مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام

تقرير عن ندوة العنف ضد المرأة المقاربات والمعالجات

مونية الطراز

 

 

 

بنزل أفريكا بتونس، نظمت جمعية “تونسيات” يوم الأربعاء 8 مارس 2017 ندوة تحت عنوان: “العنف ضد المرأة المقاربات والمعالجات“، شارك فيها عدد من الفعاليات السياسية والحقوقية وممثلين عن هيئات المجتمع المدني وثلة من أهل الفكر والقضاء.

وقد استهل هذا المحفل العلمي بكلمة رئيسة جمعية تونسيات الأستاذة هند البوزيري، التي رحبت بالحضور وبالمشاركين قبل أن تذكر بأهداف الندوة، وعلى رأسها مناصرة مشروع مبدأ سن قانون محاربة العنف ضد النساء، وقد اغتنمت هذه الفرصة لتقديم “قراءة جمعية تونسيات في مشروع هذا القانون“، وفي عرضها المفصّل ذكّرت الأستاذة البوزيري بالأنشطة العلمية والجهود التي بذلتها الجمعية في إطار التفاعل الإيجابي مع مسودة المشروع، وأشارت إلى المشاكل والثغرات التي تشوبه على مستوى الشكل وعلى مستوى المضمون، كما أشارت إلى التحديات المتعلقة بالاختلافات الحاصلة حول بعض المفاهيم والرؤى التي تضمنتها مسودة القانون، كما أكّدت على عدم كفاية المقاربة القانونية في المعالجة، وعابت أيضا على مشروع القانون غياب التنصيص على العنف السياسي كنوع من أنواع العنف الذي يطال المرأة. وفي الوقت الذي أقرّت فيه بقصور الاكتفاء بالمقاربة الشرعية في التصدي للظاهرة، دعت إلى تبني استراتيجية استباقية وتوعوية من أجل التعاون على التصدي لها، مشدّدة على ضرورة التكامل في المقاربة التشريعية، وتوفير سبل الحماية والوقاية والتأهيل.

وبعد هذه الكلمة السياقية والبيانية قدّمت رئيسة الجلسة عضو الهيئة المديرة لجمعية تونسيات الأستاذة هاجر التليلي شكرها لرئيسة جمعية “تونسيات”، وذكّرت بمجمل ما جاء في المداخلة، وناولت الكلمة بعد ذلك للأستاذة مونية الطراز الباحثة بمركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب، لتتحدث عن مساعي المغرب في محاربة العنف ضد المرأة، وكانت مداخلتها تحت عنوان “تجديد النظر الشرعي والقانوني في قضايا العنف ضد المرأة حصيلة الاجتهاد المغربي” وفي هذه المداخلة قدّمت الطراز جملة من الأرقام والمؤشرات ذات الصلة بظاهرة العنف بالمغرب، وجعلتها مدخلا للتذكير بحركية الاجتهاد الفقهي بالمغرب والذي كان له أثر كبير في رفع الضرر عن المرأة وتصحيح أوضاعها -كما قالت-، وبهذه المناسبة ذكرت باجتهادات علال الفاسي رحمه الله في منع التعدد وتقييده، واجتهاد سعد الدين العثماني في تقنين الإجهاض الناتج عن اغتصاب أو زنى المحارم، واجتهاد الدكتور الريسوني في إلحاق ابن الزنى بأبيه، واجتهاد مصطفى بن حمزة في قضية زواج القاصرات، وغيرها من الاجتهادات الفقهية التي انتصرت للمرأة وساهمت في رفع الضرر عنها، ومن خلال هذه البيانات أوضحت المتدخلة كيف تساهم الاجتهادات الفقهية في المغرب في تطويق ظاهرة العنف الواقع على المرأة، وعرّفت بالدراسة التي أنجزتها الرابطة المحمدية للعلماء لرفع اللبس حول بعض المفاهيم القرآنية والنبوية المتصلة بقضية العنف ضد المرأة، والتي أنجزتها الدكتورة فريدة زمرد. وعلى سبيل التكميل كشفت الباحثة مونية الطراز عن عدد من الجوانب الإيجابية والسلبية في مشروع قانون مكافحة العنف ضد المرأة الذي تقدمت به وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية بالمغرب، وخلصت إلى أن رؤية الإصلاح لا زالت تعتريها العديد من المعوقات رغم الإيجابيات الكبيرة التي حملتها لصالح المرأة. وفي ختام مداخلتها نبّهت على ما اعتبرته أهم منجز في التجربة المغربية المتعلقة بالحد من ظاهرة العنف ضد النساء، وهو ذلك المخاض الذي تفاعلت فيه الأفكار من الزاوية الفقهية والذي كان متفردا في أسلوبه وحكمته، وفي قدرته على الانفتاح والتجديد واستيعابه للواقع الاجتماعي الذي تعمل فيه، وكان رأيها أن النقاش حول العنف بالمغرب فُتح على وجوه جديدة، ودبّر -كما قالت- بطريقة إيجابية تبشّر بالمزيد من التقدّم في الموضوع.

وعقب مداخلة الأستاذة الطراز ناولت رئيسة الجلسة الكلمة للسيد مارك تسلر الأستاذ بجامعة العلوم السياسية ومركز الدراسات حول المرأة بمشكن الولايات المتحدة الأمريكية، فقدم تحليلات تتعلق بدراسة أجراها حول موضوع العنف ضد النساء تبيّن “تأثير مدى تدين الأشخاص على احترام ومناصرة حقوق المرأة وتقليص العنف ضدها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا” وهي دراسة استقاها من 88 ألف مشارك ومشاركة، وكلهم من عموم المواطنين المسلمين، الموزعين على 15 بلدا. وكما قال فإن استمارة البحث تضمنت 235 سؤالا تركزت حول النظام السياسي، وعلى المساواة في الفرص بين الجنسين، وعلى التصورات التي يحملها المواطنون العاديون حول دور الإسلام السياسي والاجتماعي، وقدّم بالمناسبة نموذجا من الأسئلة حول تعليم النساء، والمساواة بين الرجال والنساء في العمل، فبيّن من خلال ذلك كيف تساوت نسب الموافقين والرافضين للمساواة في المجالين. ومن خلال استمارة دقيقة لقياس مستوى التدين لدى الأشخاص المستجوبين، خلص الأستاذ مارك إلى أن المتدينين هم أقل قبولا بالمساواة، وأن المحافظين عموما أقل دعما لهذا المبدأ، بيد أن أولئك المفتقدين للثقة كانوا أكثر قبولا بالمساواة بين الجنسين. وفي ختام مداخلته قدّم الأستاذ مارك صورة عامة عن آراء الفئة المستجوبة حول وضعية النساء ومساواتهن، وكانت مفيدة في ربط موضوع العنف بأصوله في الوعي العام.

بعد ذلك تفضلت الدكتورة أم الخير عثماني أستاذة جامعية وناشطة بالمجتمع المدني بالجزائر بمداخلة تحدثت فيها عن “القوانين الجزائرية ضد ممارسي العنف ضد المرأة” فأكدت أن العنف ضدّ المرأة يشكل همّا مجتمعيا مقلقا بالجزائر يثار حوله الجدل على المستوى الشرعي والقانوني. وتوقّفت عند بعض التعديلات التي أجراها المشرع الجزائري حول بعض النصوص القانونية، كما أشارت إلى نصوص أخرى تم إلغاؤها بشكل نهائي في إطار الإصلاحات. ومما لاحظته المتدخلة، أنّ أغلب النصوص في القانون الجزائري تركز على العنف بين الزوجين وقليل منها يخصّ العنف خارج نطاق الأسرة؛ كحالة الطلاق مثلا، ولكنها ثمنت اهتمام المشرع بالجانب المعنوي والنفسي للأولاد والمرأة الحامل واهتمامه أيضا بالتّحرش الجنسي وهو من بين مظاهر العنف المسلط على النساء في المجتمع الجزائري.

 وخلصت الدكتورة العثماني إلى أن المشرع الجزائري يسعى جاهدا لمسايرة كلّ مستجد في الشارع وفي الأسرة الجزائرية وما يعتريها من تهديدات تعيق استقرارها، وبيّنت أن هناك حرصا على إجراء تعديلات من شأنها أن تحقق الاستقرار المادي والمعنوي للأسرة في إطار من الالتزام بما تنصّ عليه الشريعة الإسلامية وما يؤكده الدّستور الجزائري من مبادئ وما توافق عليه المجتمع من عادات وتقاليد وأعراف إيجابية.

في الجلسة الثانية لهذه الندوة، وتحت رئاسة الأستاذة منى بحر، الكاتبة العامة لجمعية تونسيات، استعرضت الدكتورة النفسية هالة ونيش، مديرة مركز الرعاية النفسية للنساء ضحايا العنف، معطيات حول العنف ضد المرأة بتونس من خلال رصد ل “ظاهرة العنف المسلط على المرأة في أبعادها المختلفة انطلاقا من تجربة مركز الرعاية النفسية للنساء ضحايا العنف بمدينة بن عروس” وفي معرض حديثها عن خطورة الظاهرة بشكل عام والمعطيات المتعلقة بالمدينة بشكل خاص أكّدت على أهمية الاستئناس بالتجارب الدولية لتبادل الخبرات في التعامل مع القضية، وأضافت  في توضيحاتها أن عبارة “النساء ضحايا العنف” إطلاق لا يسلم من غبش، على اعتبار أن العنف درجات متفاوتة الأثر والضرر، ومعالجته تحتاج إلى تخصصات مختلفة، وبهذا الصدد بيّنت أن مجال العنف الزوجي يختلف عن مجال العنف العام، ولكل موطن خصوصية تستدعي إجراءات عملية تختلف بحسب الحالات. ومما أشارت إليه أيضا من مداخل العلاج تغليب المقاربة المبنية على تمكين المرأة في الواقع الحياتي وتشجيعها أولا على التقدير الذاتي لنفسها، ثم العمل على تغيير الصورة النمطية التي ترسّخ دونيتها، ولم تنس المتدخلة التأكيد على أهمية البناء التربوي، حيث دعت إلى اجتناب التمييز في التربية بين الجنسين.

من ناحية أخرى تناولت الكلمة الدكتورة رشيدة النيفر أستاذة القانون الدستوري والرئيسة السابقة لجمعية الصحفيين التونسيين والعضو السابق بالهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري، وتحدثت عن “حرية الإعلام ومقاومة العنف الذي تتعرض له النساء” وكان أول ما مهّدت به كلمتها التأكيد على حسنات الحركية التي أصبحت تشهدها الساحة التونسية في محاربة ظاهرة العنف ضد المرأة، حيث اعتبرت أن هذا الوضع دليل عافية مجتمعية لما يشكله النقاش من أهمية في توجيه القوانين، وأكّدت بالمناسبة أن حاجة تونس لقوانين تفعل على الواقع، حتى وإن قَلّت موادها، أولى من قوانين يتم تقديسها دون أن يكون لها أثر على الناس. كما أن البعد الزجري -كما قالت- يحتاج إلى استحضار البعد الوقائي أيضا في مقاربة موضوع العنف بشكل عام.

وفي سياق الحديث عن صورة المرأة في الإعلام نبّهت الدكتورة النيفر إلى ضرورة القطع مع صورة المرأة الضحية، ولم تنس أن تشير إلى دور المرأة في فضح العنف المسلط عليها في وسائل الإعلام وفرض احترام إرادتها في الظهور أو عدم الظهور فيها. وشدّدت في الختام على دور الإعلام في الحد من ظاهرة العنف ضد المرأة وأهميته في القضاء على العنف بكل أشكاله، ودعت في المقابل إلى ضرورة الضرب على يد الإعلام الذي يكرّس الصورة النمطية للمرأة وعدم التردد في مقاضاته.

بعد مداخلة الدكتورة النيفر تناولت الكلمة الأستاذة فاتن السبعي، وهي قاضية ورئيسة فريق مركز الدراسات القانونية والقضائية، حيث استهلت حديثها بتقديم التعريف الدولي للعنف وعرض مفاهيم الموضوع الذي اختارت له عنوان: “المقاربة الحمائية والزجرية في مشروع القانون الأساسي” ومما أكّدت عليه في توضيحاتها أن العنف مشكل أكبر من ممارسة بينية، إذ هو مشكل تنمية بالنسبة للمرأة العاملة وغير العاملة، وعرضت لأشكاله المختلفة الجسدية والنفسية والجنسية والاقتصادية، وأكّدت أن القانون التونسي لم يولي اهتماما كبيرا بالعنف النفسي والاقتصادي بشكل خاص. وفي سياق تفصيلي أبرزت الأستاذة فاتن السبعي أن العنف بين الأزواج هو الأكثر انتشارا في تونس من غيره، وختمت مداخلتها بتقديم محاور مشروع قانون محاربة العنف ضد المرأة وما يتعلق به من تعريفات ومؤسسات ومساعي وقائية وحمائية ومن تتبعات وتعهدات، مشدّدة على ضرورة ترسيخ قيم المساواة وأهمية الحسم في تجريم التمييز في الأجر بين الجنسين. 

وكانت هذه المداخلة خاتمة محاور الندوة، فتحت الرئيسة بعدها مجال النقاش وتبادل الآراء حول الموضوع، وكان غاية في الحماسة والدّقة والتوجيه. 

في اليوم الموالي للندوة وبفندق المشتل واصلت جمعية تونسيات النقاش حول الموضوع من خلال يوم دراسي، أطّرته الدكتورة النفسانية هالة ونيش، وقد شهد هذا اليوم مشاركات وازنة لفروع الجمعية ولناشطات من جمعيات المجتمع المدني، وقد بسطت المؤطرة الحديث حول “المقاربة الاجتماعية لمناهضة العنف ضد المرأة: الإحاطة، الحماية، الصلح” وفق مقاربة اجتماعية ونفسية تطرقت فيها لسبل التدخل والحماية، وكذا سبل تأهيل المعنِّف، كما تناولت استراتيجيات الصلح والتي تختلف باختلاف الأشخاص والحالات والمرجعيات. وانتهى اليوم الدراسي بتقديم بعض الحلول الكفيلة بالحد من الظاهرة ومحاصرتها.

 

نشر بتاريخ: 28 / 03 / 2017

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق