مركز الدراسات القرآنية

قراءة في تفسير الشعراوي: المفهوم والنظرية والمنهج

أبريل 18, 2019

في إطار أنشطته العلمية والفكرية، نظم مركز الدراسات القرآنية التابع للرابطة المحمدية للعلماء الحلقة السادسة عشر من حلقات «منتدى الدراسات القرآنية» في موضوع: “قراءة في تفسير الشعراوي: المفهوم والنظرية والمنهج” ألقتها فضيلة الدكتورة سلمى تليلاني؛ أستاذة التعليم العالي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية المحمدية سابقا. وذلك بعد زوال يوم الخميس 18 أبريل 2019م، بمقر مركز الدراسات القرآنية بالرباط.

افتتح هذا المنتدى العلمي بكلمة الدكتورة فاطمة الناصري؛ الباحثة بمركز الدراسات القرآنية التي رحبت بالحضور الكرام من الباحثين والطلبة متقدمة بوافر الشكر والامتنان للدكتورة سلمى تليلاني على استجابتها الكريمة دعوة المركز للإسهام العلمي في حلقة من حلقات منتدياته العلمية، التي راكمت مجموعة من الدراسات المتنوعة التي ينظمها رابط التطلع إلى الإسهام في تجديد الدرس القرآني والتفسيري، ثم أبرزت أهمية موضوع المحاضرة الموسومة بعنوان: “قراءة في تفسير الشعراوي: المفهوم والنظرية والمنهج”، مفصحة عن السبب العلمي لوقوع اختيار الدكتورة سلمى تليلاني على دراسة تفسير الإمام الشعراوي رحمه الله تعالى، باعتباره قامة شامخة في تجديد الدرس التفسيري المعاصر، لما يتميز به من الجمع بين علوم الشريعة، وعلوم المنطق والفلسفة، واستيعاب التراث استيعابا عميقا دون الوقوف عنده، وبين الذوق العالي والكشف الرباني، والعقلية الناقدة المرجحة، وبين التعبير السلس والكلمة العميقة النافذة، وهو ما أضفى على تفسير الشعراوي قيمة علمية ومعرفية كبيرة، لتفسح المجال للدكتورة سلمى تليلاني قصد الكشف عن معالم النظرية التفسيرية عند هذا الإمام رحمه الله.

استهلت الدكتورة سلمى تليلاني محاضرتها بتوجيه الشكر لمركز الدراسات القرآنية على دعوته، التي اعتبرتها فرصة لتدارس فكرة أولية حول خواطر الشعراوي للإفادة والاستفادة، معربة عن قصة بدء اهتمامها بتفسير الشعراوي الذي انبهرت بفتوحاته الربانية، إلا أن انتقاص بعض الكتاب من الشعراوي وتفسيره كان محفزا لها للقيام بدراسة علمية تقييمية لهذا التفسير.

وأكدت المحاضرة أن الآراء اختلفت في تقييم تفسير الشعراوي بين منبهر به وبقيمته العلمية، ومنتقص منه ومعتبر إياه لايرقى أن يكون عملا تفسيريا، مبينة أن السبب الداعي لهذا الاختلاف يعود إلى الشعراوي نفسه حيث أطلق على عمله التفسيري “خواطر”, نافيا عنه مسمى: “تفسير القرآن”.

وفي نفس السياق، أشارت المحاضرة أن الشعراوي يذهب إلى أن القرآن الكريم لا يمكن تفسيره كليا على وجه القطع، وإنما الذي يمكن أن يحقق هذا المستوى القطعي للتفسير هو بيان الرسول ﷺ للآيات المتعلقة بالتكاليف الإيمانية، وأما ما عداه فهو اجتهاد، وهذا ما يثير تساؤلات جوهرية حول مفهوم الشعراوي للتفسير، وحول العمل الذي قدمه في تفسيره، وعن معالم نظريته في تناول النص القرآني، وهذا ما يدفع إلى دراسة تفسير الشعراوي مضمونا ومنهجا؛ مما يسهل تقييم هذه الخواطر تقييما علميا، من خلال أربعة مباحث:

المبحث الأول: مفهوم الشعراوي للتفسير

المبحث الثاني: معالم نظرية التفسير عند الشعراوي

المبحث الثالث: معالم منهج الشعراوي في تناوله للنص القرآني.

المبحث الرابع: البعد المنهجي في تفسيرالشعراوي من خلال دراسة تطبيقية مقارنة لأنموذج مختار.

وبعد هذا التمهيد دلفت المحاضرة إلى بيان “مفهوم الشعراوي للتفسير” مبرزة أن الشعراوي رحمه الله لا يعتبر عمله حول القرآن تفسيرا، وإنما هي هبات صفائية، تخطر على قلب مؤمن في آية أو بضع آيات، وهذا ما يثير التساؤلات الآتية:

ما هو مجال العمل التفسيري ومن هو المفسر؟

وما طبيعة العمل الذي قدمه الشعراوي في خواطره؟ ولماذا نفى عنه الشعراوي مسمى “التفسير”

وأما ما يتعلق بمجال العمل التفسيري فقد حددته المحاضرة حسب اتجاهين: الأول جعل مجال التفسير محدودا في البيان فقط، واتجاه ثان توسع في مجال التفسير فأدخل فيه كل موقف فكري مؤسس على فهم معين للنص القرآني، فيكون لدينا مستويان للعمل التفسيري؛ أولا: مستوى البيان الذي يطلق عليه مفهوم “التفسير”، ويتفرع إلى ثلاث مراتب: مرتبة البيان اللغوي والشرح، ومرتبة البيان باعتبار السياق، ومرتبة استنباط الأحكام التشريعية والحكم الإيمانية، ثانيا مستوى التدبر أو الكشف كما يسميه الشعراوي، وهو النظر في القرآن بمنهج كشفي يترصد مواطن الهداية ومكنونات الإعجاز.

ويتضح حضور كل هذه المستويات من التفسير في خواطر الشعراوي وهو ما جعل المحاضرة تتساءل: كيف لا تعد هذه الخواطر تفسيراً!

وأما عن المفسر فقد اختلف فيه أيضا بحسب اتجاهين: من كان له رأي في التفسير متصديا له، واتجاه توسع في المفهوم فعرف المفسر بأنه كل من عمل على استنباط معنى من القرآن في موضوع ما، أو كان ذا فكر مؤسس على المعاني المستنبطة من القرآن.

وانطلاقا من هذا التصنيف شددت المحاضرة على كون الشعراوي في عداد المفسرين, واعتبار خواطره تفسيرا بحسب الأمرين: تعريف التفسير, وتعريف المفسر، مؤكدة أن طبيعة العمل الذي قدمه الشعراوي في خواطره تمثلت فيه كل مراتب التفسير، متسائلة عن البعد المفهومي الذي يعطيه الشعراوي للخواطر؟ وسبب تسميته لعمله خواطر ونفى صفة التفسير عنه؟

وللإجابة عن هذين التساؤلين استفاضت المحاضرة في التعريف بتفسير الشعراوي مضمونا ومنهجا، مبينة أن الشعراوي يستعمل جملة من المفاهيم للدلالة على الخواطر، فهي عنده هبات ومدد وفيض وإلهام من الله تعالى.

وأما عن تسمية الشعراوي لعمله التفسيري بالخواطر فذاك يعود لارتباط الخواطر عنده بمفهومه الخاص للتفسير؛ حيث إن الشعراوي يرى أن عطاءات القرآن تنقسم إلى قسمين: قسم متعلق بالتكاليف الإيمانية والتشريعية بينه الرسول ﷺ، وقسم متعلق بالمكتنز من أسرار الكون، ومفهومه للتفسير مرتبط بهذا التقسيم، فكل تفسير متعلق بهذا القسم الثاني نسبي يعتبر اجتهادا بشريا مستمرا ومتجددا عبر الأزمان، وليس تفسيرا، والتفسير لا يمكن إطلاقه إلا على القسم الأول؛ ولذالك سمى الشعراوي عمله خواطر ولم يسمه “تفسيرا”، وهذا يعتبر تجديدا على مستوى المفهوم.

ومن جهة أخرى، وضحت المحاضرة أن عمل الشعراوي في خواطره عمل منضبط، قائم على دعائم، وعلى حصاد علمي واجتهادي تدبري، وعلى العيش مع كتاب الله، وبذلك أسس الشعراوي لمفهوم خاص للتفسير مختلف عن المفهوم العام المتدول للتفسير؛ إذ التفسير عنده: جهاد اجتهادي وهبات صفائية تستهدف الكشف عن المكتنز القرآني لاستجلاء مفهوم الإعجاز في تعزيز قضية الإيمان.

وأما عن نظرية التفسير عند الشعراوي فهي مرتبطة بمفهومه لتفسير القرآن الكريم؛ من حيث احتواؤه للآيات الإيمانية التي هي أساس العبادة الذي يعود إلى بيان الرسولﷺ إن جملة أو تفصيلا وهذا لا إشكال في تسميته “تفسيرا”، والمكتنز من القرآن الكريم المتمثل في الكشف عن عطاءات القرآن وأسراره, لا إثبات الإعجاز الذي يجب أن يتجدد في كل جيل، وهذا ما تقوم عليه نظرية الشعراوي في التفسير؛ من حيث وجود مرتبة بيان ومرتبة كشف، ولذلك سمى تفسيره خواطر لتضمنه مستوى الكشف عن المكتنز القرآني المبني على الاجتهاد والنظر البشري لا على القطع.

وأما ما يخص منهج الشعراوي في خواطره فيمكن أن نميز بين منهج عام من حيث كونه تفسيرا موسوعيا موضوعيا وظيفيا اجتماعيا مشافهة …، ومنهج عملي تطبيقي متميز بوسائل اشتغل بها في مرتبة البيان، كالبيان اللغوي والمعجمي والإعرابي، واعتبار السياق، والربط بين الآيات السوابق واللواحق لبيان الآية قيد التفسير، وبيان القرآن بالقرآن …، ومرتبة الكشف التي برع فيها الشعراوي واشتغل فيها بوسائل منها: التعريف التقريبي لألفاظ القرآن، والقواعد القرآنية، والقواعد الإيمانية المستنبطة من القرآن الكريم، والاستدلال المنطقي في معرض الإقناع والرد، وضرب الأمثال, وتوسيع المعنى، وتعليل الأحكام بقدر المتاح، واستنباط الحكم لاكتشاف مكتنزات القرآن الكريم لخدمة قضايا الإيمان واكتشاف أوجه إعجاز القرآن لتقوية الإيمان، وتوسيع المعنى، أو الاستطراد.

ولبيان البعد المنهجي التطبيقي المقارن في خواطر الشعراوي, ساقت المحاضرة مثالا، وهو تفسير الشعروي لقوله تعالى: “ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين” [لقمان: 6] مُقَارِنة بغيره من المفسرين في تفسير هذه الآية من خلال بيان منهجه في تناول الدلالة اللغوية للألفاظ، ومآل دلالة السياق، وتثوير معنى الآية بجلب المثال، والاستطراد بالتحدث في موضوع الآية وهو لهو الحديث للإضلال عن سبيل الله، مخلصة أن عمل الشعراوي عمل تفسيري بامتياز يمثل عملا منهجيا تجديديا اجتهد الشعراوي لاكتشاف المكتنزات القرآنية لأسرار القرآن في الكون والآفاق والأفف.

وأنهت الدكتورة سلمى تليلاني محاضرتها بإيراد بعض المآخذ على تفسير الشعراوي، ثم واقتراح مواضيع للبحث لفتح آفاق الدراسة في تفسير الشعراوي.

واختتم المنتدى بنقاش علمي قيم من قبل الحضور حول القضايا العلمية التي تناولتها محاضرة الدكتورة سلمى تليلاني والتساؤلات التي أثارتها

إعداد: الباحث مصطفى اليربوعي
باحث بمركز الدراسات القرآنية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق