مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية

مجالس في النحو «1»

انعقد بمقر مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات والبحوث اللغوية والأدبية صباح يوم الاثنين 20 شعبان1439هـ الموافق ل 07 ماي 2018م المجلس الأول من مجالس النحو، التي يشرف عليها رئيس المركز فضيلة الدكتور محمد الحافظ الروسي.

وموضوع هذه المجالس هو شرح أرجوزة «سعادة الطلاب وراحة طالب الإعرابِ» التي يبلغ عدد  أبياتها ثمانية وثلاثمائة بيت، وقد ألفها صاحبها العلامة «أحمد بمبا مباكي» المشهور بـ«الشيخ الخديم»، وبـ«بخادم الرسول صلى الله عليه وسلم » لشدة حبه له ومواظبته على خدمته ومدحه والصلاة عليه، والمنظومة سَلِسَة المباني، عذبة المعاني، ألفاظها دقيقة، وأمثلتها رقيقة، يلحظ المطلع عليها ما أوتي الشيخ من قدرة فائقة في السبك، وبراعة رائقة في الحبك، فهي تسبي العقول، وتزري بأنظام الفطاحل والفحول. 

  وهي أيضا منظومة تتمتع بسمات وخصائص متميزة جعلتها موردا صافيا ينهل منه الطالب المبتدئ الذي في طور التشخيص، ويَعُلُّ منه الأستاذ المجرب الخبير الذي وصل إلى درجة التخصيص، إذ جمع مؤلفها خلاصة القواعد النحوية وافية الغرض، وصفوة المبادئ والمعالم الصرفية بينة الهدف.(ينظر في هذا كتاب فتح الوهاب لأبي مدين شعيب. ص: 18 ـ 19).

 استهل الدكتور محمد الحافظ الروسي كلامه في هذا المجلس بشرح البيت الأول في باب الكلام وما يتألف منه وهو: 

كَلَامُهُمْ لَفْظٌ مُرَكَّبٌ مُفِيدْ   ///    بِالقَصْدِ نَحْوَُ: إِنَّ هَذَا لَسَعِيدْ

  وأشار إلى أن قول الناظم«كلامهم» أي: النحاة، وذكر أن الكلام هو ما اجتمع فيه أربعة أمور، الأول: أن يكون لفظا، أي صوتا مشتملا على بعض الحروف الهجائية التي أولها ألف، وآخرها ياء وهو قسمان: مهمل ومستعمل، وفي شرح المهمل ذكر الدكتور محمد الحافظ الروسي أن المهمل هو الذي لم يوضع لمعنى كديز مقلوب «زيد»، وقيل المهمل اسم ولا مسمى له كقولهم: العنقاء والغول، قالوا: إن هذين اللفظين لا مسمى لهما.

وفي شرح قول الناظم «لفظ» ذكر الدكتور أن الناظم احترز باللفظ عن الإشارة كقوله تعالى: “ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا” [آل عمران:41]، والكتابة أو الخط كقول العرب:«القلم أحد اللسانين»، وكذا تسميتهم ما بين دفتي المصحف «كلام الله»، وعن كلام النفس عند من يقول به، أي المعنى القائم في النفس كما في قوله تعالى: “ويقولون في أنفسهم” [المجادلة:8] وعن العقد بالأصابع الدال على أعداد مخصوصة، وعن النُصَبِ – كالغُرَفِ -، وهي العلامة المنصوبة كالمحراب للقبلة وهو جمع «نصبة» كعقدة. قال الدكتور تذييلا  على الشرح:«والكتابة والإشارة والعقد بالأصابع الدال على أعداد مخصوصة، والنصب، هي ما اصطلح اللغويون على تسميته: الدوال الأربع».  

ثم انتقل إلى شرح قول الناظم «مركب» وذكر أن معنى كونه مركبا، أن يكون مؤلفا من كلمتين أو أكثر تحقيقا أو تقديرا، وأشار إلى أن الكلام يتألف من اسمين ويسمى جملة اسمية، ومن فعل واسم ويسمى جملة فعلية وهذا هو أقل ائتلافه، وقد يتألف من أكثر، ولا يتألف من فعلين، ولا حرفين، ولا فعل وحرف، ولا اسم وحرف؛ لأن الكلام لا يحصل بدون إسناد، والإسناد يقتضي مسندا ومسندا إليه، لكونه نسبة بينهما وهما  لا يتحققان إلا في اسمين، أو اسم وفعل، وهنا استدل بقول الحريري في «ملحة الإعراب» وهو:

حَدُّ الكَلَامِ مَا أَفَادَ المُسْتَمِعْ  ///   نَحْوُ: سَعَى زَيْدٌ، وَعَمْرو مُتَّبِعْ

وثالثة كلمات البيت التي وقف عندها الدكتور هي قول الناظم «مفيد» وذكر أن معنى كونه مفيدا: أن يحسن سكوت المتكلم عليه، بحيث لا يبقى السامع منتظرا لشيء آخر، وخرج المركب الإضافي والمزجي والإسنادي.

أما رابعة كلمات البيت فهي قول الناظم «بالقصد» وبين الدكتور أن المراد بالقصد أن يكون موضوعا بالوضع العربي، ومعنى كونه كذلك أن تكون الألفاظ المستعملة في الكلام من الألفاظ التي وضعتها العرب للدلالة على معنى من المعاني، وبذلك فإنه لا يسمى كلام العجم في عرف علماء العربية كلاما، وإن سماه أهل اللغة الأخرى كلاما. واعتبر بعضهم في حد الكلام كونه مقصودا لذاته؛ لإخراج غير المقصود، وذلك كالصادر من النائم مما هو لفظ مفيد، والمجنون والسكران ونحوهم.

 وأشار إلى أنَّ قول جمهور الشارحين إن المراد بالوضع هنا القصد، هو أن يقصد المتكلم إفادة السامع.

وبعد ذلك انتقل الدكتور محمد الحافظ الروسي إلى شرح البيت الثاني وهو قول الناظم:

أَقْسَامُهُ «جِيمٌ» قُل: اسم عَنَّا  ///   ثُمَّتَ فِعْلٌ ثُمَّ حَرْفُ المَعْنَى

وفي شرح هذا البيت ذكر أن قول الناظم «أقسامه جيم»، أي أقسامه ثلاثة، وأن الجيم في حساب الجُمَّل ثلاثة، وبين أن هذه الأقسام الثلاثة هي: الأول: الاسم: وهو ما دل على معنى في نفسه ولم يقترن بزمان، والثاني: الفعل: وهو ما دل على معنى في نفسه واقترن بزمان، والثالث: الحرف: وهو ما لا يدل على معنى في نفسه وإنما يدل على معنى في غيره، وأشار إلى أن الناظم قيد الحرف بكونه لمعنى، لإخراج حرف المبنى، أي حرف التهجي إذ لا يكون جزءا للكلام، وهنا بين الدكتور محمد الحافظ الروسي أن الفرق بين حرف المعنى وحرف التهجي؛ أن حرف المعنى كلمة بذاتها كحرف الجر والاستفهام، وأما حرف التهجي فهو جزء من الكلمة.

وفصل القول في هذه الأقسام الثلاثة مبينا أن الاسم على ثلاثة أقسام: أولها: المضمر: وهو ما دل على معناه بواسطة قرينة تكلم أو خطاب أو غيبة، وثانيها: المظهر: وهو ما يدل على معناه من غير حاجة إلى قرينة، وثالثها: المبهم: وهو الذي لا يظهر المراد منه إلا بإشارة أو جملة تذكر بعده لبيان معناه، والفعل أيضا على ثلاثة أنواع: ماض ومضارع وأمر، فالماضي ما دل على حدث وقع في الزمان الذي قبل زمان التكلم. والمضارع ما دل على حدث يقع في زمان التكلم أو بعده، والأمر ما دل على حدث يطلب حصوله بعد زمان التكلم، والحرف أيضا على ثلاثة أقسام: أولها: حرف مشترك بين الأسماء والأفعال نحو: هل، وثانيها: حرف مختص بالأسماء نحو: في ، وثالثها: حرف مختص بالأفعال نحو: كم. وهو المشار إليه في الألفية بقوله: سواهما الحرف كهل وفي ولم….. 

ومثَّل لذلك بقول ابن معط في «الدرة الألفية»: 

«والحرف لا يفيد معنى إلا    ///    في غيره كهل أتى المعلى؟» 

وفي معرض حديثه ذكر أن هل تفيد معنى الاستفهام، وفائدتها متوقفة على اقترانها بما بعده من الجملة، ولو أتى بها على انفرادها لم تفد معنى أصلا. وأضاف في معنى قولهم «إن الحرف  لا يفيد معنى في نفسه» أنه لا يقتصر عليه في الجواب، فإنك إذا قلت: من عندك؟ فجوابه: زيد. ولو قلت: ما فعل زيد؟ قلت: انطلق. فحسن الاقتصار على كل واحد من الاسم والفعل في الجواب، والحرف ليس كذلك. فلو قال: أين زيد؟ لقلت: في الدار. ولو اقتصرت على لفظة «في» لم يجز، فإن قيل: فإذا قلت: أقام زيد ؟ فجوابه: نعم أو لا. فتقتصر على الحرف الذي هو «نعم» أو «لا» قيل: ذلك لنيابته عن الجملة، والأصل: نعم قام. لكن حذفت الجملة الجوابية لدلالة الحرف مع قرينة السؤال في الجواب عليها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق