الرابطة المحمدية للعلماء

د. أحمد عبادي يسلم جائزة ابن رشد الدولية لصاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال(الأردن)

نوفمبر 16, 2013

تسلم صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال (الأردن)، والسيد جان دانيال الكاتب مؤسس مجلة “نوفال أوبسرفاتور” الفرنسية، السبت 16 نونبر2013، بمراكش، جائزة ابن رشد الدولية في نسختها الأولى، والتي تكرم مفكرين معاصرين ينحدران من ضفتي حوض المتوسط ويتموقعان ضمن الخط الفكري لابن رشد.

ونظم حفل تسليم الجائزة تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، وتميز بحضور رفيع ونوعي من المغرب ومن خارجه، ضم وزراء من الحكومة المغربية، فضلا عن شخصيات، من عالم الفكر والسياسة والاقتصاد.

وقد جرى حفل تسليم هذه الجائزة، بحضور السيد أندري أزولاي مستشار صاحب الجلالة، والأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء الدكتور أحمد عبادي، ووزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر السيد لحسن الداودي، وعدد من السفراء المعتمدين بالمغرب، إلى جانب والي جهة مراكش تانسيفت الحوز السيد محمد فوزي، وممثلي السلطات المحلية ومنظمي هذه الجائزة، التي تسعى إلى بلورة أنسنة حديثة بمنطقة حوض البحر الأبيض المتوسط مستمدة من روح فكر ابن رشد.

وتأتي الجائزة لتمثل، بحسب المنظمين، تفعيلا لـ«رغبة مشتركة لخلق فضاء للتذكر والنقاش والتقاسم وتعزيز الحقيقة كما فكر فيها ابن رشد، رابطا العقل بالإيمان، وقبول الاختلاف مع الآخر والاعتراف والاحترام المتبادل»، وهي تدخل في إطار مشروع مهم يتعلق بالتميز في منطقة الحوض المتوسطي، يسمى «ميد»، جرى إطلاقه بمبادرة من المرصد المتوسطي.

وقال الأمير الحسن بن طلال، الذي تسلم الجائزة من يد الأستاذ الدكتور أحمد عبادي، الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، إن اللقاء يمثل «مناسبة تعظم حوار الأفكار بين الشمال والجنوب والمشرق والمغرب»، ملاحظا أن «من يعرف نفسه ويعرف الآخرين لا بد أن يعرف أن الشرق والغرب لا ينفصلان»، متوقفا عند «المنظور المتسامح للإسلام الذي يستوعب السلوك الإنساني في مظاهره المتعددة»، مشددا على الحاجة إلى «مواجهة عوامل التكفير والانغلاق والتزمت والإقصاء التي تفرق ولا توحد»، مشيرا إلى أن «العودة إلى ابن رشد ستؤكد انحياز الثقافة العربية إلى العقل والبرهان واحترام الاختلاف والتسامح والانفتاح على الثقافات الأخرى»، داعيا إلى «البدء بالقواسم المشتركة» في العلاقة مع الآخر، و«الأخذ بمبدأ تجنب الإكراه» وبـ«الأبعاد الاقتصادية والسياسية في حوار الحضارات».

وفي كلمة بالمناسبة، أبرز السيد أزولاي أن هذه الجائزة الدولية تحمل دلالات عميقة بالنظر إلى مسار وأعمال وإنسانية الشخصيتين المتوجتين بها، وهي أيضا تكريم لرائد الفكر العربي الإسلامي الذي استطاع الربط بين العقل والإيمان.

وبعد أن هنأ الأمير الحسن بن طلال والسيد جان دانيال على هذا التكريم، أكد السيد أزولاي أنه في زمن القطيعة والتراجعات هناك حاجة ماسة إلى إعادة قراءة وإحياء فكر ابن رشد وابن ميمون، الذي يتبنى نفس الرؤية والفلسفة اتجاه الديانة اليهودية.

من جانبه، قال صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال (الأردن)، في كلمة بالمناسبة، “إن الصراعات المتحدث عنها الآن ليست صراعات العقل والمادة، ولكنها صراعات المادة وكرامة الإنسان”، مبرزا أن “استحضار ابن رشد اليوم هو من أجل تجديد الثقافة العربية الإسلامية من الداخل، في مواجهة دعوات الانغلاق والتزمت والإقصاء التي تفرق ولا توحد”.

وأضاف أن “العودة إلى فكر ابن رشد اليوم، المنتشر بالعالم اللاتيني والذي اقتبس عنه الفلاسفة من مسائل الوجود والنفس والمعرفة والذات الإلهية، يمثل انحياز الثقافة العربية إلى إعطاء الأولوية للعقل والبرهان والانفتاح على الثقافات والآخر والتسامح ونبذ التطرف”.

وأشار إلى أن إحداث جائزة ابن رشد الدولية يشكل مناسبة لتعظيم أفكار الحوار بين ضفتي حوض المتوسط، داعيا إلى ميثاق أخلاقي يجمع فيما بين الشعوب والثقافات والأديان، مبرزا أن التكامل بين الإشراق والتنوير يعتبر صورة من صور التكامل الفكري الأخلاقي الإنساني وليس صورة من صور المركب الصناعي العسكري.

وتساءل عن مدى إمكانية “التغلب على المفارقة الرشدية التي تشير إلى المصير المتباين لابن رشد في عالمي الشمال والجنوب”، قائلا “عندما يقولون الإسلام والغرب أقول هذه مفارقة فالإسلام دين عظيم وعقيدة عالمية والغرب غرب البوصلة على الأقل لمن يحتفظون بالبوصلة هذه الأيام”.

من جهته، أعرب السيد جان دانيال عن سعادته الغامرة بهذه الجائزة، التي ترمز إلى شخصية حرة أسست لمفهوم الأنسنة، وتميزت خلال حقبتها بفلسفتها وفكرها اللذين شكلا الجسور الأولى للحوار والانفتاح بين الغرب والشرق.
وعبر عن ارتباطه الوثيق بالمغرب، حيث انخرط في مسار التحرر من الاستعمار ليكون بعد ذلك خلال مزاولته لمهنة الصحافة، شاهدا على ثورة المملكة في عهد ثلاثة ملوك.

وتحدث عبد اللطيف ميراوي، رئيس جامعة القاضي عياض، عن ابن رشد، قائلا عنه إن قراءة مؤلفاته تجعلنا «ندرك، بداية، ليس، فقط، خطا فكريا متميزا، بل قوة تحمل سليمة، رغم تحولات الزمن ومحن التاريخ، وخاصة أن حياة الفيلسوف توحدت مع مسار فكري، قام على الترحال والاختيارات الحاسمة، مواجها، بهذه المكانة التي تلخصها صفة (الرجل الواقف)، الظلامية والتعصب في زمنه، ليتجلى أثره الفكري، بالضبط، على خط رفيع بين العقل والإيمان، من دون أن يتوقف عن التقريب والتوفيق بينهما، في إنكار واضح للتعصب وتشتت العقائد من كل نوع». وأضاف ميراوي: «لقد رغبنا في أن نمنح ابن رشد جائزة، تكريما وتخليدا له، وأن نجعل من هذا التكريم، في نفس الوقت، شكلا من أشكال الدعوات الفكرية الملحة والمستعجلة، رغبة في المحافظة على ما يمثله»، قبل أن يتساءل: «أليست الجامعات متعودة على أن تكون كراسي للفهم الإنساني والثقافي؟ ثم، من يمكن أن يكون مؤهلا أكثر من جامعة قرطبة، المدينة، حيث ولد ابن رشد، وجامعة مراكش، المدينة، حيث توفي، لتخليد ذكرى هذا الفيلسوف المتميز، من خلال توشيح شخصيتين تنتميان لضفتي المتوسط».

وسجل خوصي مانويل رولدان نوغيراس، رئيس جامعة قرطبة، أن «إطلاق جائزة للاعتراف بقيم التسامح والحوار بين الضفة الشمالية والضفة الجنوبية من الحوض المتوسطي هو تكريم لذكرى ابن رشد وإعادة اكتشاف لهذا المفكر الكبير خلال القرن الواحد والعشرين، الذي تجد فيه فلسفته، أكثر من أي وقت مضى، ولادة جديدة»، مبرزا أن الجائزة تلخص «رغبة مشتركة لنقل النظارة التي يمثلها فعل استعادة فكر عالم ولد بقرطبة، بجنوب أوروبا خلال القرون الوسطى، والذي صار مفكرا مؤثرا من الإسلام بمنطقة الغرب الإسلامي، وفاعلا أساسيا في بناء الفكر المعاصر».

وبدوره، أشار محمد عزيزة، المدير العام للمرصد المتوسطي بإيطاليا، إلى أن الأزمة التي يعيشها العالم اليوم «تتميز بتعدد أشكالها، كما أن التشويش الذي نعيشه يهدد القناعات الفكرية القديمة والأخلاقيات، ويحبط الممارسات الاقتصادية والاجتماعية التي سادت قبل الصعود القوي لليبرالية المالية غير المنظمة التي عمقت، من دون توقف، عدم المساواة بين الأمم وداخلها»

ولاحظ عزيزة أن «الإسهام في بلورة إنسانية من دون ضفاف، هو ما يفسر احتضان فلسفة ابن رشد ضمن دوائر ثقافية أخرى، خارج دائرته الثقافية الأصلية، وخصوصا ضمن الفكر المتوسطي، خلال العصور الوسطى»، ليختم كلمته قائلا: «اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، يتعين علينا إعادة السحر والألق إلى فكر ابن رشد، لنجد فيه الغذاء الأساسي الذي يمكن أن يساعد رجال الزمن الحالي على بعث أنسنة جديدة، يكون في مقدورها أن تقلص مخاطر التعصب والإقصاء، وإعادة تعلم فضائل التسامح، وقبول الآخر والانفتاح على مختلف أشكال التفكير».

أما منظمو هذه التظاهرة، رئيس جامعة القاضي عياض السيد عبد اللطيف الميراوي، ورئيس جامعة قرطبة بإسبانيا السيد خوسي مانييل نوغيراس، ومدير المرصد المتوسطي بإيطاليا السيد محمد ندير عزيزة، فتطرقوا لروح هذه المبادرة، وأكدوا أن اختيار هاتين الشخصيتين يعكس، بجلاء، الهدف المتوخى من هذه المبادرة، وذلك بالنظر لمسارهما المتميز، ومساهمتهما من أجل فضاء متوسطي منفتح يتعايش فيه الجميع.

وأضافوا أنه من أجل القيم التي تمثلها هذه الشخصية البارزة في تاريخ الفكر العربي الإسلامي، فإنه لا يمكن إيجاد مرجع أفضل لتكريم شخصيات ساهمت في النهوض بأنسنة جديدة بضفتي حوض المتوسط.

من جانبه، أوضح السيد مصطفى لعريصة، الأستاذ بجامعة القاضي عياض، أن الفلسفة استطاعت عبر معركة طويلة وصامتة في سبيل العقل أن تضمن مع ابن رشد حق البروز، مشيرا إلى أن الأصل مزدوج بالنسبة لابن رشد (النقل والعقل والإيمان والعقل الأصلي والأجنبي).

بدوره، أشار السيد مانويل طوريس أغويلار، نائب رئيس جامعة قرطبة، إلى أن الدرس الأكبر لابن رشد “تمثل في تعليمنا ضرورة أن يتأقلم العلم أولا مع كل حقيقة ملموسة وخاصة حتى تتم ترجمته على المستوى الكوني حيث ليست هناك من إمكانية معرفية انطلاقا من الكوني”.

وأضاف أن بناء الذكاء بالنسبة لابن رشد هو فعل ديناميكي يتوافق مع أربعة أشكال من الذكاء أو أربعة مراحل من الفهم تتمثل في “العدة أو المستقبل، المتعود الوكيل أو العنصر الذي يحرض على المعرفة التي تتواجد في الروح والمكتسب (اتحاد الفرد مع فكره)”.

يشار إلى أن الأمير الحسن بن طلال، الذي ولد في 20 مارس سنة 1947، هو الابن الأصغر للراحلين الملك طلال والملكة زين الشرق وأخ الراحل الملك الحسين.

وقد أطلق سموه وأنشأ العديد من المؤسسات واللجان الأردنية والدولية، وهو عضو نشيط في العديد منها. وعلى صعيد الأردن أنشأ سموه الجمعية العلمية الملكية ومنتدى الفكر العربي والمجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا والمعهد الملكي للدراسات الدينية.

وعلى الصعيد العالمي فقد كان لأفكار سموه ومبادراته صدى قويا في العديد من القرارات الدولية. ففي خطاب له أمام الدورة ال36 للجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1981 اقترح سموه إنشاء نظام عالمي إنساني جديد وهو الأمر الذي دعا الأمين العام للأمم المتحدة في ذلك الوقت إلى تأسيس اللجنة المستقلة الخاصة بالقضايا الإنسانية الدولية، وقد تم تبني التقرير النهائي للجنة على شكل قرار في الدورة ال42 للجمعية العامة.

ويترأس الأمير الحسن بن طلال العديد من اللجان والمنظمات الدولية، كما أنه عضو في العديد منها، ويعد سموه أيضا صاحب مساهمات مثمرة في الصحف والمجلات والدوريات وله العديد من الإصدارات ذات العلاقة بقضايا إقليمية وعالمية.

أما السيد جان دانيال، الذي ازداد سنة 1920 والمنحدر من أسرة جزائرية، فهو مدير تحرير مجلة “لونوفال أوبسرفاتور” وهو اسم كبير في عالم الصحافة الفرنسية. فبعد دراسة للفلسفة بجامعة السوربون شغل في سن ال26 منصب مدير مكتب رئيس الحكومة الفرنسية فليكس غووين.

وفي سنة 1947 أسس جان دانيال مجلة “كلبان” التي أريد لها أن تكون مجلة فكرية متميزة، حيث سيفرض نفسه رئيسا للتحرير لينجح في جر عدد من الكتاب اللامعين للتعاون مع المجلة، غير أن لقاءه بألبير كامو سيكون له بالغ الأثر في حياته.

ولج جان دانيال، بعد ذلك، مجلة “لونوفال أوبسرفاتور” عند انطلاقها سنة 1964 وسيبقى وفيا لخط تحرير هذه الأسبوعية المحسوبة على وسط اليسار.

ولجان دانيال كتابات عن الجيو-بوليتيك والإشكالات الدينية من قبيل “إسرائيل، العرب وفلسطين”، إلى جانب مؤلفات حول عدد من الشخصيات التي أثرت في الحياة الفكرية بشكل عام وفي حياته بشكل خاص.

وتسعى جائزة ابن رشد الدولية، التي تم إطلاقها بتنسيق بين المرصد المتوسطي وجامعتي القاضي عياض بمراكش وقرطبة بإسبانيا، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، إلى أن تكون مناسبة متميزة لتخليد واستعادة كيف كانت منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط مع مفكرين من أمثال ابن رشد وابن ميمون.

وتبتغي جائزة ابن رشد تكريم مفكرين معاصرين ينحدران من إحدى بلدان الضفة الشمالية والضفة الجنوبية من البحر الأبيض المتوسط ويتموقعان ضمن الخط الفكري لابن رشد مع سعيهم من خلال أعمالهم إلى المساهمة النوعية والراهنة في سبيل بلورة أنسنة حديثة للقرن الواحد والعشرين في منطقة حوض المتوسط وفي غيره من مناطق العالم.

وتمنح جائزة ابن رشد لمفكرين معاصرين يتموقعون ضمن الخط الفكري لابن رشد، مع سعيهم، من خلال أعمالهم، إلى المساهمة النوعية والراهنة في سبيل بلورة أنسنة حديثة للقرن الواحد والعشرين، في منطقة الحوض المتوسطي، وفي غيره من مناطق العالم. وستمنح، سنويا، إلى مترشحين، ينحدر أحدهما من الضفة الشمالية والآخر من الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، على أن ينظم حفل تسليم الجائزة، كل سنة، على التوالي، بمراكش وقرطبة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق