مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام

فهم تجارب من الواقع المعيش

بشرى الغزالي

 

 

 

خلال الجلسة الثالثة، قامت السيدة ملكي في دراستها برصد قصص حياة 73 سيدة مسلمة من مستويات تعليمية مختلفة، تمتهن وظائف متعددة من مختلف البلدان والأوساط، حيث تتراوح أعمارهن ما بين 16 و78 سنة. تهدف هذه الدراسة إلى التعرف على كيفية تأثير الأحكام الدينية والقيم الاجتماعية وقوانين الأسرة المبنية على مفهومي القوامة والولاية على قرارات النساء وفرص حياتهن، ومدى وجود تباين بين حياة النساء من جهة، والصورة التي يرسمها الفقه وقوانين الأسرة والخطاب الديني المعاصر عن أدوار النساء والرجال في إطار الأسرة والعلاقة بينهما، من جهة أخرى. وقد اتبعت في عملها منهجية تتمثل في خلق جو من الثقة والرغبة في العمل المشترك بين الباحثات والنساء المشاركات في المشروع، وتمتين هذه العلاقة للتمكن من محاورتهن بأريحية.

 من خلال هذه القصص، توصلت مُلكي إلى مجموعة من النتائج منها أن المرأة في بعض الأسر تقوم بدور المعيل دون أن يلغي ذلك سلطة الولي عليها. كما أن إنفاق المرأة المُطْلق في بعض الأسر يؤثر سلبا على العلاقة الزوجية ويكون أحيانا سببا في الانفصال.

كما أشارت المتدخلة إلى أن الفهم الفقهي للمعاشرة الزوجية ينعكس على قوانين الأسرة ويؤثر على العلاقة الزوجية. وتطرقت إلى التعدد في الزواج حيث يُعد في غامبيا مثلا حقا مطلقا للزوج من منطلق القوامة، إلا أن الزوج في الغالب ما يخفق حينها في الإنفاق. أما في حال التطليق، تضطر المرأة للتنازل عن حقوقها رغم إساءة معاملة الزوج لتحصل على الطلاق. أشارت مُلكي أيضا إلى تهميش المرأة في الخطاب الديني في إندونيسيا، حيث يُذَكر رجل الدين الزوجة بواجباتها اتجاه الزوج، في حين لا يذكر شيء للزوج تجاه زوجته.

خلُصت المتدخلة إلى أن النساء واعيات بالظلم الذي يلحقهن في حياتهن، وأن العلاقات الأسرية والزوجية الصحية العادلة تقوم على التشارك والمحبة وعدم التقيد بأدوار ثابتة للرجال والنساء ليحتذي الأبناء بها.

بعد عرض مُلكي لقصص حياة من بلدان مختلفة، تلتها سمية شكروني، باحثة في مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام، حيث قدمت نتائج بحثها الميداني الذي شمل أسرا مغربية من مختلف مناطق المملكة. ويهدف بحثها إلى معرفة الحجم الحقيقي لبعض التمثلات التي يحملها العديد من المغاربة عن الزوج الذي تخلى عن مسؤولياته، والزوجة القوامة بالإنفاق. واستهدف هذا البحث كلا الجنسين من 19 إلى 70 سنة، من فئات اجتماعية متباينة. اتبعت الباحثة في هذا العمل منهجية تتمثل في إجراء مقابلة مع الزوجين معا ثم توزيع استمارات واستطلاع رأي الشباب المقبلين على الزواج. وقد لاحظت تحفظ المتحاورين قبل إجراء اللقاء لعدم فهم الموضوع أو حساسية تناوله، لكن حماسهم كان يتزايد خلال النقاش وبعده. وقد قسمت بنية المجتمع المغربي إلى أربع فئات: فئة متعصبة للدين ووفية للموروث الثقافي؛ وفئة معتدلة نسبيا؛ وفئة ترفض المرجعية الدينية؛ وفئة تحدث قطيعة مع الفكر التقليدي وتحافظ على المرجعية الدينية وتصحح المفاهيم المغلوطة.

قسمت الباحثة سمية عرضها إلى محورين، إذ تطرقت في المحور الأول إلى إشكالية المفهوم المجتمعي للفظ القوامة استنادا إلى الآية القرآنية. توصلت إلى أن 80 في المائة من الفئة المستهدفة تُدرك معنى القوامة، في حين أن 20 في المائة لا تدركها بسبب الأمية والانتماء الجغرافي. ويعني هذا المفهوم بالنسبة للمستجوَبين إما الطاعة والوصاية والقوة، ولاسيما في القرى والمناطق الجنوبية، أو الحوار والتشاور والمساواة والولاية، ولاسيما في المناطق الشمالية وعند الفئة المثقفة والمتوسطة. كما حددت نقاط اختلاف وتلاقي المعنيين، إذ يختلفان في كون الأول تشريفا للزوج والثاني تكليفا له، ويشتركان في كونهما واجبا شرعيا للرجل.

وقسمت المتدخلة فهم القوامة على مستوى ثلاث فئات، حيث تعتبرها الفئة الأولى قوامة مطلقة للرجل بسبب تكوينه البيولوجي، وفئة ثانية تعتبرها قوامة متبادلة بين الرجال والنساء بسبب الأهلية الجسمانية والنفسية والعقلية، وفئة تراها نسبية مرتبطة بالصفات الأخلاقية للطرفين. ولاحظت المتدخلة أن تفسير القوامة يتم عبر الاستدلال ببعض الآيات القرآنية والأمثلة المغربية الشعبية.

وتطرقت في المحور الثاني إلى إشكالية تطبيق القوامة، حيث تهتم المرأة بالقوامة العاطفية والاجتماعية أكثر من حرصها على القوامة المادية، كما أن إسهامها في الإنفاق يرجع إلى رغبتها في المساهمة المادية. لكن ثقة الرجل في المرأة، وتنازله عن مسؤولياته واتكاله عليها جعلها تتحمل مهام متعددة. لكن الإشكالية المطروحة تتمثل في عدم مواكبة المفهوم المجتمعي الرائج للمتغيرات المجتمعية.

تستنتج الباحثة سمية في الختام أن القوامة مصطلح قرآني متداول تطور فهمه لدى المغاربة باعتباره مسؤولية أحادية، وسلطة ترتبت عن عدة عوامل أهمها الموروث الديني والثقافي. وختمت عرضها بطرح مجموعة من التساؤلات على الحضور في موضوع القوامة. 

 

نشر بتاريخ: 18 / 12 / 2013

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق