مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام

تقرير عن ندوة دولية حول: “زواج القاصرات: مقاربة اجتماعية-ثقافية وقانونية”

مونية الطراز

بشرى لغزالي

بمبادرة من  مركز إيزيس لقضايا المرأة والتنمية، ومركز جنوب شمال، وبشراكة مع الاتحاد الوطني للمنظمات النسائية، وبتعاون مع منظمة أصوات حيوية نُظمت يوم السبت والأحد 5-6 ماي في رحاب قاعة قصر المؤتمرات بفاس، ندوة  دولية حول ” زواج القاصرات: مقاربة اجتماعية – ثقافية وقانونية.”
في الجلسة العلمية الصباحية الأولى والتي حملت عنوان “زواج القاصرات من الناحية القانونية” تقدّمت الأستاذة زهور الحر بمداخلة بعنوان: “زواج القاصر بين النص والواقع” عرضت فيها النقاشات التي دارت بين أعضاء لجنة مراجعة قانون الأحوال الشخصية، حيث طالب البعض برفع سن الزواج إلى 18 سنة بالنسبة للفتاة والفتى ضدا على طلب آخرين أصروا على أن يبقى سن الزواج كما كان في قانون الأحوال الشخصية (15 سنة بالنسبة للفتاة و 18 سنة بالنسبة للفتى)، في حين كان مطلب ثلة أخرى أن يرفع سن زواج الفتاة إلى 16 سنة، لتطابق هذا السن مع سن الرشد الجنائي، بيْد أن فريقا رابعا في اللجنة رأى –حسب المحاضرة- أن سن الزواج يحدد بسن البلوغ، وفي توضيحاتها بيّنت الحر أن المشرّع، بعد أن استقر على الاختيار الأول، نص على العمل بما يمليه الاستثناء المقيّد بشروط، وأعطى للقضاء دورا في تنزيل النص المعدّل تنزيلا سليما يحفظ جوهره، ومع ذلك فإن زواج القاصرات -بحسبها- أصبح ظاهرة مقلقة، وبقيت قوانينه التشريعية على حالها خاما لم تنزّل التنزيل الصحيح.
بعد ذلك ناول مسيّر الجلسة الدكتور موحا  الناجي الكلمة إلى الأستاذة فاطمة مغناوي التي قدّمت عرضا بعنوان: “زواج القاصرات: شهادات حيّة” قدّمت فيه شريطا مصورا نقل شهادات حية لمعاناة فئة من الزوجات القاصرات، وقدّمت على أثره مقترحات لتعديل المواد: 20-21-164-231.
أما الدكتورة مليكة بنراضي، فكان عرضها بعنوان “زواج القاصرات في المغرب: أية مقاربة قانونية؟” قدّمت فيه إحصائيات حول نسبة زواج القاصرات بطنجة، وذكّرت بالمناسبة بضرورة التزام الحياد والموضوعية عند إجراء الدراسات الميدانية وتقديم الإحصائيات، وعابت في هذا الصدد على الوزيرة السابقة نزهة الصقلي رفضها لنتائج كانت قد قدّمتها لها حين كانت وزيرة للأسرة والتضامن حول واقع المساواة في المغرب لتضمنها نتائج تخالف قناعات الوزيرة حول الولاية في الزواج.
وتحت عنوان “زواج القاصرات والوعي الجماعي” اعتبرت البرلمانية أم البنين لحلو أن الإشكالية الأساسية في الموضوع تتجلى في الصراع بين التقليد والحداثة، وأكّدت على ضرورة اقتحام الواقع وتقديم حلول عملية لهذه الظاهرة بدل الاكتفاء بالدراسات الاجتماعية التي تبقى حبيسة الرفوف.
ومن جهتها تحدثت الجزائرية مليكة بنعودة عن “الزواج المبكر: معوقات تحديد انتهاء سن الطفولة في الدول العربية” فأشارت إلى التناقض الحاصل بين الميثاق الوطني لحقوق الطفل الذي ينص على أن حد الطفولة هو 15 سنة، وبين الاتفاقيات الدولية التي جعلت حد الطفولة 18 سنة، ودعت الدول العربية إلى إجبارية احترام المواثيق الدولية التي صادقت عليها دون الوقوف على عوائق الخصوصيات أو التذرع بالاستثناءات.
في الفترة المسائية انعقدت الجلسة الثانية لهذه الندوة لمدارسة محور جامع عنوانه “زواج القاصرات من الناحية القانونية والاجتماعية”، فكانت الكلمة أولا للسيد Gbadamosi Olaide” نابت عنه الطالبة بن حرمة  التي تحدثت عن “دور القضاء في محاربة زواج القاصر” فأشارت إلى ضرورة تطبيق المبادئ العالمية لحقوق الإنسان في المغرب، وضرورة تطبيق العدالة عبر قراءة مستنيرة للمدونة، قصد تحقيق المساواة، وتمتيع النساء والفتيات بحقوقهن الإنسانية. وشدّدت على الدور الذي يمكن أن يضطلع به كل من المحامين والقضاة عبر اتباع المحامين نهجا إصلاحيا واضحا للقوانين، وكذا من خلال استراتيجيات تمكّن من تحسين وضع الفتيات. أما القضاة فيتمثل دورهم في منع الزواج المبكر وكشف كل الخروقات المحتملة وتسهيل الولوج إلى القضاء والتأكد من تطبيق العقوبات وتحديد عمر معين للزواج. أما المقترحات التي أتى بها هذا العرض فتتلخص في السهر على تطبيق القوانين الوطنية والدولية المعتمدة، وإدخال تعديلات على القوانين المغربية والنص على إجبارية تسجيل الولادات وإنشاء خطوط هاتفية مثل الخط الأخضر لتقديم المساعدة وتسهيل ولوج الطرفين إلى المحكمة والحماية من الزواج المبكر.
بعد ذلك تقدّمت الدكتورة زهور الحوطي بمداخلة بعنوان: “زواج القاصر بين النص القانوني والتنزيل” وضعت اليد فيها على مكمن الخلل في هذه الظاهرة انطلاقا من مقتضيات النص القانوني وتنزيلاته على أرض الواقع.
وفي مداخلة متميّزة خرجت عن صرامة المقاربات القانونية، عالجت الدكتورة نادية لعشيري موضوع “الفتاة القاصر بين عنف الواقع وقصور القانون” فأشارت إلى طبائع القضاة والتحديات التي تعترضهم في الملفات المتعلقة بمثل هذه الزيجات، وتحدثت بهذا الصدد عن اتجاهين اثنين: الأول متساهل تجاه القضايا المعروضة ويلقى معارضة من الجمعيات النسائية، والثاني متشدد  ويلقى معارضة شديدة من رجال الدين المتشددين، وأكدت المتدخلة أن مراعاة التدرج في تغير العقليات لازم في هذه المسألة خصوصا في البوادي. المتدخلة شدّدت من جهة أخرى على ضرورة توفير الحماية الكافية للفتاة، وعلى ضرورة تسليح الأبناء أيضا بالفضيلة والأخلاق وبتربية جنسية سليمة تكن لهم عصمة ومناعة ومدخلا لحسن الاختيار. الدكتورة لعشيري دعت أيضا في مداخلتها إلى تبني مقاربة شمولية في التعاطي مع هذه القضية، وناشدت الجميع ليبذلوا الجهود الكافية من أجل تحسين الظروف المعيشية، خاصة للفتاة القروية، حتى لا تضطر لزواج لا يراعي فيها النضج والاكتمال.
الجلسة الثالثة لهذه الندوة ترأستها الدكتورة فاطمة صديقي التي أحاطت الحاضرين علما بالموضوع الكبير للمداخلات، فأعطت الكلمة في البداية إلى الدكتورة Ousseina Alidou أستاذة جامعية باحثة ومديرة مركز الدراسات الإفريقية بأمريكا، هذه الأخيرة تحدثت عن نظام الزواج في كل من كينيا والنيجر، وبررت اختيارها بتشابه تجربة هذين البلدين، واشتراكهما في العوامل التي تدفع إلى زواج القاصرات، بعضها يتصل في نظرها بالعادات والتقاليد، والآخر بالشريعة الإسلامية، في حين لازالت آثار القانون الموروث عن الاستعمار الفرنسي توجّه الأحكام في البلدين مع ما فيها من قصور، كما أوضحت في حديثها أن زواج القاصرات يمس بشكل أكبر المجال القروي، بسبب ارتفاع نسبة الأمية وجهل اللغة الفرنسية التي أعدت بها القوانين. وأشارت إلى بعض أسباب زواج المراهقات مثل الإرث ومسألة الشرف والسعي إلى حماية مصلحة الأسرة. كما أوضحت أن زواج القاصرات يزيده سوءا فارق السن الكبير الذي يباعد بين طرفي الزواج، والذي يكون فيه الزوج غالبا متعدد الزوجات. هذه الوقائع –حسب توضيحات المتدخلة- تحتاج إلى تصحيح واعي وناضج يراعي سمو القوانين التي تحفظ كرامة الإنسان، وفي هذا السياق نبّهت إلى أن الإسلام  أيضا تحدث عن المسؤولية الاجتماعية وحقوق الإنسان، وهو صاحب فضل في ذلك على خلاف ما يردده الناشطون في حقوق الإنسان الذين يرجعون حقوق المرأة إلى الغرب.
الدكتورة أليدو دعت في ختام مداخلتها إلى ضرورة بناء حداثة تبتعد عما خلّفه الاستعمار، فالقيم الأصيلة لا بد أن تؤخذ بعين الاعتبار، لأن الغرب ليس مهد الحداثة/الحضارة كما يدعي البعض.
بعد ذلك تقدّم الأستاذ محمد روضي بمداخلة عنوانها: “الأسباب والنتائج لزواج القاصر بالمغرب” أوضح فيها أن القانون المغربي –خلافا لما راج في وسائل الإعلام مؤخرا- ليس فيه أي بند يتيح للمغتصب الزواج من المغتصبة وينفي عنه المتابعة القانونية، وأن النصوص القانونية تضرب بشدة على يد المعتدين على الأطفال. المشكلة في الموضوع -حسب الأستاذ المتدخل – تكمن في مقدمات هذا الزواج وأسبابه، فهذه الأسباب التي أوضح بعضها في المداخلة صاحبة المسئولية الكبرى فيما يؤول إليه الأمر في غالب الأحوال التي تكون الفتاة ضحيتها، ولم يفته أن يقدّم حلولا رآها كفيلة بالحد من الظاهرة.
من جانب آخر تحدثت الموريتانية ينصره بنت محمد محمود عن “عوائق تطبيق مدونة الأحوال الشخصية (موريتانيا نموذجا)” حيث نقلت تجربة بلدها في المسألة، فتكلمت عن اصطدام تطبيق المدونة في بلادها ببعض المعيقات المادية والمعنوية، وتحايل القضاء على الأحكام الخاصة بحق المرأة في اختيار الزوج.
وعن تجربة تونس ألقت الأستاذة خديجة عرفاوي محاضرة بعنوان: “أسباب زواج القاصر في تونس” وقارنت بين وضع النساء التونسيات في الأمس واليوم حيث أحالت على ما تنص عليه مدونة الأحوال الشخصية في تونس من أن اغتصاب القاصر يؤدي إلى السجن من 5 إلى 6 سنوات، وأن موافقة الطرفين ضرورية لعقد الزواج، وأن زواج القاصر يُمنع إلا بترخيص من القاضي لأسباب خاصة وملحة.
هذا وقد حملت الجلسة الرابعة لصبيحة يوم الأحد عنوان ” زواج القاصر من الناحية الاجتماعية الثقافية” وكانت من تسيير الأستاذة سلاوي سعاد التي ناولت الكلمة للأستاذة مينة سغراتي  للحديث عن ضرورة ” إلغاء المادة 20 استعادة لكرامة المرأة” فبيّنت أن نسبة زواج القاصرات في ارتفاع لاعتبارات دينية ونفسية وبيئية، وأكّدت على أن إلغاء هذه المادة مسألة ضرورية، ويستدعي تضافر جمعيات المجتمع المدني بالإضافة إلى إشراك الوعاظ والمرشدين ووزارة الشبيبة والرياضة وكل الفاعلين من أجل التصدي لظاهرة زواج القاصرات.
وفي نفس السياق قدّمت الأستاذة أسماء النيبت مداخلة بعنوان “زواج القاصرات أو ثقافة الموت” بيّنت فيها أن مسئولية المجتمع المدني في هذا الصدد تتخذ مسارين: مسار الضغط من أجل حذف المادة 20، ومسار التوعية والتحسيس بأخطار هذا الزواج، ودعت إلى تعاون مؤسسات المجتمع المدني مع الجمعيات النسائية.
أما آخر جلسات هذه الندوة فقد حملت عنوان “زواج القاصر: أية حلول؟ دراسة ميدانية” وكانت من تسيير Ousseina Alidou. تحدث الدكتور موحى الناجي في مداخلته عن “معضلة تزويج القاصرات والتحايل على القانون”، حيث اعتبر في البداية أن تزويج القاصرات ظاهرة عالمية، معللا ذلك بكون 14 مليون مراهقة في العالم تلد كل سنة، كما أن الدول المتقدمة لم تسلم بدورها من هذه الظاهرة، بما فيها أمريكا التي تشهد ولادة المراهقات اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 12 و14 سنة، وتخلي الآباء عن أطفالهم لتتبناهم فيما بعد أسر أخرى. ثم قدّم أمثلة لدول عربية تعرف أيضا ظاهرة تزويج القاصرات كالسعودية ومصر واليمن. وتوقف عند المغرب إذ عرض من أسباب هذه الظاهرة الفقر، ولاسيما في المناطق القروية، والأمية وكذا ما أسماه التفسيرات الخاطئة للإسلام، حيث أشار إلى أن الإسلام لم يحدد سنا للزواج لأن ذلك يعتمد على العوامل المحيطة. وقدّم مجموعة من النتائج التي تترتب عن هذا الزواج كالهدر المدرسي والأذى النفسي الذي يلحق بالأم.
وبعد مداخلته قدّمت الدكتورة حكيمة حطري عرضا قيّما بعنوان “الإجراءات الخاصة بتزويج القاصر بين الضوابط القانونية والواقع المعيش/ولاية فاس بولمان” أكدت فيه أن الزواج ميثاق غليظ ينبغي احترامه، وأن قدسية الأسرة والمستمدة من هذا الميثاق في الإسلام، تحتم على الجميع قضاة وولاة وأزواجا احترامها، وأشارت الدكتورة أيضا إلى شروط الأهلية، وكذا إلى الخطوات المتبعة في توثيق عقد الزواج، كما أكدت أن الاستثناء في زواج القاصر يلتزم مسطرة معقّدة، ودعت إلى ضرورة متابعة القضاة فيما يستصدرونه من أحكام بخصوص الإذن أو عدمه.
وتحت عنوان “زواج القاصرات: الأسباب والتحديات- دراسة ميدانية” أكدت سعاد سلاوي على أن الاستثناء في زواج القاصرات عدّ ثغرة استغلها الآباء والمجتمع، وذكّرت بهذا الصدد بحالات نساء عانين من جراء زواجهن المبكر، وقدمت في ختام الحديث عن ملابسات هذا الزواج حلولا رأتها كفيلة بالحد من ارتفاع نسبة زواج القاصرات.
وفي مداخلة أخرى قدمت الأستاذة ريم السراجي عرضا بعنوان “مواقف اتجاه تطبيق المدونة وزواج القاصرات في منطقة فاس-مكناس وجبال الأطلس”، حيث أظهرت مجموعة من المواقف المتباينة ما بين التأييد والمعارضة بخصوص التعدد والحضانة والطلاق والسن الأدنى للزواج، استقتها من نتائج أسفرت عنها استمارة وزعتها سابقا عبر الشبكة العنكبوتية. وقد عرضت نتائج هذه الدراسة التي قالت إنها تضمنت مجموعة من الأسئلة سعت إلى اكتشاف مدى معرفة الناس بالمدونة ومدى تأثيرها على وضع النساء في المغرب، وموقفهم من تزويج القاصرات، حيث أشارت إلى أنه كان محل معارضة بلغت نسبة 75 في المائة من الأشخاص المستجوبين في المنطقة المشار إليها، كما قدمت رأي المحامين والقضاة والمستشارين من هذه الظواهر. وخلصت في نهاية هذه الدراسة إلى أن المدونة تبقى حبرا على ورق، وأن تعديلها أمر واجب وخصوصا منها المادة 475 التي تحتاج إلى مراجعة .
هذا وإن الندوة قد قدّمت في نهايتها التوصيات التالية:
– إلغاء المادة 20 من مدونة الأسرة وتوحيد المساطر في جميع المحاكم على الصعيد الوطني
– تجريم تزويج القاصرات وتوحيد المسطرة في جميع المحاكم
-تفعيل المساعدات الاجتماعية في محاكم الأسرة كآليات مساعدة للقاضي في ملفات الزواج
– وضع استراتيجية وطنية مندمجة لإشارك المرأة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية.
– توفير مشاريع مدرة للدخل للأسر الموجودة في وضعية اجتماعية صعبة
– القيام بحملات توعوية وتحسيسية على الصعيد الوطني من طرف وزارات العدل والتعليم والصحة والإعلام والثقافة والأوقاف والشؤون الإسلامية
– توفير الحماية والوقاية للأطفال وصيانة حقوقهم في التعليم والتكوين والتغطية الصحية
– تعزيز دور جمعيات المجتمع المدني لمحاربة تزويج الفتاة القاصر
– تدعيم وتشجيع الأبحاث الميدانية حول هذا الموضوع ونشرها تعميما للفائدة
– محاربة كل أنواع العنف ضد المرأة بتلاؤم مع المواثيق الدولية
– إيجاد سياسات عمومية لتحقيق المساواة بين الجنسين.

 نشر بتاريخ 16/05/2012

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق