الرابطة المحمدية للعلماء

دور القادة الدينيين في تغيير السلوكيات الخطيرة – 88

مايو 12, 2007

تحت شعار “الأديان في خدمة الإنسان” نظمت الرابطة المحمدية للعلماء بالرباط، أيام 24-27 ربيع الثاني 1428 هـ (12-15 مايو 2007 م)، بتنسيق مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ورشة عمل إقليمية للوقاية من الإيدز في موضوع: دور القادة الدينيين في تغيير السلوكيات الخطيرة. وقد عرفت هذه الورشة حضور مجموعة من الشخصيات الدينية الإسلامية والمسيحية التي جاءت لدراسة الصلة بين السلوكيات الخطيرة وانتشار الإيدز في المنطقة العربية،
وتعظيم وعي القادة الدينيين بجذور وطبيعة السلوكيات الخطيرة، وتطوير الخطاب الديني ليصير أكثر فعالية في تغيير السلوكيات الخطيرة، وتأسيس برامج وصول للفئات الأكثر عرضة وبرامج وقاية الشباب من السلوكيات الخطيرة في سياق الهيئات الإيمانية.

في مهاد هذه الورشة أوضح الدكتور أحمد عبادي، أمين عام الرابطة المحمدية للعلماء، أن هدف هذه الورشة هو “إدماج البعد العقدي والقيمي في سبيل مواجهة الإيدز والإدمان”، وعدم “إهمال الجوانب الروحية والوجدانية” و”القيم والأخلاق” في عملية تغيير السلوكيات الخطيرة.

ويتطلب هذا الأمر -في رأي الدكتور عبادي- التعبئة الراشدة والواعية، وأن يقوم كل قادر بواجبه. وذكَّر الأمين العام بفتوى أحد علماء الأندلس عندما أشار إلى أنه “إذا استفحل البلاء فإن دفعه واجب على كل قادر، أما غير القادرين فعليه إقامة القادرين”. وقال في هذا الإطار: “نتوق لألسن بكم وأيد فصاح” في إشارة إلى تغليب العمل على القول، من أجل “بناء كفاءة ضاربة في الفاعلية وتغيير السلوكيات الخطيرة”.

من هذا المنطلق اعتبر الدكتور عبادي هذا اللقاء بمثابة “حدث عظيم”، وطفرة جديدة في مسار مكافحة الإيدز على مستوى العالم العربي، وبأن هذه الطفرة هي في مرحلة التشكل، وهو ما جعل الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء يرى بأن “اكتساب آلية التغيير واعدة بحق”، لكن بشرط التحلي ب”الجدية والقوة اللازمة”.

كما شدد على كون “أوبئة الآخرين هي أوبئتنا تطاردنا من ورائنا”، ومن ثم فإن الضرورة قائمة من أجل “إغاثة الملهوف والبلوغ إليه”، مذكرا بأن “الحسنات تزداد بحسب لهفة وحاجة هذا الملهوف”، ورأى أن إغاثة الملهوف من أعظم المعروف. ولاستيعاب حجم الخطر أشار إلى أن الإيدز يحصد كل ثلاثة أيام أكثر من ثلث ما حصدته هيروشيما وناكازاكي، فيوميا يقتل الإيدز 15000 شخص، أما حصيلة هيروشيما وناكازاكي فهي 35000 ضحية! وضرب مثالا آخر من أنواع المعروف التي وجب مباشرتها حالا، ويتمثل هذا المعروف في تغيير السلوكيات التي تجعل الفرد يمتهن ما يسمى بالجنس التجاري من أجل إعالة الأبناء.

وفي إشارة رائعة ساق الدكتور عبادي الحديث القدسي الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، يقول حكاية عن ربه: عبدي مرضت فلم تعدني فيقول كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ فيقول أما علمت أنه مرض عبدي فلان؛ فلو عدته لوجدتني عنده…..”
ثم أكد على أن المطلوب هو العيادة التي هي مختلفة عن الزيارة. لأن العيادة تتضمن الرعاية والتفقد للأحوال.

بالنسبة لإيفون هيل منسقة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في المغرب فإن هذا اللقاء لحظة فريدة بالنسبة لها. وهذا راجع إلى وجود مسلمين ومسيحيين في نفس الورشة، ويجمعهم هم واحد هو البحث في كيفية تغيير السلوكيات الخطيرة.

من ناحية أخرى، أشارت خديجة معلي، المنسقة الإقليمية لبرنامج الإيدز، في كلمتها الافتتاحية
إلى أهمية القيادة الصادقة والتحرك الفعال من أجل تغيير السلوكيات الخطيرة ومكافحة
الإيدز. كما ناشدت كل دول العالم على أن “تبني سياستها على مبدأ واحد وهو الحب: الحب
لشعوبنا، وتقديم مصلحتها وما ينفعها على أي مصلحة أخرى”. وشددت المنسقة الإقليمية على
ضرورة تكثيف الجهود لتحقيق شعار: “من أجل عالم خال من إصابات جديدة بحلول 2015”.

في نفس السياق، ذكرت خديجة معلي أنها فاتحت عمرو موسى (أمين عام جامعة الدول العربية)
في ضرورة وجود معاهدة عربية يوقعها كل ملوك ورؤساء الدول العربية من أجل حماية الأشخاص
المتعايشين مع فيروس فقدان المناعة المكتسبة، وهو الطلب الذي قبله عمرو موسى. وفي هذا
الصدد التمست المنسقة الإقليمية من جلالة الملك محمد السادس أن يكون أول قائد عربي
يوقع على هذه المعاهدة.

وفي مقابلة مع مجلة الإحياء قالت خديجة معلي “إنه على المستوى العالمي لا توجد معاهدة
دولية تحمي الأشخاص المتعايشين مع الفيروس… وبالتالي نأمل أن تكون المنطقة العربية
السباقة في العالم التي تكون لديها معاهدة في هذا الإطار”.

وحول الحقوق التي ينبغي حمايتها ذكرت معلي “الحق في العمل”، وفصلت هذا الأمر بالقول:
“عندنا أشخاص يطردون من أعمالهم، وأطفال يطردون من مدارسهم… وهناك آلاف من النساء
تطردهن عائلات أزواجهن من بيوتهن مع أطفالهن… وذلك عندما يتوفى أزواجهن بعد أن يصيبهن
بالفيروس”. وتضيف المنسقة الإقليمية: “عندما يعرف الشخص أنه سيطرد من عمله فإنه لا
يلجأ إلى التحليل الطبي… لكن إذا علم أن حقوقه ستكون محفوظة فإنه سيسارع إلى القيام
بالتحاليل”.

وذكرت معلي أن 95 % من الناس لا يعرفون أنهم يحملون فيروس السيدا؛ لأنهم خائفون من
الوصم والتمييز. ومواجهة الوصم تتم بالتعاون مع القيادات الدينية، وبتفعيل الجانب الإعلامي،
أما التمييز فيتم مواجهته بفعل جهود المشرِّعين.

كما أشارت، المنسقة الإقليمية، في نفس المقابلة، إلى أن هناك إنكارا شبه تام بخصوص
وجود السيدا في العالم العربي، وفي أحسن الحالات يتم الاعتراف فقط بحالات معدودة.

وفي هذا الصدد قالت معلي: في إفريقيا جنوب الصحراء كانت أرقام الإصابة بالإيدز ضئيلة،
مثل الوطن العربي، والآن أصبح لديهم 30 مليون من الحاملين للفيروس، والعالم كله فيه
40 مليون حامل للفيروس!، كما ذكرت أن المدمن على الحقن يمكن أن ينقل الفيروس إلى 2000
شخص في 18 شهر. ولمواجهة هذه المخاطر، أكدت على حاجة القادة الدينيين إلى الأدوات العلمية
الحديثة التي أثبتت نجاعتها في الوطن العربي كي يتمكنوا من الوصول إلى الفئات الأكثر
عرضة للإصابة بالمرض، وإخراجها من معاناتها. فلم يعد من المجدي الاقتصار فقط على الخطاب
الديني الوعظي المباشر، إنما لابد من التسلح بالمعرفة العلمية الجديدة التي ستمكن المريض
من الخروج من إدمانه. وفي هذا الإطار ذكرت المنسقة الإقليمية أن القادة الدينيين يصلون
إلى شرائح عديدة من المجتمع، وبأن كلمتهم مسموعة، وبالتالي فإن استوعبوا هذه الأدوات
فسيكون لديهم تأثير كبير على التنمية في العالم العربي، وليس على آفة السيدا فقط.

وعلى مدار أربعة أيام كاملة ناقش المشاركون الذين جاءوا من أغلب البلدان العربية، المحاور
التالية: أنواع السلوكيات الخطيرة وصلتها بالإيدز في المنطقة العربية، والجذور النفسية
والاجتماعية للسلوك الخطير، والمداخل المعرفية السلوكية للتعامل مع السلوكيات الخطيرة،
وأساسيات تغيير السلوك في المقابلات الفردية والجلسات الجمعية، والخطاب الديني وكيف
يصل لأصحاب السلوكيات الخطيرة، وبناء التماسك الداخلي والاستردادية للشباب الأكثر عرضة
للخطر. كما تم استعراض الأساليب المختلفة لتغيير السلوك مع الإدلاء بشهادات وخبرات
من الميدان، وتم تقديم نماذج تحرك القادة الدينيين في مواجهة السلوكيات الخطيرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق