الرابطة المحمدية للعلماء

د. أحمد عبادي يحاضر بتطوان شباب المغاربة المقيمين بالخارج حول موضوع: “الإسلام والمجتمع”

شارك الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء الدكتور أحمد عبادي يوم الخميس 19 يوليوز 2018 بمحاضرة في موضوع: “الإسلام والمجتمع” بمقر رئاسة جامعة عبد المالك السعدي بتطوان، وذلك ضمن فعاليات الدورة العاشرة للجامعة الصيفية التي تنظمها الوزارة المنتدبة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، بشراكة مع مجلس جهة طنجة ـ تطوان ـ الحسيمة وجامعة عبد المالك السعدي.

 يستفيد من هذه الدورة ما يناهز مائة وعشرين شابا وشابة من الطلبة المغاربة المقيمين بالمهجر، وتمتد على مدى ثمانية أيام حافلة بورشات تكوينية وندوات علمية تؤطرها شخصيات بارزة من باحثين وخبراء مغاربة، فضلا عن برنامج سياحي ـ تثقيفي عبارة عن زيارات ميدانية لاستكشاف المؤهلات الطبيعية والسياحية والوقوف على مظاهر العراقة التاريخية لجهة طنجة – تطوان – الحسيمة.

وفي مفتتح محاضرته،

أكد الدكتور احمد عبادي أن موضوع “الإسلام والمجتمع”، يعتبر صورة مركبة من نصوص الوحي وسيرة النبي وآثار السلف، ومن مقومات المجتمع وشروط الواقع في مختلف أبعاده الراهنة.. ولا مجال للحديث عن فلسفة لإصلاح مجتمعاتنا دون الإلمام ببنية الإسلام المكونة من القرآن الكريم ونصوص السنة وآثار الصحابة والإلمام بما جرى به العمل في تاريخ الأمة، كما لا يتأتى ترشيد الإصلاح دون فهم الواقع والإطافة بمشاكله المعقدة ورهاناته المشتبكة. ولذلك  نبه المحاضر إلى خطورة هذه النسقية التي تحكم علاقة الدين بالمجتمع، وكأننا أمام دوائر ثلاث متداخلة؛ أولها تشمل معالم هذه النصوص المؤسِّسة، والثانية تكشف لك عن آليات استنباط الأحكام والتشريعات من هذه النصوص، أما الثالثة فتهمّ آليات التنزيل على واقع الناس المتغير.

 بخصوص الدائرة الأولى فقد انحفظت بحفظ الله لكتابه واجتهاد جلة العلماء الأقدمين في جمع الأحاديث والآثار وتمحيص رواياتها ونقد رجالها، وأما الثانية فتوقفك على قواعد التعامل من النصوص وآليات الاستنباط التي انتهض بها علماء الأمة وفق ترتيب محكم ودقيق؛ يبتدئ من علوم الكليات والمقاصد والقواعد والأصول.. فالأمر من جهة المماثلة أشبه بتصميم محرك من المحركات الآلية وفق خطاطة صارمة وتصميم دقيق وقواعد قطعية في التركيب والتدوير. ثم ننتقل من هاتين الدائرتين إلى أخرى ثالثة هي محل التطبيق العملي والتنزيل الفعلي لهذه التشريعات المنضبة لقواعد الفهم وآليات الاستنباط.

وإمعانا في البيان والتبيين، انطلق المحاضر في ضبط معاقد هذه الصورة التركيبية، مبينا عنصرين أساسيين يحكمان حقيقتها؛ أولهما الكليات الأولى للتشريع، وقد عددها المحاضر في الأعمدة الأربعة الكبرى الآتية:

1-   التوحيد باعتباره الصفة الفطرية في هذا الكون،

2-   والعمران وهو موطن استخلاف الإنسان فيه وما يتطلبه من تسخير واستصلاح،

3-   والتزكية بالنسبة للفرد والمجتمع،

4-   والاتصال وهو الأمر الرابط بين أفراد المجتمع ككل؛ ولكل واحدة من هذه العناصر الأربع تعريف خاص ووسيلة لكيفية التطبيق.

أما العنصر الثاني فتمثله المقاصد، وهي ما درج العلماء على حصره في خمسة أو ستة مطالب هي: الحفاظ على النفس والدين والكرامة والنسل والعقل والملكية أو المال. وهي مقاصد يتوجب على المسلمين أفرادا وجماعات ودولا القيام بما يحفظها من جهة الوجود والعدم ويكرسها في النفوس والتشريعات والمؤسسات ويجسدها في حياة الناس ومعايشهم. وإنا في بلدنا الحبيب المغرب لنلحظ تظافرا كبيرا للجهود من أجل حماية هذه المقاصد والحرص على توفير ما يناسب ضمانها من حقوق فردية ومجتمعية تكفل حماية الفرد والمجتمع من أسباب انخرامها وانهيارها، وعلى رأسها خطابات الغلو والتكفير ومظاهر التطرف والإرهاب.

بيد أن هذه الدوائر والعناصر لا تستقيم داخل المجتمعات في غياب مقوّم جوهري في الإسلام وهو القدوة. والخطر كل الخطر من محاولات اجتيال مفهوم القدوة ـ أو الأسوة ـ واختطاف شروطها من قبل  الجماعات المتطرفة التي تستغل شبكات الوسائط الاجتماعية (فايسبوك- تويتر…) استغلالا مدروسا لبث رسائل التطرف والغلو في نفوس المسلمين وإيهامهم بتوفر مقومات الاقتداء في أربابها وقياداتها، ما يستوجب النهوض بجهود كبيرة وجهاد حثيث من أجل مواجهة هذا الطوفان الهدام. وهذه المواجهة، لتكون راشدة وفاعلة، ينبغي أن تستهدي بحقيقة الدين المبنية على نصوص الوحي وهادياته ومقاصده وكلياته، ولا يتأتى ذلك إلا بإعداد العلماء المتمكنين من الدين والواقع حفظا وفقها وفهما واستنباطا المؤهلين إلى وصف الدواء الشافي لهذه الأمراض وتحرير الجواب الكافي عن شبهها ومستنداتها. وفي غياب هذه الأهلية ستستمر عمليات الاختراق من قبل المتطرفين وأصحاب الفهوم المشوهة للدين بما تسفر عنه من آثار سلبية على الأفراد والمجتمعات.

وفي ختام محاضرته جدد فضيلة الأمين العام للرابطة تأكيده على خطورة الخوض في علاقة المجتمع بالإسلام وضرورة الحذق بحقيقة الدين والفقه بواقع الناس لعلاج الأفكار الهدامة وترشيد الإصلاح، معربا عن سعادته بحسن إصغاء الطلبة ـ الذين يمثلون سفراء للوطن والدين ببلاد المهجر ـ ومتمنيا لهم إفادة طيبة من فعاليات هذه الدورة الصيفية وأنشطتها.

وتكلل اللقاء بفتح باب النقاش أمام الطلبة لإبداء جملة من الآراء والتعقيبات عبر عنها البعض بلغة الضاد وساقها آخرون باللغات الأجنبية، وتفاعل معها السيد المحاضر بالجواب باللغة العربية وبغيرها من اللغات الأجنبية الحية، ما أعطى هذه الندوة مسحة دولية متميزة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق