مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعين

تقرير عن النّدوة العلمية في موضوع: (مكانةُ الصَّحابة رضوان الله عليهم في الدرّس العقدي الأشعري)

انطلقتْ مساء يوم الخميس 23 يوليوز 2020م/3 من ذي الحجة الحرام 1441هـ، أشغال النّدوة العلمية الحوارية الافتراضية حول موضوع: (مكانة الصحابة رضوان الله عليهم في الدرّس العقدي الأشعري)، المنظّمة من طرف مركز عقبة بن نافع الفهري للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعين بطنجة بشراكة مع مركز الإمام أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية بتطوان، في إطار المؤسّسة الجامعة: الرابطة المحمدية للعلماء، وتأتي هذه الندوة العلمية المباركة في سياق تنوير العقول، وربط المشاعر بالقواعد العلمية التي أسّسها الرّاسخون من أهل العلم في مجال الاعتقاد تجاه خير الخلق بعد الأنبياء، وهم: الصحب الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم.

وقد أدار النّقاش –عبر العالم الافتراضي– الدكتور بدر العمراني رئيس مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصّحابة والتّابعين، مع المشاركيْن الفاضلين، الدكتور خالد زهري أستاذ بكلية أصول الدين بتطوان، والأستاذ محمد أمين السقّال، الباحث بمركز أبي الحسن الأشعري بتطوان.

افتتح اللّقاء بكلمة تأطيرية من طرف السيّد بدر العمراني رئيس مركز عقبة بن نافع، والتي أبان فيها عن القصد من اللقاء الذي هو إبراز جهود العلماء الأشاعرة في كتبهم في الذّبّ عن الصحابة الكرام، وبيان فضائلهم، ممثّلاً بالإمامين الجويني والباقلاّني،  مستشهداً بكلام للإمام الجويني (ت:478هـ) في كتابه: “الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد”، الذي أعد فصلاً حول الطعن في الصحابة يقول فيه: (وقد كثرت المطاعن على أئمة الصحابة وعظم افتراء الرافضة وتخرصهم. والذي يجب على المعتقد أن يلتزمه، أن يعلم أنَّ جِلة الصحابة كانوا من الرسول صلى الله عليه وسلم بالمحلّ المغبوط، والمكان المحُوط، وما منهم إلاَّ وهو منه ملحوظ محفوظ. وقد شهدت نصوص الكتاب على عدالتهم، والرضا عن جملتهم، بالبيعة بيعة الرضوان، نص القرآن على حسن الثناء على المهاجرين والأنصار، فحقيق على المتديّن أن يستصحب لهم ما كانوا عليه في دهر الرسول صلى الله عليه وسلم).

ثمّ بدأ اللقاء بحوار الأستاذ محمد أمين السّقّال، الذي تطرّق  لمفهوم الصحبة والصّحابة انطلاقاً من الدلالة اللغوية التي تفيد الملازمة والمصاحبة، ليعرّف بذلك مفهوم الصحبة والصحابي في اصطلاح المحدثين، ذاكراً الفرق بين عدة تعريفات، ومناقشاً في الآن نفسه بعض القيود التي أدخلت في التعريف مثل: الملازمة-اللقيا الخ.

وفي السياق ذاته، أفاد الباحث –السّقّال- أنّ السَّادة الأشاعرة لا يختلفون في هذا التعريف بأمر معيّن، وإنّما رأيهم في ذلك رأي جمهور المحدثين، وما استقرّوا عليه في تعريفهم المشهور للصحابي.

ثمّ أفاض الكلام في باب الصّحبة انطلاقاً من سؤال مدير اللقاء، الدكتور بدر العمراني رئيس المركز، الذي سأل الضيف عن فهم السّادة الأشاعرة لفضل الصحبة والأدلّة التي استقرّوا عليها.

وفي هذا الصّدد أجاب الباحث المحاضر بأن السّادة الأشاعرة كغيرهم من أهل السنّة، يحتكمون إلى المنقول والمعقول في التفاضل بينهم، وانطلاقاً من قول الله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100]. وغيرها من الآيات في المعنى، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُ أُمَّتي قَرْني، ثمَّ الذين يَلُونهم، ثمَّ الذين يلونهم..). وذكر أنّ هناك أحاديث كثيرة في تفضيل صحابة بأعيانهم، كأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والعشرة المبشرين بالجنة الخ، وقد ألّف العلماء تآليف كثيرة في تفضيل الصّحابة وبيان منزلة كلّ واحد منهم.

وبعد هذه الجولة المهمة في بيان الصحبة وفضل الصحابة ومكانتهم عند السادة الأشاعرة، أُعطيت الكلمة للدكتور خالد زهري الأستاذ الباحث بكلية أصول الدين، الذي أدلى بدلوه في هذا الموضوع، متمّماً ما بدأه المتدخّل قبل، وذلك من خلال مقدمات مهمة جعلها مدخلاً للموضوع، ومن أبرز هذه المداخل، مدخل فضل الصحابة في كتب أصول الدّين، ذاكراً أنّها تأتي مباشرة بعد مبحث الإمامة، وأنها ألحقت بمباحث العقيدة، وليست من صميمها، مبرزاً الفرق بين رأي السّادة الأشاعرة وبين رأي بعض الطوائف الذين جعلوا مبحث الصحابة من صميم مباحث أصول الدين، فأدى بهم الأمر إلى القول بالعصمة.

ثم تحدّث في مدخل آخر ناقش فيه تعريف الصحابي والاختلاف الوارد بين العلماء فيه، كما تحدّث في مدخل آخر عن عدالة الصحابة، وأفاض الحديث فيه، مبرزاً الفرق بين حكمين في هذا السياق، وهما: الحكم الجُمْلِي، والحكم التفصيلي.

 كما تحدّث عن العدالة والعصمة، وذكر أنّ بينهما فرقاً واضحاً، وأنّ الصحابة عدول لأنهم حملة الشريعة الغراء، وإن أخطؤوا فيما يرجع لآرائهم الشخصية، أو نظراتهم السياسية الخ، إذ لو قلنا بعدالتهم في جميع أحوالهم وتصرّفاتهم، لأدّى بنا الأمر إلى القول بعصمتهم، وهو أمر لا يجوز في حقهم. ومن هنا وقع بعض الفرق في عصمة آل البيت…

وذكر المحاضر السيد خالد زهري أيضاً العموم والخصوص الواقع بين العدالة والعصمة، وأنّ السّادة الأشاعرة يقولون كغيرهم بالتفاضل بين الصحابة، ولذلك خصصوا آخر كلام في كتبهم للحديث عن الإمامة مع بيان فضل الصحابة..

وفي السياق نفسه، انتقلت الكلمة إلى السيّد الباحث محمد أمين السّقّال الذي استكمل ما بقي في هذا المحور، ذاكراً حظّ الخلفاء الراشدين في النظر الأشعري، وأنّ هناك تفاضلاً عند الأشاعرة بين الخلفاء الراشدين، وترتيبهم يقع عندهم انطلاقاً من منزلتهم في الخلافة والسبق إلى الإسلام، فأفضل الصحابة عندهم: أبو بكر، ثم عمر، ثمّ عثمان، ثمّ علي.

ثمّ أضاف أيضاً بياناً شافياً يتعلّق برأي: (السّكوت عمّا شجر بين الصحابة)، ذاكراً أنّ هذا هو المنهج الأسلم لتسييج الصحابة بسياج التعظيم والتبجيل، وأنّ فتح الباب على مصراعيه للخوض فيما شجر بينهم يؤدّي إلى الطعن فيهم، لاسيما ممن ليسوا على مستوى كبير من الوعي والمعرفة الدينية الصميمة. وأنّ هذا الرأي يفرّق فيه بين إمساك مطلق يشمل عوام والناس، وبين إمساك مقيّد يخص المثقّفين وعموم المهتمّين ممن لهم القدرة على المناقشة والتحليل الخ.

وبعد هذه الكلمة المفصّلة أسند الحديث للأستاذ الدكتور خالد زهري الذي تحدّث في محور أمهات المؤمنين عن فضل السيّدة عائشة رضي الله عنها، وأنّ موقف السادة الأشاعرة من أمهات المؤمنين، موقف تعظيم وتبجيل، وأنّ ما دار بين السيدة عائشة رضي الله عنها يمكن أن يجعل على نوعين:

  • الكلام عليها باعتبارها تعبّر عن آراء ومواقف شخصية خاصة بها.
  • والكلام عنها في سياق حديث الإفك الذي برأها الله منه بنصّ القرآن.

وأنّ حاشا أمهات المؤمنين يقعن فيما فهمه بعض الطوائف، لأنهن مقترنات بسيّد الخلق صلى الله عليه وسلم، وحاشاه صلى الله عليه سلم أن يقرّ على خطأ منهن، والخوض فيهن هو مظنّة الخوض في النبي صلى الله عليه وسلم، ولذا فالأشاعرة يترضّون على أمهات المؤمنين جميعهن، وأنّ مذهبهم في ذلك مذهب سائر أهل السّنّة والجماعة.

وبعد هذا النقاش المهم أعطيت الكلمة بواسطة المحاوِر الدكتور بدر العمراني، الذي استوضح عن قول الأشاعرة في آل البيت، انطلاقاً من الحديث النبوي الشريف: (…أذكركم الله في أهل بيتي)، ومن هنا فرّق المحاضر الكريم بين رأي النواصب والروافض في آل البيت، الذيْن يمثلان طرفي نقيض، وأنّ المنهج الأسلم، هو ما قال به الأشاعرة وغيرهم من أهل السنة، من وجوب توقيهم واحترامهم، وأنّ كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ينزّل منزلة الوصية لأمته بآل بيته.

وفي آخر الندوة تمّ التّطرّق إلى مكتبة الصّحابة، للحديث عن المقارنة التي جعلها بعض الباحثين بين الإمام الباقلاني وابن المطهِّر الحلّي، صاحب كتاب: (الأَلْفَيْن، الفارق بين الصّدق والمَيْن)، وهنا تدخّل الأستاذ الدكتور خالد زهري بحكم تمكنه من علم المكتبات، واطلاعه على كتب التراث، الذي استغرب هذه المقارنة، وصرّح بأنّها لا تصح، وأنّ ابن المطهّر لا يعدو أن يكون جامعاً لما قاله من سبق من أهل نحلته، وأنّه لم يأت بجديد، بخلاف الإمام الباقلاني، إمام المتكلمين، الذي ما هزم قطّ في مناظرة عقدها مع مختلف المذاهب والملل والنّحل، بشهادة أهل السنّة وغيرهم.

وختمت الندوة بكلمة لرئيس مركز عقبة بن نافع، ألمع فيها إلى أصل مهمّ ينبغي الاعتصام به في مجال التطرّق إلى الطّعون الموجّهة للصحابة، وهو ما صاغه إمام الحرمين الجويني في الإرشاد قائلاً: (فإن نُقلت هناة فليتدبّر النّقل وطريقه، فإن ضعف ردّه، وإن ظهر وكان آحاداً، لم يقدح فيما عُلم تواتراً منه، وشهدت له النّصوص. ثمّ ينبغي أن لا يألو جهداً  في حمل كلّ ما ينقل على وجه الخبر، ولا يكاد ذو دين بعدم ذلك. فهذا هو الأصل المغني عن التفصيل والتّطويل).

ثمّ توجّه بالشكر للضيفين المشاركَيْن، ومركز أبي الحسن الأشعري في شخص رئيسه والعاملين به، وكذا جمهور المتتبعين من الطلبة والباحثين، على أمل أن تنعقد ندوات أخرى قريباً بحول الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق