مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية

تقرير ندوة: من النص إلى الخطاب، قواعد الانتقال وواقع التلقي والتأويل

ديسمبر 11, 2019

نظمت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، ممثلة في فرقة البحث الأدبي والسيميائي ندوة علميةً في موضوع «من النص إلى الخطاب، قواعد الانتقال وواقع التلقي والتأويل»، وذلك يومي الأربعاء والخميس 14 و15 ربيع الثاني 1441هـ/ 11و12 من ديسمبر 2019 بقاعة العميد محمد الكتاني.

وقد شارك في فعاليات هذه الندوة عدد من الباحثين من داخل المغرب وخارجه، وتوزعت أشغالها على جلسة افتتاحية، تلتها ثلاث جلسات علمية، فجلسة ختامية.

جلسة الافتتاح:

افتتحت الندوة بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم، ثم تلتها كلمة رئيس شعبة اللغة العربية الدكتور عبد الواحد العسري الذي ذكر أن اللسانيات قدمت خدمة جليلة للبحث العلمي، وأن هذه الندوة تأتي اليوم في هذا السياق العلمي الحافل واضعة لنفسها هذا العنوان وهو عنوان واضح ومركز، وواضحة استراتيجيته ورهاناته، كما تأتي لتميط اللثام عن بعض القضايا في موضوع النص والخطاب.

ثم تناول الكلمة السيد عميد كلية الآداب بتطوان الدكتور مصطفى الغاشي الذي رحب بالضيوف الكرام، وشكر اللجنة المنظمة، كما أشاد بجهود فرقة البحث الأدبي والسيميائي منوها بعملها وسهرها على تنظيم مثل هذه الندوات.

أما الكلمة باسم اللجنة المنظمة فقدمها الدكتور عبد الرحمن بودرع الذي ذكر أن هذه الندوة تسعى إلى دراسة إشكالية واضحة المعالم، وهي بيان أهمية الشروط اللسانية النسيجية في عملية بناء النص، ثم عملية الانتقال به إلى الخطاب، وقد وضعت أمام عينيها مقاصد وغايات أهمها: ارتياد حقول النص والخطاب وما بينهما من حركية وتفاعل وانتقال، كما ذكر  أن الندوة ركزت على محاور منها: العلاقة الجدلية بين النص والخطاب تنظيرا ودراسة، تطورا وتطبيقا، مع التركيز على مفاهيم الانتقال من النص إلى الخطاب.

الجلسة الأولى: النص والخطاب: بين القراءة والتأويل

قُدِّم في هذه الجلسة التي أدارها الدكتور عبد الهادي أمحرف ثلاث ورقات، أولها ورقة الدكتور خالد بن صالح بن مد الله السعراني عن جامعة القصيم بالمملكة العربية السعودية، بعنوان: «أفق التوقع في رواية (الحمام لا يطير في بريدة) ليوسف المحيميد»، وقد خلص في هذه المداخلة إلى أن الرواية من وجهة نظره قد تجاوزت أفق التوقع عند القارئ رغم الواقعية التي اتسمت بها على مستوى الأحداث وأسماء الشخصيات، ورغم أن هناك مجموعة من التراكمات السابقة التي تبقى في أذهان القراء.

أما الورقة الثانية فقدمها الدكتور عبد الرحيم برواكي عن جامعة محمد الخامس بالرباط بعنوان: «أهمية التأويل في الجمع بين النص والخطاب عند ريكور»، وقد سعى الدكتور إلى محاولة النظر في قواعد الانتقال من النص إلى الخطاب اعتمادا على خلفيات تأويلية واعتمادا على إبستيمولوجية التأويل، ووضح الدكتور أن تكريس هذا الانتقال لم يكن أساسا إلا بتفحص المجالات التي يكون لها أثر في توسيع دائرة العلاقة المحتملة بين نظرية النص والخطاب، وبَيَّنَ الدكتور أن بول ريكور قد عاد إلى نظرية النص وسخرها بطريقة متكاملة لخدمة هدفه.

وقدمت في آخر هذه الجلسة ورقة الدكتور أحمد بوعود عن جامعة عبد المالك السعدي بتطوان، موسومة ب«جان غروندان قارئا للدائرة التأويلية بحث في الجذور والتطورات»، ولتناول هذا البحث طرح الدكتور مجموعة من الإشكالات التي يمكن أن نلخصها فيما يلي: أولا: ما هي الدائرة التأويلية؟ وما هي جذورها؟ وثانيا: كيف تمثلت هذه الدائرة لدى مفكري التأويلية؟ وثالثا: هل لهذه الدائرة مفهوم أو معنى واحد أم معاني متعددة؟ وأخيرا كيف يقرأ غروندان هذه التمثلات، وللإجابة عن هذه الإشكالات نهج الدكتور خطة محكمة بحيث قسم بحثه إلى أربعة محاور، أولها يبحث في جذور الدائرة التأويلية، وثانيها حاول فيه أن يقارب دائرة ديلطاي، والمبحث الثالث في نقد هايدجر، أما المحور الأخير فقد قارب فيه التفسير الجديد للدائرة التأويلية.

الجلسة الثانية: النص والخطاب في التراث اللغوي والبلاغي

وقد أدار هذه الجلسة الدكتور محمد الحافظ الروسي، وأول مداخلة في هذه الجلسة هي مداخلة الدكتور عثمان انجوغو تياو عن جامعة شيخ أنتا جوب بدكار بالسينغال، وعنوان مداخلته: «مفهوم السياق في التراث العربي والدرس اللساني الحديث»، وقد سلك الدكتور منهجا معينا، ذلك أنه وقف وقفة سريعة على مفهوم السياق وفهم نظرية السياق في اللسانيات ليصل إلى معرفة السياق في الدرس اللغوي العربي قديما، وقد وقف أولا مع النحويين معتمدا على كتاب سيبويه والمقتضب للمبرد والخصائص لابن جني، ثم وقف ثانيا مع البلاغيين، وخلص إلى أن العلماء العرب كانوا على دراية تامة بمفهوم السياق.

أما المداخلة الثانية فكانت بعنوان «الخطاب الأدبي عند السكاكي قراءة في مقومات البناء وجهات التحصيل» ألقاها الدكتور عدنان أجانة عن جامعة عبد المالك السعدي، كلية الآداب، تطوان، وقد ذكر أن أهم ما يميز عمل السكاكي هو نظره فيما لا يكون به الخطاب الأدبي خطابا وهي مثارات الخطأ، وفي الختام أفضى التعامل المباشر للسكاكي مع الخطاب الأدبي إلى النظر في العلاقات الممتدة بين الجمل، ذلك عند حديثه عن اتصال الجمل بعضها ببعض وانفصالها من خلال ثنائية الفصل والوصل، وهي تنسحب على النص كله لأن كل خطاب يمكن أن تتوالى جمله إلى نهايته من خلال هذه الثنائية، ثم ملاحظة هذه الأحوال ثانيا، ثم تجريدها وتسميتها ثالثا، وحديثه في كل هذا كان منحصرا في إطار الجملة. وإذا كانت لسانيات النص اليوم ترى محدودية هذه النتائج المبنية على دراسة الخطاب الأدبي دراسة يحترز بها من الخطأ فإن قيمتها تستند إلى كونها تقوم على تطبيقات وافية من النصوص الأدبية، وتوظف مصطلحات واصفة تميل إلى تحليل دقيق للجمل داخل الخطاب، وتقدم لها تفسيرا في إطار ما يسمح به ذلك التصور والمنهج ومقصد الدراسة، وخلص في النهاية إلى أن الصلة التي أبداها السكاكي في كتابه تبقى متماسكة نظريا ومنهجيا على جهة تصلح أن تكون مقدمة من مقدمات النظر في بناء الخطاب والنص ومدخلا من مداخل هذا الموضوع.

أما المداخلة الثالثة فقد ألقاها الدكتور هشام بحيري أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي بثانوية القاضي عياض بتطوان، بعنوان «تحليل الشاهد الشعري بين النصية والخطابية: شواهد خزانة الأدب أنموذجا»، وقد انطلق في مداخلته من عَدِّ الشاهد الشعري مدخلا تناقله الرواة ودونته المدونات النحوية وفق شروط دقيقة وضوابط صارمة ويخضع لشروط البناء اللغوي ونسيج تركيبه، يتميز معماره بالتماسك والانسجام، ثم تحدث عن الحاجة أحيانا أثناء شرحه وتحليله إلى التعامل معه بِعَدِّهِ خطابا وبكونه بناء متحركا يحتاج في دراسته إلى استحضار السياق المقامي الذي أنتج فيه، بما فيها الطرائف اللغوية والتداولية، واتخذ من شواهد (خزانة الأدب) للبغدادي متنا تطبيقيا لاختبار مدى حضور هذا التصور لدى صاحب الخزانة أثناء التحليل النحوي للشواهد، وقد قسم مداخلته إلى تمهيد ومحورين؛ وقد تحدث في التمهيد عن المفهومين اللغوي والاصطلاحي للشاهد الشعري وقيمته في الدرس النحوي، وخصص المحور الأول للحديث عن مظاهر النصية في تحليل البغدادي للشواهد الشعرية، فيما تحدث في المحور الثاني عن المظاهر الخطابية في تحليل الشاهد الشعري.

الجلسة الثالثة: النص والخطاب في اللسانيات

وقد أدار هذه الجلسة الدكتور عبد الكريم المرابط الطرماش وقدمت خلالها أربع مداخلات، أولها مداخلة الدكتور عبد الرحمن بودرع عن جامعة عبد المالك السعدي، كلية الآداب، تطوان

 بعنوان «النص اللغوي من التحليل إلى التركيب، دراسة في طرق بناء النص»، وانتهى الدكتور في مداخلته إلى أن بناء الخطاب وتحليله إجراءان متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر ولا يتصور أحدهما بمعزل عن الآخر، إذ يدخل في البناء معرفة شروط البناء اللغوي التي تؤلف النسيج النصي للخطاب فهي النواقل التي يبنى بها كل خطاب، ويدخل في التحليل إعادة تشكيل السياق واستدعاء مكوناته الاجتماعية والثقافية والإدراكية، إذ لا ينفك كل خطاب عن السياق الذي وُلِدَ منه لكن ذلك لا يمنع أن يبنى للخطاب سياق جديد عند كل قراءة وعند كل تكوين.

أما المداخلة الثانية فقدمتها الدكتورة فاطمة السلامي عن جامعة القاضي عياض، كلية اللغة العربية بمراكش، وهي بعنوان «اللسانيات المقارنة وخصائص النص العربي»، ومن هذه الخصائص التي وقفت عندها: خصائص الأصوات، وخصائص النسق الزمني، والزمن والسياق المقامي الخطابي، مع التمثيل لكل هذه الخصائص بأمثلة من الكلام العربي، وقد كان بحثها ذا بعد تطبيقي.

أما المداخلة الثالثة فقدمها الدكتور عبد الله بن محمد الغفيص عن جامعة القصيم، كلية اللغة العربية بالمملكة العربية السعودية، وعنوانها «النص والخطاب تباين أم تشاكل في حقل الدراسات اللسانية»، وتأتي مداخلته في سياق الحديث عن العلاقة الجدلية بين النص والخطاب من الناحية المنهجية لتحقق بواعث الانتقال من النص إلى الخطاب، فمعلوم أن اللسانيات تحولت من لسانيات الجملة إلى لسانيات الخطاب بمفاهيمها الخطابية من حيث الدلالة والتداول والسياق التداولي، وهذا الأمر فتح الباب وآفاقا واسعة في تحليل النص وفهم أبعاده الصوتية والتركيبية والتداولية، لذلك كان لزاما عليه أن يقف عند تحليل المصطلح، فتحليل المصطلح من الأولويات التي يجب أن نقف عندها لنميز بين هذه الأشياء، ثم تساءل عن ماهية النص والخطاب من الناحية المفاهيمية اللغوية وكذلك الاصطلاحية، وما طبيعة العلاقة بين النص والخطاب من حيث الاستعمال ومن حيث التركيب، وقد حاول أن يحدد التمايز بين النص والخطاب هل هما شيء واحد أم شيئين مختلفين أم هما مكملين لبعضهما.

وختمت هذه الجلسة بمداخلة رابعة قدمتها الدكتورة نجوى حيلوت عن جامعة المولى إسماعيل عن كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس، بعنوان «الخطاب بين المنظورين اللساني والاستدلالي»، وأطروحة مداخلتها أن الخطاب لا ينتمي إلى مجال اللسانيات بل إلى مجال آخر هو علم التواصل، ويمكن القول إن جل المقاربات المعاصرة في دراسة الخطاب يمكن أن يتجلى ضمن هاذين المنظورين، المنظور اللساني والمنظور الاستدلالي، وبالنسبة للمنظور اللساني تؤسسه قاعدتان هما: قاعدة الاتساق والانسجام، وبالنسبة للمنظور الاستدلالي فالعملية الاستدلالية والوصول إلى الاستلزام الحواري المناسب هو مرتَهن بمعرفة السياق الذي يكون فيه المتخاطبين، وخلصت إلى أن الاستدلال هو تلك العملية التي يقوم بها المؤول لاسترجاع مقاصد المتكلم انطلاقا من الإشارات اللغوية وغير اللغوية.

وقد تخللت هذه الجلسات الثلاث مناقشات جادة شارك فيها الأساتذة المتدخلون والطلبة الباحثون.

جلسة الختام:

أدار الجلسة الدكتور عبد الرحمن بودرع، وتم فيها تلاوة التوصيات وهي كالآتي:

1- الاستمرار في عقد مثل هذه الندوات التي تسهم في تنمية البحث العلمي.

2- طبع أعمال هذه الندوة وتعميم نشرها لتعم الفائدة لدى الباحثين.

3- اقتراح تنظيم ندوات تغني موضوع النص والخطاب وتلقي الضوء على أهم نظرياته وآفاقه.

4- اقتراح تسجيل صوتي وفيديو للندوة وما أثير فيها من نقاش وإشكالات ومداخلات مهمة وما دار فيها من علم ومعرفة.

5- إعداد دليل للباحثين المشاركين في هذه الندوة لتسهيل عملية التواصل بينهم.

6- الاهتمام بالجانب التطبيقي في مثل هذه الندوات التي تنزع منزع التنظير ويبقى الجانب التطبيقي ضامرا فيها.

7- العناية بالنماذج التطبيقية المبثوثة في التراث العربي ومعالجته في ما تم تداوله في الندوة.

8- اقتراح تنظيم ندوات متخصصة في مناهج القراءة والتأويل وفي تطبيق مناهج الخطاب على التراث العربي عموما والقرآن الكريم خصوصا.

ثم تناول الكلمة باسم الضيوف المشاركين في الندوة الدكتور خالد بن صالح بن مد الله السعراني، ثم كلمة باسم اللجنة التنظيمية تناولها الدكتور عبد الرحمن بودرع منسق فرقة البحث الأدبي والسيميائي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق