العربية موضع [تقويم اللسانين ص:10] 

وسابع هذه الحروف التي وردت في بيت الناظم «على»: وذكر الدكتور أن من معانيها الاستعلاء كقوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) وهو إما حقيقي «صعدت على الجبل» وإما معنوي كما في الآية، وكما في قول الشاعر: 

قَد اسْتَوَى بِشْرٌ عَلَى الْعِرَاقِ      ///     مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ وَدَمٍ مُهْرَاقِ

وذكر أنها تجر الاسم الظاهر والمضمر أيضا، وقد جمعت في قوله تعالى: ( وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ) ،  وقد استشهد ببيت الألفية وهو:

عَلَى لِلِاسْتِعْلَا وَمَعْنَى فِي وَعَنْ    ///    بِعَنْ تَجَاوُزًا عَنَى مَنْ قَدْ فَطِنْ

وثامن حروف الخفض: «اللام» وتأتي للمِلك، كقوله تعالى: ( المُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّه ) وبين أن لام الملك هي الواقعة بين ذاتين، ما قبلها يصح أن يكون مملوكا وما بعدها يصح أن يكون مالكا، كقولنا:«المال للخليفة»كما وضح الفرق بين لام الملك وهي التي تقع بين ذاتين وتدخل على من يتصور منه الملك، ولام الاختصاص وهي التي تقع بين ذاتين وتدخل على ما لا يتصور منه الملك كالمسجد والدار، ولام الاستحقاق التي تقع بين اسم ذات كلفظ الجلالة واسم معنى كالحمد « الحمد لله».

وذكر أنها تجر الاسم الظاهر والمضمر جميعا كقوله تعالى: ( سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) وقولهتعالى  ( لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) مستشهدا ببيت الألفية:

وَاللَّامُ لِلْمِلْكِ وَشِبْهِهِ وَفِي     ///       تَعْدِيَةٍ أَيْضًا وَتَعْلِيلٍ قُفِي

وتاسع الحروف التي ذكرها الناظم في أبياته «الباء»: وبين الدكتور أن من معانيها التعدية كقولنا: «مررت بالوادي» أي صيرت الوادي ممرورا به، ومن معانيها أيضا الاستعانة كقوله تعالى:( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ) وهي تجر الاسم الظاهر والضمير جميعا، نحو قوله تعالى ( لَنَذْهَبَنَّ ) بِكَ  وقوله تعالى ( ذَهَبَ اللَّهُ بِسَمْعِهِم) مستدلا ببيت الألفية:

بِالْبَا اسْتَعِنْ وَعَدِّ عَوِّضْ أَلْصِقِ    ////      وَمِثْلَ مَعْ وَمِنْ وَعَنْ بِهَا انْطِقِ

ومثَّل للاستعانة بقولنا «أقسم بالله العظيم» ومثَّل للتعدية  بقوله تعالى: ( ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ) كما مثَّل للإلصاق بقولنا «أمسكت بالمصعد» ومثل لمجيئها بمعنى «مع» بقولنا « بعتك الثوب بطرازه» ومثل مجيئها بمعنى «من» بقوله تعالى (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ) وبمعنى «عن» بقوله تعالى: (فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا).

والتعدية كما بين الدكتور محمد الحافظ الروسي على قسمين: عامة، وهي إيصال معنى الفعل اللازم إلى الاسم، وهي بهذا المعنى عامة في جميع حروف الجر غير الزائدة، وخاصة: وهي المعاقبة لهمزة النقل في تصيير ما كان فاعلا مفعولا، وهي بهذا المعنى خاصة بالباء، نحو: «ذهبت بزيد»، أي صيرته ذاهبا بمنزلة أذهبته، وأشار إلى أن التعدية الخاصة هي تعدية الفعل إلى مفعول كان قاصرا عنه بأن كان قبلها فاعلا فتصيره مفعولا، فهي كالهمزة في ذلك، وأكثر ما تعديه الفعل القاصر، كذهبت بزيد، أي أذهبته، ولذا قرئ: «أذهب الله نورهم»، أما تعدية معنى العامل إلى المجرور فعامة في كل الحروف غير الزائدة.

أما الحرف العاشر من حروف الخفض التي تناولها الدكتور فهي «الواو والتاء»: وذكر أنهما يأتيان للقسم كما في قوله تعالى: ( وَالْعَصْر إِنَّ الْإِنْسَان لَفِي خُسْر ) وقوله تعالى (وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم ) ولا تدخل التاء إلا على لفظ الجلالة. وحروف القسم التي أشار إليها هي: الواو والباء والتاء، لذلك قال: كالواو والتا، لأنه لم يذكر الباء وهذه لا تختص بلفظ دون لفظ، بل تدخل على الاسم الظاهر نحو: «بالله لأجتهدن» وعلى الضمير «بك لأضربن الكسول» وتختص الواو بالظاهر كقوله تعالى (وَالطُّورِ) ، وقد دخلت الباء على نعم وهي فعل ماض جامد للمدح شذوذا في قوله:

صَبَّحَكَ الله بِخيْرٍ بَاكِرِ       ///       بِنِعْمَ طَيْرٍ وَشَبَابٍ فَاخِرِ [المقاصد النحوية 3/80]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق