مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية

تقرير محاضرة «أخبار أبي تمام لأبي بكر الصولي (تحقيق وترجمة)» التي ألقتها الأستاذة الدكتورة بياتريس غروندلر

في إطار الأنشطة العلمية التي يسهر على تنظيمها مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية بتطوان التابع للرابطة المحمدية للعلماء، استضاف المركز محاضرة عن بعد بعنوان: «أخبار أبي تمام لأبي بكر الصولي (تحقيق وترجمة)» ألقتها الأستاذة الدكتورة بياتريس غروندلر، وذلك مساء يوم الخميس 22 ربيع الآخر 1444هـ الموافق ل 17 نونبر 2022م.

بدأت هذه المحاضرة بكلمة رئيس مركز ابن أبي الربيع السبتي فضيلة الدكتور محمد الحافظ الروسي الذي رحب بالحضور الكرام المتابعين عن بعد في غرفة المحاضرة، كما عرَّفَ بالدكتورة بياتريس غروندلر وهي مستعربة ألمانية من مواليد عام: 1964م، أستاذة اللغة العربية والأداب العربي بجامعة برلين الحرة منذ عام: 2014م، كما درست في جامعات ستراسبورج (الفرنسية)، وتوبنجن (الألمانية)، وهارفارد (الأمريكية)، وقد حصلت على الدكتوراه من قسم لغات الشرق الأدنى وحضاراته بجامعة هارفارد عام: 1995م، وعملت أستاذة مساعدة (من 1996 حتى 2002م)، ثم أستاذة الأدب العربي بجامعة ييل من (2002 إلى 2014م)، كما ألفت وأصدرت عديدا من الكتب والأبحاث العلمية، آخرها: تحقيق وترجمة كتاب «أخبار أبي تمام لأبي بكر الصولي» وهو من منشورات المكتبة العربية عام: 2015م، وهو موضوع هذه المحاضرة، كما لها إسهامات فيما يتعلق بالترجمة والمخطوطات العربية، وقد حصلت سنة: 2017م على جائزة «غوتفريد ويلهلم ليبنيز» وهي جائزة علمية تمنحها مؤسسة البحوث الألمانية للعلماء والأكاديميين المتميزين لإنجازاتهم المتميزة في مجالات البحث العلمي.

وقد استهلت الدكتورة حديثها بذكر أسباب اختيارها لهذا الكتاب، ومنها: اهتمامها بالتاريخ الإجتماعي للشعر؛ كما بينت أن واحدة من حسنات هذا الكتاب هو أن الشعر فيه لا يأتي على شكل قصيدة كاملة بل على شكل أبيات معدودة سمتها «جرعات صغيرة».

وبينت أن الكتاب يعطينا طبقتين؛ طبقة الذين أعجبوا بشعر أبي تمام مثل الخلفاء الذين استحسنوا شعره لأنه أظهر حسا جماليا جديدا، وطبقة الذين لم يعجبوا به خاصة اللغويين، وبعد مائة سنة يأتي الصولي شارحا لذلك الشعر، فهو يشرح مبررات ذلك ولماذا لم يكن الآخرون على صواب فيخلق لنا هذا نوعا من النقد الشعري الذي امتاز بحيويته واعتماده على الحكاية، وقد اعتبرت الدكتورة بياتريس غروندلر هذا الكتاب مؤثرا للغاية لأنه يظهر أن أفكارا كانت لا تزال تختمر وتتعلق بشرح جمالية الشعر، ووضحت أيضا أن هذا الكتاب أثر لاحقا في نقد الشعر، فقد تبلور نقد الشعر بعد الصولي إلى علم قائم بذاته بحيث يدرس الشعر فيه بشكل منهجي فأصبح النقد واضحا وشاملا، غير أنه لم يكن في نظرها ممتعا، وقد نظرت الباحثة إلى الخلاف حول أبي تمام في سياق الأدب العالمي ممثلة لذلك بأمثلة من الأدب الغربي.

ثم انتقلت الباحثة للحديث عن مؤلف الكتاب وهو الصولي، متسائلة عن التاريخ الذي ألف فيه الصولي كتابه، وكيفية ترتيبه كل المعلومات التي وصلت إليه في شكل نتف، وكيفية تنسيقها، مشيرة إلى اعتماده على خزانة الكتب التي كان يمتلكها وأيضا دواوين الشعراء التي جمع بعضها بنفسه، واعتبرت الدكتورة بياتريس غروندلر هذا الكتاب حفنة جامعة لأدب القرن التاسع الميلادي والثالث الهجري، وهو شامل في اعتماده على أنواع أدبية مختلفة غير أنه في نظرها ليس منهجيا، وهذا ما جعل الباحثة تسهر على أن يأتي فهرس الموضوعات مفصلا جدا ليسهل على القارئ الاطلاع عليه والاستفادة من المعلومات الواردة فيه.

وذكرت الدكتورة بياتريس غروندلر أن الكتاب مؤلف واحد وإن كان الصولي قد شكله في أنواع أدبية مختلفة، وبينت أن الصولي عالم ذو مصداقية عَمِلَ على الإشارة إلى مصادره وهو يوجه سهام الانتقاد إلى كل من لم يفعل ذلك، وهو في نظرها يقدم حجة منسقة فهو يجعل الآخرين يقولون ما يود هو أن يقوله، وأن يقول مؤلفون متقدمون ذلك يعطيه تأثيرا أقوى، كأن يقتبس المؤلف الإنجليزي اليوم من شكسبير مثلا حسب تعبيرها.

وبينت الدكتورة بياتريس غروندلر أن أبا تمام نفسه كان جامعا وهو ما يظهر في فصل «ما رواه أبو تمام» في آخر الكتاب، وهي أخبار صنفها أبو تمام نفسه، وبينت أيضا أن هذه الأخبار لا يظهر فيها أي موضوع متجانس، وأنه كان يجمع الأفكار المتناقضة ذات المنطق الزائف، كما جمع الأقوال الفصيحة، وتساءلت الباحثة عن كيفية حصول الصولي على هذه المرويات التي جمعها أبو تمام، وذكرت الدكتورة بياتريس غروندلر أن الأسانيد التي نجدها في هذا الفصل غالبا ما تكون مكررة وتقف عند أبي تمام نفسه، وهذا يظهر أن أبا تمام الشاعر كان جامعا لمصادر أولية جيدة في النثر، وأنه قرأ الدواوين القديمة والحديثة المعاصرة وفي نفس الوقت استمع للناس حوله وأخد أي كلام منطقي أو متناقض كان يروقه.

وتلىت هذه المحاضرة تدخلات للحاضرين في غرفة المحاضرة عن بعد أساتذة وطلبة باحثين، منهم الدكتور عبد الرحمن بودرع أستاذ اللغويات واللسانيات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان الذي ألقى كلمة تقدير في حق الدكتورة بياتريس غروندلر شاكرا الدكتور الفاضلة على هذه المحاضرة القيمة، كما شكر مركز ابن أبي الربيع السبتي على إتاحة هذه الفرصة العلمية الرائعة للاستماع لهذه العالمة التي أعطتنا فكرة عن كتاب الصولي، وبين في مداخلته أن هذه المحاضرة هي تعبير عن عمل علمي قامت به الدكتورة وأن هذا العمل يعكس الفكر العلمي العبقري الألماني الذي أسهم في إخراج وقراءة جزء من التراث، وهذا ليس بغريب عن المستشرقين الألمان والمستعربين والعلماء الذين أسهموا في قراءة التراث العربي الإسلامي وتحقيقه وترجمته مثل: ترجمة كتاب سيبويه، فهذا أمر يدل على اجتهاد وعلى فكر عال جدا.

ودارت معظم أسئلة المتدخلين حول مشاكل الترجمة من العربية إلى الإنجليزية وصعوبتها خاصة ترجمة الشعر، وكذا عن ترجمة المقدمة التي كتبتها عن كتاب الصولي وهي مقدمة كُتِبت بالإنجليزية وإمكانية ترجمتها للعربية ليتمكن القارئ العربي من الاطلاع عليها. وتلت هذه التدخلات ردود الدكتورة بياتريس غروندلر مما خلق جوا من النقاش العلمي الجاد محوره الأساس هو الترجمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق