الرابطة المحمدية للعلماء

علماء وباحثون في ندوة نظمتها الرابطة المحمدية للعلماء يناقشون محورية سؤال الوجهة في السياق المعاصر”

مايو 17, 2016

افتتح فضيلة الأستاذ/ الدكتور أحمد عبادي، الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، صبيحة الثلاثاء 17 ماي 2016 بالرباط، الندوة السنوية الكبرى التاسعة تحت عنوان   “الوحي والعالم.. جدلية مرجع الوجهة ومرجع الحركة في عالم متغير”، حضرها علماء، كتاب ومفكرون وباحثون من داخل وخارج المغرب.

وقال الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء “إن هذه الندوة العلمية المباركة، التي تنعقد تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، أيده الله، تندرج في إطار سلسلة من الندوات التي تتغيا رفع صرح مشروع الرابطة المحمدية للعلماء الفكري والعلمي”، مشيرا إلى أن علماء هذه المؤسسة المباركة ومنذ المنتدى شرعوا في استبانة معالم السياق، واستبانة لبناته التي ترص مساربه وقضاياه ومساراته حتى يحقق المناط ويخرج ويلقح لكي يكون التوقيع عن الله عز وجل على بصيرة.

وأضاف في ذات السياق، “بعدها جاءت الندوة الثانية والتي بفضل الله تعالى وكأخواتها، نظمت هي الأخرى تحت رعاية أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، لاستبانة معالم مناهج الاستمداد من الوحي والنظر في هذه المناهج الموجودة للوقوف على ما يسبب حالة الخلف التي نحياها ونعيشها بين قوله تعالى “إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم” وبين واقع المسلمين الذي لا تتجسد فيه التي هي أقوم، مبينا أن التي هي أقوم بانضمام هذا الإسم الموصول إلى صيغة التفضيل تفيد الاستيعاب والاستغراق في جميع مناحي ومعالم الحياة.

كما بين الدكتور أحمد عبادي أن حالة الخلف تعتبر من أعظم الحجب التي بها وإن لم يرد المسلمون ذلك يصبحون فتنة ليس فقط للذين لم ينعم الله عليهم بعد بهذه النعمة، ولكن أيضا فتنة لأنفسهم، مؤكدا أن حل هذا الإشكال لا يمكن أن يكون إلا بمراجعة مناهج العلوم ولذلك كانت الندوة التي نظمتها الرابطة المحمدية للعلماء  حول هذه المناهج.

وطرح الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء في هذا الإطار جملة من الأسئلة منها، هل الأزمة أزمة تنزيل؟ أم أزمة منهج؟ هل المضامين التي تتم بلورتها بالفعل تجيب عن القضايا الحارقة التي تقض سياقنا والتي تفرض ذاتها بإلحاحية على العالم وعلى المسلمين والمسلمات؟ أم أن هذه المضامين لا تستجيب لهذه الأسئلة الحارقة؟ ثم هل المناهج كما استقرت في إطار ما يسمى بعلوم التيسير فعلا كافية لاستنباط الحلول ولاستمداد القوة الاقتراحية من هذا الوحي الخاتم؟ أم أن تمة وجوب استئناف المسيرة كما أن علوم التسخير شهدت استئناف علوم المسيرة؟، مشيرا إلى أن السبب في توقف المسيرة هو الانفصال الذي حصل بين علوم التيسير وبين مصدرها الذي هو الوحي، كما أن التوقف في علوم التسخير كان

وتحدث الدكتور أحمد عبادي في كلمته كذلك عن إشكالية الوجهة، وقال “إن هذه الإشكالية في إطار التركيب الذي يعرفه عالمنا وفي إطار هذا التشاكس من خلال نعق الناعقين واقتراح المقترحين وهداية الهداة، كل في هذه الحلبة التواصلية الرقمية في المواقع الاجتماعية وغيرها، كل هذا يجعل الحليم حيران، أين هي هذه الوجهة؟ وكيف تستبان؟، مضيفا أن مسألة الوجهة في هذا السياق المركب تكتسي أهمية بالغة بحكم أن القرآن المجيد وظيفته الأساس هي الهداية للتي هي أقوم، فإذا الكون هو مرجع الحركة، والحوار مع هذا الكون يمكن من الفعالية، فإن الحوار مع الوحي هو الذي يمكن من إضافة الوجهة نحو القبلة التي هي وجه الله عز وجل.

من جهته، تحدث الدكتور رضوان السيد، أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة اللبنانية، في مداخلة له تحمل عنوان “الوجهة والمرجعية.. وإلى أين يتجه المسلمون؟”، عن السلفيين والإصلاحيين، وأكد بأن هاتين الحركتين تشتغلان بمرجعية واحدة ووجهتين مختلفتين، مشيرا إلى أنه في الوقت الذي يشدد فيه السلفي على ضرورة إجراء إصلاح داخلي يسقط التقليد، ويكافح التصوف الشعبي ويرفض البدع ويفتح باب الاجتهاد، فإن الإصلاحي يعارض التقليد والتصوف ويقول بفتح باب الاجتهاد، ويرجو من طريق التأصيل على القرآن وعلى مقاصد الشريعة أن ينفتح المسلمون على التقدم الغربي، وعلى المؤسسات الغربية.

وأوضح الدكتور رضوان السيد أن التباين في وحهات النظر، نتج عنه تداعي التقليد بسبب العجز والهجمات، وظهور توجه جديد إضافة للتوجهين الموجودين اللذين زاد انفصالهما سماه بالتوجه الإحيائي، مفيدا أن هذا التوجه استند في بسط أطروحته إلى فكرة فقد الشرعية، والتي ينبغي استعادتها بالتنظيم الذي يحتضنها ويفرضها بواسطة الدولة، أنا ماهية الشرعية أو مضمونها فهو الشريعة التي ينبغي تطبيقها، وقد جرت صياغتها من طريق عمليات تحويل المفاهيم الكلاسيكية، مزودة بيقينيات الحداثة والخطاب بإعطائها طابعا قانونيا ملزما.

وأكد أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة اللبنانية، أن هذه الوجهات المضطربة والمتفارقة واجهت المزيد من الانقسام في الخمسينات والستينات من القرن الماضي بسبب ظروف الحرب الباردة، موضحا أن هذه الحرب هي التي تسببت في تفجير أو تحويل تلك التوجهات أو بعضها نحو العنف.

بدوره توقف الدكتور ناجي بن الحاج الطاهر، محترف الدراسات القرآنية بشيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية في عرضه الذي عنونه بـ”القرآن ووحي العالم وموقع الإنسان منه”، عند معنى كلمة الوحي لدى علماء اللغة والأصول والفقه، وقال بأن أهل التفسير ذكروا أنها جاءت في القرآن الكريم على سبعة أوجه، منها الإرسال في قوله تعالى في سورة النساء (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل)، والإشارة كما في قوله عز وجل في سورة مريم (فأوحى إليهم أن سبحوه بكرة وأصيلا)، ثم الإلهام في قوله سبحانه وتعالى في سورة النحل (وأوحى ربك إلى النحل)، والقول كما في قوله تعالى في سورة النجم (فأوحى إلى عبده ما أوحى) الآية.

كما توقف الدكتور ناجي كذلك عند مصطلح الحق، وقال إن “خلق الله جميعه خاضع للحق، ولا يتم الخلق بغير الحق، ومن ثم كان خلق الله كله دالا على الحق سبحانه وتعالى، سواء ارتبط ذلك بخلق السماوات والأرض أو بخلق بعوضة فما فوقها”، موضحا أن الحق يشكل قيمة حسنى عليا برؤية القرآن الكونية، التي يمثل الله سبحانه وتعالى أصلها ومنبعها.

وللوقوف على حقيقة معنى الحق وعلاقته بالإنسان، شدد المتدخل على ضرورة العودة إلى القرآن الكريم، وأكد أنها عودة تمليها الضرورة العلمية من أجل الاقتراب المستمر من هذا المصطلح ومن غيره من المصطلحات التي جاء بها كتاب الله تعالى، مشيرا إلى أن كلمة الحق وردت في القرآن الكريم بمعنى الواجب التحقق، المتحقق بالفعل والمتحقق الآن.

وواصل الباحث في الدراسات القرآنية شرحه لهذا المصطلح ليصل بأن الحق يتحقق عبر التاريخ في مستوى تحرك الخلق نحو غاية خلقه، والذي لا يتم إلا حقا كذلك، أي أن الحق هو السبيل لتحقق الحق ذاته، وبين أن الحق يتحول من ناحية ثانية إلى طريق سير العملية ذاتها ومنهجا لاتباع تحقق الحق ذاته، أي طريق للوصول إلى الحق، مستشهدا بقوله عز وجل (ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون) الأنفال الأية 8.

وجاء في الورقة التقديمية للندوة، التي تنظمها الرابطة المحمدية للعلماء على مدى يومين بمقرها المركزي بالرباط، أن الرؤى والمقاربات بهذا الصدد تعددت بتعدد الأطر المرجعية، والمنظومات العقدية للذين يصدرون عن هذه الرؤى والمتبنين لها، كما تعددت بتعدد السياقات التاريخية والحضارية التي تحيطها، مشيرة إلى أن لكل رؤية نظامها المرجعي وبنيتها المعرفية، وكذا مقوماتها، وخصائصها، وبناءها الغائي الكلي، مبينة أن جل المدارس الفكرية في القرن العشرين تأثرت بالفلسفة الوضعية في مختلف تمظهراتها العلمية والمنطقية، وهي فلسفة اعتبرت الإنسان كائنا طبيعيا ملحقا بمفردات الطبيعة الأخرى، إذ جعلت من العلوم الطبيعية نموذجا للحقيقة، ينبغي للعلوم الاجتماعية والإنسانية أن تتخذها مقياسا.

وتتوزع الندوة بحسب برنامجها التفصيلي، على ستة جلسات علمية، الأولى تحمل عنوان “إشكالية الحركة، والحوار بين الإنسان والكون، مقاربات، رصد وتقويم”، فيما باقي الجلسات العلمية ستجري تحت العناوين التالية، “قراءة في تجارب الوصل بين القراءة في الكون والقراءة في الوحي”، و”قراءة تقويمية في العلوم ذات الصلة بالبحث عن المعنى”، و”نحو بناء منهج تعارفي لاسترجاع المعنى”، ثم نحو تجديد القوة الاقتراحية في مجال بناء عالم الوجهة في عالمنا المعاصر.. التحديات والآفاق”.

أحمد زياد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق