مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام

تقرير عن محاضرة: “قضايا في تاريخ التفسير وتطوره”

مونية الطراز

في إطار البرنامج العلمي والثقافي الذي سطرته دار الحديث الحسنة موازاة مع برنامجها الأكاديمي، ألقت الدكتورة فريدة زمرد – الأستاذة بالدار ورئيسة تحرير جريدة الرؤية التابعة لمركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام- محاضرة علمية في موضوع: “قضايا في تاريخ التفسير وتطوره” قدّمت من خلالها مجموعة من النظرات للنقاش حول بعض قضايا التفسير.
في البداية تحدثت زمرد عن علمية التفسير وولجت من باب إشكالاته إلى الموضوع، وفي هذا الباب أكّدت المحاضِرة أن الحديث عن علم من العلوم لا يمكن أن يتم دون التأريخ له، وأن هذا التأريخ عموما يجب التمييز فيه بين مستوى التأريخ الأفقي للعلم والمستوى العمودي له، وقد أوضحت أن التأريخ العمودي يسعى إلى رصد تطور النظريات والمناهج وإلى بحث القضايا والإشكالات العلمية، وأن صعوبة هذا التأريخ ترجع إجمالا إلى سببين: الأول يتعلق بفقدان الدارس لتاريخ علم التفسير للمقومات المنهجية لهذا النوع من الدراسة، والسبب الثاني يتعلق بتشعب المسائل وكثرة القضايا وصعوبة رصد القضايا المتعلقة بهذا العلم المدروس.
وفي حديثها عن مستويات التأريخ العمودي لعلم التفسير أكّدت الدكتورة زمرد على ضرورة التمييز بين مستوى المنهج ومستوى المضمون، مبرزة أن المستوى الأول من هذا التأريخ هو مستوى تاريخ النظريات والمناهج التفسيرية الذي يسعى إلى رصد التطور الحاصل في مناهج التفسير وطرق تنزيل قواعده عبر العصور، والذي يفيد في رصد جهود العلماء في وضع أسس نظرية للتفسير وتطور هذه الجهود، وما يحتاج منها إلى التتميم أو الترميم أو الإضافة.
المستوى الثاني للتأريخ العمودي هو مستوى تاريخ القضايا والمفاهيم العلمية سواء منها ما ارتبط بشكل مباشر بمعاني الآيات ودلالاتها والأحكام المستنبطة منها، أو ما تعلق بالزيادات والملح والمناظرات والسجالات، فهذا المستوى حسب الدكتورة يفيد في رصد التطور الحاصل في هذه المسائل المذكورة وفي التفسير عموما، كما يعين على تتبع لحظات الإبداع والتجديد في تاريخ العلم، ولحظات الخمود والتقليد مع ربط ذلك بأسبابه.
أما عن معالم ما أسمته التأريخ الأفقي لعلم التفسير، فتتحدّد حسب الأستاذة الفاضلة ارتباطا بمحطات ثلاث كبرى: الأولى محطة التأسيس التي وضعت فيها أسس القول في التفسير، ومثلتها القرون الثلاثة الأولى، وهي مرحلة تؤرخ للتفاعل الأول مع النص تزامنا مع فترة نزوله كما أنها أساس ما تلاها من المراحل.
والثانية: محطة جمع المنقول عن السابقين وتوثيقه، وقد لبّت هذه المرحلة الحاجة إلى إخراج تفسير كامل مصنّف ومرتب يمكّن من فهم النص في مجموعه، وهنا ذكّرت زمرد أن العلماء لم يقفوا في هذه المحطة عند حدود الجمع فقط بل زادوا على ذلك بنظرهم وأقوالهم.
والثالثة: مرحلة الترسيم التي تم فيها تداول ما جمع، وأصبح المجموع مادة توظف في إنتاج تفاسير القرون اللاحقة، وبهذا الصدد أشارت الدكتورة زمرد أن أول ما يلاحظ على هذه المرحلة التخلي تدريجيا عن الإسناد منهجا لتوثيق الأقوال المنقولة عن السابقين، مع ظهور مسارات تفسيرية متنوعة بتنوع ثقافة المفسرين.
وفي حديثها عن مظاهر التطور الحاصل في التفسير ميّزت المحاضِرة بين مستويين: مستوى المادة التفسيرية والتي تضم ثلاثة مكونات: مكوّن لغوي ومكوّن نقلي أثري ومكوّن نظري- اجتهادي، فهذه المكونات بحسب المحاضِرة تتداخل في التفاسير، وتشكل مجتمعة صلب القول التفسيري. الأستاذة الكريمة وقفت عند هذه المسألة لرفع اللبس عن مستوى التداخل الحاصل، فبيّنت عبر خطاطة توضيحية مكونات المادة التفسيرية، وأوضحت أن البيان يشكل صلب هذه المادة، ثم يليه الحِكم والفوائد، والملح واللطائف ثم المعارف والتخصصات المذهبية والتي تشكل “مكملات المادة التفسيرية”.
أما عن المستوى الثاني للتطور الحاصل في التفسير فقالت الأستاذة إنه يتعلق بمستوى المنهج التفسيري، وبهذا الصدد اعتبرت أن مرحلة التأسيس لا يمكن أن تغيَّب في تتبع تاريخ بناء التصور النظري لهذا العلم، وأكّدت أن الجانب التقعيدي كان غير واضح وغير مكتمل، وأن النظر في العلوم المجاورة والمكملة لعلم التفسير وخاصة علم أصول الفقه ضروري من أجل تبيّن طبيعة المنهج التفسيري ودقائقه، ومن جانب آخر نبّهت الأستاذة إلى ما حصل من تطور في مناهج التفسير، وأكّدت أنه تطور يلزم أن يرصد بالأساس جانب الرؤية العلمية المؤطرة لمشروع المفسر، وجانب الأسس والمنطلقات العلمية والمذهبية الموجّهة لعمل المفسر، وجانب الأدوات والوسائل المعتمدة في التفسير.
هذا وقد أبانت غنى المناقشة عن غنى المحاضرة وتحقيقها للغاية المرجوة منها، و هي كما ذكرت المحاضِرة بداية تستتبع ما تستتبع من نظر ودرس.

 نشر بتاريخ 28/05/2012

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق