مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية

سلسلة مجالس “مُغني اللبيب” الحلقتان الثانية والثالثة

سبتمبر 25, 2019

انعقد يوم الأربعاء 26 محرم 1440 هــ ، الموافق لـــ 25 شتنبر 2019م، المجلس الثاني والثالث من مجالس النحو، وذلك لمتابعة مدارسة كتاب: «مغني اللبيب عن كتب الأعاريب»، التي يعقدها فضيلة الدكتور عبد الرحمن بودرع بمقر مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية لفائدة باحثي المركز.

وقد استهل المُحاضرُ حديثَه في هذا المجلس بباب كبير يعد من أهم أبواب الكتاب، وهو باب في تفسير المفردات وذكر أحكامها، مشيرا إلى أن المقصودَ بكلمة تفسير البيانُ والتبين والإظهار والكشف والشرح…، كما بين المحاضرُ أن المفرداتِ تَعْني الحروفَ وما تضمن معناها من الأسماء والحروف، والمقصود بالحروف حروفُ المعاني، أي ما شابهها من الأسماء والظروف وكان ذا محل من الإعراب، ذاكرا ما بيَّنه السيوطي في كتابه الأشباه والنظائر في النحو، في باب التقارض وهو أن يقترض قسم من أقسام الكلم خصائصَ قسم آخر.

ثم انتقل المحاضرُ بعد ذلك إلى أول حرف وهو الألف المفردة، وليس حرفُ الألف في هذا البابِ جزءا من الكلمة، وإنما هو يأتي لمعنى، وذكر أنه يأتي على وجهين: أحدهما أن يكون حرفا ينادى به القريب، كقوله: أفاطم مهلا بعض هذا التدلل، والثاني: أن يكون للاستفهام وحقيقته طلب الفهم نحو: «أزيد قائم»، وقد أجيز الوجهان في قراءة الحِرْمِيَّين نحو قوله تعالى: «أمن هو قانت آناءَ الليل»، ويبعده أنه ليس في التنزيل نداء بغير يا ويقربه سلامته من دعوى المجاز، إذ لا يكون الاستفهام منه تعالى على حقيقته، ومن دعوى كثرة الحذف؛ إذ التقدير عند من جعلها للاستفهام: أمن هو قانت خير أم هذا الكافر، أي المخاطب بقوله تعالى:«قل تمتع بكفرك قليلا» فحُذِفَ شيئان: معادل الهمزة والخبر، كما بين المحاضر نظيره في حذف المعادل في قول أبي ذؤيب الهذلي:

دَعَانِي إِلَيْهَا القَلْبُ إِنِّي لِأَمْرِهِ     سَمِيع فَمَا أَدْرِي أَرُشْدٌ طِلَابُهَا

    وتقدير المحذوف: أم غي، ونظيره في مجيء الخبر كلمة «خير» واقعة قبل أم، نحو قوله تعالى: «أفمن يُلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة» ويمكن القول: لا حاجة إلى تقدير معادل في البيت لصحة قولك: ما أدري هل طلابها رشد، وامتناع أن يؤتى لــ «هل» بمعادل، وكذلك لا حاجة في قوله تعالى: «أمن هو قانت آناء الليل» إلى تقدير معادل؛ لصحة تقدير الخبر بقولك:«كمن ليس كذلك». وقد قالوا في قوله تعالى: «أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت»: إن التقدير كما بين المحاضر«كمن ليس كذلك»، أو «لم يوحدوه»، ويكون «وجعلوا لله شركاء» معطوفا على الخبر على التقدير الثاني، وقالوا: التقدير في قوله تعالى: «أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة» أي كمن ينعم في الجنة، وفي قوله تعالى: «أفمن زين له سوء عمله فرءاه حسنا» أي: كمن هداه الله؛ بدليل قوله: «فإن الله يُضلُّ مَن يشاء ويهدي من يشاء»، وأشار إلى أن حذف المبتدأ على العكس مما نحن فيه، وهو قوله تعالى:«كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما» أي: أمَّن هو خالد في الجنة يسقى من هذه الأنهار كمن هو خالد في النار. وجاءا مصرحا بهما على الأصل في قوله تعالى: «أَوَمَنْ كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها».

وذكر المحاضر أن الألف أصل أدوات الاستفهام، ولهذا خُصت بأحكام أحدها: جواز حذفها، سواء تقدمت على أم، نحو:

بدا لي منها معصم حين جمرت       وكف خضيب زينت ببنان

فوالله ما أدري وإن كنت داريا       بسبع رمين الجمر أم بثمان؟

والثاني أنها تَرِدُ لطلب التصور نحو: «أزيد قائم أم عمرو؟» ولطلب التصديق، نحو: «أزيد قائم؟» وهل مختصة بطلب التصديق، نحو: «هل قام زيد؟» وبقية الأدوات مختصة بطلب التصور، نحو:«من جاءك؟وما صنعت؟وكم مالك؟وأين بيتك؟ ومتى سفرك؟».

والثالث أن تدخل على الإثبات وعلى النفي نحو قوله تعالى: «ألم نشرح لك صدرك»، «أَوَلَمّا أصابتكم مصيبة».

 وأما الجهة الرابعة التي اختصت بها الهمزة أنها ترد لتمام  التصدير بدليلين، أحدهما: أنها لا تذكر بعد أم التي للإضراب كما يذكر غيرها، لا نقول: أقام زيد أم قعد، وتقول: أم هل قعد، والثاني أنها إذا كانت في جملة معطوفة بالواو أو بالفاء أو بــــ «ثم» قدمت على العاطف تنبيها على أصالتها في التصدير نحو: «أو لم ينظروا» «أفلم يسيروا» «أثم إذا ما وقع ءامنتم به»، وأخواتها تتأخر عن حروف العطف كما هو قياس جميع أجزاء الجملة المعطوفة، نحو «وكيف تكفرون» مشيرا في هذا الصدد أن هذا مذهب سيبويه والجمهور وخالفهم جماعة، أولهم الزمخشري. وقد جزم في مواضع بما يقوله الجماعة، منها قوله تعالى في «أفأمن أهل القرى»، إنه عطف على«فأخذناهم بغتة» وقوله في«أئنّا لمَبعوثون أوَ آباؤنا الأولون» فيمن قرأ بفتح الواو: إن «آباؤنا»عطف على الضمير في«مبعوثون» وإنه اكتفى بالفصل بينهما بهمزة الاستفهام، وجَوَّزَ الوجهين في موضع، فقال في قوله تعالى: «أفغير دين الله يبغون» دخلت همزة الإنكار على الفاء العاطفة جملة على جملة، ثم توسطت الهمزة بينهما، ويجوز أن يعطف على محذوف تقديره: أيتولون فغير دين الله يبغون.

‫3 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق